رمضان بين الإقدام والإحجام

سعد آل مجري
1436/08/25 - 2015/06/12 08:08AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه، ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فروى التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» ".صححه الألباني وفي هذا النداء المذكور أمر بالإقدام والإحجام , يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ أمر بالإقدام على الخير ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ أمر بالإحجام عن الشر، وسيكون الحديث في هذه الجمعة عن يا باغي الخير أقبل , و معناه يا طالب الخير أقبل على فعل الخير وقد اجتمع من الخير في رمضان ما لا يكون في غيره من الأزمان فإليكم بعض أبواب الخير إخوة الإيمان

أقبلوا على الصيام
قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏‏. ‏وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏ بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ‏)‏ ‏متفق عليه وقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( والَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ ) رواه البخاري وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْقَاضِي بن عياض يُجَازِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ يَكُونُ رِيحُهُ رِيحَ الْمِسْكِ

أقبلوا على الإخلاص
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قال الله تعالى :"يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلِي، الصِّيَامُ لي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا".رواه البخاري قال بدر الدين العيني (الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) ، وَمُلَخَّصه: أَن الصَّوْم لَا يَقع فِيهِ الرِّيَاء كَمَا يَقع فِي غَيره، لِأَنَّهُ لَا يظْهر من ابْن آدم بِفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء فِي الْقلب، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مُرْسلا. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ فِي الصَّوْم رِيَاء) وقيل: لَا يدْخلهُ الرِّيَاء بِفِعْلِهِ وَقد يدْخلهُ بقوله، بِأَن أخبر أَنه صَائِم فَكَانَ دُخُول الرِّيَاء فِيهِ من جِهَة الْإِخْبَار، بِخِلَاف بَقِيَّة الْأَعْمَال، فَإِن الرِّيَاء قد يدخلهَا بِمُجَرَّد فعلهَا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لما كَانَت الْأَعْمَال يدخلهَا الرِّيَاء وَالصَّوْم لَا يطلع عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِهِ فعله إلاَّ الله، فأضافه إِلَى نَفسه، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيث: (يدع شَهْوَته من أَجلي)

أقبلوا على باب الريان
سمي باب الصيام (الريان) من الرِّيِّ الذي هو ضد العطش ، وهذا مما وقعت المناسبة بين لفظه ومعناه ، لأنه مشتق من الري و، هو مناسب لحال الصائمين قال صلى الله عليه وسلم قال ( إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) رواه البخاري
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هل الصائمون يقصد بهم الذين يصومون شهر رمضان فقط، أم الذين يصومون السنن مثل الاثنين والخميس وأيام البيض؟
المراد بذلك الصائمون صوم الفريضة، الذين يحافظون على الصوم صوم الفريضة رمضان، وهكذا ما أوجبه الله عليه من صوم الكفارات، والنذور، هؤلاء لهم باب، باب الريان يدخلون معه، فإذا دخلوا أغلق، وإذا كان عندهم أعمال أخرى يدعون من أبواب كثيرة، لكن يدخلون من هذا الباب باب الصيام، والمؤمن الذي يقيم الصلاة يؤدي الزكاة ويصوم رمضان ويتقي الله يدعى من الأبواب كلها، لكن هذا الباب ما يدخل معه إلا الصائمون الذين حافظوا على الصوم الواجب.
أقبلوا على التقوى
قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏‏.
قال ابن سعدي في تفسيره : ‏يخبر تعالى بما منَّ به على عباده, بأنه فرض عليهم الصيام, كما فرضه على الأمم السابقة, لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصيتم بها. ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه. فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها, التي تميل إليها نفسه, متقربا بذلك إلى الله, راجيا بتركها, ثوابه، فهذا من التقوى. ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى, فيترك ما تهوى نفسه, مع قدرته عليه, لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان, فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم, فبالصيام, يضعف نفوذه, وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب, تكثر طاعته, والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع, أوجب له ذلك, مواساة الفقراء المعدمين, وهذا من خصال التقوى.

أقبلوا على الوقاية من النار
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ » متفق عليه يعني ستر من النار وعند الْإِمَامُ أَحْمَدُ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ» .

