سبعة يظلّهم الله
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1432/07/24 - 2011/06/26 08:46AM
[font="] سبعة يظلّهم الله [/font]
[font="] [/font]
[font="] الخطبة الأولى:[/font]
[font="] [/font]
[font="] الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و كفى بالله شهيدا. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله. اللهم صلّ و سلّم و بارك عليه و على آله و صحبه حقّ قدره و مقداره العظيم.. أمّ بعد:[/font]
[font="]سبعة يظلّهم اللهُ تعالى ، هذا هو عنوان خطبتنا اليوم.. اليوم لنا موعد مع السبعة المتميّزة التي ذكرها النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله: " سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: الإمام العادل، و شاب نشأ بعبادة الله، و رجل قلبه معلّق في المساجد، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه، و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال: إنّي أخاف الله، و رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ".. و لكي نعلم أهميّة هذه الخطبة، و إلى أي درجة نحن بحاجة أن نكون هذه الشخصيات السبعة، لنكون في ظلّه سبحانه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. كان لا بدّ لنا من قفزة مكانية و زمانية هائلة إلى ذلك اليوم العصيب لنلقي ومضات سريعة على أصعب يوم يمرّ على أي إنسان في حياته.. يوم القيامة.. يوم يخرج الناس من قبورهم و يُحشرون إلى أرض المحشر، يقول تبارك و تعالى: " يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهّار ". و قال المصطفى صلى الله عليه و سلم: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا "، فقالت السيّدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله الرجال و النساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال عليه الصلاة و السلام: " الأمر أشدّ من أن يهمّهم ذلك ".. و كيف لا وهو اليوم الذي يقول عنه تبارك و تعالى: " يا أيّها النّاسُ اتّقوا ربَّكُم إنّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها و ترى النَّاسَ سُكارى و ما هُمْ بِسُكارى و لَكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديدٌ ". نعم يحشر الله تعالى الخلق جميعا بما فيهم الملائكة، البشر و الجنّ و الشياطين و الحيوانات، كُلُّهُم موقوف بين يدي الله تقدّس اسمه في ذلك اليوم الرّهيب.. يقول تعالى: " يوم تكون السّماء كالمهل و تكون الجبال كالعهن و لا يسأل حميم حميمه يُبصَّرونَهم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعا ثمّ ينجيه ".[/font]
[font="]أحبّتي في الله، [/font][font="]يقوم الخلق في هذا الموقف العسير، قياما طويلا.. طويلا.. مقداره خمسون ألف سنة، يعانون من لهيب الشمس التي اقتربت من الرّؤوس، حيث يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم: " إذا كان يوم القيامة أُدْنِيَتِ الشّمْسُ من العباد حتّى تكون قيد ميل أو ميلين فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عقبيه، و منهم من يأخذه إلى حقويه و منهم من يُلْجِمَهُ إلجاما ". نعوذ بالله من هكذا موقف، بل و لكثرة العرق يومئذ يقول صلى الله عليه و سلم: " إنّه من كثرة العرق حتّى السفن إذا أُجريت فيه جرت "، و عندها يشتدّ الكرب على كثير من النّاس حتى يتمنّى بعضهم أن يحشر إلى النار و لا يقف هذا الموقف.. يقول عليه الصلاة و السلام: " إنّ الكافر لا يحاسب يوم القيامة حتّى يلجمه العرق، حتّى أنّه يقول: أرحني و لو إلى النار "، نعم إنّه موقف عصيب، لقد قربت الشمس و كانت قدر ميل، و زِيدَ في حرّها، و بوعِث في وهجها، حتّى أنّ الهوام تغلي منها كما تغلي القُدُور، يعرقون في هذه الشمس على قدر خطاياهم، تخيّلوا فضاعة الموقف، الناس في العرق الذي يغلي من حرارة الشمس و لهيبها، و منهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، و منهم من يبلغ إلى ساقيه، و منهم من يبلغ إلى وسطه، و منهم من يلجمه العرق فيسدّ فمه.. و يزيد صعوبة الموقف حرّ الأنفاس لتزاحم الناس و تدافُعِهم و اختلاطهم..[/font]
