زكريا يدعو ربه
أيمن عرفان
1433/06/25 - 2012/05/16 15:24PM
[font="]زكريا يدعو ربه[/font]
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، أما بعد ......
[font="][/font]
[font="][/font]
في سورة مريم يبدأ الله عز وجل السورة بمجموعة من الأحرف المتقطعة التي هي سر الله عز وجل في القرآن الكريم، ثم يحدثنا ربنا تبارك وتعالى بعد ذلك عن شخصية رجل اسمه زكريا، زكريا عليه السلام كان نبيا من الأنبياء الذين أرسلهم الله عز وجل لبني إسرائيل، يقول الله عز وجل :{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)}أي هذا الذي يتلى من القرآن ذكر رحمة ربك، وقرئت ذَكَرَ أي ذكر القرآن رحمة ربك عبده زكريا، وقرئت ذَكَّرَ أي ذكر القرآن ، وقرئت ذَكِّرْ بصيغة الأمر والخطاب لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم أي ذكر يا محمد الناس وقص عليهم رحمة ربك عبده زكريا، والرحمة هنا هي الرحمة الشاملة التي عمت سيدنا زكريا عليه السلام بما في ذلك أنه شرف بذكر اسمه في القرآن وشرف بنسبته إلى الله عز وجل حيث قال الله عز وجل "عبده زكريا" فأعلى مقام وأشرف مقام بشري على الإطلاق هو مقام العبودية لله عز وجل.
{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3)} النداء الدعاء والرغبة، خفيا أي مناجاة بينه وبين ربه لم يطلع عليها أحد، وهنا نتساءل: لماذا جعل زكريا دعاءه خفيا؟ زكريا كان قد كبر في السن وزوجته كانت عاقراً لا تنجب، وله بين قومه منصب الزعامة والإرشاد والتوجيه الديني، معنى ذلك أنه لو مات لن يكون هناك من يرث هذه المكانة إلا أبناء عمومته وكانوا من شرار بني إسرائيل، فكان زكريا يخشى أن تصير هذه المنزلة إلى هؤلاء الأشرار بعد موته فيفسدوا على الناس دينهم، فكان يدعو الله عز وجل أن يرزقه بالولد الذي يقوم بهذه المهمة من بعده، من هنا قال العلماء أنه كان يدعوا الله سراً حتى لا يلومه الناس، كيف تطلب الولد وأنت رجل كبير وزوجتك عاقر، أو أنه أخفى دعاءه عن أبناء عمومته الذين خشي خلافتهم له، وقيل أنه أخفى دعاءه لأنه كان قد كبر في السن فخفت صوته وضعف، وأحسن ما قيل في ذلك أنه أخفى دعاءه لأن الإخفات في الدعاء أقرب للإخلاص وأبعد عن الرياء.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)} هذا هو الدعاء الذي دعا به زكريا عليه السلام، وَهَنَ أي ضَعُفَ العظم، وهنا نلاحظ أن الضعف قد أصاب الجسد كله ولكنه اختص العظم بالذكر ، لماذا؟ لأن العظم أقوى ما في الإنسان، فإذا كان أقوى ما في الإنسان قد ضعف، فمن باب أولى أن غيره أكثر منه ضعفاً، كما أن جسد الإنسان كله مبني على العظام، فإذا كان العظم قد ضعف معنى ذلك أن الجسد كله يتداعى ويتساقط. وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ما أجمله من تعبير، وما أقواها من استعارة، الاشتعال انتشار شعاع النار، فشبه انتشار الشيب في رأسه باشتعال النار، ولم يقل واشتعل الشعر بل قال واشتعل الرأس، فأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته، وهنا نتأمل في دعاء زكريا لنجد أمرين في غاية الأهمية فنتعلم كيف ندعو: الأمر الأول أن زكريا لم يبدأ بالطلب أولاً بل بدأ دعاءه بالتضرع والتذلل والخضوع وإظهار الضعف والافتقار لله عز وجل، فكذلك أنت إذا أردت أن تسأل الله عز وجل عليك أن تبدأ بالتضرع والخضوع لله وتحمد الله وتثني عليه وتصلي وتسلم على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تدعوا بما شئت. الأمر الثاني لاحظ الأدب في الدعاء، من الذي حكم على بني آدم بالشيخوخة عند الكبر وضعف الجسد وشيب الشعر، ومع ذلك لم زكريا لربه أنت فعلت ذلك بي، أدباً مع الله. وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا زكريا يقول لربه نعم يا رب أنا أعرف أن دعائي هذا غير معتاد، ويتعارض مع سنن الكون ، إذ كيف لرجل كبير في السن وزوجته عاقر لا تنجب أن يرزق بالولد، ولكنك يا رب عودتني على إجابة الدعاء، فأنا أستدر فضلك بفضلك السابق، الشقاوة التعب والنصب وعدم حصول المقصود، في الماضي لم أكن شقيا بدعائك بل كلما دعوتك أسعدتني بإجابتك، فها أنا ذا أطلب منك ما لا يقدر عليه سواك فأسعدني بالإجابة.
