«سَاعَة وَسَاعَةً»       22 /12/ 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/12/21 - 2024/06/27 11:43AM

الخطبة الأولى: «سَاعَة وَسَاعَةً»       22 /12/ 1445هـ

الحمد لله الذي من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وأسبغ علينا من النعم وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو حسُبنا ومولانا، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُالله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليما كثيراً. اما بعد

فاتقوا الله الذي يعلم السر وأخفى ، واتقوا الله الذي إليه تحشرون.

 عجلةُ الزمانِ تمشي سرعاً ، وسنواتُ العمر تمضي تباعا ، بأيام وليالٍ تمر مر السحاب، فترفع أرواحاً بهممهم وأعمالهم ، ويخسر بطالون بسفههم وتفريطهم بزهرة أعمارهم (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ)

والموفق من كانت همته وعمله ونيته مبتغى ربه وسموا نفسه، محافظاً على أصول دينه وفرائض ربه (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)

 واما هذه الحياة الدنيا فيقرر حقيقتَها ربُ العزة والجلال، حين يغيب مفهومها عن الأذهان {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

هذه هي حقيقة الحياة الدنيا لهو ولعب حينما تكون هي الغاية العليا للناس ، حينما يكون متاعها هو الغاية في الحياة ، هذه هي الحياة في عمومها حينما لا ينظر فيها إلى الآخرة "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ" حياة دائمة باقية {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}

إذا كان اللعب والترويح هو الغاية ، وكانت المتعة واللهو هي أكبر الطموح واعلاه .. فما يكون نصيب الآخرة ؟ وما لحوادث الزمان ومنتهى المقام ؟

   كَمْ لابنِ آدَمَ من لهوٍ ، وَمن لَعبٍ  **  وللحوادِثِ من شدٍّ وإقدامِ

   يا ساكِنَ الدّارِ تَبْنيها ، وَتَعمُرُهـــا  **   والدارُ دارُ منيَّاتٍ وأسْقامِ

   لا تَلْعَبَنّ بكَ الدّنيا وَخُدْعَــــتُهـــــــا  **    فكَمْ تَلاعَبَتِ الدّنْيا بأقْوامِ

لا تثريب على الإنسان أن يستمتع مما أحل الله له، أو أن يَتَرفهُ بما يُجم به نفسه مما له في الشريعة مندوحة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} قال حنظلة يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» أخرجه مسلم

الأنس والسعادة والراحة باب واسع، وميدان فسيح ، السفر والاستجمام والترويح جزء منه.

    إِنّي رَأَيــتُ وُقــــوفَ المـــــــــاءِ يُفسِـــــدُهُ    **  إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ

ومن أراد حياةً لا منغص فيها ولاكدر فقد طلب المحال

    طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنْتَ تُريدُها  **  صَفْواً مِنَ الأقْذاءِ والأكْدارِ

    ومُكَلّفُ الأيّامِ ضِـــدَّ طِباعِهـــــا  **   مُتطَلّبٌ في الماءِ جُذْوةَ نارِ

 وصدق الله "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ"

والأُنسُ الذي لا كدر فيه، والطمئنينةُ التي لا شقاء معها مداومةُ ذكر الله وقراءة القرآن {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

والراحة التي لاهم معها ولا غم فيها المحافظةُ على الصلاة " أرِحْنا بالصَّلاة يابلال " "وكان إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلّى" أخرجه أهل السنن.

هذه هي ميزان الحياة، وهذه مندوحة الترفيه والانبساط في الشريعة ، إيناسٌ وإسعادٌ وتنزهٌ لا يكون معه المرءُ أسيراً له ، ولا مكبلاً بأبوابه ، ولا مضيعاً للأموال في سبيله ، ولا كل حديث أيامه واهتمامه ، إنما ساعة ، لتفرغ لساعة الآخرة ..

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أجموا هذه القلوب والتمسوا لها طرق الحكمة ، فإنها تمل كما تمل الأبدان .. وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يمازح أصحابه، ويسابق عائشة .

تَرَفهٌ وترويحٌ لا يخدشُ حياءً ولا ينزع حجابًا، ولايصد عن ذكرٍ أو يضيحَ حقاً..

تَرَفهٌ وترويحٌ لا يكونُ غايةَ المُنى، أو يأخذ بعقولِ ذوي الحِجى ..

  لا تقبلوا الضيم واحموا منه محارمكم  **  إن المحـــــارم مما تمَنـــع العـــــــرب

  

لا أمعةً إن سمع هيعة طار لها ، عين على كل منشور، وأذن لك دعاية مأكول.

