رسالة الشيخ الريمي إلى الشيخ الزنداني

رسالة الشيخ الريمي إلى الشيخ الزنداني


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه وبعد:


فقد وصلتني رسالة من رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ الفاضل / عبد المجيد الزنداني بتاريخ 19 / جمادى الأولى من عام 1432هـ تتعلق بطلب رؤية حول الأحداث التي تعيشها البلاد وهذا نصها:


الأخ الشيخ الكريم / عبد المجيد الريمي حفظكم الله تعالى


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:


تهديكم هيئة علماء اليمن أطيب تحياتها ، وتسأل من الله أن تكونوا في أتم الصحة والعافية، وتسأل من الله تعالى أن يحفظ لنا ديننا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا وأن يحقن دماء المسلمين ونظرا للأحداث المتسارعة التي تمربها بلادنا ، وقياما بالواجب الشرعي الذي كلف الله به العلماء ، فإن الهيئة تدعوكم لوضع تصور للمرحلة الحالية التي تمر بها اليمن وما بعد هذه المرحلة وذلك للمشاركة في صياغة هذه الأحداث وبناء يمن جديد في ضوء شرع الله تعالى وعليه نأمل سرعة كتابة هذا التصور وموافاتنا به.


وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أخوكم رئيس الهيئة الشيخ أ.د / عبد المجيد بن عزيز الزنداني


ملاحظة: الرسالة مؤرخة في يوم الأحد 13جمادى الأولى 1432 هـ


وقد بادرت إلى كتابة هذه الرؤية حال وصول الرسالة امتثالا لأمر الله بالتعاون على البر والتقوى وبذل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأرى من الضروري أن أبدأ النصيحة لنفسي ولأخواني من العلماء وطلبة العلم باعتبارهم أحد الصنفين الذين إن صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس ولأنهم هم أولو الأمر الذين يرد إليهم الناس أمور الخلاف فإذا فسدوا فإلى من يرد الناس مسائل نزاعهم.


يا معشر القراء يا ملح البلد *** ما يصلح الملح إذا الملح فسد


ومع أني لست منضما إلى هذه الهيئة ولا أدري ما هي أولوياتها ولا ما هي نظرتها في التغير ولا ما هو نظامها الأساسي فلذا ستكون هذه الرؤية متجردة مستقلة ليست تبعا لأحد غيري ولا تتحمل الهيئة تبعاتها ولا أي جماعة إسلامية أخرى لأن هذه هي نظرتي الخاصة أعبر فيها عن رأيي فقط لأن الآراء الجماعية يدخلون فيها في الغالب ألفاظا وقيما لست مؤمنا بها فأراجعهم في ذلك فيقولون الأمر كذلك ولكن الواقع يقتضي أن تتحدث بلغة العصر واصطلاحاته فالمثالية غير ممكنة فتأبى فطرتي ذلك لأن الناس إذا احتاجوا إلى البيان لأنه يبنى عليه ما بعده فعلى أي شي ستبنى الأمور إذا أخرناه عن وقته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وأنا أحب أن تكون رؤيتي صافية نقية من شوائب الدخن المشار إليه في الحديث { وفيه دخن تعرف منهم وتنكر } وهذا سبب في أن توقيعاتي في البيانات ذات المناسبات المختلفة تكون مفقودة من بين توقيعات العلماء.


وهذه الرسالة التي جاءتني من هيئة علماء اليمن ذكرت أن الرؤية الجديدة لليمن ستكون في ضوء شرع الله فأهلا وسهلا بمن دعانا إلى كتاب الله وسنة رسوله ولكن نتمنى أن لا يقال لمن كتب هذه الرسالة إنه بحاجة إلى دورة في السياسة أو إلى فقه الواقع لأن المطلوب هو الحل الشرعي أما الحلول المستورد فقد فشلت إذ لم تستطع أن تقيم دينا ولا دنيا ولم تستطع أن تكسر خصما أو تقمع عدوا.


وأما التعذر بفقه الواقع ، فإن فقه الواقع الذي يذكره الناس في مثل هذه المواطن يجب أن يكون مؤداه وثمرته أن يقدم الحل الإسلامي خطوة إلى الأمام ويؤخر العلمانية مثلها على الأقل وليس بأن يرد الإسلام أميالا إلى الوراء ويقدم العلمانية فراسخ إلى الأمام.


