رمضان وزيادة الإيمان
عبدالرحمن سليمان المصري
رمضان وزيادة الإيمان
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وشرح صدورنا بالإيمان، ووفقنا لطاعته بالعون والإلهام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾
عباد الله :الإيمان هو أشرف المطالب ، وأعظم المقاصد ، هو مراد الرحمن من خلق الإنسان ، وهو مقصود دعوة الرسل وخلاصة القرآن ، هو صفة الملائكة والأنبياء عليهم السلام ، وسبب النجاة والفلاح للمؤمنين الأتقياء .
والإيمان مِنّةٌ من الله وفضل على العبد ، علم مِنْهُ الخير والميل إليه فوفقه وهداه ، ولو شاء لأضله كما أضل غيره من البشر، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾
والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ مريم:76 ، وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾الفتح:4.
وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه الإيمان ، وكل شر في الدنيا والآخرة فسببه عدم الإيمان ، قال ابن القيم رحمه الله: رتب الله في كتابه على الإيمان ، نحو مائة خصلة ، كل خصلة منها ؛ خير من الدنيا وما فيها أ.هـ.
عباد الله : ولما كان هذا الإيمان عزيزا، وكان عرضة لأن يقوى ويضعف، ويزيد وينقص، كان على المؤمن أن يتعاهده بالرعاية، ويجدده بالطاعة، ويحفظه من النقصان، بترك المعاصي ومجانبة الشهوات، والعدول عن مهاوي الأهواء والفتن ، قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الإيمان ليخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُم ، كَما يَخلَقُ الثّوب ، فاسألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمان في قُلوبكم " رواه الطبراني وصححه الألباني.
وحتى لا تبلى مادته في نفس العبد، ويذبل شعاعه في فؤاده، وينطفئ نوره في صدره، فإن الله عز وجل قد جعل له أسبابا تنميه وتقويه ، هي منابع للخير ، وموارد للطهر .
عباد الله : إن رمضان مدرسة إيمانية ، يحقق بها العبد مكاسب عظيمة ، تزيده حبا في الله ، وشوقا إليه ، وتعظيما لجنابه ، وخشية له ، وليتأمل المسلم أهم العبادات في هذا الشهر ، من الصيام والقيام ، والتلاوة والذكر ، والصدقة وإطعام الطعام ، كيف تكون سببا في زيادة الإيمان ، وترسيخ الإيقان :
فأما الصيام فهو عبادة خفية بين العبد وربه ، متى ما أداها العبد كما يحبها الله ، حصل له من إيمان القلب ما يكون سببا في مغفرة الذنوب جميعها ، قال صلى الله عليه وسلم :" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري .
وأما القيام ، فإن الصلاة أعظم الأعمال الإيمانية ، وقد سماها الله في كتابه إيمانا، فقال ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ ، أي: صلاتكم إلى بَيتِ المَقدِسِ، فالصلاة كلها إيمان ، وهي ارتباط دائم بالله تعالى ، فكلما صلى أقبل على الله عز وجل ، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ سورة الأنعام : 162-163
وفي قيام الليل خاصة من مناجاة الله ما يحرك القلوب ويملؤها إيمانا ، ففيه قراءة القرآن أو سماعه ، وفيه دعاء الله ومناجاته ، وفيه الركوع له والسجود بين يديه ، التي تداوي علل القلب ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله: وفي رمضان شهر الخير والرضوان ، تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران ، فهو موسم المنافسة والمسابقة ، لا زمن الكسل والراحة ، ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾آل عمران
عباد الله: إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن بالتدبر، والنظر في مثاني آياته بالتفكر ، فإن القرآن كلام الله جل جلاله ، وهو الطريق الموصل إليه ، والمعرف بأسمائه وصفاته ، والكاشف عن شرائعه وأحكامه ، يزداد المقبل عليه إيمانا، ويزداد المعرض عنه حسرة وخسرانا ، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
عباد الله : والإكثار من ذكر الله تعالى سبب عظيم لزيادة الإيمان ورسوخه ، قال الشيخ السعدي رحمه الله: ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب ، ويغذيها وينميها ، وكلما ازداد العبد ذكرا لله قوي إيمانه أ.هـ.
قال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
وأما الصدقة وإطعام الطعام ، فهي سبب لزيادة الإيمان والفوز بأعالي الجنان ، قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ الإنسان:8-9.
وقال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ "رواه أحمد بسند حسن.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا وغمومنا ، وسابقنا ودليلنا إليك ، وإلى جناتك جنات النعيم .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1741251656_رمضان وزيادة الإيمان خطبة 3.docx
1741251656_رمضان وزيادة الإيمان خطبة 3.pdf