سابقوا وسارعوا ( عن عشر ذي الحجة )

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1441/12/03 - 2020/07/24 05:15AM

سابقوا وسارعوا 3/12/1441

الحمد لله ذي الفضل والإحسان والتكرم والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له هو الرحيم الرحمن واشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد فياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون

تخفيضات تصل إلى سبعين بالمائة ، واشتر قطعة واحصل على أخرى مجانا ، وعليك القيمة وعلينا الضريبة ، والبيع بنصف السعر ، وعروض مجانية يوم الافتتاح

عبارات لاتخلو من زيف غالبا لكنها كافية لاجترار المئات ليقفوا صفوفا أمام المحلات لينالوا عرضا من الدنيا قليلا

وإذا كان الناس لايلامون على حبهم لدنياهم وحرصهم على توفير أموالهم فتلك طبيعة من طبائعهم وسجية من سجاياهم لكن العجب لاينقضي من قوم يحركهم الطلب والعرض ولاتحركهم عروض رب السموات والأرض والتي نصها ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض ) واللوم كل اللوم أن تكون الدنيا هي أكبر همنا ومبلغ علمنا وقصارى تفكيرنا وغاية منانا وقد علمنا من قدوتنا أن مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ.

واقعنا ينبئنا أنه نتيجة لتوالي الأزمات وتتابع الخطوب انشغل كثير من المسلمين بالعرض الزائلوغفلوا عن جانب مهم في شخصياتهم ألا وهو تزكية النفوس والتربية الإيمانية العبادية وفئة غرقت في وحل المادية فرضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وهم عن الآخرة هم غافلون فلا قلبا أحيوه ولا حدثا مهما عالجوه.

نتيجة لذلك فقد قست القلوب وجفت الدموع، وندر الخشوع وضعف التسابق إلى الخيرات. وضعف اهتمام الناس بالآخرة وأصبحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ومنتهى تفكيرهم وقصارى غايتهم

إن التوازن في الشخصية المسلمة مطلب شرعي ومبدأ تربوي،

وإن مسؤولية المسلم الذي يقدر الله حق قدره أن يوحد همه فيفكر في المآل والمصير لا أن يصرف كل جهده وفكره ووقته في صغائر الأمور وتوافهها وبقدر ما يكون لله في قلب العبد من توقير وإجلال ورهبة يكون للعبد عند الله من الأجر والمنزلة، ومن أراد أن يعلم ماله عند الله فلينظر ما لله عنده، ومن كان دائم التفكير في رضا الله فإنه لاتشغله النعمة ولا يعميه البلاء ومن كان مع الله في اليسر كان الله له في العسر .

إن من مظاهر اهتمام العبد بالآخرة. ومن علامات حياة قلبه ومن أمارات تكامل شخصيته أن تراه سباقا إلى العروض الإلهية مبادرا إلى التنافس في بناء رصيد إيماني يكفل له السعادة فيالدنيا والفوز في الآخرة. وهاكم عرضا ربانيا ومنحة إلهية

قال صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأياميعني أيام العشر ،قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيلالله . قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )

علم ربنا ضعفنا فرحمنا، وعلم تقصيرنا وسقوطنا أمام بريق الشهوات الخادع ففتح لنا أبواب الخير ويسرها، وجعل لنا مابين حين وحين فرصة للعودة إليه وجعل العبادة جنة دانية ظلالها وذللت قطوفها تذليلا

إنها رحمة من الله وفضل ليكون عونا للمسلم على تجديدالنشاط وزيادة الأجر والقرب من الله تعالى. ونظرة في واقع الكثير تنبئك عن جهل كبير بفضائل الأوقات فما أكثر الغافلين عن اغتنامها

تجيء هذه العشر فرصة للمذنبين للتوبة والإنابة وموسما للمتنافسين للاستزادة من الطاعة.

تأتي العشر لتكون محطة إيمانية نستريح فيها من عناء الدنيا والتفكير فيها ولتكون ميدانا فسيحا لكل عمل صالح.فأي فضل أعظم من أن نعمل قليلا لنجازى عليه خيرا كثيرا، وأي تكرم أجل وأسمى من أن نبذل يسيرا ونتقاضى أجرا كبيرا

(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }

فما أعظم عطايا ربنا، وما أعظم لطف ربنا بنا.