[font="]قال بكر العابد يوما لسفيان بن عيينة: يا أبا محمّد، أبلغك أنّ الناس يزدحمون يوم القيامة ؟ فقال: نعم، الأقدام يوم القيامة هكذا [/font][font="]!![/font][font="] و وضع يده فوق الأخرى.. بل و يزيد الموقف الرّهيب غمًّا فوق الغمّ، و كربًا فوق الكرب، بإتيان جهنّم ليزداد الحرّ حرّا و العياذ بالله، يقول تعالى: " و جيءَ يومئذٍ بجهنَّمَ يومئذٍ يتذكّرُ الإنسانُ و أَنّى له الذكرى * يقول يا ليتني قَدَّمْتُ لحياتي * فيومئذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * و لا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ". يقول صلى الله عليه و سلم: " يؤتى بجهنّم يومئذ لها سبعون زمام مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يجرّونها، فإذا ما رأت الخلائق زفرت و زمجرت غضبا لغضب الله "، فحينئذ تجث جميع الأمم على الركب.. يقول تعالى: " و ترى كلَّ أمةٍ جاثيةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها اليومَ تُجِزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ ". و في هذه اللّحظة تطير قلوبُ المؤمنين شوقا إلى الحنّة و نعيمها، و تطير قلوب المجرمين فزعا و هلعا و هربا من نار جهنّم، و يعضّ كثير من الناس على أنامله تحسّرا على ما قدّم في هذه الحياة الدّنيا..[/font]
[font="]و وسط كل هذه المعاناة وقفت صفوة من الناس في أمان، في راحة، في طمأنينة، هم السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.. صدق فيهم قول الحقّ سبحانه: " و هم من فزع يومئذ آمنون "، يكون ذلك اليوم على هذه الفئة مثل ما بين الظهر و العصر، مثل وقت وجبة الغذاء، ينتظرون الكرامة من الله، لا يصيبهم لهب الشمس، و لهم طعام و شرابٌ، كما بيّن النبيّ صلوات ربّي و سلامه عليه: " فطعامهم الثّور و الحوت "، ثوِرٌ يرعى في أطراف الجنّة، يُنْحر لهم و يأكلون في ذلك الموقف الحوت، و يوزّع عليهم زيادَةً كبد الحوت، ألذّ شيء في الكبد.. و شرابهم من حوض النبيّ صلى الله عليه و سلم الذي يصبّ فيه نهر الكوثر.. يا لروعة هذا الموقف بالنّسبة لهؤلاء السّبْعة، لا ظمأ، و لا جوع، و لا حرّ، و لا خوف.. و بقية الناس يا ويلهم من العذاب فزعون، و في اللّهيب ينصهرون..[/font]
[font="]أَيُّها المؤمنون: حقّا هكذا يوم لحريٌّ بكلّ إنسان عاقل أن يحرص فيه على الظلال، فيتعب نفسه في الدّنيا، ليحظى بها في الآخرة، فالجهد هنا، و الرّاحة هناك.. في هذه الحياة الدّنيا الفانية القصيرة، يبذل الناس قصارى جهدهم أن يبتعدوا عن الحرّ و لهيب الشمس، فنجد الاهتمام بمكيّفات التبريد في كلّ مكان، في البيت، في السيارة، في مقرّ العمل، في الأسواق، حتّى السيارات نسعى أن نجد لها مكان في الظلّ، بجانب الدّار، أو تحت شجرة، المهمّ أن نحميها من حرارة الشمس.. بل و نجد البعض ينفقون أموالا طائلة ليسافروا هربا من حرّ بلادهم طلبا للرّاحة و الاستجمام.. القضيّة أنّ الجميع مقصدهم واحد، هو الهروب من حرارة الشمس الملتهبة..[/font]
[font="]إذا كان هذا سعينا و حرصنا على الظلّ في دنيا فانية و شمس محتملة، أليس من باب أولى أن يكون عندنا هذا الحرص و أكثر لنحظى بالظلّ و نحمي أنفسنا من حرّ و لهيب يوم القيامة، و نكون من السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه..[/font]
[font="]أيّها الناس: من ينظر للحديث عن السبعة للوهلة الأولى، يستغرب، معقول نخصّص خطبة كاملة عن هكذا موضوع، و الحقيقة ما أن نبدأ في التعمّق في كل شخصيّة، و صفاتها، و حيثيات وضعها، و موقفها، و الأسباب التي أعانتها لتحقّق ما حققته، و العوائق التي واجهتها في سبيل تحقيق كونها، تلك الشخصية العظيمة: شاب نشأ في طاعة الله، أو ذلك الإمام العادل، أو من دعته امرأة فعفّ، أو ذلك المتصدّق الحريص على إخفاء صدقته و غيرها.. سنكتشف أنّه بالكاد تكفينا هذه الخطبةلنتناول هذه الشخصيات المباركة.. كما ترون فإنّ مادّة هذه الخطبة متنوّعة، بين الطّاعات و المعاصي، و الشهوات، و الصلة بين العباد و ربّ العباد، و بين العباد و العباد..[/font]
[font="]الحبيب صلى الله عليه و سلم يحدّثنا عن هذه النخبة من العباد، سبعة يظلّهم الله في عرضٍ جميل، و بيان قويّ أخّاذ، يحرّك نفوس أهل الإيمان، و يبثّ فيهم روح الجدّ و الإخلاص و العمل الصالح فيسيرون على النهج الصحيح، و الطريق المستقيم ليكونوا منهم بإذن الله تعالى، وهو صلى الله عليه و سلم يدعو من تولّى أمرا من أمور المسلمين، سواءً كان أمرا عامّا أم خاصًّا، صغيرا أم كبيرا، أن يراعي العدل و يتجنّب الظّلم، فالعدل صفة من صفات الله عزّ و جلّ، و بالعدل قامت السماوات و الأرض، و العدل شريعة الله، و الله يمقت الظّلم و قد حرّمه على نفسه، و نهى عباده أن يظّالموا، و لتكن البداية مع شخصية إمام عادل، مع العدل في زمن انتشر فيه الظّلم، و التعدّي على الحقوق، يقول الحقّ تبارك و تعالى: " يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامينَ لله شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى و اتّقوا الله إنّ الله خبيرٌ بما تعملون ". و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما وُلُّوا ".. [/font]
