زلزال وفيضان 1445/2/30ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيّها المسلمونَ : إنَّ منْ تقديرِ اللهِ تعالى الحكيمِ الخبيرِ أنَ حجبَ العلمَ بوقتِ قيامِ الساعةِ عنْ جميعِ خلقهِ ، واختصَّ بهِ وجعلهُ منْ غيبهِ الذي لمْ يظهرْ عليهِ ملكا مقربا ولا نبيا مرسلاً كما قالَ سبحانهُ : " يسألكَ الناسُ عنْ الساعةِ قلَ إنما علمها عندَ اللهِ وما يدريكَ لعلَ الساعةَ تكونُ قريبا " ، غيرَ أنَ النّبيَ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ أخبرَ عنْ أماراتِها وأشراطِها ، وهيَ العلاماتُ الدالةُ على قُربِ وقوعِها ودنوّ زمانِها ، فكانَ وقوعُ هذهِ الأخبارِ النبويةِ الصادقةِ دليلاً منْ دلائلِ نبوتهِ وعلما منْ أعلامها وآيةً بينةً على صدقهِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ فيما أخبرَ بهِ عنْ ربهِ . ولقدْ كانَ مما أخبرَ بهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ منْ أشراطِ الساعةِ كثرةَ الزلازلِ التي تكونُ في آخرٍ الزمانِ كما جاءَ في الحديثِ الذي أخرجهُ البخاري « لا تقومُ الساعةُ حتى يقبضَ العلمُ وتكثرَ الزلازلُ ويتقاربَ الزمانُ وتظهرَ الفتنُ ويكثرَ الهرجُ وهوَ القتلُ » وروى الإمامْ أحمدُ عنْ صفيةَ أنها قالتْ : زُلزلتْ المدينةُ على عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ ، فقالَ : " يا أيّها الناسُ ، ما هذا ؟ ! ما أسرعَ ما أحدثتمْ ! لئنْ عادتْ لا أساكنكمْ فيها أبدا " ، وقالَ كعبُ رضيَ اللهُ عنهُ : " إنّما تزلزلُ الأرضُ إذا عملَ فيها بالمعاصي ، فترعدُ خوفا منْ الربِ جلَ جلالهُ أنْ يطلعَ عليها " ، وقالَ بعضُ السلفِ لما زُلزلتْ الأرضُ : " إنَّ ربكمْ يستعتبكمْ " ، وعنْ سلمةَ بنِ نفيلٍ قالَ :" كنا جلوسا عندَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فذكرَ الحديثَ وفيهِ : « بينَ يدي الساعةَ موتانِ شديدٌ ، وبعدهُ سنواتُ الزلازلِ » أخرجهُ أحمدْ .
عبادَ اللهِ : وفي المحنِ والمصائبِ يعرفُ الناسُ عزَ الربوبيةَ وقهرها ، وذلَ العبوديةِ وكسرها ، وأنَ الخلقَ كلهمْ ملكهُ وعبيدهُ ، راجعونَ إلى حكمهِ وتدبيرهِ ، لا مفرَّ لهمْ منهُ ، ولا محيدَ لهمْ عنهُ ، والمؤمنونَ على يقينٍ أنَ أفعالَ اللهِ عزَ وجلَ تتضمنُ الحكمةَ وإنْ غابتْ عنْ عقولنا ، المؤمنُ يعتقدُ أنَ اللهَ خالقٌ هذا الكونِ ، كلُ ما يتحركُ في السماءِ وما تمورُ بهِ الأرضُ كلَّ نسمةِ بشرِ وحركةِ شجرٍ بإذنِ اللهِ تباركَ وتعالى ، قالَ اللهُ تعالى : " وخلقَ كلَّ شيءٍ فقدرهُ تقديرا " . والمؤمنونَ يتعاملونَ معَ الأحداثِ بالعظةِ والاعتبارِ ، قالَ تعالى : " إنَّ في ذلكَ لعبرةً لمنْ يخشى " ، وينهلونَ منها الدروسَ التي تفتحُ الآذانَ وتوقظُ القلوبَ وتحركُ المشاعرَ ، قالَ تعالى : " وما نرسلُ بالآياتِ إلا تخويفا " ، إنَّ زلزالَ الدنيا مهولٌ ، وآثارهُ مدمرةٌ ، وواقعهُ مفجعٌ ، وهوَ في ذاتِ الوقتِ موقظٌ لنا منْ رقدتنا لنتذكرَ الآخرةَ " أفحسبتمْ أنما خلقناكمْ عبثا وأنكمْ إلينا لا ترجعونَ " . زلزالُ الدنيا أرضٌ ترتجفُ ومبانٍ تسقطُ ، يموتَ منْ يموتُ ، ويحيا منْ بقيَ لهُ منْ عمرهِ بقيةٌ ، أما زلزالُ الآخرةِ ففيها