ساعةً وساعةً 23/11/1437
أحمد بن ناصر الطيار
1437/11/22 - 2016/08/25 08:08AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ قصص الصحابة مليئةٌ بالعبر والحكم, وهي منهجٌ لنا نستقي منها ما ينفعُنا في معاشِنا ومعادِنا.
ولْنأخذ هذه القصة التي رواها مسلم في صحيحه , عَنْ حَنْظَلَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فتعجب أبو بكر وقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ, مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، -أي كأننا نرى الجنة والنار من قوة الإيمان-.
قال: فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا.
أي: اشْتَغَلْنَا بأزواجنا وأولادنا وأموالنا.
فمن هنا ظن أن هذا نفاق, حيث يزداد إيمانه حين يكون مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فإذا خرج من عنده والْتقى بأهله وضيعتِه ضعف الإيمان, ونسي كثيرًا مما تلقّاه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، أي لستَ وحدك في هذا الحال.
فمن لهذه المشكلة؟ ومن يجد لها حلاًّ وعلاجًا؟ ليس غيرُ النبي الْمُوحى إليه من رب العالمين.
قال طلحةُ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً».
يعني ساعة للرب عز وجل تتعبّد فيها، وساعة مع الأهل والأولاد والمتاع تتروّح فيها.
فينبغي للإنسان أنْ يُروح عن نفسِه, وألا يدوم على حال الجد والتشمير, فالنفس لها حقّ, ومن حقّها إجمامها وترويحها.
ومن رحمة الله تعالى بنا, أن شرع لنا عبادات يتخللها الراحة والفسحة, فلو كان الإنسانُ كلَّ وقتِه في عبادة لَمَلَّ, ولو كان بلا عبادة لعاش كالبهائم.
قال ابن القيم رحمه الله: إن السرور والفرح يبسط النفس ويُنَمِّيها، ويُنْسِيها عيوبَها وآفاتَها ونقائصَها، إذ لو شهدت ذلك وأبصرته: لشغلها ذلك عن الفرح. ا.ه
وهذا اللهو المباحُ هو للعقل كالفاكهة، كما أنَّ الحكمةَ والعلمَ هو غذاؤه وقوامه، فلا بد من كلِّ منهما في استصلاح العقول, وإزالة مُكدّراتِها, وتنميةِ ذكائها، غير أنَّ اللهوَ الْمُباحَ يكون بقدر الحاجة كالملح للطعام، وإلى ذلك أشار القائل:
أفِدْ طَبْعَكَ المَكْدُود بالْجِدِّ رَاحةً . . . يُجِمُّ وعلِّلْهُ بشيءٍ مِنَ المَزْحِ
ولكِنْ إذا أعطيْتَه الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ . . . بمقدارِ ما تُعْطِي الطعامَ من المِلْحِ
وقد حرص النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تجنبب الْملل لأصحابِه, فقد كان لا يعظهم إلا قليلا, قال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"
قال ابن حجر رحمه الله: ويستفاد من الحديث, استحبابُ ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبةُ مطلوبةً. ا.ه
والقلوب مهما تلذّذت بالعبادة فإنها تمل, قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنه هذه القلوب تمَلّ كما تمل الأبدان, فالتمسوا لها من الحكمة طرفا.
وقال بعض السلف : القلب إذا أُكره عمي.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إنّ نفسي مطيّتي, فإن حملت عليها في التعب حسرتها.
أي: بلغت بها أقصى غاية الإعياء.
ومن أجلّ الحكم وأفضلها: ما وُجد مكتوبًا في حكمة آل داود عليهم السلام : ينبغي للعاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعةٍ يحاسب فيها نفسه , وساعةٍ يناجي فيها ربه , وساعةٍ يلقى فيها إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه , ويصدقونه عن نفسه , وساعةٍ يخلِّي بين نفسه وبين لذَّاتها فيما يحلّ ويجمُلّ , فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات, وفضلَ بلغةٍ واستجماعاً للقلوب.
بارك الله لي ولكم ..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: معاشر المسلمين: ومن ترويح النفس وإسعادِها: السفرُ المباح, وكثيرٌ من الناس في هذه الإجازة سافر مع أهلِه أو مع أصحابِه.
والسفرُ داخلَ البلاد أفضلُ وأسلم, حيث يُساعد على تنمية اقتصاد البلد, وينجو من الفتن الكثيرة, المنتشرة في كثير من الدول.
وقد أفتى العلماء بالمنع من السفر لدول الكفر؛ لِما في ذلك من دعم اقتصادهم, وتعريض النفس لفتن الشهوات والشبهات.
وكم من إنسان ذهب بعقيدة صافية, وعقل راجح, ورجع بعقيدة فاسدة, وعقل مليء بالشُّبَهِ والشكوك.
وبعض الناس يُسافر إلى دولة مسلمة, ولكنّ المصيبة أنه يُزري ببلدِ التوحيد, ويذمُّ بلدَه الذي شبّ وهرم فيه, ويستهزئ بمن فضَّل النزهةَ في بلاده, وهذا من الخطأ والظلم والعقوق لبلده وأهله.
وينبغي للمسافر أنْ يعتني بالمكان الذي يُسافر إليه, ويدعَ المكان نظيفًا كما كان.
واحذر أنْ تُسافر مع أحدٍ لم تتأكد من أخلاقه وطِباعه, فكم مِنْ صديقٍ مُعجَبٍ بصديقه أيَّما إعجاب, ويَمْدحُه بإطراءٍ وإسهاب, فما إنْ سافر معه, وأسفر عن أخلاقه ودقائق طِباعه, حتى عاد مِن سفره ذامًّا له, كارهاً مُجالسته, بل بعضهم لم يُكمل سفره, مِن مرارة ما وجده من صديقه أو قريبِه, وعاد إلى وطنه وقلبُه يحترق ألَمًا ونكدًا.
ومن التجارب الناجحة النافعة: أنْ تُخبر رِفقتك بما تُحبه وما تكرهه من الطباع والأخلاق وغيرها, حتى يعملوا على القيام بها, وتَلافي ضدِّها.
فإذا علم كلُّ واحدٍ ما يُحبه الآخر ويكرهه, كان ذلك سبباً كبيراً في نجاحِ سفرهم, وتجنُّبِهم ما يُكدرهم.
هناك رجلٌ يُسافر كثيراً مع صديقه لوحدهما, ويمكثون الأيام الطويلة, وهم في قمة المتعة والتفاهم والمودّة, فسُئل عن ذلك فقال: أولُ مرَّةٍ سافرتُ معه قال لي: يا فلان, أنا لم أُجرِّبك في سفر, فأخبرني بما تُحبه وما تكرهه, وأنا سأخبرك أيضاً!, يقول: فعرف كلُّ واحدٍ ما يُحبُّه الآخر فأتى به, وما يكرهه فاجْتَنَبه, فكانت سَفْرتُنا من أمتع أيامنا, ولذا سافرنا لوحدنا بعدها كثيرًا.
نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا مُباركين أينما كنا, إنه سميع قريب مجيب.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ قصص الصحابة مليئةٌ بالعبر والحكم, وهي منهجٌ لنا نستقي منها ما ينفعُنا في معاشِنا ومعادِنا.
ولْنأخذ هذه القصة التي رواها مسلم في صحيحه , عَنْ حَنْظَلَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فتعجب أبو بكر وقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ, مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، -أي كأننا نرى الجنة والنار من قوة الإيمان-.
قال: فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا.
أي: اشْتَغَلْنَا بأزواجنا وأولادنا وأموالنا.
فمن هنا ظن أن هذا نفاق, حيث يزداد إيمانه حين يكون مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فإذا خرج من عنده والْتقى بأهله وضيعتِه ضعف الإيمان, ونسي كثيرًا مما تلقّاه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، أي لستَ وحدك في هذا الحال.
فمن لهذه المشكلة؟ ومن يجد لها حلاًّ وعلاجًا؟ ليس غيرُ النبي الْمُوحى إليه من رب العالمين.
قال طلحةُ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً».
يعني ساعة للرب عز وجل تتعبّد فيها، وساعة مع الأهل والأولاد والمتاع تتروّح فيها.
فينبغي للإنسان أنْ يُروح عن نفسِه, وألا يدوم على حال الجد والتشمير, فالنفس لها حقّ, ومن حقّها إجمامها وترويحها.
ومن رحمة الله تعالى بنا, أن شرع لنا عبادات يتخللها الراحة والفسحة, فلو كان الإنسانُ كلَّ وقتِه في عبادة لَمَلَّ, ولو كان بلا عبادة لعاش كالبهائم.