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)} حتى الآن زكريا لم يطلب شيئاً بل يقدم الطلب، وهنا يبين زكريا أن طلبه الذي سيطلبه لا يريد به الدنيا، بل الغرض منه في الأصل حماية الدعوة إلى الله من أن يتولاها من ليس أهلاً لها، و‘ني خفت الموالي أي الذين يلوني قي النسب وهم أبناء عمي، وفي قراءة وإني خَفَّتِ الموالي من ورائي خفت أي انعدمت وانقطعت بعدي الأقارب الذين هم أهل لحمل الرسالة والتشريع، مِن وَرَائِي قراءة، مِن وَرَائِيَ قراءة، مِن وَرَايا قراءة، وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا، العاقر هي التي لا تلد سواء لكبر السن أو غير ذلك، معنى ذلك أن زكريا يعترف أن الطلب غير عادي ويتعارض مع الأسباب، ولكن زكريا كان يعلم أن قدرة الله عز وجل فوق الأسباب، خاصة وأنه قد رأي بنفسه قدرة الله عز وجل في خرق العادات والسنن الكونية لمريم، كما يخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن ذلك في سورة آل عمران : {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا، قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ، إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}، إذا زكريا لما رأى قدرة الله عز وجل ورأى أن الفاكهة تأتي لمريم وهي في محرابها بغير أسباب، تيقن أن قدرة الله فوق الأسباب فدعا. فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، هذا هو الطلب الذي قدم له زكريا بكل هذه المقدمات، وحقيقة الطلب ملفت للنظر من عدة وجوه، أولاً تستوقفنا كلمة هب لي، فهي تدل على أن الأبناء محض فضل وعطاء وهبة ومنحة من الله عز وجل لمن يشاء من عباده فليس لأحد فضل في ذلك، وقوله من لدنك دليل على أن الأسباب منعدمه، وكأنه يقول يا رب أنا بأسباب الدنيا لا أستحق، ولكن الفضل فضلك، ولياً، لم يقل فهب لي من لدنك ولدا، وإنما قال وليا، فالعبرة ليست بكونه ولد أيً كان وإنما ولد صالح مؤهل لحمل الدعوة من بعده.
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}، طلب آخر من زكريا، أن يكبر هذا الولد حتى يتحمل التشريع، فربما رزق بالولد ومات صغيراً وبالتالي لا يتحقق الغرض من الدعاء، يرثني أي في العلم، ويرث من آل يعقوب أي النبوة فالنبوة كانت في أبناء يعقوب الذي هو إسرائيل عليه السلام، وليس المقصود وراثة المال. وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي راضياً بقضائك وقدرك، مرضياً عندك أنت ترضى عنه، مرضياً في أخلاقه وأفعاله وأقواله.
