رسالة (27) حديث بدأ الإسلام غريبا، لابن تيمية رحمه الله
إبراهيم بن سلطان العريفان
تَمْهِيدٌ إِلَى الرِّسَالَةِ
تَتَنَاوَلُ رِسَالَةُ "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا" لِابْنِ تَيْمِيَّةَ شَرْحًا وَتَفْسِيرًا لِحَدِيثٍ نَبَوِيٍّ شَرِيفٍ، حَيْثُ يُوَضِّحُ أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي بِدَايَتِهِ كَانَ غَرِيبًا بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ انْتَشَرَ وَعَرَفَهُ الْكَثِيرُونَ، وَفِي آخِرِ الزَّمَانِ سَيَعُودُ غَرِيبًا، أَيْ أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِتَعَالِيمِهِ الصَّحِيحَةِ سَيَكُونُونَ قِلَّةً.
وَإِلَيْكَ مُلَخَّصًا لِأَهَمِّ مَا جَاءَ فِي الرِّسَالَةِ:
تَفْسِيرُ الْغُرْبَةِ فِي سِيَاقٍ أَوْسَعَ:
الْغُرْبَةُ الْأُولَى: يُشِيرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ الْغُرْبَةَ الْأُولَى لِلْإِسْلَامِ كَانَتْ فِي مَكَّةَ، حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قِلَّةً مُضْطَهَدَةً. ثُمَّ فِي الْمَدِينَةِ، حَيْثُ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي بِدَايَتِهِ يُوَاجِهُ تَحَدِّيَاتٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ.
الْغُرْبَةُ الْأَخِيرَةُ: يُوَضِّحُ أَنَّ الْغُرْبَةَ الْأَخِيرَةَ سَتَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، عِنْدَمَا يَقِلُّ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الصَّحِيحُ، وَيَكْثُرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ. وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ انْقِرَاضَ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِتَعَالِيمِهِ الصَّحِيحَةِ سَيَكُونُونَ قِلَّةً. وَإِنَّ كَثْرَةَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْإِسْلَامِ لَا تَعْنِي بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، فَالْعِبْرَةُ بِصِحَّةِ الْمُعْتَقَدِ وَسَلَامَةِ الْعَمَلِ.
صِفَاتُ الْغُرَبَاءِ بِتَفْصِيلٍ أَكْبَرَ:
التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ: الْغُرَبَاءُ هُمُ الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّةَ النَّبِيِّ r، وَيَتَّبِعُونَهَا فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ. وَيَحْرِصُونَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، وَيَجْتَنِبُونَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبُهَاتِ.
الْإِصْلَاحُ: يَسْعَوْنَ إِلَى إِصْلَاحِ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. يُصْلِحُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا، ثُمَّ يَسْعَوْنَ إِلَى إِصْلَاحِ غَيْرِهِمْ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
الصَّبْرُ وَالثَّبَاتُ: يَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى وَالِابْتِلَاءَاتِ الَّتِي يَتَعَرَّضُونَ لَهَا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ. يَثْبُتُونَ عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يَتَزَعْزَعُونَ أَمَامَ الْفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ.
الْعِلْمُ وَالْبَصِيرَةُ: هُمْ أَهْلُ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَيَعْرِفُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ. يَسْتَنِدُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَتَّبِعُونَ الْأَهْوَاءَ وَالشَّهَوَاتِ.
أَهَمِّيَّةُ الرِّسَالَةِ فِي عَصْرِنَا:
تُعْتَبَرُ الرِّسَالَةُ تَذْكِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَهَمِّيَّةِ التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ فِي أَوْقَاتِ الْفِتَنِ. وتَحُثُّ عَلَى عَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ، وَعَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ قَلَّ أَهْلُهُ. وتُشَجِّعُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ، وَعَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَعَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.
إِنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لِلْغُرْبَةِ يُعْطِي الْمُسْلِمَ أَمَلًا فِي زَمَنِ الْفِتَنِ، فَكَوْنُ الْمُسْلِمِ غَرِيبًا فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى خَطَأٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي غَابَ عَنِ الْكَثِيرِينَ.
وَخِتَامًا:
تُعْتَبَرُ الرِّسَالَةُ مِنَ الرَّسَائِلِ الْهَامَّةِ الَّتِي تُوَضِّحُ مَعَانِيَ الْغُرْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَحُثُّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ فِي أَوْقَاتِ الْفِتَنِ. وتُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لَيْسَتْ بِكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ، بَلْ بِصِحَّةِ الْمُعْتَقَدِ وَسَلَامَةِ الْعَمَلِ. وإِنَّ فَهْمَ هَذَا الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ الْمُسْلِمَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَعَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ.
المرفقات
1743130824_بدأ الإسلام غريبا.pdf
1743130831_بدأ الإسلام غريبا.docx