تذهلُ المراضعُ ، وتضعُ الحواملُ ، وتشيبُ الولدانُ ، والناسُ كالسكارى منْ هولِ الموقفِ ومنْ الذعرِ ، قالَ تعالى " ياأيها الناسُ اتقوا ربكمْ إنَ زلزلةَ الساعةِ شيءٌ عظيمٌ ، يومَ ترونها تذهلُ كلُ مرضعةٍ عما أرضعتْ وتضعُ كلُ ذاتِ حملٍ حملها وترى الناسَ سكارى وما همْ بسكارى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديدٌ " . وسبيلَ النجاةِ والمخرجُ منْ الكربِ والفتنةِ والشدةِ والمحنةِ اللجوءُ إلى اللهِ تعالى وحدهُ والفزعُ إليهِ والصلاةُ ، قالَ تعالى : " فأخذناهمْ بالبأساءِ والضراءِ لعلهمْ يتضرعونَ " ، قالَ تعالى : " أمن يجيبُ المضطرَ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ " ، منْ أسبابِ النجاةِ التوبةِ والاستغفارِ ، " وما كانَ اللهُ ليعذبهمْ وأنتَ فيهمْ وما كانَ اللهُ معذبهمْ وهمْ يستغفرونَ " ، منْ أسبابِ النجاةِ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنْ المنكرِ ، قالَ تعالى : " وما كانَ ربكَ ليهلكَ القرى بظلمٍ وأهلها مصلحونَ " .
الخطبةُ الثانيةُ :
عبادَ اللهِ : قالَ اللهُ تعالى : " ظهرَ الفسادُ في البرِ والبحرِ بما كسبتْ أيدي الناسِ ليذيقهمْ بعضَ الذي عملوا لعلهمْ يرجعونَ " ، يقولَ ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ : " ونزّلْ هذهِ الآيةَ على أحوالِ العالمِ , وطابق بينَ الواقعِ وبينها , وأنتَ ترى كيفَ تحدثَ الآفاتُ والعللُ كلَّ وقتٍ , في الثمارِ والزرعِ والحيوانِ , وكيفَ يحدثُ منْ تلكَ الآفاتِ آفاتٌ أُخرَ متلازمةٌ , بعضها أخذٌ برقابِ بعضٍ , وكلما أحدثَ الناسُ ظلما وفجورا أحدثَ لهمْ ربُهمْ تباركَ وتعالى منْ الآفاتِ والعللِ في أغذيتهمْ وفواكههمْ وأهويتهمْ ومياههمْ وأبدانهمْ وخلقهمْ وصورهمْ وأشكالهمْ وأخلاقهمْ منْ النقصِ والآفاتِ ما هوَ موجبُ أعمالهمْ وظلمهمْ وفجورهمْ " آهٍ عباد اللهِ : وإنَّ مما يؤسفُ لهُ ويدعو إلى العجبِ ما درجتْ عليهِ وسائلُ الإعلامِ منْ إظهارِ هذهِ الكوارثِ على أنها ظواهرُ طبيعيةٌ ، وأنَّ سببها تصدعٌ في باطنِ الأرضِ ضعفتْ القشرةُ عنْ تحملهِ ، فترتبَ منْ جرّاءِ ذلكَ حدوثُ تلكَ الهزاتِ المزلزلةِ . والسؤالُ الذي يوجهُ إلى هؤلاءِ وأمثالهمْ : منْ الذي قدّرَ لهذا الصدعِ أنْ يحدثَ ؟ ومنْ الذي أضعفَ قشرةَ الأرضِ أنْ تتحملهُ ؟ أليسَ هوَ اللهُ ؟ ! إنما كانَ ذلكَ بسببِ فشوِ المنكرات واستبدالِ الذي هوَ أدنى بالذي هوَ خيرٌ والأمنِ منْ مكرِ اللهِ ، قالَ الإمامُ ابنْ بازْ رحمهُ اللهُ : " فالواجبُ عندَّ الزلازلِ وغيرها منْ الآياتِ والكسوفِ والرياحِ الشديدةِ والفيضاناتِ البدارُ بالتوبةِ إلى اللهِ سبحانهُ والضراعُ إليهِ وسؤالهُ العفوَ والعافيةَ والإكثارُ منْ ذكرهِ واستغفارهِ .
المشاهدات 1188 | التعليقات 2
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزاك الله خيرا يا أخي تم التعديل
مستفادة
محمد بن سامر
السلام عليكم ونفع الله بكم أخي هناك خطأ في الآية : (أنْ في ذلكَ لعبرةً لمنْ يخشى) والصواب: (إنَّ ...)
وخطأ في الآية: (ياأيها الناسِ...) والصواب: (يا أيها الناسُ...)
وخطأ في الآية: (وخلقَ كلِ...) والصواب: (وخلق كلَّ...)
تعديل التعليق