رسالة المسلم في الحياة

عنان عنان
1437/05/21 - 2016/03/01 09:34AM
بسم الله الرحمن الرحيم [الخطبة الأولى]
1- خلافة الإنسان في الأرض
عباد الله: إن الله-عز وجل- عرض الأمانة على السموات والأرض و الجبال التي هي أكبر المخلوقات قال تعالى: ((لخلق السموات والأرض أكبرُ من خلقِ الناس ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون)).
ما هي الأمانة؟ سألت السموات والأرض والجبال اللهَ-سبحانه وتعالى-فقالت: يا رب ما هي الأمانة؟ قال: إن أطعتِ أثبتِ وإن عصيتِ عُوقبتِ فقالت: لا أريد أن أحملها. وحمل هذه الأمانة الإنسان قال تعالى: ((إنَّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)).
عباد الله: إنَّ من حكمةِ الله-سبحانه وتعالى- أن جعل الإنسانَ خليفتَه في الأرض يقيم سننه ويظهر عجائب صنعه وأسرار خليقته وبدائعَ حكمته ومنافعَ أحكامِه قال تعالى: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً)).
والإستخلاف إبتلاء وامتحان قال تعالى على لسان نبيه موسى:((عسى ربُّكم أن يهلك عدوكم ويستخلفَكم في الأرض فينظرَ كيف تعملون)).
والإستخلاف يقتضي إلى الصلاح والعمل بالدين وبناء الحياة والقول والعمل والإنتاج والتعلم والتعليم. لا يقتضي إلى بناء الملاهي والخمارات وبيوت الفجور والفسوق والإفساد بالأرض. قال تعالى: ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات أن يستخلفنَّهم في الأرض)).
عباد الله: شبَّه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-المؤمنَ بالنخلة لإنَّ النخلةَ كلُّ شيءٍ فيها ينفع والمؤمنُ كلُّه خيرٌ قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: على كُلِّ مسلمٍ صدقةٌ قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفعُ نفسَه ويتصدق قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعينُ ذا الملهوف قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروفِ أو الخيرِ قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسكُ عن الشرِّ فإنَّها صدقة.

2- حال الدين عند الناس
عباد الله: كيف حال الدين عند الناس؟ يصف الشاعرُ حالَ الدينِ عند الناس قبل مئات قال الشاعر:
تبكي الحنيفيةُ البيضاءُ من أسفٍ***كما بكى لِفراقِ الإلفِ هيمانُ
على ديارٍ من الإسلامِ خاليةٍ***قد أقفرت لها بالكفرِ عِمرانُ
حيثُ المساجدُ قد صارت كنائسَ ما***فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ***حتى المنابر تُرثي وهي عيدانُ
قال أحمد بن عاصم الأنطاكي-رحمه الله-: أدركتُ زمناً من الأزمنة عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ وعاد فيه وصف الحقِّ غريباً كما بدأ إن ترغبْ فيه إلى عالمٍ وجدتَه مفتوناً بحبِّ الدنيا يُحبُّ التعظيمَ والرئاسة وإن ترغبْ فيه إلى عابدٍ وجدته مخدوعاً بعبادته غدره إبليس يرى نفسَه في أعلى مقامات العبادة وهو جاهل بأدناها فكيف بأعلاها؟! واكثر الناس همج رُعاع وثعالب مفترسة وذئاب ماكرة وسباع رائية-أي: خبيثة-.
عباد الله: نحنُ ماذا قدمنا لدين؟ نرى أجساماً سليمةً كاملةَ البُنيان ولكنَّها مضطربةٌ في حياتها تسيرُ بلا أملٍ ولا عملٍ يشغلها ولا همِّ تحملُ همَّه. قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: النفس إن لم تشغلها بالحقِّ شغلتك بالباطل. وقد قالوا: في أحضانِ البِطالةِ تُولَدُ الرذائل. وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: إنَّ اللهَ يحبُّ معاليَ الأمور وأشرافَها ويكره سفسافَها-أي: الأمور الدنيئة-
اسمع-رحمك الله-عن هؤلاء الرجال الذين حملوا همَّ الدين وصبروا على الأذى فيه
الخليفة الظالم المأمون ادعى أن القرآن مخلوق فأنكر عليه الإمام أحمد وقال: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فأمر بسجنه وتعذيبه وهناك علماء وافقوا كلام الإمام أحمد فأمر بسجنهم وتعذيبهم ولكنهم لم يصبروا على السجن والتعذيب فقالوا: إن القرآن مخلوق قالوها: تقاةً من السجن والعذاب ومن هؤلاء العلماء يحيى بن معين وهو من أحد علماء الحديث فكان يقول: للإمام أحمد قلها تقاةً يا أحمد فقال له الإمام أحمد: إن قلتها تقاة فمن الذي سيتحمل مسؤولية الناس؟ لإن كان على باب السجن جمع عظيم من الناس كلهم ينتظرون قول الإمام أحمد ليقول أن القرآن مخلوق مع أنه لو قالها تقاةً لا إثمَ عليه لإنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولكنه صبر على السجن والتعذيب من أجل هذا الدين.
يأتي الشيطان إلى الإمام أحمد وهو في سكراتِ الموت وأهله يلقوننه الشهادة يقول له: فتني يا أحيمد فقال: ليس بعدُ ليس بعدُ فلما استيقظ قال له إبنه عبد الله: يا أبتاه نقول لك: قل لا إله إلا الله وتقول: ليس بعد! فقال: إن الشيطان قد جاءني وقال: فتني يا أحيمد فقلت: ليس بعدُ ليس بعدُ.
لإنَّ الروح ما دامت في الجسد لا يُؤمَنُ عليها الفتنة لهذا قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: من كان مستناً فليستن بمن هو مات فإن الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفتنة.
قال تعالى: ((يا أيها الناس إنَّ وعدَ الله حقٌّ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور*إنَّ الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبَه ليكونوا من أصحاب السعير)).
عباد الله: إن الإمام إذا ضل فإنه يهدم الدين فهذا الخليفة المأمون قد ضل فأراد هدم الدين ولكن تلاشت هذه الفتنة بفضل الله ثم بفضل الإمام أحمد.
سأل عمر بن الخطاب رجلاً فقال له: ما يهدم الدين؟ فقال الرجل: لا أعلم فقال: يهدم الدين زلة العالم وجدال منافق وأئمة مضلون [أخرجه الدارمي].

[الخطبة الثانية]
الرسالة الواجبة على كل فرد من أفراد الأمة
عباد الله: على كُلِّ فرد من أفراد الأمة واجبات
فمن واجبات المرأة أن تكون أمَّاً بمعنى الأمِّ فالأمومية أعظم مهنةٍ للمرأة فإنَّ الغرب يريدون المرأة أن تخرج سافرةً عاريةً متبجحةً بلا أدبٍ ولا حياءٍ قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((الحياء شعبةٌ من الإيمان)) والحياء: صفة تحمل صاحبها على ترك المحرمات. فإذا فقدنا هذه المدرسة فقدنا جيلاناً عظيماً يتربى في أحضانها.
في هذه الأيام للإسف الشديد نرى نساءً خرَّجاتٍ للإسواق بكثرة هائلة وإذا جلست في بيتها تجلس أمام مواقع التواصل بالساعاتِ الطويلة فلا تهتم بتربية أولادها ولا بدراستهم وشؤونهم.
كانت أمُّ الإمام الشافعي-رحمه الله- تذهب إلى المحكمة التي يعمل بها القضاة وتأخذ الورق المُرمى بالنفايات وهذا الورق مكتوب في بطنه غيرُ مكتوب على ظهره لإنها كانت لا تجد ثمنَ الورق فأصبح إبنها عالماً من علماء المسلمين وكان من أفقه الناس في زمانه يقول الشافعي عن نفسه: حفظت القرآن وأنا ابن سبع وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر. لله دره
وصدق من قال: الأم مدرسة إذا أعددتها***أعدت شعباً طيبَ الأخلاقِ
والمرأة الصالحة ليست حريصةً على الدنيا فتهرق زوجَها بالمطالبِ التي لا نهايةَ لها ولكنَّ همَّها الآخرة كانت امرأة من نساء السلف توصي زوجها إذا خرج من البيت فتقول له: يا فلان لا تطعمنا من كسبٍ حرامٍ فإنا نصبر على حرِّ الجوع ولا نصبر على حرِّ النَّار.

