زَكُّوا وتَزَكَّوا
راشد بن عبد الرحمن البداح
إن الحمدَ للهِ؛ نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا. من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه صلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:
فيا أيها الصائمونَ: لنفرَحْ ولنفخَرْ بدينِنا العظيمِ، الذي أظهرهُ اللهُ على الدينِ كلِّه، ولو كرهَ المشركونَ. فدينُنا يدعُو للترابُطِ والتكافُلِ، فالصلاةُ اجتماعٌ، والزكاةُ تكافُلٌ، والصومُ تواصُلٌ، والحجُ تكاتُفٌ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}.
أما مجتمعُ الكفارِ فعندَهمُ التفككُ، وتقطُّعُ الصِلاتِ، وشحُ الأنفسِ، فلا علاقاتٍ إلا بمصالحَ، ولا يَغُرَّنَّك بَهْرَجُ الحضارةِ، فإن الخُواءَ كامِنٌ في الداخلِ. فالحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ.
ومِن مَحاسنِ دينِنا هذه الزكاةُ التي هيَ حقٌ على الغنيِ للفقيرِ، وليسَ لهُ فيها مِنَّةٌ؛ فالمِنةُ للهِ وحدَه. فأدُّوها يا أصحابَ الجِدَةِ قبلَ أن يأتيَ يومٌ يُحمَى عليها في نارِ جهنمَ، فتُكوَى بها الجِباهُ والجُنوبُ والظُهورُ، وقبلَ أن يُمَثَّلَ لصاحبِ المالِ مالُه شجاعًا أقرعَ، فيأخذَ بشِدْقَيهِ، ويقولَ: أنا مالُكَ أنا كنزُكَ.
أيُها المسلمونَ: التفقُّهُ بأحكامِ الزكاةِ مهمٌ، فإليكمُ اثنَي عشرَ سؤالاً وجوابُها:
1. هل يجوزُ أن أعطيَ زكاتي لأخي المديونِ العاجزِ، أو لبِنتي المتزوجةِ المحتاجةِ؟ الجوابُ: يجوزُ، بل هو الأفضلُ؛ لأن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرَ أن الزكاةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ([1]).
2. شخصٌ له أولادٌ، وراتبُهُ قليلٌ، فهل أُعطيهِ من زكاتي؟
الجوابُ: إن كان آخرَ الشهرِ يَستدينُ فأعطِهِ.
3. لي دَينٌ على فقيرٍ، فهل يجوزُ أن أُسْقِطَهُ، وأنويَهُ زكاةً؟ الجوابُ: (لا يجوزُ؛ لأن الزكاةَ أخذٌ وإعطاءٌ، كما قالَ تعالَى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً]
4. سلَّفتُ رجلاً مالاً، وله عشرُ سنواتٍ لم يُسدِّدني، فهل أُزكي عن المالِ؟
الجوابُ: لا تُزَكِّ إلا عن سنةٍ واحدةٍ فقط، إذا قبضتَها)([2])
5. رجلٌ لا يُحسِنُ التصرفَ في مالهِ، فهل أشتريْ له احتياجاتِه على دُفعاتٍ؟!
الجوابُ: (لا يجوزُ التصرفُ فيها إلا بتوكيلٍ من الفقيرِ، أو تقولُ: اشترِ وأنا أُسددُ عنكَ)([3]).
6. رواتبُنا الشهريةُ كيفَ نحسِب زكاتَها؟ فيُقالُ: (إن كانَ يَبقَى منها كلُّ شهرٍ فحدِّدْ شهرًا وأخرِجْ زكاتَه، واحسِبْ راتبَ الشهرِ الماضي، وتكونُ زكاتهُ معجَّلةً)([4]).
7. اشتريتُ أرضًا؛ لتحفظَ دراهمِي فقط، ولو احتجتُ بعتُها. قالَ ابنُ عثيمينَ: ليس فيها زكاةٌ([5]).
8. هل أُجَزِّئُ زكاتيَ إلى مئةٍ ومئتينِ؟
إن كانت كثيرةً فالأفضلُ أن تُعطِيَ المستحقَ لكفايةِ عائلتِه سنةً كاملةً.
9. تقولُ المرأةُ: عندي ذهبٌ لا ألبسُه، فهل فيه زكاةٌ؟
فيُقالُ: إن أكثرَ العلماءِ على أنه لا زكاةَ فيه.
10. كيفَ أحسِبُ زكاةَ مالي؟ اقسِمِ المبلغَ على أربعين، والناتجُ هو زكاتُكَ.
