رمضان 1442هـ للشيخ مراد باخريصة

الفريق العلمي
1442/09/03 - 2021/04/15 11:34AM

 

ها نحن في أول جمعة من شهر رمضان المبارك لعام 1442من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

عام يتبعه عام وسنة تذهب وسنة تأتي ورمضان يتلوه رمضان وأحداث عظيمة تتبعها أحداث حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

عباد الله: من رمضان إلى رمضان عام مضى فقدنا فيه أحبة وودعنا فيه أصحابًا كنا وإياهم في العام الماضي نعيش معًا ونفطر معًا واليوم قد أصبحوا بين الجنادل والتراب وحدهم مرهونين بأعمالهم انتقلوا من دار العمل ودخلوا حياة البرزخ الذي لا ينفع المرءَ فيه إلا أعماله الصالحة.

كانوا مثلنا يتمتعون بشهوات الدنيا يتمتعون بشهوة المال وشهوة الزوجات واليوم {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ : 54].

فهل نعتبر بهم؟ هل يكونوا عبرة لنا وموعظة؟ هل فكرنا أنَّ مصيرهم اليوم هو مصيرنا غداً {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام : 32].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر 18: 19].

جاء رمضان لعام 1442 وقد كثر فيه الموت وتتابعت فيه الجنائز وكثرت فيه الحوادث وانتشرت فيه الأمراض والأوبئة ومات من مات فيه لسبب أو بدون سبب

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره* تعددت الأسباب والموت واحد

أفلا نتوب إلى الله قبل الممات وقبل الحساب {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة : 74]

{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة : 126].

إنها أزمات وبلايا وأوجاع وحميَّات وكروب وكورونا وكل هذه الكروب والبلايا يجب أن نعلم علم اليقين أنه ليس لها من دون الله كاشفة فلا يكشف ضرها إلا الله ولا يرفع ضررها إلا الله ولن يستطيع العالم كله التغلب عليها إذا لم يشأ الله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان : 30] {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير : 29].

فلنغرس اليقين التام في قلوبنا بالله ولنعود أنفسنا على التوكل على الله والتعلق به وحده وعدم الخوف أو الرهبة إلا منه سبحانه {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة : 23]

{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 51].

أدعوا نفسي وإياكم في رمضان إلى تدبر كتاب الله وتفهم معانيه وتذوق آياته وليكن همَّ الواحد منا كيف قرأ القرآن وليس كم قرأ من القرآن

فلو قرأ المسلم صفحات يسيرة بتدبر وتمعن خير له من أن يقرأ جزء كاملاً بدون تدبر وتفهم.

فكم من الآيات التي نمر عليها وفيها من الحِكم والأسرار التي لو وقفنا عندها وتدبرناها لخرجنا بفوائد كثيرة وحلول كبيرة لأزماتنا المتعددة

فتأملوا القرآن وتدبروا ألفاظه واستهدوا به واجعلوه لكم هاديًا وقائدًا واتخذوه شفاء من أمراض القلوب والأرواح وأمراض الأجساد والأبدان.

يقول أحدهم كنت خائفًا وجلاً من كورونا وأخاف كثيرًا من الإصابة به وظهرت علي بعض أعراضه فالتجئت إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ليطمئن قلبي وتهدأ نفسي ويرتاح بالي من هذا الخوف والقلق فوقعت عيني على قول الله سبحانه وتعالى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام : 64].

قال فاستوقفتني هذه الآية وجعلت أكررها مرات كثيرة وكأنني اقرأها أول مرة وأشعر عند تكرارها وقراءتها براحة قلبية عجيبة وطمأنينة بالغة وسعادة لا تكاد توصف وأيقنت أنه لابدَّ لي من طرد الخوف وإبعاد الوساوس والقلق واللجوء إلى الله والاطمئنان به والتمسك بحوله وقوته فإنه لا منجي من هذه الأوبئة والكروب إلا الله {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام : 64] فأنجاه الله وعافاه.

فلو قرأنا القرآن قراءة تأمل وشفاء لتعالجت قلوبنا وسمت أرواحنا وزال عنا كل همّ وبلاء وذهب عنا كل ضيق وشقاء وجاء إلينا كل خير وشفاء ولكن أين نحن من كتاب ربنا وتدبره؟

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24] {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82].