قال ابن القيم رحمه الله: إن السرور والفرح يبسط النفس ويُنَمِّيها، ويُنْسِيها عيوبَها وآفاتَها ونقائصَها، إذ لو شهدت ذلك وأبصرته: لشغلها ذلك عن الفرح. ا.ه
وهذا اللهو المباحُ هو للعقل كالفاكهة، كما أنَّ الحكمةَ والعلمَ هو غذاؤه وقوامه، فلا بد من كلِّ منهما في استصلاح العقول, وإزالة مُكدّراتِها, وتنميةِ ذكائها، غير أنَّ اللهوَ الْمُباحَ يكون بقدر الحاجة كالملح للطعام، وإلى ذلك أشار القائل:
أفِدْ طَبْعَكَ المَكْدُود بالْجِدِّ رَاحةً . . . يُجِمُّ وعلِّلْهُ بشيءٍ مِنَ المَزْحِ
ولكِنْ إذا أعطيْتَه الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ . . . بمقدارِ ما تُعْطِي الطعامَ من المِلْحِ
وقد حرص النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تجنبب الْملل لأصحابِه, فقد كان لا يعظهم إلا قليلا, قال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"
قال ابن حجر رحمه الله: ويستفاد من الحديث, استحبابُ ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبةُ مطلوبةً. ا.ه
والقلوب مهما تلذّذت بالعبادة فإنها تمل, قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنه هذه القلوب تمَلّ كما تمل الأبدان, فالتمسوا لها من الحكمة طرفا.
وقال بعض السلف : القلب إذا أُكره عمي.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إنّ نفسي مطيّتي, فإن حملت عليها في التعب حسرتها.
أي: بلغت بها أقصى غاية الإعياء.
ومن أجلّ الحكم وأفضلها: ما وُجد مكتوبًا في حكمة آل داود عليهم السلام : ينبغي للعاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعةٍ يحاسب فيها نفسه , وساعةٍ يناجي فيها ربه , وساعةٍ يلقى فيها إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه , ويصدقونه عن نفسه , وساعةٍ يخلِّي بين نفسه وبين لذَّاتها فيما يحلّ ويجمُلّ , فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات, وفضلَ بلغةٍ واستجماعاً للقلوب.
بارك الله لي ولكم ..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: معاشر المسلمين: ومن ترويح النفس وإسعادِها: السفرُ المباح, وكثيرٌ من الناس في هذه الإجازة سافر مع أهلِه أو مع أصحابِه.
والسفرُ داخلَ البلاد أفضلُ وأسلم, حيث يُساعد على تنمية اقتصاد البلد, وينجو من الفتن الكثيرة, المنتشرة في كثير من الدول.
وقد أفتى العلماء بالمنع من السفر لدول الكفر؛ لِما في ذلك من دعم اقتصادهم, وتعريض النفس لفتن الشهوات والشبهات.
وكم من إنسان ذهب بعقيدة صافية, وعقل راجح, ورجع بعقيدة فاسدة, وعقل مليء بالشُّبَهِ والشكوك.
وبعض الناس يُسافر إلى دولة مسلمة, ولكنّ المصيبة أنه يُزري ببلدِ التوحيد, ويذمُّ بلدَه الذي شبّ وهرم فيه, ويستهزئ بمن فضَّل النزهةَ في بلاده, وهذا من الخطأ والظلم والعقوق لبلده وأهله.
وينبغي للمسافر أنْ يعتني بالمكان الذي يُسافر إليه, ويدعَ المكان نظيفًا كما كان.
واحذر أنْ تُسافر مع أحدٍ لم تتأكد من أخلاقه وطِباعه, فكم مِنْ صديقٍ مُعجَبٍ بصديقه أيَّما إعجاب, ويَمْدحُه بإطراءٍ وإسهاب, فما إنْ سافر معه, وأسفر عن أخلاقه ودقائق طِباعه, حتى عاد مِن سفره ذامًّا له, كارهاً مُجالسته, بل بعضهم لم يُكمل سفره, مِن مرارة ما وجده من صديقه أو قريبِه, وعاد إلى وطنه وقلبُه يحترق ألَمًا ونكدًا.
ومن التجارب الناجحة النافعة: أنْ تُخبر رِفقتك بما تُحبه وما تكرهه من الطباع والأخلاق وغيرها, حتى يعملوا على القيام بها, وتَلافي ضدِّها.
فإذا علم كلُّ واحدٍ ما يُحبه الآخر ويكرهه, كان ذلك سبباً كبيراً في نجاحِ سفرهم, وتجنُّبِهم ما يُكدرهم.
هناك رجلٌ يُسافر كثيراً مع صديقه لوحدهما, ويمكثون الأيام الطويلة, وهم في قمة المتعة والتفاهم والمودّة, فسُئل عن ذلك فقال: أولُ مرَّةٍ سافرتُ معه قال لي: يا فلان, أنا لم أُجرِّبك في سفر, فأخبرني بما تُحبه وما تكرهه, وأنا سأخبرك أيضاً!, يقول: فعرف كلُّ واحدٍ ما يُحبُّه الآخر فأتى به, وما يكرهه فاجْتَنَبه, فكانت سَفْرتُنا من أمتع أيامنا, ولذا سافرنا لوحدنا بعدها كثيرًا.
نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا مُباركين أينما كنا, إنه سميع قريب مجيب.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق