رســالة إلى مكروب

محمد سعيد الهاشمي
1436/04/01 - 2015/01/21 17:35PM

رسالة إلى مكروب

2531436 هــــ


عباد الله خرج سليمان عليه السلام يستسقي بالناس وفي طريقه من بيته للمصلى رأى نملة قد رفعت يديها تدعوا رب العزة جل جلاله دعوا الذي يعطي ويمنع الذي يلطف ويغيث .
فقال سليمان أيها الناس أيها الناس عودوا فقد كفيتم بدعاء غيركم فاخذ الغيث ينهمر بدعاء تلك النملة .
حديثنا اليوم عن أمر غفل عنه كثير من الناس ولن أطيل في مقدمته إنها العبادة التي لم يقدر قدرها كثير من الخلق , إنه الدعاء يا عباد الله .
هذه الخطبة هي رسالة من على هذا المنبر رسالة إلى كل مكروب , رسالة إلى كل مهموم , رسالة إلى كل مظلوم .
إلى كل مديون , إلى من أثقله الدين , إلى كل خاسر في الأسهم أو في تجارة أو في عمارة .
رسالة إلى كل مريض على فراش المرض رسالة إلى كل صاحب حاجة .
فنقول ارفعوا أيديكم إلى الله , وقولوا يا الله ونادوا يا رب فالدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرضيين ألحوا يا عباد الله على الله بالدعاء فانه يوشك أن يفتح لكم .
ذكر ابن القيم رحمه الله , أنه رأى في بعض السكك بابا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تقوده حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه , ودخلت وذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكرا فلم يجد المأوى غير البيت الذي خرج منه .
ولا من يأوي إليه إلا والدته رجع مكسور القلب حزينا , وجد الباب موصدا مغلقا فتوسد ووضع خده على عتبة الباب فنام , حتى خرجت أمه فلما رأته على تلك الحال , لم تمتلك إلا أن رمت بنفسها والتزمت وأخذت تقبله , وتقول يا ولدي أين تذهب عني من يؤويك سواي ألم أقلك لا تخالفني ثم ضمته إلى صدرها وأدخلته إلى بيتها .
تأملوا هذه ألام وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم( إن الله جل جلاله أرحم بعباده من الوالدة بولدها ) .
فأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء .
إن الله جل جلاله العفو أحب إليه من الانتقام , والرحمة أحب إليه من العقوبة سبقت رحمته غضبه , الفضل أحب إليه من العدل , والعطاء أحب إليه من المنع .
إذا بادر أخي بالدعاء وقل يا رب يا إله الأولين والآخرين يا أكرم الأكرمين عبدك أسير الخطايا صاحب الهفوات والرزايا واقف ببابك يدعوك ويناديك .
فيا ربنا لا نهلك وأنت رجائنا يا ربنا لا نضيع وأنت أملنا يا ربنا لا نذل وأنت ملاذنا فاستجب يا رب دعانا .

فإن الدعاء من أعظم العبادات التي يتجلَّى فيها الإخلاص والخشوع, وهو المقياس الحقيقي للتوحيد, ففي كلامٍ لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: "إذا أردت أن تعرف صدق توحيدك فانظر في دعائك".
أخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء, وأبخل الناس من يبخل بالسلام ) .
وأنت أيها المبارك مأجور في دعائك, موعود بالإجابة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه بدعوة أن يردهما صفرًا ليس فيهما شيء (أخرجه الترمذي وأبو داود
والدعاء كريم على الله, عظيمٌ قدره عنده سبحانه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء ) أخرج الترمذي .

من أرد أن يسأل الله حاجة فليبدأ أولا : بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى ثم بعدها بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عزوجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أيدع من بينهما .
قال سفيان الثوري رحمه الله : بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال , وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون , فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم إلي بأقدامكم حتى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكلّ ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيا ولا أرحم لكم باكيا , حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا من يومهم .
وقد أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ) .
عباد الله ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة, انطرحوا بين يديه, وارفعوا حاجاتكم برداء الذل والمسكنة, ومرغوا الأنوف والجباه, واهتفوا باسمه فثم السعادة والأمان
لا إله إلا الله لا إله إلا الله ناصر الضعيف , ومفزع كل ملهوف من دعاه أجابه .
إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال , وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان نعم فرج الله قريب فرجه قريب في لمحة البصر وغوثه في لفتت النظر , قريب جواد مجيد أقرب إلى العبد من حبل الوريد .

فأين أنتم يا أهل الحاجات ؟
أين المرضى ؟
أين المديونون ؟
أين المستضعفون ؟
لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسيتم باب الله , لماذا نسيتم باب الله .
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني أدم حين يسأل يغضب
لا تـسألــن بني أدم حـاجـة وسل الذي أبوابه لا تحجـب
فادعوا الله يا عباد الله وألحوا في الدعاء فإن الله جل جلاله يحب الملحين في الدعاء , فحق علينا حق علينا أيها الكرام أن ندعو الله في الشدة والرخاء في السراء والضراء .
إذا نزلت بك يا عبد الله النوازل , وألمت بك الخطوب فالهج بذكره واهتف باسمه وقل يا الله .........
نسال الله جل جلاله أن يجعلنا ممن دعاه فأجابه , وأن لا يردنا خائبين ولا يطردنا من رحمته إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا
إليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له




الخطبة الثانية
أما بعد:
فينبغي عباد الله أن نتذكر كمن من نعمة أنعم الله علينا قل عنده شكرنا فلم يحرمنا سبحانه , وكم من بلية ابتلينا بها قل عندها صبرنا فلم يخذلنا .
فلله الحمد وله المنة .

ينبغي يا عباد الله أن ندعو الله بقلب حاضر وخشوع وخضوع , فإن الله جل جلاله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه , كذا صح الخبر عن سيد البـشر صلى الله عليه وسلم .
قال يحي ابن معاذ رحمه الله من جمع الله قلبه في الدعاء لم يرد دعاه .
عباد الله لنكثر من الدعاء لنستغفر الله سبحانه وتعالى من ذنوبنا لنرد المظالم إلى أهلها , لابد أن نبتعد عن أكل الحرام وأن نحرص على أكل الحلال .
لنكن ممن يدعوا الله وهو موقن بالإجابة فإن الله سبحانه وتعالى سوف يستجيب له بإذنه سبحانه , والإجابة في ثلاث أمور إما أن يستجيب الله لك , أو ير د عنك قدر , أو يدخر لك هذا الدعاء ليوم القيامة , وكلها خير وكلها نور , نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء .
المشاهدات 2248 | التعليقات 0