ولا ينبغي أن نلتفت إلى من يقول هذه مفاهيم رجعية لأن المخرج هو في تلك الرجعية التي يلمزونها والتي هي في الحقيقة الرجوع إلى الإسلام وما كان عليه السلف الصالح ولأن النصوص قد جاءت أنه لا مخرج للأمة مما تعيشه من التبعية والهوان إلا بالرجوع إلى هذا الدين(سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم ) فلا بد من الرجوع والرجعية فإن استجابت لنا الأمة فالحمد لله وقد قمنا بما يجب علينا نحوها وإذا لم تستجب فقد قمنا بما علينا من النصح وبرئنا إلى الله من أن نشارك في تضليلها وتشجيعها على السير وراء مخططات أعدائها ، بحجة فقه الواقع وفقه التنزيل وسترجع الأمة إلى الجادة عاجلا أم آجلا ما دمنا ثابتين لا تهزنا الرياح ولا الفتن ولا يزحزحنا الترغيب ولا الترهيب ولا الحروب الإعلامية المسمومة والمندسة وخاصة ما كان منها من ذوي القربى في العمل الإسلامي فقد تعود الكثير منهم على الترحيب بك عند اللقاء وإطلاق الألقاب التي تخجلك وتسحر العقل ما دمت موافقا لهم على ما يرون فإذا لم توافقهم على أهوائهم زعموا أنك لا تزال تتعامل مع الواقع بعقلية القرن الماضي وأنك غير منفتح ولا متنور وهذا يكاد يكون في جميع الفصائل وكم تكون المفاجئة حين تسمع بذلك الدبيب والفحيح يسري بطريقة مبرمجة اعتيادية مع شيء من التحسر على الإسلام والتألم لما صار إليه حال الإسلام والمسلمين.


فإذا كان التنور والتنوير مقياسه هو التنازل فإن النتيجة ستكون أن أفقه الناس هو المتنازل أكثر فأفقه الناس على هذا الميزان هم العلمانيون لأن تنازلهم أكثر وهكذا فإن قالوا المراد في الأمور غير الثوابت فيقال لهم وهل أبقت لنا الديمقراطية ثابتا بعد استدلال الإسلاميين الديمقراطيين بقوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) على إباحة أن يرتد من شاء الردة من المسلمين مع أن الأمر المقصود به التهديد كما قاله جميع المفسرين والبلاغيين على حد قوله تعالى ( اعملوا ماشئتم ) وقوله تعالى ( فاعبدوا ماشئتم من دونه ) فوا حسرتا على فهم السلف كيف أصبح غريبا ! فطوبى للغرباء.


والجدير بالذكر أن كل نقطة من النقاط الآتية هامة جدا تساعد على حلحلة التوتر والاحتقان القائم فعلينا بالبيان فإنه من أهم الأمور التي تساعد على كشف ما بنا من النزاع.


وقبل أن أذكر بعض الحلول يجب أن أنبه إلى أقطاب المشكلة اليمنية والتي تدور رحا هذه الفتنة عليها:


وأولها: الحكام الظالمين الفاسدين.


وثانيها: العلماء المفتونين بالحل الديمقراطي.


وثالثها: الأحزاب العلمانية ومن سار في طريقها ودعا إلى مناهجها من الإداريين الإسلاميين.


ورابعها: بغض مشايخ القبائل الذين فقدوا بعض مصالحهم في إطار الصراع بين مراكز القوى المختلفة من المدنيين والعسكريين.


فعلى هذه القوى تدور رحا هذه الفتنة فإذا صلحوا أو تصالحوا فإن بقية الناس لهم تبع وستنسحب جماهيرهم من ساحة التحرير والتغيير إلى بيوتهم سالمين غانمين وغير غانمين فإن كان هناك حل لهذه المشكلة فلا بد أن يلامس هذه الجوانب كلها ويذكرها بما لها وما عليها ولا بد من الدعوة إلى التصالح فيما بينها بإنصاف وعدل والله المستعان ، وعليه فأقول إن نقاط تصوري للحل تتمثل فيما يلي:
يتبع
المشاهدات 2670 | التعليقات 1


1- يجب أن يخرج العلماء من إطار الأحزاب والجماعات السياسية ظاهرا وباطنا ويعلنوا ذلك للملأ؛ لتكون مواقفهم يمليها عليهم تصورهم الشرعي المستقل بعد مدارسة شرعية لاستجلاء حقيقة الموقف الشرعي وحتى يكون كلامهم مقبولا عند الجميع ويا حبذا لو يتم استقراء الجميع عن الرأي الشرعي في المسألة التي يراد بحثها حتى تتضح الأمور ويعرف ما عند الآخرين.