عباد الله: ومن واجبات الأب أن يكون أباً بمعنى الأبوبية يربي أولادَه تربيةً صالحةً لا يربيهم على الدنيا كأنه لم يُخلق إلا لها.
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((أيما رجل مات وهو غاشٌ لرعيته فقد حرم الله عليه الجنة)).

عباد الله: ومن واجبات الشباب أن يجتهدوا في نصر الدين يجعل الدين همَّه العظيم ولكن للإسف الشديد نرى في هذه الأيام همَّ الشباب فهمُّهم الأسمى أن يحملوا أفخم وأضخم وأحدث جولاً لا همُّهم نصرة الدين وهذا ما يريده الغرب
يقول أحدهم: لو كان في المساجد wi fi لوجدنا المساجد ممتلئةً ولو نتصدق بقيمة دفع فواتير هواتفينا لما وجدنا فقيراً يسأل لهذا يقول الإمام علي-رضي الله عنه-: إذا رأيت فقيراً يمشي في سككِ المدينة فاعلم أنَّ هناك غنياً لم يودِّ زكاةَ ماله.
بعض إذا رأى متسولاً يسأل الناس يقول: هذا كذاب ونحن لا نعلم الصادقَ من الكاذب أقول: من كان يبتغي الأجر عند الله لا يكترث إن كان صادقاً أو كاذباً طالما هو مجهول.
سئل الشيخ ابن باز-رحمه الله-عن المتسولين هل يعطون؟ فقال: له ثلاثة أحوال إن كان غنياً يوبيخ ويزجر وإن كان فقيراً يعطى وإن كان مجهولاً يعطى لعموم الأيات والأحاديث التي تحث على الصدقة.
وعلى الشباب أن يعفوا أنفسهم حتى يغنيَهم الله من فضله قال تعالى: ((وليستعففْ الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله)). قد يتأخر زواج الشاب والفتاة اختباراً من الله لينظرَ أيصبرون؟ أم يتبعون الحرام؟ قيل: سجن مع يوسف-عليه السلام-شابان ولكن كان يوسف أجمل وأصدق وأحسن منهما وقد خرجوا من السجن قبل يوسف بكثير ولكن خرج الأول ليخدم وخرج الثاني ليقتل وعندما خرج يوسف-عليه السلام-خرج عزيزَ مصر.
لهذا قد تتأخر الأمنيات لتكثر الأعطيات

عباد الله: ومن واجبات أفراد المجتمع أن يحب بعضهم لبعضٍ الخير قيل للحسن البصري-رحمه الله-: من الأبرار؟ قال: الذين لا يحملون الذرَّ في قلوبهم على الناس.
وعلى أفراد المجتمع أن يتبعوا سنة نبيهم محمد-صلى الله عليه وسلم- على قدر إستطاعتهم لإنه قد أخرجهم من الظلمات إلى النور وهنا إعجار نبوي قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: إن ما بين المصراعين من مصارع الجنة كما بين مكةَ وهجر. وفي رواية كما بين مكة وبُصرى. فقاسوا المسافة بين مكة وهجر وبين مكة وبصرى فوجدوا المسافة مثلَ بعضٍ لا يوجد هناك زيادة ولو سم1. وهذه أبواب الجنة ليأتينَّ عليها يوم وهو كظيم من الزحام.
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوئ ما عندنا يارب العالمين.

[وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين].





المشاهدات 3710 | التعليقات 1

الشكر لك شيخ عنان والتقدير على حسن توجدك وكرم حضورك ومواصلة نشرك فجزيت خيرا ونفع الله بك.