زكاة الفطر، وأعمال ليلة العيد ويوم العيد

زكي اليوبي
1446/09/27 - 2025/03/27 23:09PM

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسۡلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: ١٠٢] ، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا
زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦوَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾[سورة النساء: ١]﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾[سورة الأحزاب: ٧٠-٧١]

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،

عِبَادَ اللَّهِ: شرع الله عز وجل زكاة الفطر في ختام هذا الشهر المبارك كفَّارةً لِما قد يقعُ للصَّائمِ مِن نُقصانٍ في شهْرِ رمضانَ، وطعمةً للمساكين من المسلمين، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ طُهرةً للصَّائمِ من اللَّغوِ والرَّفَثِ وطُعمةً للمساكينِ، من أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ من الصَّدقاتِ) أخرجه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ) أخرجه البخاري، ففي الحديث بيان مقدار زكاة الفطر وهو صاعٌ من تمر أو شعير أو ما يقوم مقامهما من قوت البلد كالأرز، وأما إخراج القيمة عن زكاة الفطر فهو خلاف السنة ولا يجزئ، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه إخراج القيمة في زكاة الفطر، ويخرجها في البلد الذي يوافيه تمام رمضان وهو فيه، وتجب بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، فقد روى البخاري رحمه الله: "أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل ، ويخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته وأولاده لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أدُّوا صدقةَ الفطرِ عمن تُمَوِّنون) حسنه الألباني في إرواء الغليل، ويسن إخراجها عن الجنين إذا تم له أربعة أشهر.  وأما بالنسبة للعاملة والسائق فالأصل أن يخرجوها هم عن أنفسهم، ويجوز لمن يعملون عنده أن يخرجها عنهم بعد استئذانهم في ذلك. ولا يجوز للمسلم إخراج الرديء في الزكاة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، قال تعالى: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنفِقُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّاۤ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَیَمَّمُوا۟ ٱلۡخَبِیثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِیهِ إِلَّاۤ أَن تُغۡمِضُوا۟ فِیهِۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ } [سورة البقرة:آية 267 ]

أسأل الله العلي القدير أن يعينني وإياكم على شكره وذكره وحسن عبادته، وأن يجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: { وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ } [سورة البقرة: 281]. 

عباد الله: قال الله تعالى: ﴿ وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [سورة البقرة: من الآية١٨٥]، فيشرع تكبير الله عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، لتعظموه على هدايته لكم، ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق والتيسير.  وقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى، وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، بدليل ما ورد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أَمَرَنَا، تَعْنِي النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَ في العِيدَيْنِ، العَوَاتِقَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، وَأَمَرَ الحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى المُسْلِمِينَ) أخرجه البخاري -باختلاف يسير- ومسلم، والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء ، فالرجال من باب أولى.  وينبغي أن يكون خروجه إلى صلاة العيد على أحسن هيئة، متزيناً بما يباح، لابساً أحسن ثيابه، تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويحذر من التزين بما لا يحل، كحلق اللحية وإسبال الثوب، ونحو  ذلك مما حرمه الله تعالى، ويسن أن يأكل تمرات وتراً، عند خروجه لصلاة العيد، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ) أخرجه البخاري، وعن أنسٍ : ( ويأكلهنّ وِترا ) أورده البغوي في شرح السنة وصححه، ويبكر إلى صلاة العيد ليحصل له الدنو من الإمام، وفضل انتظار الصلاة، ويسن مخالفة الطريق، وهو أن يذهب من طريق ويرجع من آخر، لقول جابر رضي الله عنه: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) أخرجه البخاري، ويشرع للنساء  حضور صلاة العيد غير متطيبات ولا متبرجات بزينة، وعلى المسلم أن يحذر الغفلة عن ذكر الله عز وجل وشكره، وأن يعمِّر هذه الأوقات بالطاعة وصلة الأرحام، وغير ذلك من أعمال الخير، و لا يصرفها في سماع المعازف، والنظر إلى ما لا يحل له النظر إليه وغير ذلك مما حرمه الله تعالى، {وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا} [سورة الإسراء: من الآية ٣٦] . 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ووفقنا للاقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ثم صلوا وسلموا عليه فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،  اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المشاهدات 357 | التعليقات 0