11. كمِ المبلغُ الذي تجبُ عليَّ فيه الزكاةُ؟ مَن عندَهُ ألفانِ وثلاثُ مئةِ ريالٍ فعليهِ الزكاةُ.
12. طفلي الصغيرُ عندَه حصَّالةٌ فيها ألفانِ وثلاثُ مئةِ ريالٍ، فهل يُزكَّى؟
نعم يجبُ زكاتُها، وكذلك مَن عندَهُ مجنونٌ فكذلكَ.
الحمدُ للهِ على شهرِ التقوى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ الأتقَى، أما بعدُ: فقد بقيَتْ زكاةٌ مهمةٌ جدًا نحنُ عنها غافلونَ، إنها زكاةٌ تشملُ الغنيَّ والفقيرَ! أتدْرونَ ما هيَ؟!
إنها زكاةُ نفوسِنا لننالَ فلاحَنا، فربُّنا قالَ في آيةٍ نسمَعُها كلَّ تراويحٍ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}. وموسَى –عليهِ السلامُ- يقولُ لفرعونَ: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}. وثمرةُ التزكيْ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى}.
فلنتفقَّدْ قلوبَنا وقد انتصَفْنا من رمضانَ، ولنُصلِحَ فسادَ قلوبِنا لتتزكَى، فالقلبُ هو الملِكُ، وليُكثرْ أحدُنا من الدعاءِ قائلاً: اللهم أصلِحْ فسادَ قلبِيَ. ومِن قولِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}. والدعاءُ في رمضانَ خاصةً يُزَكِي القلبَ،
ونحنُ عنهُ غافلونَ، مقتصِرينَ على قنوتِ الإمامِ فحسْب.
فيا أيُّها الصائمُ لربِّكَ: أتدعُو قُبيلَ الإفطارِ بدقائقَ، أم أنت مشغولٌ: كم بقيَ على الأذانِ؟ أتدعُو وتستغفِرُ قبلَ سحورِكَ، أم تنهمكُ بجوالِكَ ورسائلِكَ؟
أتدعُو بين الأذانِ والإقامةِ في المسجدِ؟ وهذه يَكادُ الناسُ يَهجرُونها. فهل تعلمُ أن دعاءَك بين الأذانِ والإقامةِ أفضلُ من قراءتِك للقرآنِ؟
· فاللهم إن الصلاةَ والصومَ والذكرَ لك وحدَك. وكلُّنا وما مَلَكْنا مُلْكُكَ لا شريكَ لكَ.
· اللهم تقبلْ بفضلِكَ صومَنا، بل ونومَنا، وصلواتِنا وصدقاتِنا، وسائرَ ما قدَّمنا لأنفسِنا من خيرٍ. فأنتَ –سبحانَك– الذي أعنْتَنا عليها، ثم تَجزِينا عليها الجزاءَ الأوفَى، فضلاً منكَ ورحمةً.
· اللهم هَبْ لنا غنىً لا يُطغِينا، وصحةً لا تُلهِينا.
· اللهم أعِذْنا من الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ، واعصِمنا بالكتابِ والسنةِ، واجعلنا من أنصارِ دينِكَ.
· اللهم اجعل خيرَ أعمالِنا آخرَها، وخيرَ أيامِنا يومَ لقاكَ.
· اللهم وفي هذه الأيامِ المباركةِ ارزقِ الأمةَ الإسلاميةَ عزةً ونصرًا وتمكينًا.
· اللهم واكفِنا كيدَ مَن كادَ بنا، واحفظ أمنَنا وإيمانَنا، ودينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، ودنيانا وأُخرانا.واحفظْ شبابَنا وبناتِنا وأعراضَناومجاهدِينا ومرابطِينا.
· اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَ عهدِهِ لما فيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين. اللهم اجزِهم على بذلِهم لرعيتِهم وللمسلمينَ، وعلى خدمتِهم للحرمينِ الشريفينِ، ولكتابِكَ العزيزِ.
· اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
----------------
([1]) سنن الترمذي (658) وقال الترمذي: حسن. وانظر مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين ( ص 161)
([2]) الضياء اللامع من الخطب الجوامع (1 /351)
([3]) لقاءات الباب المفتوح (219 / 7) وثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين د. أحمد القاضي ( ص 61)
([4]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (18 / 118)
([5]) اللقاء الشهري (71 / 4) و (54 / 17)
المرفقات
1741856679_��زَكُّوا وتَزَكَّوا�.doc
1741856679_��زَكُّوا وتَزَكَّوا�.pdf