زمهرير الشتاء.. حكم وأحكام

خطبة قديمة لم أنشرها من قبل في هذا المنتدى وهي مناسبة هذه الأيام لعل أحدا يستفيد منها..




زمهرير الشتاء.. حكم وأحكام
10/1/1429
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الحَكِيمِ؛ لَطَفَ بِعِبَادِهِ فَلَمْ يُرْهِقْهُمْ عُسْرًا، وَمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ حَرَجًا، فَأَنْزَلَ -سُبْحَانَهُ- المَعُونَةَ عَلَى قَدْرِ المَؤُونَةِ، وَجَعَلَ الصَّبْرَ عَلَى قَدْرِ البَلَاءِ، وَأَمَرَ بِأَدَاءِ الوَاجِبَاتِ حَسْبَ المُسْتَطَاعِ: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَشَرَعَ لَنَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ؛ بِيَدِهِ آجَالُ العِبَادِ وَأَرْزَاقُهُمْ، وَهُوَ وَحْدَهُ القَادِرُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ شَاءَ -سُبْحَانَهُ- لَأَهْلَكَهُمْ بَغْتَةً: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) [النساء:133]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ رَحِيمًا بِأُمَّتِهِ، حَرِيصًا عَلَيْهَا، يَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهَا، وَيَتْرُكُ العَمَلَ مَخَافَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ أَعْلَامِ الهُدَى، وَأُولِي البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ شِدَّةِ مَا يَمُرُّ بِكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَحْوَالِهَا وَأَكْدَارِهَا وَأَزَمَاتِهَا مُعْتَبَرًا لِشِدَّةِ يَوْمِ القِيَامَةِ وَكَرْبِهِ؛ فَإِنَّ كَرْبَ القِيَامَةِ يُنْسِي شِدَّةَ الدُّنْيَا وَكَرْبَهَا: (يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:35-37].
أَيُّهَا النَّاسُ: خَلَقَ اللهُ -تَعَالَى- الأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا، وَأَهْبَطَ آدَمَ إِلَيْهَا، وَجَعَلَهَا مُسْتَقَرًّا لِبَنِي آدَمَ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ فِيهَا: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف:24].
وَمُنْذُ أَنْ سَكَنَ البَشَرُ الأَرْضَ وَرِزْقُ اللهِ -تَعَالَى- يَأْتِيهِمْ فِيهَا، وَالكَوَارِثُ الكَوْنِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ عَذَابًا أَمِ ابْتِلَاءً لَمْ تُفْنِ البَشَرَ كُلَّهُمْ، بَلْ يَبْقَى مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ يَتَنَاسَلُونَ وَيَتَكَاثَرُونَ وَيَعْمُرُونَ الأَرْضَ؛ لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللهُ تَعَالَى.
وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُسَخَّرَانِ لِلْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَمُقَدَّرَانِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَلَا يُهْلِكُهُمْ، وَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ أَقْرَبَ إِلَى الأَرْضِ لَأَحْرَقَتْهَا وَمَنْ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ يَتَأَذَّوْنَ مِنَ الشَّمْسِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ فَكَيْفَ لَوِ اقْتَرَبَتْ!! وَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ أَبْعَدَ عَنِ الأَرْضِ لَتَجَمَّدَتِ الأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَالعُقَلَاءُ يُدْرِكُونَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ البَرْدِ المُهْلِكِ، فَيَعْلَمُونَ نَعْمَةَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيرِ مَوْقِعِ الشَّمْسِ مِنَ الأَرْضِ، فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