كم في قلوبنا من غل وحقد وحسد وأمراض خبيثة لن يذيبها إلا كلام الله ولن يشفي عليلها إلا كتاب الله {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء : 82]

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس : 57]

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت : 44].

فما أحوجنا في هذه الأعوام المتأخرة من تاريخ البشرية إلى التأمل والتدبر لهذا الكتاب العظيم الذي أنزله الله في هذا الشهر العظيم.

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة : 185].

بارك الله لي ولكم ...

 

الخطبة الثانية:

جاء رمضان لهذا العام 1442 للهجرة والأحداث تتوالى على أمة الإسلام ففي كل دولة إسلامية مصائب وفتن أو حروب ومحن وتفرق وتحزب وتمزق وسبب هذا كله بعدنا عن ديننا وتركنا للتحاكم لكتاب ربنا وتحكيمه في أنفسنا وواقعنا فتسلط اليهود والنصارى والشرق والغرب علينا وصرنا في حالة يرثى لها من الذل والهوان

يقول النبي صلى الله عليه وسلم «لَئِنْ أَنْتُمُ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَيُلْزِمَنَّكُمُ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، ثُمَّ لَا تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ» رواه أحمد في مسنده.

جاء رمضان لعام 1442 واليمن السعيد في مهانة ومجاعة وحاجة ومسغبة بسبب الحروب المتوقدة وبسبب ابتعاد المسلمين عن الأخوة الإيمانية الصادقة فقلَّ التعاطف والتراحم ومنع بعض تجار المسلمين ما أمرهم الله به وافترضه عليهم من الزكوات والصدقات أو أخرجوها بطرق خاطئة أو صرفت لغير مستحقيها فاتسعت رقعة الفقر وزادت حاجة الناس حتى خرجوا إلى الشوارع يفترشون الأرض ويقولون (نحن جوعى) ولا حول ولا قوة إلا بالله والله المستعان.

فلنحمد الله على النعم التي وهبنا الله إياها تكرمًا منه وفضلا وابتلاءً لنا واختبارًا ولندع الإسراف الذي لا حاجة له ولنستشعر الفقراء والمعوزين الذين لا يشعرون بالجوع في نهار رمضان فقط وإنما يحسون بالجوع ويشعرون به في نهار رمضان وليله وفي رمضان وغير رمضان

ومن فتح الله عليه وزاده بسطة في ماله ودخله فلا ينسى أمثال هؤلاء فإنهم أولى وأحرى بالزكاة والصدقة

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة : 60] ويقول: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان : 8] ويقول سبحانه: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ، فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ».

ادعوكم في هذه الأيام الفضيلة إلى الاهتمام بالأهل والذرية وخاصة من النساء والأولاد وحثهم على فعل الخير واستغلال رمضان في عمل الطاعات والمحافظة على الصلوات وأخذهم إلى صلاة التراويح والدورات الشرعية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم وتفريغ النساء للعبادة بدل الانشغال بالأمور التي لا تفيد حتى لا يمر عليهن رمضان دون استغلال حقيقي لما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة.

يقول الله تبارك وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص : 77]

ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ".

ومن هذا الباب وحرصًا على استغلال شهر رمضان في الخير والطاعات سيتم من يوم الغد إن شاء الله افتتاح الدورة الشرعية العاشرة لجميع أبناء منطقة الشعبات والتي سيتخللها بإذن الله أنشطة متنوعة وهدايا قيمة

كما تم افتتاح دورة شرعية للنساء عن بعد في كتاب العشر الأخير من القرآن الكريم يراجعنه في بيوتهن ثم يتم الامتحان في المقرر نهاية رمضان إن شاء الله

والهدف من هذا كله استغلال هذا الشهر الفضيل في الخير والطاعة وتعليم أولادنا ونسائنا أحكام دينهن ومحاولة القضاء على أوقات الفراغ التي تذهب سدى

فحثوا أولادكم وأهلكم على الاشتراك في هذه المناشط الخيرية ورغبوهم على الالتحاق بها واستشعروا أنَّ الدال على الخير كفاعله وأنّ المسلم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ومنها علم ينتفع بها وهذه الدورات والمسابقات والأنشطة الدعوية هي من العلم النافع والعمل الصالح

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ....  هذا وصلوا وسلموا ...

المشاهدات 732 | التعليقات 0