[font="]و العدل واجب أيّها الناس حتّى في معاملة الإنسان نفسه، لقول النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إنّ لنفسك عليك حقّ، و لربِّك عليك حقّ، و لأهلك عليك حقّ، و لزوّارك عليك حقّ، فأعط كلّ ذي حقٍّ حقَّه ". و من عاش ليقيم العدل فيمن حوله، سَعُدت به رعيّته و سَعِد هُوَ بها.. كلّ منّا يستطيع أن يكون هو الإمام العادل، لأنّ كلّ منّا قد أولاه الله مسؤولية أو أكثر في هذه الحياة..[/font][font="] [/font][font="][/font]
[font="]و مع الشخصية الثانية من هؤلاء السبعة، يبيّن صلى الله عليه و سلم للشباب، ذكورا و إناثا كيف يجب أن يكون منذ بداية حياته، ذلك الشاب الناشئ في طاعة الله، المقبل على الله، من ترك المعاصي و هجر الذنوب لوجه الله تعالى، ترك الشهوات و أضمأ نفسه منها في الدّنيا ليكون بمنجاة من الحَرُور الذي تغلي منه رؤوس الخلائق، سنخصّص بإذن الله تعالى خطبة كاملة مع شاب نشأ في طاعة الله، في زمن أدرك فيه أعداء الأمّة أهمية الشباب المسلم بحقّ أمّته.. فبهم تقوم الأمّة، فحاولوا أن يقتلعوهم من جذورهم ليضعفوا انتمائهم لدينهم، و يسلخوهم عن هويّتهم، يُشِغِلُوهُمْ بأسلوب مُغْرٍ بالعديد من الأمور التافهة عن هدفهم الأساسي في الحياة..[/font]
[font="]أمّا الخصلة الثالثة التي اَنْقَضَتْ هؤلاء من الحرّ الشديد يوم القيامة، و نقلتهم إلى ظل الله الكريم، هي تعلّق القلب في المساجد، فقد أحب واحدهم كلّ ما في المسجد، من صلاة و قرآن و حلقات الدّرس و اللّقاء بالإخوان في الله، و معنى أن يكون قلب المؤمن أو المؤمنة معلّق في المساجد، يدلّ على قوّة صلتهم بالله تعالى، و كذلك لا ننسى الرجل المؤمن المعلّق قلبه في المساجد، فهو من رواد بيت الله، الصلاة تلو الصلاة، فلا يكاد يخرج منه، فتطوق نفسه للعودة إليه.. المتردّد على المسجد، بعيد عن رؤية المنكرات، قريب من الله تعالى، فيصبو قلبه و تنجلي همومه و أكداره، يعيش في روضة من رياض الجنّة.. [/font]
[font="]و بذلك تُكفّر سيّئاته و تكثر حسناته.. نتحدّث عن من تعلّق قلبه بالمساجد في زمن تعلّقت كثير من القلوب بالشهوات و الفتن و الفضائيات.. [/font]
[font="]أقول ما سمعتم و أستغفر الله لي و لكم.[/font]
[font="] [/font]
[font="] الثانية: [/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على نبيّه الذي اصطفى و على آله و صحبه و من اهتدى. أمّا بعد:[/font]
[font="]الخصلة الرّابعة، رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه و تفرّقا عليه.. ففيها دعوة كريمة للحبّ في الله، ابتغاء وجهه سبحانه، لا لغرض دنيوي و لا لكسب مادّي أو مصلحة ما، إنّما لدافع حقيقيّ هو المحبة الخالصة في الله تعالى، فإنّ رابطة الحبّ في الله هي أغلى رابطة، يقول النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إنّ الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي "، الحبّ في الله هو روح الإيمان الحيّ و لُباب المشاعر الرقيقة التي يكنّها المسلم لإخوانه جميعا حتّى إنّه ليحيا بهم و يحيا لهم.. سنعيش إن شاء الله مع الحبّ في الله، و الأخوّة في الله، و الوحدة في الله التي لابدّ أن تجمعنا.. فإلهنا واحد، و شرعنا واحد، و كتابنا واحد، و هدفنا واحد و قبلتنا واحدة.. و مع ذلك ممّا يدمي القلب و يكوي الفؤاد في هذا الزمان أن ننظر حولنا فترى الاختلافات و التناحر و الانقسام..[/font]
[font="]أمّا خامس هؤلاء السبعة، فرجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال: إنّي أخاف الله، و أنّ هذه الخصلة إخواني الكرام أخواتي الفضليات، تُظهر أسمى ما تصوّرته البشرية من طُهْرٍ و نقاءٍ، إنّها طهارة الوجدان، و صفاء الإيمان الذي يعصم صاحبه من الانزلاق في الرّذيلة، فالمتوقّع في هذا العرض المغري أن يُقْبِلَ عليه، لكنّه يمتنع خوفا من الله، و لسان حاله يقول: معاذ الله.. كما قاله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز.. نعيش مع العفّة و أهلها، نساءً و رجالا، في زمنٍ قلّت فيه العفّة، زمن الفتن و الشهوات، زمن التعرّي الفاضح بحصانة معلنة نتنة مشوّهة..[/font]