وَشِدَّةُ البَرْدِ، وَشِدَّةُ الحَرِّ نَفَسَانِ مِنْ جَهَنَّمَ؛ لِتَذْكِيرِ العِبَادِ فِي الدُّنْيَا بِنَارِ الآخِرَةِ؛ لِيَتَّقُوا مَا يُورِدُهُمْ إِيَّاهَا، وَيَأْخُذُوا بِأَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْهَا، رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالبَرْدُ مُهْلِكٌ، كَمَا أَنَّ الحَرَّ مُؤْذٍ، لَكِنَّ الحَرَّ لَا يُهْلِكُ فِي الغَالِبِ؛ وَلِذَا فَالنَّاسُ يَخَافُونَ البَرْدَ وَيَتَّقُونَهُ أَكْثَرَ مِنَ الحَرِّ، وَقَدْ دَلَّ القُرْآنُ عَلَى هَذَا المَعْنَى؛ فَفِي سُورَةِ النَّحْلِ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- فِي أَوَّلِهَا أُصُولَ النِّعَمِ، وَمِنْهَا بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ وَقَالَ -سُبْحَانَهُ- فِيهَا: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل:5]، وَفِي آخِرِ السُّورَةِ ذَكَرَ مُكَمِّلَاتِ هَذِهِ النِّعَمِ مِنَ المَتَاعِ وَالأَثَاثِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل:81] وَسَرَابِيلُ البَأْسِ هِيَ لِبَاسُ الحَرْبِ، فَلَمْ يَذْكُرْ لِبَاسَ البَرْدِ مِنَ المُكَمِّلَاتِ؛ لِأَنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ذَكَرَهُ مِنَ الأُصُولِ وَالأَسَاسَاتِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
وَمِنْ كَمَالِ نَعِيمِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِيهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "عَلِمَ اللهُ -تَعَالَى- أَنَّ شِدَّةَ الحَرِّ تُؤْذِي وَشِدَّةَ البَرْدِ تُؤْذِي فَوَقَاهُمْ أَذَاهُمَا جَمِيعًا: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان:13] وَالزَّمْهَرِيرُ: هُوَ البَرْدُ القَاطِعُ" ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "هُوَ لَوْنٌ مِنَ العَذَابِ".
وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قَالَ: "كَانَتِ العَرَبُ تُسَمِّي الشِّتَاءَ الفَاضِحَ -وَكَأَنَّهُ وَاللهُ أَعْلَمُ يَفْضَحُ الفَقِيرَ، فَلَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الحَرِّ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ- فَقِيلَ لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ: أَيُّمَا أَشَدُّ عَلَيْكُمُ القَيْظُ أَمِ القُرُّ؟ فَقَالَتْ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، مَنْ جَعَلَ البُؤْسَ كَالأَذَى؟ فَجَعَلَتِ الشِّتَاءَ بُؤْسًا وَالقَيْظَ أَذًى".
وَالعَرَبُ تُسَمِّي الشِّتَاءَ ذَكَرًا وَالصَّيْفَ أُنْثَى؛ لِقَسْوَةِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ غِلْظَتِهِ، وَلِينِ الصَّيْفِ وَسُهُولَةِ شَكِيمَتِهِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: "وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا الشِّتَاءَ فِي كُلِّ صَعْبٍ قَاسٍ، وَالصَّيْفُ وَإِنْ تَلَظَّى قَيْظُهُ وَحَمِيَ صِلَاؤُهُ وَعَظُمَ بَلَاؤُهُ فَهُوَ بِالإِضَافَةِ إِلَى الشِّتَاءِ هَوْلُهُ هَيِّنٌ عَلَى الفُقَرَاءِ؛ لِمَا يَلْقَوْنَهُ فِيهِ مِنَ التَّرَحِ وَالبُؤْسِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَا أَعْدَدْتَ لِلْبَرْدِ؟ قَالَ: طُولَ الرِّعْدَةِ، وَفَظَاظَةَ الشِّدَّةِ".
وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَ يَتَعَاهَدُ رَعِيَّتَهُ إِذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ، وَيَكْتُبُ لَهُمْ قَائِلًا: "إِنَّ الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ عَدُوٌّ فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالخِفَافِ وَالجَوَارِبِ، وَاتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا وَدِثَارًا؛ فَإِنَّ البَرْدَ عَدُوٌّ سَرِيعٌ دُخُولُهُ، بَعِيدٌ خُرُوجُهُ".
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَلِأَنَّ شِدَّةَ البَرْدِ تُؤْذِي النَّاسَ وَقَدْ تُهْلِكُهُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ خَفَّفَ عَنْهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ؛ فَأَبَاحَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمُ التَّيَمُّمَ فِي شِدَّةِ البَرْدِ، وَعَدَمِ وُجُودِ وَسَائِلَ لِتَسْخِينِ المَاءِ؛ مِمَّا يُظَنُّ مَعَهُ الهَلَاكُ أَوِ الضَّرَرُ، وَفِي ذَلِكَ أَقَرَّ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَمْرَو بْنَ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا أَجْنَبَ فِي غَزَاةٍ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ.