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)} دعاء زكريا كان في المحراب، أجيب زكريا في التو واللحظة، ولم ينصرف من المحراب حتى أجيب، فاستجاب الله له وأتته البشرى فكان في إجابة دعائه كرامة له وفي إعطائه الولد قوة له، بل وزاد عطاء الله عز وجل لزكريا فوق طلبه، وهكذا الكريم إذا سألته لا يعطيك على قدر طلبك وإنما يعطيك على قدر كرمه، فالمولى عز وجل زاد على إعطاء الولد لزكريا أن سماه له زيادة في التكريم والتشريف فلم يترك الاسم لوالديه بل كلن الذي سماه هو الله، سماه الله عز وجل يحيا، قيل لأن بدعوته واجتهاده وصدقه يحيا الدين بعد زكريا، وقيل لأنه بالحمل به حيى رحم أمه بعد أن كان ميتا لا يعمل، لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا، ومن التشريف أيضاً أن هذا الاسم لم يسمى به أحد من لدن آدم وحتى يحيى عليه السلام، فكان يحيى بن زكريا هو أول من سمي بهذا الاسم، وقيل سميا أي شبيها ومناظراً ومماثلاً، وقال من قبل ولم يقل من بعد لأنه من بعد يحيى جاء سيد الخلق صلى الله ليه وسلم الذي علا مقامه فوق كل مقام، العجيب هنا أن زكريا حينما أجيب إلى طلبه غلبته الفرحة واندهش ، اندهش من سرعة الإجابة واندهش من حدوث الأمر على الرغم من أنه يخالف نواميس الكون، فتساءل متعجباً لا منكرا:
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)}، كيف يكون لي الولد وقد انعدمت الأسباب؟ بلغت من الكبر عتيا أي بلغت من الكبر والضعف والوهن ما لا إصلاح له، النهاية في الكبر.
{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)}، قال كذلك أي الأمر كذلك من خلق غلام منكما، قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي إيجاد الولد على الرغم من انعدام الأسباب في قدرة الله أمر سهل، فالذي أعطاك الضعف قادر على أن يعطيك القوة في الجماع مرة أخرى، والذي منع رحم امرأتك من الحمل قادر على أن يجعله يعمل مرة أخرى، ونلاحظ هنا كلمة هين، قدرة الله عز وجل ليس فيها شيء سهل وشيء صعب، فخلق نملة كخلق أمة ، وإيجاد ذرة كإيجاد السماوات والأرض، فالكل في قدرة الله سواء، ولكن الله عز وجل بما يتناسب مع فهم الناس وما يتعارف عليه الناس من السهولة والصعوبة، ثم يعطي ربنا تبارك وتعالى لزكريا دليلاً مادياً على قدرته ، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، إذا كان الله عز وجل خلق آدم من قبل بدون أب وبدون أم بدون الأسباب وبدون الوسائل، أيعجزه أن يرزق زكريا بالولد والأب موجود والأم موجودة.
{قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}، زكريا يريد علامة ليعرف منها أن الحمل قد حدث، في الأحوال العادية تعرف المرأة أن الحمل قد حدث بانقطاع الحيض، ولكن امرأة زكريا أصلاً لا تحيض لأنها كبيرة في السن فكيف تعرف أن الحمل قد حدث؟ قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا، العلامة التي تعرف منها أن الحمل قد حدث هو أنك ستتوقف عن الكلام لمدة ثلاث ليال، سويا بمعنى حال كونك سويا أي سليما لم يصبك مرض ولا خرس ولا بكم ولا آفة ومع ذلك تمتنع عن الكلام مع الناس امتناعاً كاملاً لا سبب له إلا لأن الله عز وجل أراد ذلك، ثلاث ليال وفي سورة آل عمران:" قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا، وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ"، ذكر الأيام في آل عمران والليالي في سورة مريم يدل على أن الامتناع عن الكلام استمر ثلاثة أيام بلياليهن. يستوقفنا هنا أمر، زكريا يمتنع عن الكلام ثلاثة أيام ، ولكن في سور آل عمران يقول له الله عز وجل :" وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ". إذا كان سيمتنع عن الكلام فكيف يذكر الله؟ كيف يناجي ربه؟ كيف يقول يا رب؟ من هنا كان التلطف بزكريا والرحمة الواسعة والمحبة العظيمة، فقد منعه الله عز وجل من الكلام مع الناس ومن كلام الدنيا، ولكنه أباح له الكلام معه جل وعلا.