[font="]أمّا الشخصية السّادسة، فهي كلّ مؤمن يتصدّق بصدقة يخفيها و لا يعلنها، يسترها و لا يكشفها، إنّه لا يريد بصدقته ثناء الناس، و أن يعرف الناس عنه، أنّه رجل البرّ و الإحسان و الإنفاق في سبيل الله.. و إنّما هو قصده و دافعه هو رضوان الله تعالى، و يحرص على السرّ و الكتمان ليستر أخاه المؤمن و يحفظ له كرامته.. فالصدقات و العطاء دليل الكرم و سماحة النفس، و الله يحبّ من عباده الكرماء، و يبغض البخلاء الأشّحاء، و قد ورد في الأثر: أنّ الله تعالى خلق جنّة عدن بيده و دلّ فيها ثمارها، و شقّ فيها أنهارها، ثم قال لها: " تكلّمي "، فقالت: قد أفلح المؤمنون. فقال: " و عزّتي لا يجاورني فيك بخيل ".. سنتحدّث إن كان في العمر بقيّة عن الإنفاق في زمن شحّت و بخلت فيه كثير من النّفوس، أبواب الصدقات الكثيرة مفتوحة، و قلّة قليلة من يقبلون عليها.[/font]
[font="]ثمّ يختم النبيّ صلى الله عليه و سلم حديثه ببيان فضل البكاء من خشية الله سبحانه، فيذكر رجلا صادقا، امتلأ قلبه بعظمة الله، ففاضت عيناه بالدّموع خوفا من الله و هيبة له سبحانه.. قال صلى الله عليه و سلم: " عينان لا تمَسَّهُما النار، عين بكت من خشية الله، و عين باتت تحرس في سبيل الله "، و ما أحوجنا أن تبكي أعيننا من خشية الله في زمن غفل فيه كثيرون عن ذكر الله..[/font]
[font="]عباد الله: هؤلاء السبعة هم بشر فيهم صفات البشر و نوازعهم، لكنّهم انتصروا على دواعي الهوى و نَهُوا النّفس عن هواها و آثروا رضوان الله فاستحقّوا ما أكرمهم الله به من الظلّ بإيمان إخلاصهم و صبرهم و مشقّتهم.. و لابدّ أن نعلم أنّ هذه الخصال السبعة ليست موقفا واحدا في الحياة و انتهى، بل هي حالٌ دائمٌ مستمرٌّ عند صاحب كلّ شخصية طيلة حياته.. و لابدّ أن نعلم أيضا أنْ يُمكن أن تتوفّر أكثر من خصلة في كلّ منّا حتّى يمكن أن يكون الشخص الواحد: هؤلاء السبعة معا.. و قد كان هذا حال كثير من المؤمنين..[/font]
[font="]عباد الله: لا تؤجّلوا التوبة و لا تؤخّروا العودة إلى الله تبارك و تعالى، تفقّهوا في الدّين و اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، و حذار من التسويف وتوجّهوا إلى ربّكم في هذا اليوم الأغرّ و استفتحوا الدعاء بعطر الصلاة على أفضل من بدا و حضر، سيدنا محمد حبيب القلب و نور البصر.. اللهم صل و سلم على محمد و على آله و أزواجه و ذرّيته، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.. اللهم إليك خرجنا، و بفنائك أنخنا، و إياك أمّلنا، و ما عندك طلبنا، و لإحسانك تعرّضنا، و لرحمتك رجونا، و من عذابك أشفقنا.. يا من يملك حوائج السائلين، و يعلم ضمائر الصامتين، يا من ليس معه رب يدعى و لا إله يرجى ولا فوقه خالق يخشى و لا وزير يؤتى و لا حاجب يرشى يا من يزداد عن السؤال إلاّ كرما و جودا، يا من ضجت بين يديه الأصوات، يسألونك الحاجات، ملحين في الدعوات، حاجتنا إليك يا رب، مغفرتك و رضا منك علينا، لا سخط بعده، و هدى لا ضلال بعده، و علم لا جهل بعده، و حسن الخاتمة و العتق من النار، و الفوز بالجنة.. اللهم إننا وقفنا بين يديك في هذا البيت الشريف، رجاء لما عندك، فلا تجعلنا اليوم أخيب عبادك، فأكرمنا بالجنة و مُنَّ علينا بالمغفرة و العافية، و أجرنا من النار، و أدرأ عنا شرّ خلقك..انقطع الرجاء إلاّ منك، و أغلقت الأبواب إلاّ بابك، فلا تكلنا إلى أحد سواك في أمور ديننا و دنيانا طرفة عين و انقلنا من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، يا أرحم الراحمين.. يا رب العالمين.. نسألك أن ترزقنا علما نافعا و رزقا واسعا و قلبا خاشعا و لسانا ذاكرا و عملا زكيّا و إيمانا خالصا، و هب لنا إنابة المخلصين و خشوع المخبتين، و أعمال الصالحين، و يقين الصادقين، و سعادة المتقين، و درجات الفائزين..[/font][font="] [/font][font="]اللهم إنا نسألك بكل مسلم ركع و سجد و هلّل و كبّر، أن تدمّر اليهود المجرمين حفدة القردة و الخنازير.. اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم و أدر عليهم دائرة السوء، و انزل عليهم بأسك الذي لا يردّ.. اللهم زلزل تحصيناتهم و اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم شتت شملهم، و فرّق كلمتهم، و اقض على ساستهم.. اللهم أحفظ بلادنا و اصلح أولادنا، و اشف مرضانا و عاف مبتلانا، و ارحم موتانا، و خذ بأيدينا إلى كل خير و لا تسلب نعمتك علينا يا أرحم الراحمين .. اللهم اجعل هذا البلد آمنا على حاضره مطمئنا على مستقبله و سائر بلاد المسلمين بفضلك و منّك يا أرحم الراحمين.. آمين و صل و سلم على سيد الأولين و الآخرين و آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="]عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون..[/font]
[font="][/font]
[font="] الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب
[/font]
[font="] جامع الطيران بتونس
[/font]
[font="] [/font]
[font="] الخطبة الأولى:[/font]
[font="] [/font]
[font="] الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و كفى بالله شهيدا. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله. اللهم صلّ و سلّم و بارك عليه و على آله و صحبه حقّ قدره و مقداره العظيم.. أمّ بعد:[/font]
[font="]سبعة يظلّهم اللهُ تعالى ، هذا هو عنوان خطبتنا اليوم.. اليوم لنا موعد مع السبعة المتميّزة التي ذكرها النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله: " سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: الإمام العادل، و شاب نشأ بعبادة الله، و رجل قلبه معلّق في المساجد، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه، و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال: إنّي أخاف الله، و رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ".. و لكي نعلم أهميّة هذه الخطبة، و إلى أي درجة نحن بحاجة أن نكون هذه الشخصيات السبعة، لنكون في ظلّه سبحانه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. كان لا بدّ لنا من قفزة مكانية و زمانية هائلة إلى ذلك اليوم العصيب لنلقي ومضات سريعة على أصعب يوم يمرّ على أي إنسان في حياته.. يوم القيامة.. يوم يخرج الناس من قبورهم و يُحشرون إلى أرض المحشر، يقول تبارك و تعالى: " يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهّار ". و قال المصطفى صلى الله عليه و سلم: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا "، فقالت السيّدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله الرجال و النساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال عليه الصلاة و السلام: " الأمر أشدّ من أن يهمّهم ذلك ".. و كيف لا وهو اليوم الذي يقول عنه تبارك و تعالى: " يا أيّها النّاسُ اتّقوا ربَّكُم إنّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها و ترى النَّاسَ سُكارى و ما هُمْ بِسُكارى و لَكِنَّ عَذابَ اللهِ شَديدٌ ". نعم يحشر الله تعالى الخلق جميعا بما فيهم الملائكة، البشر و الجنّ و الشياطين و الحيوانات، كُلُّهُم موقوف بين يدي الله تقدّس اسمه في ذلك اليوم الرّهيب.. يقول تعالى: " يوم تكون السّماء كالمهل و تكون الجبال كالعهن و لا يسأل حميم حميمه يُبصَّرونَهم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعا ثمّ ينجيه ".[/font]
[font="]أحبّتي في الله، [/font][font="]يقوم الخلق في هذا الموقف العسير، قياما طويلا.. طويلا.. مقداره خمسون ألف سنة، يعانون من لهيب الشمس التي اقتربت من الرّؤوس، حيث يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم: " إذا كان يوم القيامة أُدْنِيَتِ الشّمْسُ من العباد حتّى تكون قيد ميل أو ميلين فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عقبيه، و منهم من يأخذه إلى حقويه و منهم من يُلْجِمَهُ إلجاما ". نعوذ بالله من هكذا موقف، بل و لكثرة العرق يومئذ يقول صلى الله عليه و سلم: " إنّه من كثرة العرق حتّى السفن إذا أُجريت فيه جرت "، و عندها يشتدّ الكرب على كثير من النّاس حتى يتمنّى بعضهم أن يحشر إلى النار و لا يقف هذا الموقف.. يقول عليه الصلاة و السلام: " إنّ الكافر لا يحاسب يوم القيامة حتّى يلجمه العرق، حتّى أنّه يقول: أرحني و لو إلى النار "، نعم إنّه موقف عصيب، لقد قربت الشمس و كانت قدر ميل، و زِيدَ في حرّها، و بوعِث في وهجها، حتّى أنّ الهوام تغلي منها كما تغلي القُدُور، يعرقون في هذه الشمس على قدر خطاياهم، تخيّلوا فضاعة الموقف، الناس في العرق الذي يغلي من حرارة الشمس و لهيبها، و منهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، و منهم من يبلغ إلى ساقيه، و منهم من يبلغ إلى وسطه، و منهم من يلجمه العرق فيسدّ فمه.. و يزيد صعوبة الموقف حرّ الأنفاس لتزاحم الناس و تدافُعِهم و اختلاطهم..[/font]
[font="]قال بكر العابد يوما لسفيان بن عيينة: يا أبا محمّد، أبلغك أنّ الناس يزدحمون يوم القيامة ؟ فقال: نعم، الأقدام يوم القيامة هكذا [/font][font="]!![/font][font="] و وضع يده فوق الأخرى.. بل و يزيد الموقف الرّهيب غمًّا فوق الغمّ، و كربًا فوق الكرب، بإتيان جهنّم ليزداد الحرّ حرّا و العياذ بالله، يقول تعالى: " و جيءَ يومئذٍ بجهنَّمَ يومئذٍ يتذكّرُ الإنسانُ و أَنّى له الذكرى * يقول يا ليتني قَدَّمْتُ لحياتي * فيومئذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * و لا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ". يقول صلى الله عليه و سلم: " يؤتى بجهنّم يومئذ لها سبعون زمام مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يجرّونها، فإذا ما رأت الخلائق زفرت و زمجرت غضبا لغضب الله "، فحينئذ تجث جميع الأمم على الركب.. يقول تعالى: " و ترى كلَّ أمةٍ جاثيةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها اليومَ تُجِزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ ". و في هذه اللّحظة تطير قلوبُ المؤمنين شوقا إلى الحنّة و نعيمها، و تطير قلوب المجرمين فزعا و هلعا و هربا من نار جهنّم، و يعضّ كثير من الناس على أنامله تحسّرا على ما قدّم في هذه الحياة الدّنيا..[/font]
[font="]و وسط كل هذه المعاناة وقفت صفوة من الناس في أمان، في راحة، في طمأنينة، هم السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.. صدق فيهم قول الحقّ سبحانه: " و هم من فزع يومئذ آمنون "، يكون ذلك اليوم على هذه الفئة مثل ما بين الظهر و العصر، مثل وقت وجبة الغذاء، ينتظرون الكرامة من الله، لا يصيبهم لهب الشمس، و لهم طعام و شرابٌ، كما بيّن النبيّ صلوات ربّي و سلامه عليه: " فطعامهم الثّور و الحوت "، ثوِرٌ يرعى في أطراف الجنّة، يُنْحر لهم و يأكلون في ذلك الموقف الحوت، و يوزّع عليهم زيادَةً كبد الحوت، ألذّ شيء في الكبد.. و شرابهم من حوض النبيّ صلى الله عليه و سلم الذي يصبّ فيه نهر الكوثر.. يا لروعة هذا الموقف بالنّسبة لهؤلاء السّبْعة، لا ظمأ، و لا جوع، و لا حرّ، و لا خوف.. و بقية الناس يا ويلهم من العذاب فزعون، و في اللّهيب ينصهرون..[/font]
[font="]أَيُّها المؤمنون: حقّا هكذا يوم لحريٌّ بكلّ إنسان عاقل أن يحرص فيه على الظلال، فيتعب نفسه في الدّنيا، ليحظى بها في الآخرة، فالجهد هنا، و الرّاحة هناك.. في هذه الحياة الدّنيا الفانية القصيرة، يبذل الناس قصارى جهدهم أن يبتعدوا عن الحرّ و لهيب الشمس، فنجد الاهتمام بمكيّفات التبريد في كلّ مكان، في البيت، في السيارة، في مقرّ العمل، في الأسواق، حتّى السيارات نسعى أن نجد لها مكان في الظلّ، بجانب الدّار، أو تحت شجرة، المهمّ أن نحميها من حرارة الشمس.. بل و نجد البعض ينفقون أموالا طائلة ليسافروا هربا من حرّ بلادهم طلبا للرّاحة و الاستجمام.. القضيّة أنّ الجميع مقصدهم واحد، هو الهروب من حرارة الشمس الملتهبة..[/font]
[font="]إذا كان هذا سعينا و حرصنا على الظلّ في دنيا فانية و شمس محتملة، أليس من باب أولى أن يكون عندنا هذا الحرص و أكثر لنحظى بالظلّ و نحمي أنفسنا من حرّ و لهيب يوم القيامة، و نكون من السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه..[/font]
[font="]أيّها الناس: من ينظر للحديث عن السبعة للوهلة الأولى، يستغرب، معقول نخصّص خطبة كاملة عن هكذا موضوع، و الحقيقة ما أن نبدأ في التعمّق في كل شخصيّة، و صفاتها، و حيثيات وضعها، و موقفها، و الأسباب التي أعانتها لتحقّق ما حققته، و العوائق التي واجهتها في سبيل تحقيق كونها، تلك الشخصية العظيمة: شاب نشأ في طاعة الله، أو ذلك الإمام العادل، أو من دعته امرأة فعفّ، أو ذلك المتصدّق الحريص على إخفاء صدقته و غيرها.. سنكتشف أنّه بالكاد تكفينا هذه الخطبةلنتناول هذه الشخصيات المباركة.. كما ترون فإنّ مادّة هذه الخطبة متنوّعة، بين الطّاعات و المعاصي، و الشهوات، و الصلة بين العباد و ربّ العباد، و بين العباد و العباد..[/font]
[font="]الحبيب صلى الله عليه و سلم يحدّثنا عن هذه النخبة من العباد، سبعة يظلّهم الله في عرضٍ جميل، و بيان قويّ أخّاذ، يحرّك نفوس أهل الإيمان، و يبثّ فيهم روح الجدّ و الإخلاص و العمل الصالح فيسيرون على النهج الصحيح، و الطريق المستقيم ليكونوا منهم بإذن الله تعالى، وهو صلى الله عليه و سلم يدعو من تولّى أمرا من أمور المسلمين، سواءً كان أمرا عامّا أم خاصًّا، صغيرا أم كبيرا، أن يراعي العدل و يتجنّب الظّلم، فالعدل صفة من صفات الله عزّ و جلّ، و بالعدل قامت السماوات و الأرض، و العدل شريعة الله، و الله يمقت الظّلم و قد حرّمه على نفسه، و نهى عباده أن يظّالموا، و لتكن البداية مع شخصية إمام عادل، مع العدل في زمن انتشر فيه الظّلم، و التعدّي على الحقوق، يقول الحقّ تبارك و تعالى: " يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامينَ لله شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى و اتّقوا الله إنّ الله خبيرٌ بما تعملون ". و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما وُلُّوا ".. [/font]