2- يجب أن لا يكون للعلماء مطامع سياسية مثل أن يسعوا إلى إسقاط نظام؛ ليحلو محله وإنما عليهم أن يقدموا التصور الإسلامي لطبيعة الحكم ويقدموه للحاكم ليطبقه لئلا يتهموا من قبل من يخالفهم ومن قبل عموم الناس بأنهم يريدون السلطة باسم الدين وعليهم حشد الناس لمناصرة الحاكم وتقويته إذا كان يخاف من تطبيق الشرع من عدو خارجي أو داخلي لضعف في إيمانه أو عزيمته بشرط استجابة الحاكم لمطالب تطبيق الشريعة.


3- عليهم أن يقوموا ببيان الموقف الشرعي من الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية والتعددية الحزبية والفكرية وما يسمى بتبادل السلطة سلميا وسائر النظريات المستوردة في السياسة وغيرها وأنها من سبل المغضوب عليهم والضالين فإن هذه السبل هي التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه اليوم بل ويجب كذلك بيان الحكم الشرعي من النظم الجمهورية بشكل عام وأن هذه الأحزاب والنظم لا تتفق مع نظام الإسلام في كثير من جوانبها فيجب أن تخلو الدولة والمجتمع منها.


4- عليهم أن يستنكروا ويتبرؤوا مما قامت به بعض الجماعات الإسلامية من اتفاقات مع بعض الأحزاب على تحريم الرجوع إلى أنظمة الإسلام المعروفة مثل نظام الخلافة أو الإمامة أو الملك واستبدال ذلك بالأنظمة الجمهورية كما في قانون الأحزاب وميثاق الشرف والواجب الشرعي إنما هو المطالبة بنظام الخلافة الإسلامية خاليا مما علق به من ظلم الأئمة على مر الدهور.


5- على العلماء أن يبينوا أن الموافقة منهم على سلوك طريق الديمقراطية وإفتائهم بشرعية ذلك كان زلة من بعضهم أدى إلى ما نحن فيه من التحزب والانقسام والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.


6- على العلماء أن يبينوا أن النظام القائم في بلادنا المبني على الديمقراطية ليس نظاما إسلاميا في كثير من جوانبه ولا يعني هذا بالضرورة التكفير العام للأفراد أو للمجموعة لسبب بسيط ألا وهو عدم إرادة الكفر من جهة ، ومعلوم أن عدم إرادة الكفر مانعة من التكفير ولكن لا ينبغي أن نسلب الفعل حكمه بسبب عدم الإرادة بل يبقى كفرا كما هو ومن سلبه حكمه لنفس السبب فقد أخطأ والجهة الثانية حصول التأويل للجميع من ناحية أخرى حيث استقر عند الأغلب من العلماء والحكام أنه يمكن التوفيق بين النظام الشوروي الإسلامي وبين الديمقراطية فكانت زلة يجب تداركها.


7- على العلماء الذين نزلوا إلى ساحات التغيير لتشجيع المعتصمين هناك وتسمية اعتصامهم جهادا ورباطا أن يستغفروا الله وأن يعبروا عن أسفهم للأمة لهذا الموقف الحزبي المتهور الغريب الذي وقفوه في ساحة التغيير حيث شجعوا الغوغاء والرويبضات التي تتكلم باسم العامة شجعوهم على ما هم فيه من ادعاء الثورة والتغيير والدعوة إلى الدولة المدنية وما يقومون به من سفاهة وكلمات بذيئة وادعاء أنه لا يقف مع النظام اليوم إلا المرتزقة ومن باعوا دينهم بالدنيا وما يقومون به من رفع لصور الماركسيين كجيفارا أو صور الدكتاتوريين الذبن ذبحوا الإخوان المسلمين مثل صورة عبد الناصر وما يقومون به من رقص وغناء واختلاط فكيف يقال عن هؤلاء أنهم يستحقون براعة أو براءة الاختراع.


