زكاة الفطر وسنن العيد

تركي المطيري
1446/09/21 - 2025/03/21 02:55AM

الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بشريعةِ الإسلامِ، وشَرَعَ لنَا ما يُقْرِبُ إليهِ مِنْ صَالِحِ الأعمالِ، والحَمْدُ للهِ الذي أنعَمَ علينا بتيسير الصيامِ والقيامِ، وجعلَ ثوابَ من فعل ذلك تكفير الخطايا والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى وزكى وحج وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عليكم في خِتَامِ شَهْرِكُمْ، أَعْمَالًا عَظِيمَةً تَسُدُّ الخَلَلَ، وَتَجْبُرُ النَّقْصَ، وَتُكَمِّلُ التَّقْصِيرَ، وَتَزِيدُ في الأَجْرِ وَالخَيْرِ، ومِمّا فَرَضَ الله عليكُم في خِتامِ شَهْرِكم، زَكَاةُ الفِطْرِ؛ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ لِلصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَطُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، وَتَحْرِيكًا لِمَشَاعِرِ الأُخُوَّةِ وَالأُلْفَةِ بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَهِيَ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ قُوتِ البَلَدِ؛ كَالأَرُزِّ وَنَحْوِهِ، وَيَجِبُ إِخْرَاجُهَا عَنِ كلِّ مُسلم الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالحُرِّ وَالعَبْدِ، أما غير المسلمين فلا تُخرَجُ عنهم زكاةُ الفطر، وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا عَنِ الحَمْلِ في بَطْنِ أُمِّهِ.

وإنِّ من شروطِها أن يكون عنده يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، أمّا وقتها فَالأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العِيدِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَا حَرَجَ، لحديثِ ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطر؛ طُهْرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَساكينِ، مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ. واعلموا أنه لا يجزئُ إخراجُ زكاة الفطر نقدًا، وإنما يجب إخراجها طعامًا؛ لأن السنة إنما وردت بإخراجها طعامًا، لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:  فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا  مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، ولحديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه حيثُ قال:  كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ.

 فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَأَدُّوا زَكَاةَ الفِطْرِ طَيِّبَةً بها نُفُوسُكُمْ، وأخرجوها من أطيب ما تجدون، فلن ﴿تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وَادْفَعُوهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا مِنَ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَرَاقِبُوا اللَّهَ فِيهَا وَقْتًا وَقَدْرًا وَنَوْعًا وَمَصْرِفًا.

عباد الله: إنَّ للعيدِ سننٌ وآداب فمن سننِ العيدِ التكبيرُ عندَ إكْمالِ العِدَّةِ ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ويبدأ التكبير بغروب شمسِ ليلة العيد، وينتهي عند الانتهاء من صلاة العيد، تكبير مطلق غير مقيد بوقت، وصيغته اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبر اللهُ أكبر، ولله الحَمْد، ويُسَنُّ التبكير إلى صلاة العيد بعد الصبح، ويُسَنُّ الخروجُ إلى المصلى ماشيًا، لقولِ علي ابن أبي طالب: مِن السُّنَّةِ: أنْ تخرُجَ إلى العيدِ ماشيًا، وأنْ تأْكُلَ شيئًا قبل أنْ تخرُجَ.
ومن السنن ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.

ومن السنن الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر، قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.

واعلموا أن اللهَ شَرَعَ لكُم صلاةَ العيدِ؛ ابتهاجًا بيومِ الجوائزِ السَّعيدِ، فَأَقْبِلوا على صلاتِكُمْ، بكلِّ طَيِّبٍ منَ الِّلباسِ وجَديدٍ، وأظْهِروا نعْمةَ اللهِ عليكُمْ بالإحسانِ والشُّكرِ، فالشُّكرُ بريدُ المزيدِ، واجْتَهِدوا في دُعاءِ العزيزِ الحميدِ، واسألوه -جلَّ جلالُهُ- صلاحَ أحوالَ المسلمينَ وتوفيقَهُم في أمورِ الدُّنيا والدين.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ونَفَعَنِي وإيَّاكُمْ بِما فِيهِ منِ الآياتِ والذِّكْرِ الحكيمِ، إِنِّه تَعَالى جَوادٌ كَرِيْمٌ، ملك برٌّ رءوفٌ رَحِيمٌ، فاسْتَغْفِروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحِيمُ.

 

 


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي وَفَقَ لبُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهيَّأَ أسْبَابَ المَغْفِرَةِ وَالرِضوَانِ، أحمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأشْكُرُهُ عَلى نِعْمَةِ الإيمَانِ، وَأَشْهَدُ أنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الدَيَّانِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، بَيَّنَ طَرِيقَ الهُدَى، وَحَذَّرَ مِنَ العِصِيانِ، صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ بِإحْسَانٍ وَسَلمَّ تسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادِ اللهِ- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ ِ، قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكُمْ بِبُلُوغِ هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ، تَصُومُونَ نَهَارَهُ فَرْضَاً، وَتَقُومُونَ لَيْلَهُ نَفَلَاً؛ فإِنَّ إِدْرَاكَ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ وَعَلَى رَأْسِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ نِعْمَةٌ وَمِنَّةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَزْدَادُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ إيمَانًا، وَيَتُوبَ التَّائِبُ وَيَقْبَلَ الْعَاصِي.

وَإِنَّ مِنَ النَّدَامَةِ أَنَّ تَضِيعَ هَذِهِ الْأَيَّامُ الفَاضِلَةُ هَبَاءً منثورًا بِالْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَالنَّوْمِ عَنِ الصَّلَوَاتِ، وَمُشَاهِدَةِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الشَّاشَاتِ وَالْجَوَّالَاتِ؛ فَالذُّنُوبُ خَطَرُهَا عَظِيمٌ فِي ضَعْفِ الاقْبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ فَهِي تَمنَعُ مِنَ اِسْتِغْلَاَلِ الْمَوَاسِمِ الْفَاضِلَةِ وَحَرمَانِ تَذَوُّقِ حَلَاَوَةِ رَمَضَانَ وَالتَّنَعُّمِ بِهِ؛ وَالسَّلَاَمَةُ فِي الْبُعْدِ عَنْهَا.

قَالَ الْفُضِيلُ بْنُ عِيَاضٍ: " إِذَا لَمْ تَقَدِّرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ، فَاِعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُومٌ، كَبَّلَتْكَ خَطِيئَتُكَ"، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "إِنَّ الْعَبْدَ لِيُذْنِبُ الذَّنْبُ، فَيُحَرَمُ بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ".

فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْاِسْتِغْفَارِ؛ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾.

اللَّهُمُّ اِجْعَلْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ، واكَتَبْ صِيَامَنَا فِي عِدَادِ الصَّائِمِينَ، وَقِيَامَنَا فِي عِدَادِ الْقَائِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ وَتَابِعِيَّهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنَاً مُطْمَئنَاً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ.اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، وَوليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ. عِبَادَ اللَّهِ: اذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللَّهُ يَعلَمُ ما تَصْنَعُوْنَ.

 

 

المرفقات

1742514793_زكاة الفطر وسنن العيد.docx

1742514940_زكاة الفطر وسنن العيد.pdf

المشاهدات 346 | التعليقات 0