(سبب الخلاف ومعرفة أهل الحق والائتلاف) للشيخ معين صالح السلامي

الفريق العلمي
1441/03/06 - 2019/11/03 13:49PM

خطبة الجمعة ٢٥/ ٢/ ١٤٤١هـالحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، أرجأ الفصل بين عباده ليوم المعاد، نحمده حمد الشاكرين، ونشكر شكر العارفين، ونشهد أنه لا إله إلا هو ولي الصالحين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، من اقتفى أثرهم فقد اهتدى، ومن مات على منهجهم نال الدرجات العُلى.أما بعد:عباد الله: خير ما أوصيكم به ونفسي تقوى الله، فهي وصيته للأولين والآخرين. قال ﷻ: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}، ومن اتقى الله، أصلح الله أمور آخرته ودنياه، وكفَّر عنه سيئاته وخطاياه، وجعله من أهل الفوز والنجاة، قال ﷻ: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.عباد الله: من نعم الله على عباده المؤمنين أن ما من سؤال يخطر في بال أحدهم عن الكون، أو الوجود، أو الحياة، أو الإنسان، أو الواقع ومشكلاته وأزماته، إلا ويجد لسؤاله جواباً في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.ومما يخطر في بال بعض المسلمين، سؤالٌ حيَّر عقولَ بعضِهِم وهو:أليس ربُّ المسلمين واحد؟! أليس نبيُّهم واحد؟! أليس قرآنُهم واحد؟! أليست قبلتُهم واحدة؟! فما بالهم مختلفين متنازعين متناحرين؟!وفي ظل هذا التنازع والافتراق، نجد أن كل واحد يدَّعي أن الحق معه. فمن هو صاحب الحق؟!هذا السؤال .. خطر في بال الفاروق عمر بن الخطاب، فسأل حَبْرَ الأمةِ وفقيهَهَا عبدَالله بن عباس -رضي الله عنهم-.قال الإمام الحافظ الكبير عماد الدين بن كثير في كتابه (البداية والنهاية): "قال عمر لابن عباس: كيف يختلفون وإلههم واحد، وكتابهم واحد، وملتهم واحدة؟ فقال ابن عباس -اسمع إلى جواب حبر الأمة- قال: إنه سيجئ قوم لا يفهمون القرآن كما نفهمه، فيختلفون فيه فإذا اختلفوا فيه اقتتلوا. فاقرَّ عمر بن الخطاب بذلك".عندما سمع عمر هذا الجواب الشافي الكافي لم يُعقِّب عليه بل أقرَّه.فقد بيَّن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن السبب الرئيسي للخلاف الحاصل في هذه الأمة، هو التمرُّد على فهم الصحابة، وأنه سيوجد في هذه الأمة أقوامٌ يريدون أن يفهموا القرآن فهماً جديداً مخالفاً لفهم الصحابة .. فهمٌ تمليه عليهم أهواؤهم وعقولهم القاصرة، فيقع الخلاف بينهم؛ لأن كل طائفة ترى أن فهمها هو الفهم الصحيح ! .. ولو أنهم التزموا فهم الصحابة رضي الله عنهم، لما اختلفوا.وهذا السبب الذي ذكره ابن عباس -رضي الله عنه- ذكره الله ﷻ في محكم كتابه فقال: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق...}، والخطاب في هذه الآية للنبي ﷺ وصحابته الكرام، يقول لهم الحق ﷻ: إن آمن الناس بمثل ما آمنتم به، وسلكوا طريقتكم، واقتفوا أثركم، ولم يخالفوا فهمكم للقرآن والسنة، فقد سلكوا طريق الهداية والنجاة، وإن تولوا وأعرضوا عن الالتزام بما أنتم عليه من فهم الدين، فقد سلكوا طريق الشقاق والافتراق، والخلاف والانحراف.إذاً -عبادَ الله- سبب الخلاف هو مخالفة فهم الصحابة للقرآن، وقد كانت أول فرقة ظهرت في هذه الأمة هي فرقة الخوارج، وفهمهم للقرآن غير فهم الصحابة، ثم ظهرت فرقة الشيعة، وكان فهمهم للقرآن غير فهم الصحابة، فذهب إليهم ابن عباس -رضي الله عنه- ليناظرهم فقال لهم: "لقد جئتكم من عند أصحاب النبي ﷺ وليس فيكم صحابي واحد"، فاحتج عليهم بفهم الصحابة، ثم تتابعت الفرق بعد ذلك، وكل فرقة لها فهم لنصوص القرآن والسنة مخالف لفهم الصحابة.وبهذا نعلم أن "فهم الصحابة" هو العصمة لهذه الأمة من الخلاف والانحراف.لأن الصحابة -رضي الله عنهم- هم الذين فهموا الإسلام فهماً سليماً، وطبقوه في واقع حياتهم تطبيقاً صحيحاً.عُبَّاد ليلٍ إذا جـنَّ الظــلام بهـمكم عابدٍ دمعــه في الخـد أجــراهوأُسدُ غابٍ إذا نادى الجهاد بهمهبُّوا إلى الموت يستجدون رؤياهولذلك زكَّاهم الله في محكم كتابه، وزكَّى الذين اتبعوهم، وسلكوا منهجهم، وفهموا القرآن على فهمهم، فقال ﷻ: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم}.وزكاهم النبي ﷺ فقال -كما في صحيح الإمام مسلم-: «أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».