على هؤلاء أن يعتذروا للأمة حيث خاطبوها بلغة الغوغاء وفكروا لها بعقول الجماهير وأهواء قيادات الأحزاب السياسية وأرادوا أن يسوقوها إلى فتنة عمياء فإن موقفهم هذا لم يبن على اجتهاد حصل فيه الجهد والتأني وليس بريئا من الدوافع الحزبية والسياسية؛ لأنه لم يعتمد لا على شرع ولا عقل ولا على قوانين البلد القائمة.


أما الشرع فإنهم يقولون عن النظام أنه إسلامي ويقولون عن أنفسهم أن عقيدتهم هي عقيدة أهل السنة والجماعة فإن كانوا كذلك فلم يطالبون بإسقاط النظام؟ وذلك إنما يكون عند رؤية الكفر البواح فإن كان الكفر البواح موجود فلم يغشون الناس بادعاء أن النظام إسلامي؟ ثم يكون البديل راية علمانية أخرى تساويها في العلمانية أو تزيد عليها وإن كانوا قد اختاروا مذهب الخوارج أو المعتزلة فلم يدعون بأنهم من أهل السنة؟.


وأما العقل فإن العقلاء لا يمكن أن يتركوا أهل الحل والعقد من عقلاء اليمن ورجالاتها الذين بهم تحصل الشوكة والتغيير ويلغوا اختيارهم ورأيهم ليستبدلوا به رأي الغوغاء في ساحة التغيير لتشكل الحكومة من هناك وترسم خارطة الطريق للخروج بالبلاد مما هي فيه عن طريق تفكير الفنانين والممثلين والراقصين أو عن طريق تفكير دهاقنة الحزب الناصري والاشتراكي والروافض وغيرهم مسنودة تلك التحركات من قناة الجزيرة وتغطيتها الإعلامية المستمرة.


وأما قوانين البلاد القائمة فإن الانتخابات التي تحاكموا إليها فيمن يستحق الولاية العامة قد قضت بالأمر للرئيس الحالي بالأغلبية والتي سلموا بها جميعا ولم يرفعوا ضدها قضايا في المحاكم فيطعنوا فيها وهي أغلبية حصل عليها هو وحزبه فله الحق وحسب قوانينهم أن يكمل مدته ثم يتنافسون بعد ذلك في دورة جديدة ولعبة ديمقراطية انتخابية جديدة.


8- يجب الجلوس مع قيادات السلطة والمعارضة والحوار معهم على أساس هذا القاسم المشترك الذي هو مطالبة الجميع بتطبيق الشريعة وإلغاء النظم المستوردة وأنه قد حان الأوان للخروج من التمترس الحزبي والمكايدات السياسية والتنافس على المواقع والاستجابة لمخططات أعداء الإسلام وعلى الجميع السعي لإنقاذ النظام الإسلامي أولا، وإنقاذ البلاد ثانيا، وإنقاذ الأمة اليمنية ثالثا من الفوضى وخروج الأمر عن السيطرة.


9- يجب على العلماء وعلى الحكام أن يدركوا أن ما أصابنا من هذا التمزق والاختلاف إنما هو نتيجة طبيعية لطاعتنا للكفار واستجلابنا لأنظمتهم والتي من أهمها نظام تبادل السلطة وتحزيب الأمة في أحزاب سياسية تسعى كلها إلى السلطة فعلينا أن نحذرهم وأن نترك التردد على أبواب سفاراتهم وأن لا نشركهم في أمورنا وقضايانا عملا بقوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين).


10- إذا اتفق الجميع على هذا الهدف فقد أصبح الجميع إخوة لهم هدف مشترك وهو خدمة دينهم وإعلاء أحكام شريعتهم فستذوب المصالح الشخصية وستقع تنازلات من قبل بعضهم لبعض وتنازلات عن أغراضهم الشخصية وسيزول ما علق في قلوبهم من الحقد والعداء المنبثق من أخلاق الديمقراطية ولا أستبعد أن يلقي كل فريق منهم السلاح ويقبل على أخيه معانقا معتذرا لأن الديمقراطية نزغة شيطان والمتقون (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذاهم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون).