أقبل على العتق من النار
قال صلى الله عليه وسلم: إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة. قال العلامة الألباني: حسن صحيح.
قال ابن العربي "ولله عُتَقَاءُ من النّار" اعْلَمُوا -وفقكم الله وَوَفَّقَ لكم المُعَلِّم- أنّ لله سبحانه عتقاء من النَّار في كلِّ ليلةٍ ويَوْمٍ، وفي كلِّ ساعةٍ من كلّ شهرٍ، ولعتقه أسبابٌ من الطّاعات، فلِلَّهِ عتقاء من النّار بالتّوحيدِ، وبالصَّلاة، وبالزَّكاة، وبالصِّيام، فعتقاء رمضان بثواب الصِّيام وبركته، وفي الحديث الصّحيح: "والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ برهانٌ، والصَّبْر ضيَاءٌ والقرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليك، كلُّ النَّاس يَغْدُو، فَبَائِعٌ نفسَهُ فَمُعتِقُها أَوْ مُوبِقُها" (1) فهذا الحديث يُفَسِّر لك معنى قوله: "عتقاء" والحمدُ لله.

أقبل على مضاعفة الحسنات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا‏)‏ ‏متفق عليه وفي رواية لمسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يضاعَفُ، الحسنةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ

أقبلوا على مغفرة الذنوب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ). رواه البخاري ومسلم . وقال : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ). رواه البخاري ومسلم . أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ : " ارْتَقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَرَجَةَ الْمِنْبَرِ , فَقَالَ : " آمِينَ " , ثُمَّ ارْتَقَى أُخْرَى , فَقَالَ : " آمِينَ " , ثُمَّ ارْتَقَى دَرَجَةً أُخْرَى , فَقَالَ : آمِينَ , ثُمَّ جَلَسَ قَالَ : فَسَأَلُوهُ عَلامَ أَمَّنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : فَقَالَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ , فَقَالَ : " رَغِمَ أَنْفُ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ , فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ , فَقُلْتُ : آمِينَ , ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ , فَقُلْتُ : آمِينَ , ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ , فَقُلْتُ : آمِينَ " صححه الحاكم وابن حبان

أقبلوا على مكفرات الذنوب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» رواه مسلم.
أقبلوا على تلاوة القرآن ومدارسته
قال الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وعن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ؛ لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري ومسلم وكان السلف - رحمهم الله - يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، وتزيد عنايتهم به في هذا الشهر العظيم، فكان الأسود - رحمه الله - يقرأ القرآن في كل ليلة من رمضان وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر يختمه في كل ثلاث وكان قتادة يختم في كل سبعٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كلَّ ليلة وكان الزُّهري - رحمه الله - إذا دخل رمضان، قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
ولا شك أن قراءة القرآن قربة وطاعة من أحب الطاعات إلى الله، لكن مما لا شك فيه أيضا أن القراءة بغير فهم ولا تدبر ليست هي المقصودة، بل المقصود الأكبر أن يقوم القارئ بتحديق ناظر قلبه إلى معاني القرآن وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وإجالة الخاطر في أسراره وحِكَمه.القرآن يدعونا إلى التدبر: إن الله دعانا لتدبر كتابه وتأمل معانيه وأسراره: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) [ص:29]. وقد نعى القرآن على أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ولا يستنبطون معانيه: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)
قال السيوطي : " وتسن القراءة بالتدبر والتفهم ...وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب."

أقبلوا على ليلة القدر
قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر} قال ابن جرير الطبري - رحمه الله - في "عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" وهذا الذي صوَّبه ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره.
وقال عليه الصلاة والسلام : مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ . رواه البخاري ومسلم .



أقبلوا على تفطير الصائمين
قال صلى الله عليه وسلم: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً. رواه الترمذيوغيره، وقال الترمذي حسن صحيح.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين: واختلف العلماء في معنى من فطر صائماً فقيل: إن المراد من فطره على أدنى ما يفطر به الصائم ولو بتمرة. وقال بعض العلماء: المراد بتفطيره أن يشبعه لأن هذا هو الذي ينفع الصائم طول ليلة وربما يستغني به عن السحور؟ ولكن ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره. ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إفطار الصائمين بقدر المستطاع لا سيما مع حاجة الصائمين وفقرهم أو حاجتهم لكونهم لا يجدون من يقوم بتجهيز الفطور لهم. انتهى.

