سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 26 رَجَب 1436هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1436/07/24 - 2015/05/13 16:50PM
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 26 رَجَب 1436هـ
الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الرَّحِيم ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِه ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِه وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نَعْمَائِهِ وَأَثْنَي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لا رَبَّ غَيْرُهُ وَلا إِلَهَ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ اللهُ بِالْهُدَى وَدِينَ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَة ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ أَحَبُّ الْهَدْيِ إِلَى اللهِ , وَبِهِ النَّجَاةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : كَاَن مِنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْأَعْلَى ، حَيْثُ كَانَ يَقْرَأُهَا فِي صَلَاةٍ الْجُمْعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَفِي صَلاةِ الْوَتْرِ إِذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثِ . فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَلَا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَجْهَلَ مَعَانِيَ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ .
وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ نُبَيُّنُ شَيْئَاً مِنْ دَلائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ وَتَوْجِيهَاتِهَا .
يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) وَمَعْنَاهُ : نَزِّهْ رَبَّكَ ذَاكِرَاً اسْمَهُ . فَهُوَ الْأَعْلَى الذِي لَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ : عُلُوُّ الذَّاتِ وُعُلُوُّ الصِّفَاتِ ، وَكَلِمَةُ (سَبِّح) تَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَاً، وَلَهَا مَعْنَىً عَظِيمٌ ، وَهُوَ أَنَّنَا نُنَزِّهُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلِّ صِفَةِ نَقْصٍ ، لِأَنَّ صِفَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعُهَا صِفَاتُ كَمَالٍ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ) أَيْ الصِّفَةُ الْعُلْيَا . وَيُنَزَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ النَّقْصِ فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدِيرٌ لا يَعْجَزُ، وَقَوِيٌّ لا يَضْعُفُ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) أَيْ: مَا لَحِقَنَا ضَعْفٌ وَلَا تَعَب . وَيُنَزَّهُ اللهُ كَذَلِكَ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) يَعْنِي : أَوْجَدَ كُلَّ الْخَلْقِ مِنَ الْعَدَمِ ، وَأَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَأَتْقَنَهُ ، فَجَعَلَهُ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) يَعْنِي : الذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْمَقَادِيرَ وَأَتْقَنَهَا وَدَبَّرَهَا، ثُمَّ هَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ لِمَا جُعِلَ لَهُ ، فَهْيَّأَ الْمَخْلُوقَاتِ لِمَا يَصْلُحُ لَهَا ، فَمَثَلا : قَدَّرَ لِصِغَارِ الْحَيَوانَاتِ كَيْفَ تَشْرَبُ حَلِيبَ أُمَّهَاتِهَا؟! فَتَجِدُ صَغِيرَ الْغَنَمِ مَثَلاً إِذَا وُلِدَ يَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَتَّجِهُ إِلَى رِجْلَيْ أُمِّهِ وَيَبْحَثُ عَنْ ثَدْيِهَا ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ هَيَّأَ ثَدْيَهَا عَلَى شَكْلٍ يُلَائِمُ سِعَةَ فَمِهَ ثُمَّ يَمْتَصُّ الْحَلِيبَ وَيَتَغَذَّى بِه.
وَهَكَذَا الإِبِلُ أَيْضَاً نَجِدُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَهَا عَلَى صُورَةٍ تُلائِمُ الصَّحَرَاءَ ، وَهَدَاهَا لِتَعِيشَ فِيهَا , فَتَجِدُ أَرْجُلَهَا تَنْتَهِي بِأَخْفَافٍ مُسَطَّحَةٍ ، لِكَيْ تَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ فِي الرِّمَالِ ، وَهِيَ كَذَلِكَ تَشْرَبُ الْكِمِّيَاتِ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْمَاءِ ، فَتَبْقَى فِي الصَّحْرَاءِ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَلا تَعْطَشُ ، وَهَكَذَا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ( وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ) أَيْ : أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ، فَأَنْبَتَ بِهِ الْعُشْبَ الذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ) أَيْ : بَعْد أَنَّ مَرَّ عَلَيْهِ زَمَنٌ مُقَدَّرٌ ، صَيَّرَ اللهُ هَذَا الْمَرْعَى هَشِيمَاً مَائِلاً إِلَى السَّوَادِ لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ نِهَايَةٌ .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ) أَيْ : سَنُحَفِّظُكَ أَيُّهَا الرَسُولُ مَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ، وَنُرَسِّخُهُ فِي قَلْبِكَ فَلا تَنْسَى مِنْهُ شَيْئَاً ، ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) أَنْ يُنْسِيَكَهُ مِمَّا أَرَادَ اللهُ نَسْخَهُ ، فَيُبَدِّلُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِهِ .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) أَيْ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ مِنْ أَحْوَالِ خَلْقِهِ الظَّاهِرَ وَالْخَفِيَّ ، فَالْكُلُّ فِي عِلْمِ اللهِ وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ) هَذِهِ بِشَارَةٌ لِلرَّسِولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَهْدِيهِ لِمَا هُوَ أَيْسَرُ ، وَيَجْعَلُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ يُسْرَاً سَهْلاً.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) يَعْنِي : ذَكِّرْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِشَرْعِهِ وَبِالدَّارِ الآخِرَةِ مَا دَامَتِ الذَّكْرَى مَسْمُوعَةً مَقْبُولَةً. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ) أَيْ : سَيَمْتَثِلُ مَا فِي الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرَى مَنْ يَخَافُ مِنَ اللهِ خَوْفَاً مَبْنِيَّاً عَلَى الْعِلْمِ .
وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ) أَيْ : سَيُعْرِضُ عَنْ هَذِهِ الذَّكْرَى وَلا يَأْبَهُ بِهَا الْكَافِرُ الذِي بَلَغَ فِي الشَّقَاءِ مُنْتَهَاهُ ، فَلَا يَخْشَى رَبَّاً وَلا يَرْجُو دُخُولَ جَنَّةٍ وَلا النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وقوله عز وجل ( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ) يَعْنِي : الذِي مَصِيرُهُ النَّارُ فَيُقَاسِي عَذَابَهَا وَيَصْطَلِي بِلَهَبِهَا . وَتِلْكِمُ النَّارُ عَظِيمَةٌ كَبِيرَةٌ مُرْعِبَةٌ ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ مَهُولٌ ، وَيَدُلُّ عَلَى كِبَرِ حَجْمِ النَّارِ .
وَأَمَّا حَرَارَتُهَا فَإِنَّهَا أَشَدُّ مِنْ كُلِّ نَارٍ فِي الدُّنْيَا بِتِسْعٍ وَسِتِّينَ مَرَّةٍ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا ، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ) قَالُوا : وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ , قَالَ (فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ) أَيْ : أَنَّ الْكَافِرَ يُعَذِّبُ فِي النَّارِ عَذَابَاً مُسْتَمِرَّاً ، وَلَنْ يَمُوتَ فَيَسْتَرِيحَ ، وَلَنْ يَعِيشَ حَيَاةً سَعِيدَةً ، بَلْ هُوَ فِي شَقَاءٍ أَبَدِيٍّ سَرْمَدِيٍّ .

نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ مِنَ النَّارِ ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) الْمَعْنَى : حَقّاً قَدْ حَصَّلَ الْفَلَاحَ مَنْ طَهَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّرْكِ وَالْبِدْعَةِ وَابْتَعَدَ عَنِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ مَعَ النَّاسِ .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) أَيْ : لا زَالَ ذَاكِرَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ، ثُمَّ هُوَ يُقِيمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ ، فَهُوَ فِي طَاعَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ دَائِمَاً.
وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) الْمَعْنَى : لَسْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تُؤْثِرُونَ الآخِرَةَ ، بَلْ تُفِضِّلُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَتَقِدِّمُونَهَا عَلَيْهَا ، مَعَ أَنَّ الآخِرَةَ تَفْضُلُ الدُّنْيَا بِمَرَاحِلَ لا تُقَدَّرُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) أَيْ : وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَأَبْقَى مِنْهَا ، فَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ ؟) ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً [يعني : يغمس فيها مرة واحدة فقط] ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللهِ يَا رَبِّ , وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ) رَوَاهُمَا مُسْلِم .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) فَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ لَكُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الأَوَامِرِ الْحَسَنَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُسْتَحْسَنَةِ (لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) اللَّذَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَعْطَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّاً مِنْ هَذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صُحُفَاً فِيهَا الْأَخْبَارُ الصَّادِقَةُ وَالْأَحْكَامُ العَادِلَةُ وَالعَقَائِدُ الْمُسْتِقِيمَةُ .
لَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مَا فِيهَا قَدْ نَسَخَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ، فَلَا يَحِلُّ لَنَا النَّظَرُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَحَرَّفَةٌ ، ثُمَّ إِنَّ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ قَدْ حَوَاهُ الْقُرْآنُ وَزَادَ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ مِنْ مَعانِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، اللَّهُمَّ اَجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلُوبِنَا وَنُورَ صَدُرِنَا وَجَلَاءَ أحْزانِنَا وَذَهَابَ هُمُومِنَا ، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدَاً لَنَا لا شَاهِدَاً عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ ، اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، والحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ .
المرفقات

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 26 رَجَب 1436هـ.doc

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 26 رَجَب 1436هـ.doc

المشاهدات 2574 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك