رَمَضَانُ فُرْصٌ وَحَظَوَاتٌ    27 / 8 / 1442 هـ

عبد الله بن علي الطريف
1442/08/25 - 2021/04/07 13:41PM

رَمَضَانُ فُرْصٌ وَحَظَوَاتٌ     الخطبة الأولى 27 / 8 / 1442 هـ

أيها الإخوة: بعد بضعة أيامٍ إن شاء اللهُ سنستقبلُ شهراً عظيماً، وضيفاً كريماً، ضيفٌ تزدان به الدنيا وتشرقُ أنوارها... وتهبُ رياح الإيمان وتنسابُ بين أرجائها... شهرٌ كان يبشرُ بمقدمه رسول الله ﷺ فيقولُ لِحُضُورِهِ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ». رواه أحمد والنسائي بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

هكذا كان يبشر في الضيف الكريم.. فمرحبًا بك يا رمضان.. حبيبًا جئت على ولَهٍ منا وطولِ انتظار.. جئت بعد غياب عامٍ مات فيه أقوامٌ ووُلِدَ آخرون.. واغتنى قومٌ وافتقر آخرون.. وسَعِدَ قومٌ وشقي آخرون.. واهتدى قوم وضلَّ آخرون.

والحياة فُرصة والمواسمُ أغلاها؛ فبادروها قبل فَوَاتها وذهابِ الأعمار.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني.

ها هي رياح الإيمان قد هبَّت، ومواسم الخير قد أقبلت فالسعيد من اغتنمها، والشقي من فاتته.. فرمضان فرصٌ وحظوات... صيامٌ وصلوات... جهادٌ ودعوات... ذكرٌ وصدقات... رمضان فرصٌ لا تعوض وأوقاتٌ لا تهدر، فهل نتذكر.؟!

رمضان فرصةٌ: للتوبة، وقد فتح اللهُ أبوابَها في كل يوم من أيام الدنيا: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». رواه مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

مَنْ لم يتبْ ويرقَّ قلبُه في رمضان فمتى يتوب.؟! مَرَدَةُ الشياطين قد صُفِّدت، والشرُ قد اجتمع على نفسه فهو لا يطيق انتشارًا، وسحائب الإيمان أطلت وأظلت، وبيوتُ المسلمين قد لهجت بالدعاءِ وصلَّت. 

رمضان فرصَةٌ: سانحةٌ للدعاء فهو شهر الدعاء فقد ذكر الله في معرض ذكره للصيام هذه الآيةَ العظيمة: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]

أيها الأحبة: فأي إيناس للصائمين في مشقة صومهم في ظل هذا الود والقرب والاستجابة أعظمُ من هذا الأنس.؟! وقد جعل رسول الله ﷺ الدعاء أكرم شيء على الله فقال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ». رواه الترمذي وحسنه الألباني. بل جعل ترك الدعاء سبباً لغضبه سبحانه فقال ﷺ: مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» رواه أحمد والترمذي. وحسنه الألباني.

فما ألذَّ تضرعَ التائبين، وما أنفعَ بكاءَ المحزونين، وما أعذبَ مناجاةَ القائمين، وما أمرَّ عيش المحجوبين، وأعظم حسرةَ الغافلين، وما أشنعَ عيشَ المطرودين.

رمضانُ فرصةٌ: لتربية صفة الرحمة في النفوس، حتى تعيشَ مبدأ الجسد الواحد الذي يُؤلمُ بعضَه ألمُ بعض، فمن سُنن الحياة أن الرحمةَ تظهر عند الإحساس بالألم، وأن الطغيان ينشأ عند الغفلة مع الأمن والغنى، قال الله تعالى:(كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ) [العلق:6، 7]

والصوم حرمانٌ مشروع... وتأديبٌ بالجوع... وخشوعٌ لله وخضوع.. فلكلِ فريضةٍ حكمة، وبعض هذه الحكمُ ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، لأنها تستثيرُ الشفقة، وتحضُ على الصدقة، حتى إذا جاعَ من أَلفَ الشبع، وعرفَ المترفُ أسبابَ الْمُتعِ، وعَلِمَ الحرمانَ كيف يقع، وألمَ الجوعِ إذا لذع.! تصدق وبذل وأعطى بلا تردد وكلل..

رمضانُ فرصةٌ: لتربيةِ النفوسِ، وتقويةِ الإرادةِ فيها والارتفاعِ بها إلى سماءِ المجد ودرجات العز، إن رؤيةَ هلالِ الصيام في السماء هو إشارةٌ بالغة لبدءِ معركةِ الإرادة وقوةِ العزيمة، فالصوم يدربُ المسلمَ على أن يمتنعَ باختياره عن شهواته وملذاته، في إرادة قوية ثابتة، لا يَضِيرُها كيدُ الشيطان، ولا تعدو عليها عوادي الشهوة.. فأيُ قانونٍ من قوانين البشر يحقق ذلك؟! وأيُ أمةٍ من الأمم تجدُ فرصةً تستطيع من خلالها فرض نمط من أنماط تربية شعبها بمزاولة فكرة نفسية واحدة كلَ سنة وخلال ثلاثين يوما؟! ألا ما أعظم الإسلام، وما أروع الصيام... بارك الله لي ولكم ....

الثانية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أجل لعلكم تتقون، فالغاية الكبيرة من الصوم التقوى.. التقوى التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة طاعةً لله.. وإيثاراً لرضاه.. التقوى التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو كانت هاجساً في البال.. التقوى التي يعلم المسلمون وزنها عند الله، فهي غاية ما تتطلع إليها نفوسهم.. والصوم أداةٌ من أدواتها، وطريقٌ موصلٌ إليها لذلك كله جعلها الباري هدفاً ساطعاً يتجهون إليه عن طريق الصيام.. لعلكم تتقون.

ومما يجب التفطن له الحذر من حبائل التسويف، وبئس مطية الرجل سوف... وهكذا تتصرمُ الليالي والأيامُ العظيمةُ ونحن بين السينِ وسوف.. ولم ندرك من هذا الموسم العظيم إلا أجر النية، والتحسر على فوات الأوقات.

أيها الإخوة: هاهي أيام الخير قد أقبلت، ومواسم البذل قد أطلت، أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ.؟ لنقل جميعا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. وبداية التشمير تبدأ بالعزم الأكيد على استثمار أوقات هذا الشهر الجليل... أولاً بتركِ ما نهى الله عنه ومجاهدةَ النفسِ على ذلك، ثم بالتزودِ مما شرع من العبادات.

أيها الأحبة: أوصيكم ونفسي بـــــــ: أداءِ الصلاة المفروضة في وقتها وعدمِ ترك الجماعة.

والحرص على صلاة التراويح كاملة مع الوتر مع الإمام، قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». رواه البخاري..  

ومما ينبغي أن يكون من أولويتنا تفطير الصائمين سواء من الأهل والأقارب وعموم المسلمبن وفيه أجر عظيم، ولا تصرف فيه الزكاة؛ وإنما هو من الصدقات، وإطعام للطعام. وقد حث عليه رسول الله ﷺ بقوله: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا». رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة، وعند النسائي في الكبرى وابن خزيمة عن عن زيد بن خالد الجهني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني

رمضان أيها الأحبة: شهر القرآن ولذلك كانت القراءة فيه لها مزية على غيره؛ فقد كان النبي ﷺ يتدارس القرآن مع جبريل كل ليلة في رمضان؛ وحث على القراءة عموماً فقال رسول الله ﷺ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». رواه الترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهو صححه الألباني.

اللهم ارزق الجميع التوفيق والهداية وبلغ الله المسلين بكل مكان صيام رمضان وقيامه، ورزق الجميع الايمان والاحتساب والصدق والإخلاص والمسارعة لكل خير...

المشاهدات 1939 | التعليقات 0