و"الأمنة": من الأمان، أي أن الصحابة أمان لهذه الأمة إذا التزمت بمنجهم وفهمت الإسلام على فهمهم.وفي الصحيحين قال ﷺ: «لا تَسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه».عباد الله: من خلال ما سبق يتضح لنا -أيضاً- من هم أهل الحق، وأنهم الذين التزموا منهج الصحابة رضي الله عنهم، وهذا هو الذي أكَّده النبي ﷺ كما في حديث العرباض بن سارية، أنه ﷺ قال: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ» [صححه الألباني]انظروا -يا عباد الله- كيف يؤكد النبي ﷺ على التمسك بمنهج الصحابة !وصح عنه ﷺ أنه قال: «وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: "من هي يارسول الله؟" قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي»(١).وهذا الحديث الصحيح يرده أهل البدع والأهواء ويطعنون فيه ولا يقبلونه؛ لأنه أصاب موضع الألم فيهم، فالنبي ﷺ يدعو إلى التمسك بما كان عليه هو وأصحابه، وأهل البدع لا يريدون أن يلتزموا بذلك، ولا يريدون أن يسيروا على منهج الصحابة، ولا يريدون أن يفهموا القرآن والسنة على فهم الصحابة؛ ولذلك انحرفوا !!عباد الله: إن كل من التزم منهج الصحابة، وجعلهم مرجعيته في فهم الإسلام وفهم نصوص الكتاب والسنة فهو من أهل الحق.وليس لأهل الحق اسم يتسمَّون به ويميزهم عن غيرهم إلا ما سمَّاهم به النبي ﷺ، فقد قال ﷺ: «عليكم بسنتي» فهم أهل سنتة، وقال ﷺ: «عليكم بالجماعة»، وفي إحدى روايات حديث الافتراق، قال ﷺ عن الفرقة الناجية من النار: «هم الجماعة».إذاً أهل الحق هم أهل السنة والجماعة.وهذه التسمية ليست جديدة حادثة كم هو حال فرق أهل البدع، كالشيعة والخوارج والمعتزلة والأشاعرة ... وغيرهم، وإنما هي تسمية شرعية صحيحة دعا إليها النبي ﷺ وحث عليها، وأطلقها بعض أصحابه، فهذا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يقول في تفسير قوله تعالى: {يوم تَبيَضُّ وجوه وتَسوَدُّ وجوه} قال: "يوم تَبيَضُّ وجوه أهل السنة والجماعة، وتَسوَدُّ وجوه أهل البدعة والضلالة".عباد الله: بهذا نكون قد عرفنا سبب الخلاف الحاصل في هذه الأمة، وعرفنا من هم أهل الحق ..نسأل الله أن يجعلنا من أهل الحق، أهل السنة والجماعة، وأن يعصمنا من الضلالة والانحراف، وأن يجنبنا شر الخلاف.أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه._______الخطبة الثانية:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:عباد الله: بقي سؤال ...لاشك أن الخلاف الحاصل في هذه الأمة هو بقدر الله ﷻ، والله لا يقدر شيئاً إلا لحكمة عظيمة. فما الحكمة أن يقدر هذا الخلاف على خير أمة أُخرجت للناس ؟!!الجواب في كتاب الله ..قال الله ﷻ: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون}.فالحكمة هي الابتلاء والاختبار {ليبلوكم في ما آتاكم}، أي ليختبركم؛ حتى يتبين من سيثبت على الحق؟! ومن هو الحريص على معرفة الحق؟! ومن الذي سيضل وينحرف مع مَن ضل وانحرف !!ثم بين سبحانه وتعالى لمن يريد النجاة من الضلالة والانحراف والاختلاف فقال: {فاستبقوا الخيرات}، فالمسابقة إلى الأعمال الصالحة والقرب من الله ﷻ هو سبيل النجاة، فمن أقبل على الله بقلب صادق، وعمل صالح، وفَّقَهُ الله لمعرفة الحق، وأدخله في رحمته، كما قال ﷻ: {ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة، ولكن يدخل من يشاء في رحمته، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير}، والذين يدخلهم في رحمته هم الذين أقبلوا عليه بصدق وإخلاص، وأما من أعرض عنه واتبع هواه فهو ظالم نفسه، {والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير}.نسأل الله أن يجعلنا من أهل طاعته، وأن يوفقنا ويهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يرزقنا الثبات على دينه ..... والحمد لله رب العالمين.______(١) صححه جمع من أهل العلم.- قال الإمام أبوعبدالله الحاكم: "إنه حديث كبير في الأصول".- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو حديث صحيح مشهور".- وقال العلامة الألباني: "الحديث ثابت لا شك فيه ... ولا أعلم أحداً قد طعن فيه، إلا بعض من لا يُعتَدُّ بتفرده و شذوذه".* للاستزاده ينظر: (السلسلة الصحيحة، حديث رقم٢٠٤).

المشاهدات 581 | التعليقات 0