لنتواص على استغلال هذهالأيام بالعمل الصالح بمفهومه الشامل وميدانه الواسع والذي ينتظم أعمال القلوب والجوارح في الظاهر والباطن في القوى والملكات والمواهب والمدركات.

الأعمال الصالحة مجال رحب وروضة غناء، فخذ منها ما تطيق وتزود ليوم الشدة والضيق.

استقبلوا ياعباد الله هذه العشر بتوبة صادقة وحرص على عمارتها بالأعمال الصالحة وأفضل الأعمال ما كان نفعه متعديا من أعمال بر ودعوة إلى الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وما تقرب عبد إلى الله بأحب مما افترض عليه، وما يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه فليكن لنوافل الصلاة والصيام والصدقة من وقتكم نصيب، وذكر الله من تكبير وتهليل وتحميد وتسبيح هو من أزكى أعمالكم وكتاب الله مشتاق على من يزيل عنه غبار الهجر فرطبوا ألسنتكم بتلاوتهوأحيوا المساجد واعمروها بمجالسه وحلقه، وأحيوا قلوبكم بذكر الله وحمده . وأعرضوا عن طرح الكسالى المخذلين الذين ينهون عن العمل الصالح وينأون عنه وودوا لو تُحرمون كما حرموا

خذوا من الأعمال ماتطيقون فإن سعيكم لشتى ورب رجل فتح له في الصيام وآخر في الذكر وثالث في الصدقة ورابع في الصلاة وكل منكم على خير فلايثرب عامل على تارك

وتذكروا أن من عمل صالحا فلنفسه فاحذر أن تكون يوم الحسرة ممن يقول ياحسرتى على مافرطت في جنب الله

. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية أما بعد

تأتي العشر ياعباد الله وفيها تظهر حاجتنا للفقه المفتقد فقه الأولويات . وفقه تفاضل الأعمال ..ربما رأيت رجالاتظهر شعرات الجمال والجلال على وجوههم حينما تركوها تعظيما للأمر النبوي بالإمساك لمن أراد الأضحيةلكنهم حينما يذبحون ضحاياهم يضحون بلحاهم .. أوماعلموا أن من نهى عن أخذ الشعر والأظفار للمضحين هو من حرم حلق اللحى وجعله تشبها .. وربما وجدت نساء يتحرجن من تسريح شعورهنلئلا تسقط شعرة .. وجميل هذا لو قارنه شعور بتعظيم أوامر الله الأخرى بالحجاب والحياء وغض الأبصار والابتعاد عن التبرج والاختلاط والسفور ..وربما وجدت صائمة تتحرج من تذوق الطعام بلسانها ووجدته لسانا يفري في أعراض المسلمين

ماأجمل أن نعلم أن الله لايقبل نافلة حتى تؤدى فريضة وأن الكبيرة عند الله أعظم من الصغيرة والركن أهم من الواجب والواجب أولى من المستحب ، ورب مفطر في عرفة هو أقرب عند الله من صائم ،

وبعد هذا يامسلمون فالسؤالالذي نطرحه على كل مسلم حكيم: ليس أن نقول له كم مرة أدركت هذه العشر ولكن أن نقول له كم مرة تعرضت لهذه النفحة العظيمة بأن قدمت لنفسك فيها عملا صالحا فالله الله بأن تشمر وتستعد للعمل الصالح فالخير بين يديك وهو ليس حكرا على السابقين بالخيرات ولكنه حق لكل مسلم رضي بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا، وبالجنة أو النار مآلا ومصيرا

أروا الله من أنفسكم خيرا ، وأروا الأعداء بإقبالكم على الطاعات أن كيدهم في تباب وأن نصال الإفساد تتكسر على صخرة ثباتكم وكعباداتكم وإقبالكم على ربكم

والله المسؤول أن يمن علينا بالتوفيق للعمل الصالح وأن يعيننا ويتقبل منا.

المشاهدات 809 | التعليقات 0