وَلَكِنْ مُجَرَّدُ المَشَقَّةِ لَيْسَتْ عُذْرًا فِي تَرْكِ الوُضُوءِ أَوِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ المَشَقَّةِ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّ الوُضُوءَ فِي البَرْدِ شَاقٌّ عَلَى كُلِّ النَّاسِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: "سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثًا فَلَمْ يُرَخِّصْ لَنَا فَقُلْنَا: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَنَا فِي الطُّهُورِ فَلَمْ يُرَخِّصْ لَنَا".
وَمِنْ تَخْفِيفِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ، وَرَحْمَتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِمْ: أَنْ شَرَعَ -سُبْحَانَهُ- لَهُمُ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ.
وَأَبَاحَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فِي رِحَالِهِمْ إِذَا كَانَ البَرْدُ شَدِيدًا مَصْحُوبًا بِأَمْطَارٍ أَوْ رِيحٍ تَضُرُّ النَّاسَ وَتُؤْذِيهِمْ؛ كَمَا رَوَى نَافِعٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُول: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَيُبَاحُ لِلْمُؤْمِنِ ذَكَرًا كَانَ أَمْ أُنْثَى لُبْسُ القُفَّازَيْنِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ؛ إِذْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَتَغْطِيةُ الوَجْهِ أَوْ بَعْضُهُ بِلِثَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنِ احْتَاجَ لَهُ المُصَلِّي لِاتِّقَاءِ هَوَاءٍ بَارِدٍ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي الخَلَاءِ؛ زَالَتِ الكَرَاهِيَةُ، وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ.
وَمَعَ هَذِهِ التَّرَاخِيصِ العَظِيمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ فَإِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- يُعْظِمُ لَهُمُ المَثُوبَةَ عَلَى تَحَمُّلِ المَكَارِهِ فِي طَاعَتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَمِنْ أَسْبَابِ مَحْوِ الخَطَايَا وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكْرُوهَاتِ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيثُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِسْبَاغَ الوُضُوءِ فِي شِدَّةِ البَرْدِ، وَكَثْرَةِ المَلَابِسِ عَلَى المُتَوَضِّئِ مِمَّا يَكْرُهُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ قُرْبَةً للهِ -تَعَالَى-، فَاسْتَحَقَّ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ.
وَلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي إِسْبَاغِ الوُضُوءِ، وَتَرْكِ غَسْلِ أَجْزَاءٍ مِنْ بَعْضِ الأَعْضَاءِ، كَالوَجْهِ وَالكَعْبَيْنِ، وَلَا سِيَّمَا المِرْفَقَيْنِ، مَعَ كَثْرَةِ اللِّبَاسِ، وَعُسْرِ حَسْرِ الأَكْمَامِ عَنْهُمَا.
وَتَسْخِينُ المَاءِ فِي شِدَّةِ البَرْدِ مِمَّا يَحْفَظُ النَّفْسَ مِنَ العَطَبِ وَالمَرَضِ، وَيُعِينُ عَلَى إِسْبَاغِ الوُضُوءِ وَإِتْمَامِ الطَّاعَةِ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ كَرَاهَةٌ، وَيُخْشَى عَلَى مَنْ تَنَزَّهَ عَنْهُ قُرْبَةً مِنَ الغُلُوِّ وَالتَّنَطُّعِ.
قَالَ شُرَّاحُ الحَدِيثِ: "تَسْخِينُ المَاءِ لِدَفْعِ بَرْدِهِ لِيَقْوَى عَلَى العِبَادَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ المَذْكُورِ". اهـ
وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا حَاجَةَ لَهُ فِي تَعْذِيبِنَا وَإِرْهَاقِنَا، فَكُلُّ مَا أَعَانَ عَلَى إِتْمَامِ العِبَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَى المَنْعِ مِنْهُ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَمُبَاحٌ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ.
وَلْيَحْذَرِ العَبْدُ مِنْ سَبِّ الرِّيحِ وَإِنْ آذَتْهُ بِبَرْدِهَا وَشِدَّتِهَا؛ فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ -تَعَالَى-، وَقَدْ يُصَابُ بِالحُمَّى مِنْ جَرَّاءِ البَرْدِ فَلَا يَسُبُّها أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مِنَ اللهِ -تَعَالَى-؛ وَلِأَنَّهَا تَحْرِقُ ذُنُوبَ العَبْدِ، وَتُخَفِّفُ عَنْهُ، فَكَانَ فِيهَا خَيْرٌ لَهُ وَلَوْ أَقْعَدَتْهُ وَأَسْهَرَتْهُ وَآذَتْهُ.