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}، الإنعام على نبي من الأنبياء هو إنعام على أمته، انظر حينما أنعم الله عز وجل على حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وقال له "ولسوف يعطيك ربك فترضى" كانت النعمة أيضا لأمة النبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لن يرضى وواحد من أمته في النار حتى تدرك شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم أهل الكبائر من أمته، وكذلك الحال، حينما أنعم الله عز وجل على زكريا بيحيى كان ذلك أيضاً إنعاماً لأمته لأن يحيى ستحيا به العقيدة ويحيا به التشريع للأمة كلها، فخرج زكريا على قومه مِنَ الْمِحْرَابِ، المحراب هو المصلى أو الغرفة التي كان يصلي فيها، والمحراب هو أشرف المجالس، وقيل أنه سمي محرابا لأن الإنسان يحارب فيه الشيطان ويحارب نفسه باستحضار قلبه مع الله فسمي محراباً، بعد أن خرج زكريا على قومه أوحى لهم بالإشارة أو أوحى لهم بالكتابة أو أوحى لهم بالرمز لأنه لا يتكلم، المهم أنه أمرهم بأن يسبحوا لله عز وجل بكرة وعشيا أي صباحا ومساءا أي يداوموا على ذكر الله وشكره على نعمه.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)} حينما من الله عز وجل على زكريا بإجابة الدعاء وأعطاه الولد، ترى ماذا كانت مواصفات هذا الولد؟ الآيات اختصرت الأحداث اختصارا جميلاً، امرأة زكريا حملت وولدت وسمي الولد يحيى كما سماه الله، وكبر يحيى حتى أصبح مؤهلاً للخطاب فخاطبه الله عز وجل قائلا : يا يحيى. ويا لها من نعمة ويا له من فضل حين يخاطب ربنا تبارك وتعالى العبد باسمه، خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، الكتاب أي التوراة، فالإنجيل لم يكن قد نزل بعد، خذ الكتاب بقوة أي بجد واجتهاد واعمل بما فيه، فمنحه الله عز وجل حفظ التوراة والفهم لها والعمل بما فيها فأحل حلالها وحرم حرامها، فالمولى عز وجل قال له خذ، فكأنه قال له كن فكان، وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، الحكم أي الحكمة أو العلم أو النبوة ، والله أعلم بمراده.
{وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)} الحنان الرحمة والشفقة والعطف، أي تعطفاً منا عليه وتعطفاً منه على قومه وأبويه، إذاً فقد رزقه الله عز وجل العطف في قلبه والرقة في مشاعره، وزكاة الزكاة النماء والطهارة والبركة، إذاً فقد طهره الله من الذنوب فلم يعص الله قط ولم يهم بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة، زكاة بركة فكان مباركاً في نفسه مباركاً على قومه، فكان خيراً ونما الخير به في قومه.
{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14)}، البر هو البار العظيم البر فكان بره بوالديه فوق التصور، ولم يكن جباراً متكبرا، ولم يكن عاصيا لولديه ولم يكن عاصياً لله عز وجل.
{وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}، السلام التحية، والسلام الأمن والأمان، وتأمل في هذه المواطن الثلاثة يوم الميلاد ويوم الموت ويوم البعث للحساب، تجد أن هذه المواطن الثلاثة يكون الإنسان فيها أضعف ما يكون ، وأحوج ما يكون للأمن والسلام، فمن الله عز وجل على يحيى بالأمن والأمان والسلام في هذه المواطن الثلاثة.
نعم، إنها دعوة رجل صالح لجأ إلى الله عز وجل مخلصا، فأجابه الله بمعجزة، وهذا كرم الكريم، فلذ بجنابه، وقف على أعتابه، وأخلص في طلبه، يريك عجائب قدرته.