رمضان الرحمة ( دعوة للإغاثة )

د مراد باخريصة
1436/09/08 - 2015/06/25 14:38PM
رمضان الرحمة ( دعوة للإغاثة )
عباد الله: إن رمضان هو شهر الخير والإحسان وموسم الفضل والجود والامتنان، شهر الرحمات والخيرات والبركات شهر الكرم والفضل والصدقات شهر الخير والعطاء والزكوات.
شهر الرحمة بالفقراء والمحتاجين والإشفاق عليهم والاهتمام بهم وسد حاجاتهم وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً رقيقاً رحيماً رءوفاً شفيقاً أجود من الخير المرسلة وأرحم الناس وأعطفهم صلى الله عليه وسلم وكان أجود ما يكون في رمضان.
يزداد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بذلاً وعطاء ويكثر من السخاء والجود والكرم إكثاراً عظيماً حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما في وصفه صلى الله عليه وسلم " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ ، حِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، قَالَ : فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ".
إن شهر رمضان الفضيل يحسس المسلم - وخاصة أغنياء المسلمين – بحال فقراء المسلمين ويشعرهم بمعاناتهم ويلفت انتباههم نحوهم فيشعر أن له إخواناً جوعى لا يجدون ما يأكلون وآخرون صارت أيام سنتهم كلها صوماً فليس عندهم ما ينفقون وإذا كان هو يأكل ما لذّ ويفطر على ما طاب فإن غيره من المسلمين لا يجدون أبسط الأشياء التي يسدون بها رمقهم ويشبعون بها جوعهم.
لقد جاء رمضان هذه السنة والناس هنا في اليمن في أزمة خانقة وظروف حرجة وشبه توقف للحياة العامة والخاصة فظهر من جراء ذلك كرب وأزمات وشدائد وحاجات وأحوال وململمات كان من أعظمها نزوح كثير من أهالي المحافظات وخروجهم من بيوتهم ومناطقهم هاربين من جحيم الحرب والأهوال والصعوبات.
أضف إلى ذلك معاناة ذوي الدخل المحدود وأصحاب الأعمال الخاصة الذين توقفت أعمالهم وانقطعت أشغالهم بسبب الأوضاع المرة والكهرباء وانقطاعاتها المستمرة فانكشف من وراء ذلك كله أحوال صعبة ومعاناة بالغة وتدني حياة كثير من الأسر التي كانت بالأمس مستورة وأصبحت اليوم أحوالها مكشوفة وصار وضعهم المادي يرثى له حتى وصل بعضهم إلى درجة الفقراء المعدمين.
أسر نازحة اشتد حالها وارتفعت معاناتها وعظم فقرها وبلاؤها فصار بعضهم لايجدون ما يأكلون وأعلن بعضهم لجيرانه ومن حوله عن إفلاسه وفقره وعدم وجود شيء في يده أو في بيته وجلس بعضهم على المساعدات والإغاثات فإن وصل منها شيء أكله وإن لم يصله شيء ربط بطنه والله المستعان.
ويصل بعضهم من هناك مفلساً ليس عنده شيء قد هدّه الجوع ومسته الحاجة ونزلت به الفاقة والأعظم من ذلك والأشد المرضى منهم وخاصة الذين يعانون من أمراض مستعصية وأحوال مؤلمة كمرضى السرطان وأصحاب الفشل الكلوي وكبار السن والضعفاء والعجائز وأصحاب الأمراض المزمنة الذين يعيش بعضهم في أماكن غير لائقة أو تجمعات مختلطة أو مدارس غير مؤهلة وملاجئ ليست لائقة أو نزلوا عند أقارب لهم آووهم وضموهم إليهم رغم حاجتهم ومعاناتهم.
ناهيك عن أحوال الأسر التي توجد هنا من الأسر المقيمة من أبناء البلد أنفسهم والذي أصبحوا في حالة النسيان والحرمان وصار بعضهم لا يؤبه له ولا ينظر أحد في ظروفه وأحواله لأن في الناس من هو أشد منه حاجة وأكثر منه فقراً
فهؤلاء جميعهم من لهم بعد الله سبحانه وتعالى يسد حاجتهم ويشبع جوعتهم؟ من يقوم بهم وينظر إليهم ويتلمس همومهم ويتفقد أحوالهم غير إخوانهم المسلمين الضعفاء مثلهم؟
منْ لهم بعد الله سبحانه وتعالى وقد سيست المساعدات الإغاثية وتم التصرف فيها بخلفيات سابقة وسياسات مسيّرة؟ من لهم بعد الله إذا كان حقاً حولت مساعداتهم أو صرفت إلى غيرهم أو تم التلاعب فيها بطريقة أو بأخرى؟
هل ننتظر الأمم المتحدة أو منظمات الصليب الأحمر أن تأتي لتغيث إخواننا وأهلنا وأصحاب الحاجة منا؟ هل نبقى ننتظر الأخبار والإشاعات عن مجئ مساعدات وننتظر غيرنا حتى يرحمنا ويعطف علينا ويوجه بصرف المساعدات لنا؟
هل نبقى تحت رحمة دول الجوار التي لو تريد حقاً إغاثة هذا الشعب المسكين وتسهيل أموره فإنها تستطيع تسيير رحلات إغاثية منظمة عبر المنافذ البرية والموانئ البحرية والمطارات الجوية التي لا تزال تحت السيطرة أو على الأقل يرحموا الألوف المؤلفة من الهاربين الواقفين على المنافذ والحدود في العراء وتحت لهيب الشمس الحارة وهم صيام في أوضاع مخزية ومعاملة سيئة قاسية لا تليق بالحيوان فضلاً عن الإنسان ويراقبون بكل دقة كل حوالة تتحول إلى اليمن إمعاناً في المعاناة والمحاصرة والهوان حتى صار بعض أغنياء المسلمين وتجارهم في تلك البلدان يود إعانة إخوانه وإغاثتهم هنا ولكنه يهاب تلك السياسات العدوانية الظالمة والتهم المعلبة والأحكام الجائرة الجاهزة.