أقبلوا على الجود
وعن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ؛ لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري ومسلم جودٌ بالنّفس وبالمال، وجودٌ بالعلم وبالجاه، وجودٌ بالخلق وبالعرض، وجودٌ بالصَّبر واحتمال الأذى، وقد كان جوده - صلَّى الله عليه وسلَّم - شاملاً جميع أنواع الجود، مِن بذل العلم وإنفاق المال، وبذل النَّفس لله - تعالى - في إظهار دينه وهداية عباده، والحرص على إيصال النَّفع إليهم بكلِّ الطُّرق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمُّل أثقالهم، فبأيِّ هذه المراتب أخذنا؟ وأي تلك الأنواع فعلنا؟ فنحن على خير بإذن الله

أقبلوا على التراويح
قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) متفق عليه (مَنْ قَامَ رَمَضَان) أَيْ قَامَ لَيَالِيَهُ مُصَلِّيًا ( إِيمَانًا ) أَيْ تَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ .( وَاحْتِسَابًا ) أَيْ طَلَبًا لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ .و ( كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مَا لا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا ) . رواه مسلم وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فينبغي الحرص على قيام رمضان في جماعة ، والبقاء مع الإمام حتى يتم الصلاة ، فإنه بذلك يفوز المصلي بثواب قيام ليلة كاملة ، وإن كان لم يقم إلا وقتاً يسيراً من الليل ، والله تعالى ذو الفضل العظيم قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

أقبلوا على العمرة في رمضان
قال صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تعدل حجة. وفي رواية: معي. أخرجه البخاري. وليس معنى ذلك أنها تعدل ثواب الحج من كل وجه وجاء في مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج قلت: من قال: عمرة في رمضان تعدل حجة أثبت هو ؟ قال: بلى، هو ثبت .
قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبد. انتهى .
قال إسحاق بن راهوية: معنى هذا الحديث – يعني حديث: عمرة في رمضان تعدل حجة - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ : قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن. انتهى.

أقبلوا على الدعاء
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر. صححه الألباني
وعبارة الدعوة هنا لا تقتضي أنها دعوة واحدة ولا أنها بشيء واحد، بل المراد ـ والله أعلم ـ دعاؤه، فعلى المسلم أن يأخذ بالأحوط فيدعو ويجتهد في الدعاء حال صيامه وعند إفطاره ويدعو بما شاء من أمورالآخرة وما يباح من أمور الدنيا، قال المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث المذكور: ومراده كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه. انتهى.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "الدعاء يكون قبل الإفْطار عند الغروب؛ لأنَّه يجتمع فيه انكِسار النَّفس، والذُّلُّ، وأنَّه صائم، وكلُّ هذه أسباب للإجابة، وأمَّا بعد الفِطْر، فإنَّ النفس قدِ استراحت وفرِحَت، وربَّما حصلت غفلة، لكن ورد دُعاء عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم لو صحَّ، فإنَّه يكون بعد الإفْطار، وهو: "ذهب الظَّمأ، وابتلَّت العروقُ، وثبت الأجر، إن شاء الله"، فهذا لا يكون إلاَّ بعد الفطر". اهـ.

أقبلوا على الاعتكاف
قال تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) وقال : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) البقرة/187 .
وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) متفق عليه
ونقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية الاعتكاف .
وقال الشيخ ابن باز "لا ريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من القرب ، وفي رمضان أفضل من غيره .. وهو مشروع في رمضان وغيره" اهـ

أقبلوا على زكاة الفطر
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((فرَض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاة الفِطر؛ طُهْرة للصائم من اللَّغو والرَّفث، وطُعمة للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاة فهي صدقةٌ من الصَّدقات)) صححه الألباني
المشاهدات 1940 | التعليقات 0