ترفه وتنزه وسفر يؤنس الروح ولا يدنس القلب .. يحفظ المرؤة ولا يخدش الحياء ،  يرعى الحق ويحمي العرض .. لايحمل وزرا ، ولا يضيع فرضا.

سياحةً وسفراً مباحة تُسفر في وجوه مسلمة، لا غول ولا توغل في ديارٍ كافرةٍ، ووجوٍ كالحةٍ تحاد الله ورسوله. ولا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، ديار لا يُسمع فيها اذان ، ولَا يتناهون عَن مُنكرٍ فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ..

دينك فاعتز به وارفعه، وسمعك وبصرك فحفظه " احفظ الله يحفظك ..

كيف تطيب نفس مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر تتجول في ديارٍ{لا يَرْقُبُون فِي مؤمن إِلاًّ وَلا ذِمَّةً ){وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} وهل في الكون أكبر وأعظم وادهى من أن يعلنوا أنَّ اللَّهَ ثَالثُ ثَلاثَة ، وعداوتهم ظاهرةٌ لكل من قال{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ}.

ووالله لا يتم اللهُ إيمانَ عبدٍ حتى يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَ إليه مما سواهما .

 وهل من كمالِ حبِ اللهِ ورسولِه وكتابِه، وتحقيقِ البراءِ لكل من حاد اللهَ ورسولَه المسابقةُ للسياحة بأرضهم، والتجول بين أظهرهم، ودعم اقتصادهم ، وهم من ينشرون الإلحاد بين أظهرنا ، ولهم أتباعٌ من بني جلدتنا يحاربون العقيدة ويشككون بالسّنة ..

هذا أوانُ العقيدةِ أن تُظْهر ، وهذا إبّان زمانُ الإيمانِ أن يُعتز فيه ويُشهر ..

   لا خير في العيش إن كانت عقيدتنا  **  أضحى يزاحمها كفر وعصيان

  لا خير في العيش إن كانت مبادؤنــا   **  جادت علينا بها للكفر أذهان

  لا خير في العيش إن كانت حضارتنا  **  في كل يوم لها تنهــــد أركـــــــان

   تاريخنــــــــا من رســــــــول الله مبــــــــدؤه    **  وما عداه فلا عز ولا شــــان

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ودود .

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ المُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:

الاستجمام والتنزه والترويح لايعني السير بلا هدف، وإهدار زهرة العمر في الترف والترويح ،، وإنما ساعةً وساعة .. أجعل لنفسك ساعات ترتقى بها في منازل الابرار ، واوقات ترفع من قيمة نفسك، فالفراغ طويل والعمر عزيز ،  ومن اتكل على غيره ، ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يستشرف علواً ، ولا يتطلع إلى ما يسمو ويرتفع .. الذي لا يرجو رقياً سينزل حتما .

    إذا كنتَ لا تُرْجَى لدفعِ مُلِمَّةٍ  **  ولا كان للمعروفِ عندكَ مطمعُ

    ولا كنتَ ذا جاهٍ يعاش بجاهِه   **  ولا أنت يومَ الحشْرِ فِيمنْ يَشْفَعُ

   فعَيْشُكَ في الدُنيا وموتُكَ واحِدٌ  **  وعُوْدُ خِلالٍ عَن وِصَالِكَ أنْفَعُ

استغل ساعات من فراغك وشارك أهلك ومن حولك في برنامج قرآني أو دعوي أو اجتماعي ، فالمجمعات القرآنية والدور النسائية تشرع أبوابها ، والبرامج العلمية والدورات التطويريه والمهارات الشخصية تزخ بها الساحة ، والأنسان على نفسه بصيره ، واحذر من حياة فئام رحلوا دون أن يكون لهم تأثيرٌ يُذكر، أو خيرٌ يؤْثر.

 والعاقل الحصيف الذي يتأمل بنظرٍ حكيمٍ ويشعر بأنه لا بد أن يكون له طموح يقوده إلى خير الدنيا وينفعه في الآخرة.. وعليكَم بالصلاةِ فإنها رأسُ الأمر وعموده {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}ولا تكونوا ممن {أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ} وتهيبوا من سؤال عصيب يقال يوم القيامة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

    إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى  **  وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا

   نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ    **   وأنكَ لمْ ترصدْ لما كانَ أرصدا

 

اللهم صل وصلم على عبدك ورسولك نبينا محمد

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا وارزقهم البطانة اصالحة الناصحة ،..

المرفقات

1719477914_«سَاعَة وَسَاعَةً».docx

1719477914_«سَاعَة وَسَاعَةً».pdf

المشاهدات 1038 | التعليقات 0