10- لا بد من رأب الصدع الذي حدث في المؤسسة العسكرية وذلك عن طريق تشكيل لجنة من أهل العلم وزعماء القبائل تسعى إلى التوفيق والإصلاح بين الرئيس والقايادات العسكرية المنشقة لترجع المياه إلى مجاريها وتتوحد المؤسسة العسكرية تحت قيادة القائد العام ويعتذرون عما حصل منهم ولا بد أن يصدر الرئيس عفوا عنهم و يعتبر ما حصل هفوة مغفورة بجانب مصلحة البلد وأمنه واستقراره.


11- ولا بد كذلك من السعي لرأب الصدع الذي حدث بين الدولة وبين المشايخ من بيت الأحمرعن طريق اللجنة السابقة أو غيرها فقد كان والدهم يلقب بحكيم اليمن حيث استطاع أن يقبض بزمام الإسلاميين من الإخوان المسلمين وبمشايخ القبايل ويشاركه في ذلك إلى جانب عنايته بالمؤسسة العسكرية الرئيس علي عبد الله صالح فعاش اليمنيون في أمان من تشغيبات هؤلاء ومشاكلهم ، في أمان لم يسبق له مثيل في الأزمنة المتأخرة فلا بد من قطع الطريق على الذين يراهنون على الخلاف الحاصل بانشقاق هذه الأسرة وخلافها مع الرئيس مؤملين أن مثل هذا الخلاف سيكون مقربا لهم للوصول إلى أغراضهم السياسية.


12ـ ولا بد كذلك من رأب الصدع بين الحليفين التاريخيين المؤتمر الشعبي والإخوان المسلمين سابقا ثم الإصلاح حاليا فقد كانت الفترة السابقة فترة تحالف وتقاسم وتآزر وتناصر بحيث ينطبق على تلك العلاقة الكثير من معنى قوله تعالى (ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) فلم أرشريكين بطرا نعمة تناصرهما وتحالفهما مثل هذين الشريكين وليته لم يقلها ( كانوا كرتا فأحرق ) وليت الإصلاح إذا كان ولا بد أن يتحالف مع أحد من الأحزاب ليته حافظ على تحالفه مع المؤتمر فإن ذلك أصلح له من التحالف مع حزب تآكل على مر السنين حتى أصبحت كراسيه خاوية.


وليت الرئيس ذكر لهم تضحياتهم وما قدموه من جماجم في المناطق الوسطى وفي حرب الانفصال لتثبيت كرسيه وما قدموه من إعلام مروج لسياسته وحكمه منذ صعوده و إلى عام 2006 م وليت الإخوان كذلك ذكروا له العيش والملح والرعاية لمعاهدهم وأنشطتهم فقد رباهم وهم صغار محصورون في مكاتب محدودة فأطلق عنان أيديهم في كل اتجاه وأنفق عليهم من بيت مال المسلمين وكان هو صاحب فكرة إنشاء حزب الإصلاح كما ذكره لي بعض من قرأ في مذكرة الشيخ الأحمر والعهدة على الناقل فانطلقوا في مواجهة الحزب الاشتراكي وكفروه وكفروا الدستور الذي أتى به وقامت عليه الوحدة كل ذلك على مرئ ومسمع من الرئيس وحزبه فتنكرالإصلاح لذلك كله فانطبق عليهم قول الشاعر العربي


أعلمه الرماية كل حين *** فلما اشتد ساعده رماني


وكم علمته نظم القوافي *** فلما قال قافية هجاني


فما أحوجنا إلى المراجعة واستعمال المقاييس الصحيحة في معرفة مقدار الربح والخسارة المراعية للمصلحة الدينية أولا والدنوية ثانيا وأن نستشعر قوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) وما أحوجنا إلى رفض أخلاق الديمقراطية وسياسة نشر الغسيل معرضين ومتجاهلين تأديب ربنا لنا في قوله تعالى ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).


13- على المؤتمر الشعبي وقياداته أن لا يقفوا حجر عثرة أمام إرادة الأمة في المطالبة بتطبيق شرع الله وعليهم أن يعلموا أن الجماهير التي جاءتهم من كل المحافظات أنما جاءت متعاطفة مع المصحف الشريف وقد رأوه مرفوعا بيد الرئيس وهو يدعو مخالفيه إلى التحاكم إليه.
وعليهم أن يعلموا أن الجماهير المعارضة المحتشدة في ساحة التغيير أكثرهم إنما نزلوا فيها معتصمين على أساس أن مشايخهم صوروا لهم القضية أنها مناصرة للشريعة.


وعليهم أن يعلموا أيضا أن القاعدة رفعت السلاح في وجه الدولة من أجل تطبيق الشريعة.


وعليهم أن يعلموا كذلك أن الحوثيين إنما خرجوا على الدولة من أجل نصرة مذهبهم ظانين أنهم ينصرون الشريعة فإذا تفهم المؤتمر لهذا الوضع كله وبدأ فعليا بتطبيق الشريعة فإنه سيقطع الطريق على جميع هؤلاء ويصبحون لا حجة لهم فيرجع الناس إلى الهدوء والاستقرار وتطمئن النفوس.


14- بما أن هدف الجماعات الإسلامية بأجمعها هو تحقيق تطبيق الشريعة الإسلامية في الواقع فإن مطالبهم -إن كانوا صادقين في ذلك- تتمثل في حصول هذا الأمر في الواقع ومن ثم فعليهم أن يعرضوا على النظام القائم البدأ في تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدرج والجدية في ذلك وعلى المشترك إذا أراد أن يخرج مما هو فيه ويأمن من كارثة المواجهة أن يغير مطالبه السابقة كلها ويستبدل ذلك بالدعوة إلى تطبيق الشرع ويسحب مناصريه من الساحات فإنه لوكانت هذه الجهود المبذولة من قبله في نصرة مطالبه ــ وكذلك المؤتمر في نصرة النظام والرئيس ، ــ لوكانت تلك الجهود كلها في نصرة الشريعة لكانت أحوالنا قد تغيرت إلى الأفضل فعلى المؤتمر وقيادته العليا التوبة إلى الله وأن يبادروا إلى تحقيق هذا المطلب العزيز ويلتزم بذلك الرئيس في التزام عام وظاهر للأمة وتصرح به السلطة وتوافق عليه المعارضة بحيث يكون هذا الأمر واضح للأمة يتحقق فيه اجتماعها عليه وتجتمع شوكتها في المطالبة بتحقيقه فإن تحقق ذلك الأمر فبها ونعمت وليس للعلماء ولا لأهل الشوكة والحل والعقد غرض في سوى ذلك فليس من أهدافهم إسقاط نظام أو تنصيبه لمجرد الرغبة في الإسقاط أو التنصيب وعليه فإن الرئيس يمكنه أن يبقى في منصبه مدى الحياة إذا كان لا يزال قادرا على إدارة البلاد من حيث قواه السمعية والبصرية والعقلية بالشرط السابق وهو تطبيق الشرع وإقامة العدل الرباني.


وأما القوى الحزبية المتأثرة بالمناهج الغربية وتعلقها بمبدأ تبادل السلطة فعليها أن تعلم إن كانت مؤمنة بالإسلام أن الأمن والعدل والحياة الكريمة إنما هي في تطبيق الإسلام وأن مخالفة الأنظمة الجمهورية الديمقراطية ليست جريمة شرعا ولوكانت جريمة شرعا فلن تكون أعظم جرما من مخالفة كتاب الله وسنة رسوله الحاصلة اليوم من السلطة والمعارضة بل و كثير من العلماء في آن واحد فإذا قام النظام بهذا الأمر وتحمل مسئوليته التاريخية حيث رفع رئيس النظام أمام العلماء وأمام الأمة وبل وأمام العالم المصحف الشريف ودعا المعارضة والعلماء إلى الاحتكام إليه فإن قام به النظام فقد حصل المطلوب ووقف الجميع ضد المعارض وإن لم يتحقق ذلك وقف الجميع ضد النظام وألزموه بذلك وإلا فإن أهل الحل والعقد سيقيلونه وينصبون غيره لأنه أخل بالمهمة الرئيسية في الإسلام والتي كلفه الله بها ألا وهي ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) *


15ـ يتم تشكيل لجنة علمية من ذوي الخبرة بالشرع وبمقاصده وبالواقع واحتياجاته حتى تتصدى لحل كل مشكلة تعترض مسيرة التحول التدريجي في حياتنا اليومية نحو تطبيق الإسلام العزيز.


16- يجب تشكيل مجلس من أهل الحل والعقد ــ بعد موافقة جميع الفرقاء على نصرة الشريعة والمصداقية في التحاكم إليها ورفض الحلول المستوردة من أعدائنا ــ يبقى هذا المجلس في حالة انعقاد مستمرة يدرس كيف تجري الأمورويراقب مدى مصداقية الحاكم في الوفاء للأمة بما التزم به من تطبيق الدين ويدرس كذلك أسلمة الأوضاع وكيف تصبغ مظاهر الحياة بالصبغة الإسلامية ويتابع ما أنجز ومالم ينجز من الأسلمة حتى يكتمل الدين في الواقع العملي ويكون مشرفا على مجموع موارد الدولة مراقبا لكيفية توزيعها على احتياجات الأمة المختلفة ويمنع أن يكون هذا المال دولة بين أيدي وتصرفات المسئولين مستعينا في كل ذلك بأهل الاختصاص الوزاري في مختلف مرافق الدولة ويعمل على تسريع إزالة المظالم وإيقاف الأنين وذلك بواسطة القضاء الشرعي المستقل الذي لا يحوم حوله أية ضغوطات إلا ما يوجد في الضمير من المراقبة لله جل وعلا.


وعلى ضوء ما سبق يتبين أن الحل لهذه المشكلة يتحقق بإلغاء الديمقراطية والأحزاب وإلغاء الانتخابات وإقامة مجلس من أهل الحل والعقد يضع الشروط والضوابط في مواصفات من يتولى مناصب الدولة المختلفة كل بحسبه بحيث تقضي تلك المواصفات على الفساد الموجود والذي هو سبب هذه المظاهرات والاعتصامات والثورات ويصل إلى مواقع القرار والنفوذ أناس يخشون الله ويقدرون المسئولية وتسمع لهم وتطيع كل فئات الشعب ويقطع كل مواطن أو تجمع أو حزب الأمل والتفكير في أن يصل إلى الحكم ويذهب كل إلى عمله موفقا وإذا لم يكن له عمل تتعهد الدولة بإيجاد عمل له أو إعاشة مجزئة حتى توجد له عمل يليق به وينطلق الناس إلى العطاء المتنوع في كل مجال.


ويجب بعد ذلك مادام قد اتفق الناس على تطبيق الشريعة تعميق المبدأ السلفي في طاعة ولاة الأمور في طاعة الله ويجب على العلماء أن يبينوا ما في ذلك من منافع الأمن والاستقرار ويقوم بعضهم بالرد على اليدومي الذي فتح باب شر قبيل انتخابات 2006 حيث دعا إلى هدم هذا الأصل السلفي بمقال نشره في جريدة الصحوة ثم تتابع تلاميذه في نقد هذا المبدأ وهاجموا السلفيين وأطلقوا عليهم أنهم جماعة ذيل بغلة السلطان ولا يزالون إلى اليوم وهم على هذا الظلم وفي الأخير ألفت النظر إلى أن الأكثر سيرفضون مثل هذه الرؤية وهو متوقع عندي لأني أعرف أن الأجواء قد تسممت بهذه البدع ولكن معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ولعل هذه الأمة ستذكرنا بخير في ما يأتي من الزمان حين يبلغ الكتاب أجله في منحدر التيه والتبعية وحين تبدأ رحلة العودة إلى الله وإلى شرعه نسأل الله أن يعجل ذلك ويكتب الهداية للجميع هذا وأتوقع أن يكون رئيس الهيئة الأستاذ عبد المجيد قد كتب إلى الكثير مثل ما كتب إلي وعليه فسأحتفظ بنسخة من هذا التصور في موقعي ليُعرف ما قلت أنا بالضبط وذلك خشية خروج رؤى وألفاظ ومصطلحات لا أوافق عليها فيقع بها تغرير لكثير من الخلق.


والله الموفق.


حرر بتاريخ 22/ 5/ 1432هـ


كتبه الفقير إلى الله عبد المجيد الهتاري

المصدر: ملتقى الرشد