رمضان موسم الزاد

عبدالله حامد الجحدلي
1442/09/01 - 2021/04/13 11:26AM

﴿ الخُطْبَةُ الأُوْلَى ﴾

الحـمد اللـه الذي بلغنا شـهر الصـيام، وأجزل في أيامه ولياليه الفضائل والإنعام ،وعمر نهاره بالصيام ونوّر ليله بالقيام ، وجعل لمن احتسب صيامه وقيامه مغفرة الذنوب والآثام. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذو الجلال والإكرام والفضل والإنعام ، ، وأشهد أن نبينا ورسولنا ، وقائدنا وقدوتنا محمدًا بن عبد الله عبده ورسوله ، خير من صلَّى وصام ، وأتقى من تهجد وقام. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الأنام.

 

أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيّها المسلمون، جعل الله عز وجل صوم رمضان الركن الرابع من أركان الإسلام ، وفضَّل أوقاته على سائرِ الأوقات، وخصَّه بمزيدِ الفضل والإكرام، نهارُه صيامٌ وليلُه قيام، آياتُ الكتاب فيه تُقرَأ وتُتلى، تُغلَّق فيه أبواب النيران وتُفتَّح فيه أبواب الجنان، فيه تُضاعَف الأعمال وتُكفَّر الخطايا والأوزار، قال عليه الصلاة والسلام:  < الصلواتُ الخمس والجمعة إلى الجمعةِ ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهما إذا اجتُنِبَت الكبائر>  رواه مسلم.

قال ابن رجبٍ رحمه الله: "المغفِرة والعِتق كلٌّ منهما مرتَّب على صيامِ رمضان وقيامه".

هو شهرُ الخيرات ومضاعَفة الحسنات، شهرُ إقالة العثَرات، صيامُه وقيامه سببٌ لمغفرة الذّنوب، أجورُ تلاوته مضاعَفَة، فاغتَنَم السلف زمانَه بالتلاوة والقيام،

فكان الأسود رحمه الله يختِم القرآن في كلّ ليلتين، قال عثمان   t: (لو طهرَت قلوبُكم ما شبِعتم من كلام ربِّكم).

التجارةُ فيه رابحة مضاعَفة، المنفِق موعودٌ بالغفران والغِنى،

 قال عزّ وجلّ: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً] البقرة:268،

بل إنّ النفقةَ مُخلَفَة،  [وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] سبأ:39.

 وكان النبيّ e أعظمَ الناس صدقةً، وكان لا يستكثِر شيئًا أعطاه ولا يردّ سائلاً، وكان العطاء والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذِ بما يأخذه.

والزكاةُ مِن قوائم هذا الدين، لا يقوم الإسلام إلاّ بها، تطهِّر المال وتنمِّيه وتزكِّيه، فطِب بها نفسًا، وابذُل بها كفًّا، ووَاسِ بها محرومًا، وأخلِص بها قلبًا، واحذَر لها تسويفًا، فالوعيد شديدٌ على من يبخَل بها.

والمسلم تتكَالب عليه فتن الأهواء والشبهات، والتوجه إلى الله بالتعبد في خير ليالي الدهر من أسباب درئها عن الفؤاد، فالعبد كلّما قرب من الله خنَس الشيطان منه، قال سبحانه عن إبليس:  [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ] ص:82، 83.

قال ابن القيِّم رحمه الله: "ما استعان أحدٌ على تقوى الله وحفظِ حدوده واجتنابِ محارمه بمثلِ الصوم".

فحقيقٌ بالمسلم أن يكثرَ من تلاوة كتاب الله العظيم، وأن لا يَنصرفَ في ليلته إلاّ مع إمامه طمَعًا في حطِّ أوزاره وخطاياه، كما قال عليه الصلاة والسلام:  «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه» متفق عليه.

وفي اعتكاف القلب والبدن في لياليه العشر في بيوتِ الله بالتبَتُّل والتضرُّع تزكيةٌ للقلوب وسلامَة من الوقوع في الزّلَل والعصيان.

والمرأة مأمورة بما يؤمَر به الرجال من التلاوة والتعبُّد وقيام الليل، إلاّ أنَّ صلاتها في دارها خيرٌ لها من صلاتها في مسجدها، قال  e: ((وبيوتهن خيرٌ لهنّ)) رواه أبو داود.

وعليها أن تحافظَ على تعبُّدها بالسِّتر والعفاف وكمالِ الحجاب، ولْتحافظْ على اغتنام لحظاتِ الشهر بما يقرِّبها إلى الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعني الله وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ ولجميع المسلمين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ﴾

الحمد لله أن بلغنا شهرَ رمضانَ، شهر الرحمة والغفرانِ، وشهر التوبة والرضوان، وشهر العتق من النيران، الشهر الذي تتنزل فيه الرحمات، وتتضاعف فيه الحسنات، وتغفر فيه الخطيئات. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدَّاً عبدهُ ورسُولهُ، صلّى اللهُ عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كَثيرًا.
أمّا بعد: أيّها المسلِمون، القلوبُ أوعية متنوِّعةٌ، وخيرُها أوعاها، وتصفيةُ العمل من الآفاتِ أشدُّ من العمل، ورمضان موسِم البدار للأعمال الصالحة، وقد أفلح من أخلَصَ فيه لربِّه، وكلُّ ما لا يُبتَغَى به وجه الله يضمحلّ، وكِتمان الحسنات من الإخلاص، والرياء من مفسدات الأعمال، فتزوَّد لآخرتِك وتجافَ عن دُنياك، واستعِدَّ للموت وبادِرِ الفوت، وأكثر من الطاعات، وانْأَ بنفسِك عن الذنوبِ والأوزار، فالدنيا أولها عناء، وآخرها فناء،  [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]  النور:31 .

ثمّ اعلموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه, فقال في محكم التنزيل[ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] الأحزاب: 56,

اللهُم صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا محمد. وارضَ اللهُم عن خلفائه الراشدين, الذين قضوا بالحق, وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ, وعن سائر الصحابة أجمعين, وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ ، ، وَدَمِّرِ أَعْدَاءَ الدِّينِ،

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ،

اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .

 اللَّهُمَّ وَفِّقْ وسدد ولي أمرنا لما تحبُّ وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللَّهُمَّ وَفِّقْه و وَلِيَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،

اللَّهُمَّ اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.

]رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  [الْأَعْرَافِ: 23.

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عبادَ الله:

[إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] النحل: 90.

فاذكروا الله العظيم الجليل؛ يذكرْكم, واشكروه على آلائه ونعمه؛ يزدْكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1618313177_رمضان موسم الزاد.doc

المشاهدات 1277 | التعليقات 0