[font="]و العدل واجب أيّها الناس حتّى في معاملة الإنسان نفسه، لقول النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إنّ لنفسك عليك حقّ، و لربِّك عليك حقّ، و لأهلك عليك حقّ، و لزوّارك عليك حقّ، فأعط كلّ ذي حقٍّ حقَّه ". و من عاش ليقيم العدل فيمن حوله، سَعُدت به رعيّته و سَعِد هُوَ بها.. كلّ منّا يستطيع أن يكون هو الإمام العادل، لأنّ كلّ منّا قد أولاه الله مسؤولية أو أكثر في هذه الحياة..[/font][font="] [/font][font="][/font]
[font="]و مع الشخصية الثانية من هؤلاء السبعة، يبيّن صلى الله عليه و سلم للشباب، ذكورا و إناثا كيف يجب أن يكون منذ بداية حياته، ذلك الشاب الناشئ في طاعة الله، المقبل على الله، من ترك المعاصي و هجر الذنوب لوجه الله تعالى، ترك الشهوات و أضمأ نفسه منها في الدّنيا ليكون بمنجاة من الحَرُور الذي تغلي منه رؤوس الخلائق، سنخصّص بإذن الله تعالى خطبة كاملة مع شاب نشأ في طاعة الله، في زمن أدرك فيه أعداء الأمّة أهمية الشباب المسلم بحقّ أمّته.. فبهم تقوم الأمّة، فحاولوا أن يقتلعوهم من جذورهم ليضعفوا انتمائهم لدينهم، و يسلخوهم عن هويّتهم، يُشِغِلُوهُمْ بأسلوب مُغْرٍ بالعديد من الأمور التافهة عن هدفهم الأساسي في الحياة..[/font]
[font="]أمّا الخصلة الثالثة التي اَنْقَضَتْ هؤلاء من الحرّ الشديد يوم القيامة، و نقلتهم إلى ظل الله الكريم، هي تعلّق القلب في المساجد، فقد أحب واحدهم كلّ ما في المسجد، من صلاة و قرآن و حلقات الدّرس و اللّقاء بالإخوان في الله، و معنى أن يكون قلب المؤمن أو المؤمنة معلّق في المساجد، يدلّ على قوّة صلتهم بالله تعالى، و كذلك لا ننسى الرجل المؤمن المعلّق قلبه في المساجد، فهو من رواد بيت الله، الصلاة تلو الصلاة، فلا يكاد يخرج منه، فتطوق نفسه للعودة إليه.. المتردّد على المسجد، بعيد عن رؤية المنكرات، قريب من الله تعالى، فيصبو قلبه و تنجلي همومه و أكداره، يعيش في روضة من رياض الجنّة.. [/font]
[font="]و بذلك تُكفّر سيّئاته و تكثر حسناته.. نتحدّث عن من تعلّق قلبه بالمساجد في زمن تعلّقت كثير من القلوب بالشهوات و الفتن و الفضائيات.. [/font]
[font="]أقول ما سمعتم و أستغفر الله لي و لكم.[/font]
[font="] [/font]
[font="] الثانية: [/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على نبيّه الذي اصطفى و على آله و صحبه و من اهتدى. أمّا بعد:[/font]
[font="]الخصلة الرّابعة، رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه و تفرّقا عليه.. ففيها دعوة كريمة للحبّ في الله، ابتغاء وجهه سبحانه، لا لغرض دنيوي و لا لكسب مادّي أو مصلحة ما، إنّما لدافع حقيقيّ هو المحبة الخالصة في الله تعالى، فإنّ رابطة الحبّ في الله هي أغلى رابطة، يقول النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إنّ الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي "، الحبّ في الله هو روح الإيمان الحيّ و لُباب المشاعر الرقيقة التي يكنّها المسلم لإخوانه جميعا حتّى إنّه ليحيا بهم و يحيا لهم.. سنعيش إن شاء الله مع الحبّ في الله، و الأخوّة في الله، و الوحدة في الله التي لابدّ أن تجمعنا.. فإلهنا واحد، و شرعنا واحد، و كتابنا واحد، و هدفنا واحد و قبلتنا واحدة.. و مع ذلك ممّا يدمي القلب و يكوي الفؤاد في هذا الزمان أن ننظر حولنا فترى الاختلافات و التناحر و الانقسام..[/font]
[font="]أمّا خامس هؤلاء السبعة، فرجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال: إنّي أخاف الله، و أنّ هذه الخصلة إخواني الكرام أخواتي الفضليات، تُظهر أسمى ما تصوّرته البشرية من طُهْرٍ و نقاءٍ، إنّها طهارة الوجدان، و صفاء الإيمان الذي يعصم صاحبه من الانزلاق في الرّذيلة، فالمتوقّع في هذا العرض المغري أن يُقْبِلَ عليه، لكنّه يمتنع خوفا من الله، و لسان حاله يقول: معاذ الله.. كما قاله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز.. نعيش مع العفّة و أهلها، نساءً و رجالا، في زمنٍ قلّت فيه العفّة، زمن الفتن و الشهوات، زمن التعرّي الفاضح بحصانة معلنة نتنة مشوّهة..[/font]
[font="]أمّا الشخصية السّادسة، فهي كلّ مؤمن يتصدّق بصدقة يخفيها و لا يعلنها، يسترها و لا يكشفها، إنّه لا يريد بصدقته ثناء الناس، و أن يعرف الناس عنه، أنّه رجل البرّ و الإحسان و الإنفاق في سبيل الله.. و إنّما هو قصده و دافعه هو رضوان الله تعالى، و يحرص على السرّ و الكتمان ليستر أخاه المؤمن و يحفظ له كرامته.. فالصدقات و العطاء دليل الكرم و سماحة النفس، و الله يحبّ من عباده الكرماء، و يبغض البخلاء الأشّحاء، و قد ورد في الأثر: أنّ الله تعالى خلق جنّة عدن بيده و دلّ فيها ثمارها، و شقّ فيها أنهارها، ثم قال لها: " تكلّمي "، فقالت: قد أفلح المؤمنون. فقال: " و عزّتي لا يجاورني فيك بخيل ".. سنتحدّث إن كان في العمر بقيّة عن الإنفاق في زمن شحّت و بخلت فيه كثير من النّفوس، أبواب الصدقات الكثيرة مفتوحة، و قلّة قليلة من يقبلون عليها.[/font]
