رياحين في المساجد

HAMZAH HAMZAH
1442/12/12 - 2021/07/22 21:54PM

رياحينُ في المساجد...! إنّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). النساء : ١ . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . آل عمران : ١٠٢ . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). الأحزاب : ٧٠ ، ٧١ .
أما بعد:
معاشرَ المسلمين :
ليس ثَمّةَ منزلٌ ولا مسكنٌ ، تطمئنُ فيه الأرواح ، وتؤوبُ فيه الأجسادُ كالمساجد …! فهي حدائقُ أهلِ الإيمان ، وملاذُ أهلِ التوبةِ والإسلام ..
ففيها مستقرُ الروح، وأصالةُ العلم، ومنبعُ التآخي، ومصدرُ الرزق والرحمات …! وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم :( أَحَبُّ البِلَادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلَادِ إلى اللهِ أَسْوَاقُهَا ).
ولو لم تكن المساجدُ مدارسَ إيمان، ومرافئ تربية، ومحابسَ علم، ومنارات هداية لما بلغَ تعظيمُها في الإسلامِ مداه، ولما تزاحمَ عليها الناسُ، وتوافدوا عليها حبا ، وطيبًا ، وانشراحا …!
ومن طيبِها وحُسنِها ، أنها تَشعُّ رياحين، وتنشرُ أفانين تحيي المجتمعات ، فهي القلعةُ الصامدة لحفظ جوهر الإيمان ، ومعهدُ الإسلامِ، ما قامت بدورها، وأينعت زهورُها وبُدورها.
مساجدُ عندنا كالروضِ أغلا…من الدرِّ المكلّلِ بالجمالِ
وفيها يُنبتُ الإيمانُ غرسًا …على القلبِ المكدَّر بالهزالِ ففيها قرآنٌ يتلى، وعلمٌ يدرس، وإخاءٌ متين، وتعارفٌ إنساني، ورابطةٌ مجتمعية ، وعونٌ وإغاثة ، ومسألةٌ وعبرة ...!
ومن تلك الرياحين:
أولاً : مُصلٍ مبكر: يدخلُ المسجدَ أولَ الناس ، وعليه السكينةُ والوقار، فيكبِّر ويخضع طويلا خاشعا، وفي الحديث الصحيح :( ألا أدلُّكُم على ما يَمحو اللَّهُ بهِ الذُّنوبَ ويرفعُ الدَّرجاتِ قالوا بلى يا رسولَ اللَّهِ قال إِسباغُ الوضوءِ على المَكارِه وَكثرةُ الخُطا إلى المسجِدِ وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ فذلِكَ الرِّباطُ ). ثلاثَ مرَّاتٍ . وفي الحديث الآخر :( من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح). أي يُحتفَى به ويُكرّم .
ثانيًا: ذاكرٌ معتكف: مصحفُه في يده، لا يفتر ُعن ذكر الله، مرتلا متدبرا، وإذا تعب ، اشتغلَ بالذكر المطلق من تسبيح وتهليل، ..! يَخرجُ الناسُ ولا يزال في جدوله ذاكرا وتاليا …( والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات ، أعد الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيما) سورة الأحزاب .
لا يجدُ راحتَه إلا في المساجد ، ولا تفوته الجماعات ، ولا يضيع الرواتب والتطوعات … ( ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد ) .
ثالثًا: مؤذنٌ أمين: عشراتُ السنين وهو رابضٌ في ذاك المسجد، لا تكادُ تخطيهِ صلاةٌ، أو يأخذه نوم أو شغل، يحتفي بالدعاة ويحسنُ استقبالَهم، وتبزغ أخلاقه …! وقد قال عمر رضي الله عنه :( لولا الخلافةُ ، لتمنيت أن أكونَ مؤذنًا) .