هل نبقى ننتظر المحكومة وليست الحكومة العاجزة الهاربة الساكنة في المنفى التي تعيش ضيفة عند الآخرين ليس لها من الأمر شيء وإذا كانت هي نفسها لاجئة عند الغير نازحة عندهم فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
ليس لنا إلا الله ثم الاعتماد على أنفسنا وذواتنا فهو خير لنا من سؤال الناس أعطونا أو منعونا وخير لنا من عناء المذلة والمهانة واستعلاء الوجوه والاشماخ علينا بالأنوف فإن اليد العليا خير من اليد السفلى والصدقة من الشخص الشحيح الفقير خير عند الله سبحانه وتعالى وأعظم بركة وأكثر أجراً من الصدقة من صاحب المال والغنى أو الصدقة من المتمنن المتعالي المغتر بنفسه وماله وخير من المساعدات المشروطة بشروط وأحكام وإملاءات.
يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: " سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْبِقُ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ رَجُلٌ كَانَ لَهُ دِرْهَمَانِ، فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَآخَرُ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عَرَضِهَا مِائَةَ أَلْفٍ " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى" .
يقول الله تبارك وتعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة : 103] ويقول جل وعلا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 280] ويقول: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة : 104].
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
نريد اليوم في هذا الشهر العظيم المبارك وفي هذا اليوم الفاضل العظيم يوم الجمعة من شهر رمضان أن نجمع الصدقات والزكوات لصالح العوائل الفقيرة والأسر النازحة في منطقتنا هذه.
نريد اليوم أن نساهم بما نستطيع عليه لسد ما نقدر على سده من حاجات المحتاجين الماسة ومتطلباتهم وصرفياتهم.
نريد اليوم أن نعمل شيئاً لوجه الله يسقط عنا العذر أمام الله سبحانه وتعالى في حق أهلنا وإخواننا الفقراء والمحتاجين والنازحين الذين يأتي إلينا في كل يوم أحد منهم يطلب حاجة أو يريد إعانة وليس في أيدينا شيء لكي نمده به أو نعطيه منه.
نريد اليوم أن نقف جميعاً لسد الحاجة الكبيرة لإخواننا حتى لا تبقى المسئولية يتحملها عاقل المنطقة أو إمام المسجد أو الوجهاء والأعيان دون غيرهم من الناس وإنما يشارك الجميع في السعي لهم وسد حاجتهم
وضعنا صندوقاً خيرياً نأمل أن يكون ثابتاً ودائماً يبقى خيره وعطائه مستمراً حتى يفرج الله الأزمة ويكشف الكربة وليس من حق أي شخص بعينه أن يصرف منه ما يريد أو يعطي منه من يشاء وليس من حق أحد معين أن يقرر أن فلاناً يستحق أو لا يستحق إلا بمشورة ونظام.
إنها تجربة خيرية في المنطقة نأمل إن شاء الله أن تكون خطوة مباركة وبداية حسنة فإن نجحت وعظمت بركتها سيتم الترتيب لها بإذن الله بنظام أدق ولجان مشكّلة وإن لم يكتب الله لها التفاعل والقبول يتم صرف الموجود للموجودين بحسب الحاجة والفاقة.
لهذا نأمل من كل الخيرين في المنطقة أن يتفاعلوا مع هذه الفكرة المباركة والمشروع الخيري الذي سيستمر إن شاء الله طيلة الشهر ومن كان له صلة بأحد من المحسنين أو التجار فليضع عليه الفكرة ويبلغه الأمر ومن له أقارب أو مغتربين ميسورين في الخارج فليضع الموضوع عليهم أويوصلوه إلى من يعرفون من أهل الخير هناك في بلد الغربة.
وأيضاً النساء في المنطقة وخاصة الموظفات منهن ينبغي عليهن المشاركة في ذلك والمساهمة فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثهن على الصدقة فقال يامعشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم.
كما نحث الإخوة الإعلاميين وأصحاب الخبرات في مجال الانترنت والنشر ومواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة أن يكتبوا عن المشروع ويساهموا في نشر الفكرة بأقصى ما يستطيعون فالدال على الخير كفاعله.
يقول الله سبحانه وتعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ويقول {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وقال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ويقول جل وعلا: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ).
وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم " أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا ".
صلوا وسلموا ..
المشاهدات 1439 | التعليقات 0