[font="]ثمّ يختم النبيّ صلى الله عليه و سلم حديثه ببيان فضل البكاء من خشية الله سبحانه، فيذكر رجلا صادقا، امتلأ قلبه بعظمة الله، ففاضت عيناه بالدّموع خوفا من الله و هيبة له سبحانه.. قال صلى الله عليه و سلم: " عينان لا تمَسَّهُما النار، عين بكت من خشية الله، و عين باتت تحرس في سبيل الله "، و ما أحوجنا أن تبكي أعيننا من خشية الله في زمن غفل فيه كثيرون عن ذكر الله..[/font]
[font="]عباد الله: هؤلاء السبعة هم بشر فيهم صفات البشر و نوازعهم، لكنّهم انتصروا على دواعي الهوى و نَهُوا النّفس عن هواها و آثروا رضوان الله فاستحقّوا ما أكرمهم الله به من الظلّ بإيمان إخلاصهم و صبرهم و مشقّتهم.. و لابدّ أن نعلم أنّ هذه الخصال السبعة ليست موقفا واحدا في الحياة و انتهى، بل هي حالٌ دائمٌ مستمرٌّ عند صاحب كلّ شخصية طيلة حياته.. و لابدّ أن نعلم أيضا أنْ يُمكن أن تتوفّر أكثر من خصلة في كلّ منّا حتّى يمكن أن يكون الشخص الواحد: هؤلاء السبعة معا.. و قد كان هذا حال كثير من المؤمنين..[/font]
[font="]عباد الله: لا تؤجّلوا التوبة و لا تؤخّروا العودة إلى الله تبارك و تعالى، تفقّهوا في الدّين و اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، و حذار من التسويف وتوجّهوا إلى ربّكم في هذا اليوم الأغرّ و استفتحوا الدعاء بعطر الصلاة على أفضل من بدا و حضر، سيدنا محمد حبيب القلب و نور البصر.. اللهم صل و سلم على محمد و على آله و أزواجه و ذرّيته، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.. اللهم إليك خرجنا، و بفنائك أنخنا، و إياك أمّلنا، و ما عندك طلبنا، و لإحسانك تعرّضنا، و لرحمتك رجونا، و من عذابك أشفقنا.. يا من يملك حوائج السائلين، و يعلم ضمائر الصامتين، يا من ليس معه رب يدعى و لا إله يرجى ولا فوقه خالق يخشى و لا وزير يؤتى و لا حاجب يرشى يا من يزداد عن السؤال إلاّ كرما و جودا، يا من ضجت بين يديه الأصوات، يسألونك الحاجات، ملحين في الدعوات، حاجتنا إليك يا رب، مغفرتك و رضا منك علينا، لا سخط بعده، و هدى لا ضلال بعده، و علم لا جهل بعده، و حسن الخاتمة و العتق من النار، و الفوز بالجنة.. اللهم إننا وقفنا بين يديك في هذا البيت الشريف، رجاء لما عندك، فلا تجعلنا اليوم أخيب عبادك، فأكرمنا بالجنة و مُنَّ علينا بالمغفرة و العافية، و أجرنا من النار، و أدرأ عنا شرّ خلقك..انقطع الرجاء إلاّ منك، و أغلقت الأبواب إلاّ بابك، فلا تكلنا إلى أحد سواك في أمور ديننا و دنيانا طرفة عين و انقلنا من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، يا أرحم الراحمين.. يا رب العالمين.. نسألك أن ترزقنا علما نافعا و رزقا واسعا و قلبا خاشعا و لسانا ذاكرا و عملا زكيّا و إيمانا خالصا، و هب لنا إنابة المخلصين و خشوع المخبتين، و أعمال الصالحين، و يقين الصادقين، و سعادة المتقين، و درجات الفائزين..[/font][font="] [/font][font="]اللهم إنا نسألك بكل مسلم ركع و سجد و هلّل و كبّر، أن تدمّر اليهود المجرمين حفدة القردة و الخنازير.. اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم و أدر عليهم دائرة السوء، و انزل عليهم بأسك الذي لا يردّ.. اللهم زلزل تحصيناتهم و اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم شتت شملهم، و فرّق كلمتهم، و اقض على ساستهم.. اللهم أحفظ بلادنا و اصلح أولادنا، و اشف مرضانا و عاف مبتلانا، و ارحم موتانا، و خذ بأيدينا إلى كل خير و لا تسلب نعمتك علينا يا أرحم الراحمين .. اللهم اجعل هذا البلد آمنا على حاضره مطمئنا على مستقبله و سائر بلاد المسلمين بفضلك و منّك يا أرحم الراحمين.. آمين و صل و سلم على سيد الأولين و الآخرين و آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="]عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون..[/font]
[font="]
[/font]
[/font]
[font="][/font]
[font="] الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب
[/font]
[font="] جامع الطيران بتونس
[/font]
المشاهدات 6646 | التعليقات 4
اللهم ثبت الأقدام
وانصرنا على القوم الكافرين
جزاكم الله خيرا
وبورك فيكم
وشكر الله لأهل هذا الموقع
وبورك فيكم
وشكر الله لأهل هذا الموقع
د مبارك المصري النظيف
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور على هذا الموضوع
تعديل التعليق