دوَّت نبرةُ صوته الآفاق ، وعرفته الأحياء، وشبّت عليه الأجيال..!وفي الحديث المشهور :( فَإِنَّهُ لا يْسمعُ مَدَى صوْتِ المُؤذِّن جِنُّ، وَلاَ إِنْسٌ، وَلا شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِد لَهُ يوْمَ الْقِيامَةِ ).
رابعا: إمامٌ مبارك : لصلاته وقْعٌ، ولصوته نبضٌ، ولدرسه أثرٌ، قد زان بالأخلاق، وارتدى الشمائل.. ( واجعلنا للمتقين إماما ) سورة الفرقان . يؤلفُ ولا يفرق ، ويجمع ولا يشتت ، ويناصح ولا يجرح…!
وبعضُ هولاء مشايخ مُعلِّمون ، يحستبون جلوسَهم في التعليم والتدريس ، كما صنع الإمامُ أبو عبد الرحمن السُّلَمي رحمه الله ، فقد مكث في جامع الكوفة الأعظم "أربعين سنةً" يُقرئ القرآن ، ولما سُئل عن هذا المقعد المُضني ، فقال حديث :( خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه ). هو الذي أقعدني ذلكَ المقعد …،!
وهكذا فلتكن الهممُ والمقاعد ، والتهمم والتطلعات …! اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم….
………
الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين …
أما بعد:
ولفضلِ المساجد رغّب الشارعُ في بنائها ، وعمارتها معنويًا وحسيًا ، لأنها مدرسةُ الرجال ، وبناءُ الأجيال ، ومنطلقُ الأفذاذ…. ومِن رياحينها العابقة أيضًا: خامسًا: المنفقُ الجواد: من وسَّع الله عليه فوسّع على بيوت الله، يتكفلُ بالإصلاحات، ويرممُ ويصلح، ويكفَلُ ويعطي ، وينشئ ويؤسس، لا تذكرُ عنده حاجةٌ للمسجد أو لمساكينه ، إلا بادرَ بكل تلهف، وسارعَ بلا تأخر، محتسبا الأجر ، وراغبا في الثواب والفضيلة..! وأيُّ فضيلةٍ تعادل عمارةَ المسجد حسيا، وقد قال تعالى : ( إنما يعمرُ مساجدَ الله من آمن بالله واليوم الآخر ) سورة التوبة .
ومنهم : عاملٌ محتسب: تلجُ المسجدَ فتنشرح من العناية والنظافة، فلانٌ يقُمُّه ويكنسه، ويرتبه ويصونه، وقد صلّى عليه الصلاة والسلام على "امرأة سوداء" أو شاب كانت تكنسُ المسجد، لما افتقدها . ففي صحيح مسلم رحمه الله : أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقالَ: دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: ( إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم) .
ومنهم أيضًا: زمِنٌ متبتل : وهو الشيخُ المنهَك ، يبدو كالراسخِ المعتكف ، قد هجرَ الدنيا، تلقاه مبكرا ، وأكثرُ الوقت فيها جالسًا وعابدا ، لا يحضرُ مناسبة، ولا يشارك في أشغال ، منقطع للعبادة والذكر..! وحين عكف الناس في دنياهم ، عكفَ هو لآخرته، يجمع لها ، والتهبَ في الاستعداد، كأنه حمامةٌ فيها .. ( وتزودا فإنّ خير الزاد التقوى ) سورة البقرة ،
ثم اعلموا يا مسلمون : أن المساجدَ لن تكونَ بهذا الدور المتين ، حتى تكونَ حيةً نشيطةً في عملها الدعوي، وسعيها الإيماني ، فإنْ حيت علماً خرّجت فضلاء، وإنْ ماتت عمَّ الجهلُ والخرافة ، والله المستعان . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد…. اللهم إنا نسألكَ فعل الخيرات وترك المنكرات….
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى….
اللهم احفظ بلادنا بالأمن والإيمان…..
اللهم تقبل منا، ومن الحجيج حجهم، وبارك لهم في أعمالهم…

المشاهدات 1227 | التعليقات 0