وَيَكْثُرُ فِي البَرْدِ إِيقَادُ النَّارِ وَوَسَائِلُ التَّدْفِئَةِ؛ فَلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ مِنْهَا؛ فَإِنَّ النَّارَ عَدُوٌّ لَهُ، وَكَمْ مِنْ حَوَادِثَ هَلَكَ فِيهَا أَفْرَادٌ وَأُسَرٌ بِسَبَبِ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ، رَوَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ)، وَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَأْنِهِمْ قَالَ:" إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ" رَوَى الحَدِيثَيْنِ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ فِي قِبْلَةِ المُصَلِّي فَرِيضَةً كَانَتْ أَمْ نَافِلَةً، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً كَشُعْلَةِ مِدْفَأةٍ أَوْ فَتِيلَةِ سِرَاجٍ أَوْ شَمْعَةٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالمَجُوسِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ لِلنَّارِ أَوْ إِلَيْهَا، وَقَدْ نُهِينَا عَنِ التَّشَبُّهِ بِالكُفَّارِ.
أَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا الفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا عَلِمْنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:123].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَوْجَةُ البَرْدِ القَارِسِ الَّتِي أَصَابَتْ كَثِيرًا مِنَ الدُّوَلِ، وَأَضَرَّتْ بِكَثِيرٍ مِنَ البَشَرِ هِيَ مِنْ دَلَائِلِ قُدْرَةِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ، وَلَوْ شَاءَ سُبْحَانَهُ- لَجَمَّدَ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، فَلَا يَمْلِكُونَ لِذَلِكَ دَفْعًا وَلَا تَخْفِيفًا.
كَمَا أَنَّ هَذِهِ المَوْجَةَ البَارِدَةَ تُذَكِّرُنَا نِعَمَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْنَا؛ فَإِنَّنَا طَوَالَ العَامِ وَأَعْوَامًا سَابِقَةً نَرْفُلُ فِي النِّعَمِ، وَنَتَمَتَّعُ بِرِزْقِ اللهِ -تَعَالَى-؛ فَلَا نَجِدُ حَرًّا يُؤْذِينَا، وَلَا نُحِسُّ بَرْدًا يَضُرُّنَا، بِمَا خَفَّفَ اللهُ -تَعَالَى- عَنَّا، وَرَزَقَنَا مِنَ الغِذَاءِ وَالكِسَاءِ وَالمَرَاكِبِ وَالمَتَاعِ، حَتَّى نَسِيَ كَثِيرٌ مِنَّا أَنَّهُمْ فِي نِعْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-، أَوْ أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهَا فَبَطِرُوا وَطَغَوْا، فَإِذَا لَسَعَتْنَا مَوْجَةٌ كَهَذِهِ ذَكَّرَتْنَا نِعَمَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْنَا، فَحَقِيقٌ بِنَا أَنْ نُبَالِغَ فِي شُكْرِهَا بِأَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا.
وَهَذِهِ المَوْجَةُ البَارِدَةُ أَثْبَتَتْ لَنَا ضَعْفَ البَشَرِ، وَافْتِقَارَهُمْ إِلَى عَفْوِ اللهِ -تَعَالَى- عَنْهُمْ، وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ، وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ عَذَّبَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
وَمَا أَصَابَ النَّاسَ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ وَالكَوَارِثِ سَبَبُهُ تَقْصِيرُهُمْ فِي طَاعَةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَاجْتِرَاؤُهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَضَعْفُ التَّنَاهِي عَنِ المُنْكَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهَذِهِ تَذْكِرَةُ اللهِ -تَعَالَى- لَهُمْ وَإِنْذَارُهُ وَإِعْذَارُهُ، فَلْنَحْذَرْ عُقُوبَةَ اللهِ -تَعَالَى-: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].
عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا فِي هَذَا البَرْدِ القَارِسِ أَحْوَالَ الفُقَرَاءِ وَالمُعْدِمِينَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ كِسَاءً يَحْمِي أَجْسَادَهُمْ، وَلَا فِرَاشًا يَقِيهِمْ صَقِيعَ الأَرْضِ، وَلَا طَعَامًا يُقَوِّي عُودَهُمْ عَلَى البَرْدِ، وَلَا يَمْلِكُونَ وَسَائِلَ لِلتَّدْفِئَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بُيُوتُهُمْ مَدَاخِلُ وَمَخَارِجُ لِلْهَوَاءِ البَارِدِ مِنْ قِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْكُنُونَ صَفِيحًا يُجَمِّدُهُمْ وَأُسَرَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ.. فَارْحَمُوهُمْ رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى عَوْنِكُمْ..
تَلَمَّسُوا حَاجَاتِهِمْ، وَأَعِينُوهُمْ فِي نَوَائِبِهِمْ.. دَفِّئُوهُمْ وَأُسَرَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَبُلُّوا بِالطَّعَامِ أَكْبَادَهُمْ..تَلَمَّسُوهُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَوْ وُكَلَاءَ عَنْكُمْ فِي الأَحْيَاءِ الفَقِيرَةِ، وَالبِلَادِ البَعِيدَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْكُمْ، وَمِنْ مَعُونَةِ إِخْوَانِكُمْ: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110].
تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ وَأَنْتُمْ تَنْعَمُونَ وَأُسَرُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ بِالدِّفْءِ وَالشِّبَعِ وَالِاسْتِقْرَارِ.. تَذَكَّرُوا إِخْوَانًا لَكُمْ شَرَّدَتْهُمُ القُوَى الظَّالِمَةُ الغَاشِمَةُ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَطْفَالُهُمْ فِي مَلَاجِئَ وَمُخَيَّمَاتٍ لَا تَقِيهِمْ مِنَ الهَوَاءِ، وَلَا تَحْمِيهِمْ مِنَ الصَّقِيعِ، فِي فِلَسْطِينَ وَالعِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ وَالصُّومَالِ، وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ المُغْتَصَبَةِ..
تَذَكَّرُوا إِخْوَانَكُمْ فِي غَزَّةَ وَقَدْ حَاصَرَهُمُ اليَهُودُ، وَخَذَلَهُمُ العَالَمُ كُلُّهُ؛ فَمَنَعُوا عَنْهُمُ الطَّعَامَ وَالكِسَاءَ وَالوَقُودَ؛ لِيُوهِنُوا عَزِيمَتَهُمْ، وَيَكْسِرُوا إِرَادَتَهُمْ، وَقَدْ طَالَ حِصَارُهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ يَكَادُ، ثُمَّ أَمْطَرَهُمُ العَدُوُّ بِوَابِلِ قَنَابِلِهِ؛ لِيَهْدِمَ عَلَيْهِمْ دُورَهُمْ، وَيَقْتُلَ نِسَاءَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ، فَمَنْ لَهُمْ بَعْدَ اللهِ -تَعَالَى- إِلَّا إِخْوَانُهُمْ؟! كَانَ اللهُ -تَعَالَى- مَعَهُمْ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ.آمِينَ.آمِينَ.آمِينَ.
تَذَكَّرُوا أُولَئِكَ كُلَّهُمْ فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ.. يَا تُرَى مَا هُوَ حَالُهُمْ وَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الحِيلَةُ؟! وَمَا هُوَ حَالُ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ فِي هَذَا البَرْدِ القَارِسِ مَعَ شُحِّ الطَّعَامِ وَقِلَّةِ اللِّبَاسِ، وَانْعِدَامِ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ، سَلُوا اللهَ -تَعَالَى- لَهُمُ المَعُونَةَ؛ فَهُمْ فِي حَالٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ -تَعَالَى-، وَأَكْثِرُوا لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ إِحْسَاسَكُمْ بِهِمْ مِنْ إِيمَانِكُمْ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى حَيَاةِ قُلُوبِكُمْ تِجَاهَ إِخْوَانِكُمْ: "وإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" "وَتَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" كَمَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ....
المرفقات

903.doc

زمهرير الشتاء..حكم وأحكام.doc

زمهرير الشتاء..حكم وأحكام.doc

زمهرير الشتاء مشكولة.doc

زمهرير الشتاء مشكولة.doc

المشاهدات 2960 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا