رِسَاَلَةُ إِلَىَ كُلِ مَهْمُومٍ مَسَهُ الضٌر


                                                                                                          رِسَاَلَةُ إِلَىَ كُلِ مَهْمُومٍ مَسَهُ الضٌر
أما بعد : فهذه رسالة إلى كل مهموم ومكروب ومدين أسلي قلبه ليأخذ القدوة من حبيبه صلى الله عليه وسلم ،أيها المبتلى تَلَفَّتْ يَمْنَةً ويَسْرَةً ، فهل ترى إلاَّ مُبتلى ؟ وهل تشاهدُ إلاَّ منكوباً في كل دارٍ نائحةٌ ، وعلى كل خدٍّ دمْعٌ ، وفي كل وادٍ بنو سعد ، كمْ منَ المصائبِ ، وكمْ من الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب ، بل مصابُكَ أنت بالنسبةِ لغيرِك قليلٌ ، كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ ، يتقلبُ ذات اليمينِ وذات الشِّمالِ ، يَئِنُّ من الألمِ ، ويصيحُ من السَّقم ،كم من محبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته ،كمْ من رجلٍ وامرأةٍ فقدا فلذاتِ أكبادهِما في ميْعَةِ الشبابِ وريْعانِ العُمْرِ، كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ ، آن لك أن تتعزّ بهؤلاءِ ، وأنْ تعلم عِلْمَ اليقين أنِّ هذه الحياة سجْنٌ للمؤمنِ ، ودارٌ للأحزانِ والنكباتِ ، تصبحُ القصورُ حافلةً بأهلها وتمسي خاويةً على عروشها ، بينها الشَّمْلُ مجتمِعٌ ، والأبدانُ في عافية ، والأموالُ وافرةً ، والأولادُ كُثرٌ ، ثمَّ ما هي إلاَّ أيامٌ فإذا الفقرُ والموْتُ والفراقُ والأمراضُ ? وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ? فعليك أن توطِّن مصابك بمنْ حولك ، وبمن سبقك في مسيرةِ الدهرِ ، ليظهر لك أنك معافىً بالنسبة لهؤلاءِ ،أيها المبتلى
 

                                                                                    هل ضاق بك الحال فلا تملك قوت يومك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شبع من خبز الشعير يومين متتاليتين ،يبيت الليالي المتتابعة طاويا جائعا وأهله لا يجدون عشاءا يأتي علي أهله الشهر والذي يليه ولا يختبزون خبزا ولا يطبخون قدرا ، لا توقد النار في بيته ثلاثة أشهر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ يَأْتِي عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ مَا يُوقِدُونَ فِيهِ نَارًا لَيْسَ إِلَّا التَّمْرَ وَالْمَاءَ ، ،ثبتَ فيِ صحيحِ مسلمِ أنَ أبا طلحةَ رآهُ فيِ المسجدِ يتقلبُ ظهراً لبطنِ وقدْ عصبَ بطنَهُ فَدَخَلَ أَبو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ ، فَقَالَ :رأيتُ رسولَ اللهِ صليَ اللهُ عليهِ وسلمَ يتقلبُ ظهراً لبطنِ وأظنهُ جائعاً فهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيءٍ ؟ قَالتْ : نَعَمْ ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ ، فَإنْ جَاءَ رسولُ اللهِ - صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ - وَحْدَهُ أشْبَعْنَاهُ ، وَإنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ فأَرسَلُوا لهُ أَنَسا ًفقالَ لهُ فيِ استحياء يا رسولَ اللهِ أجبْ أباَ طلحةَ فقالَ لمنْ معَه ُوكانواَ ثمانين قوُمُوا فقامُوا معهُ وقُدمَ الطعامُ لهُ فوضعَ يدهُ عليهِ ثمْ سميَ ودعاَ بالبركةِ فأكلَ الثمانونَ جميعاً حتيَ شَبِعُوا ثمْ أَكَلَ هُوَ وأَهْلُ البيتِ حتيَ شَبِعُوا وفَضَلَتْ مِنْ ذلكَ الطعامِ فَضْلَهْ ) ( صحيح مسلم ( 6 / 5443 ) .)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَأُخِفْتُ مِنْ اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِعِيَالِي طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ ـ كل ما له روح ـ إِلَّا مَا يُوَارِي ـ وارى : ستر وأخفى وغيب وغطى ـ إِبِطَ بِلَالٍ ) ( مسند أحمد ( 19 / 12212 ) وقال الألباني حديث صحيح انظر حديث رقم : ( 5125 ) في صحيح الجامع .) .

و كَانَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ لاَ يَجِدُ مِنَ الدِّقْلِ وَهَوَ رَدِيُ التَمْرِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ قَصَدَه ُضَيْفُ جَائِعُ يَقُولُ إِنِي مَجْهُودٌ ياَ رسولَ اللهِ فَأَرْسَلَ إِليَ أَبْيَاتِهِ كُلِهَاَ وكَان َالجَوَابُ وَاَحِداً والذيِ بَعَثَكَ بِالْحَقِ مَاَ عِنْدَنَاَ إِلاَ المَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ ضَيْفًا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَدْ نَزَلَ بِي ضَيْفٌ اللَّيْلَةَ ، فَأَرْسَلْنَ إِلَيْهِ : لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدَنَا إِلا الْمَاءُ ، قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ : أَعِنْدَكَ شَيْءٌ تَذْهَبُ بِضَيْفِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ الأَنْصَارِيُّ : نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ بِالضَّيْفِ ، قَالَ : فَلَمَّا أَتَى مَنْزِلَهُ قَالَ لِلْمَرْأَةِ : أَعِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، خُبْزَةٌ لَنَا ، قَالَ : فَكَأَنَّكِ تُصْلِحِينَ الْمِصْبَاحَ فَأَطْفِئِيهِ ، وَضَعِي الْخُبْزَ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ مَعَ الضَّيْفِ هُوَ وَامْرَأَتُهُ ، وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ وَلا يَأْكُلُونَ شَيْئًا ، وَخَلَّوْا بَيْنَ الضَّيْفِ وَالْخُبْزِ فَأَكَلَهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ الضَّيْفُ إِلَى حَاجَتِهِ ، قَالَ الأَنْصَارِيُّ : بَلَغَ سَاعَتِي الَّتِي آتِي فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَيَّ مِنْ بَعِيدٍ ، قَالَ : مَا صَنَعْتَ بِضَيْفِكَ اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ : فَظَنَنْتُ أَنَّ الضَّيْفَ شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ رَبَّكَ عَجِبَ مِمَّا صَنَعْتَ بِضَيْفِكَ ، أَوْ قَالَ : ضَحِكَ )( مسند أبي يعلى لأحمد الموصلي ( 11 / 6182 ) وقال إسناده قوي . ).


                                                                                                     أيها المبتلى هل أنت مديون
رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ )( صحيح البخاري ( 4 / 2916 ) ).

مات النبي صلى الله عليه وسلم مديونا لكنه وضع لك ما يكون خلاصا لدينك فقد أخرج الطبراني في الصغير بإسناد جيد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : أَلا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَل أحد دَيْنًا لأَدَّى اللهُ عَنْكَ ؟ قُلْ يَا مُعَاذُ : اللَّهُمَّ مَالِكُ الْمُلْكِ ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، تُعْطِيهُمَا مَنْ تَشَاءُ ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ )(حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 2 / 1821 )).
                                                                                         أيها المبتلى هل تؤلمك أسنانك
رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته الرباعية : السن بين الثنية والناب وهي أربع رباعيتان في الفك الأعلى ورباعيتان في الفك الأسفل ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ ـ يقطع نزول الدم ويزيله ـ وَيَقُولُ « كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ) ( صحيح مسلم ( 5 / 4746 ) .


                                                                                         أيها المبتلى هل تعرضت لإهانة من أحد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربه قومه وشتموه ووضعوا فوق رأسه سلا الجزور ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلاَ جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَي مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ. لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّبِيُ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِىَ جُوَيْرِيَةُ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا. وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ ». وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ فَوَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ )( صحيح مسلم ( 5 / 4750 )).
واشتد البلاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفهاء قومه، وتجرؤوا عليه فكاشفوه بالأذى، فازداد غماً على غم حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يؤووه أو ينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي، ولم ير ناصراً، وآذوه مع ذلك أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله من قومه ) ( انظر: زاد المعاد 3/31، والرحيق المختوم ص113 ).
وضربوه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدمه صلوات الله تعالى عليه عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )(صحيح البخاري ( 4 / 3231 ) ، صحيح مسلم ( 5 / 4754 ).

وعن عُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } [ غافر : 28 ] ( صحيح البخاري ( 6 / 4815  ) .

و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ « رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » ( صحيح مسلم ( 5 / 4747 )  .


                                                                                   أيها المبتلى هل تعبت من عبادة الله
رسول الله صلى الله عليه وسلم تفطرت قدماه من طول القيام يقوم علي خدمة أهله حتي إذا جاء وقت الصلاة مضي وكأنه لا يعرفهم ما نام النبي عن صلاة الفجر في حياته إلا ليلة واحده أمر بلال أن يكلأ لهم الفجر فنام وما أوقظهم إلا حرارة الشمس ، ما تخلف عن صلاة الجماعة إلا في مرض الموت ،تنام عينه وقلبه يقظان متعلق بربه ، ويصلي من الليل حتي تتورم قدماه ،ويتابع الصيام في الأيام الحارة ، ثبت في صحيح بن حبان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة قال بن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسكتت ثم قالت لما كان ليلة من الليالي . قال : يا عائشة ، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي ، فقلت : والله إني لأحبُّ قربَكَ وأحب ما يسرُّك . قالت : فقام فتطهرَ، ثم قام يصلي قالت : فلم يزل يبكي ، حتى بلَّ حِجْرَهُ . قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي ، حتى بلَّ لحيتَه قالت : ثم بكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسولَ الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ لقد أنزِلَتْ عليَّ الليلةَ آيةٌ ( آيات ) ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إن في خلق السماوات والأرض الآية كلها ) (سورة آل عمران، الآية: 190) ( صحيح بن حبان ( 2 / 620 ) وقال إسناده صحيح على شرط مسلم ، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1 / 68  ) .


                                                    أيها المبتلى هل شعرت بتضيق الرزق عليك ومحاصرة من حولك
رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصره قومه ثلاث سنوات في الشعب وضيقوا عليه وعلى أصحابه يقول صاحب الرحيق المختوم ( واشتد الحصار، وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها ) ( الرحيق المختوم صفي الرحمن المبار كفوري الجزء الأول صفحة رقم ( 89)  ) .

ألم يأتك نبأ الَّذِين حُصِرُوا في شِعْب أبي طالب جياعًا؛ كيف كانوا يبيتون الليالي ويقضون الأيام وهم يقتاتون بأوراق الطلح، بعد أن فني زادهم، وصفر وطابهم، وأعوزهم القُوت. إن سعد بن أبى وقاص مسَّه ألم الجوع في ليلة شديدة من تلك الليالي؛ فخرج من شِعْب أبي طالب يطلب شيئًا يتبلَّغ به ليذهب بعض ما به من ألم السغب؛ فلم يجد إلَّا قطعة جافة من إهاب؛ فغسلها وشواها وأكلها بالماء! وعتبة بن غزوان أيضًا كان من الَّذِين امتُحِنُوا في شِعْب أبي طالب بأيدي المشركين، وهو يقول: إني وأصحابي السبعة قد دَميت أفواهنا من أكل هذِهِ الأوراق والأشياء الَّتِي نقتات بها ) ( الرسالة المحمدية لسليمان الندوي الجزء الأول صفحة رقم ( 153 ) ).

وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقيت طوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا . وما كادت الزهراء الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة - رضي الله عنها - فامتلأت نفسها حزنا وألما، ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمر بظروف قاسية خاصة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وعمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث في صبر ، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن امها الغالية واكرم الزوجات ولذلك كانت تكنى بأم أبيها ) ( نساء حول الرسول لمحمد برهان الجزء الأول صفحة رقم ( 100  ).


                                                                                    أيها المبتلى هل تطلقت إحدى بناتك
رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقت بنته رقية وطلقت أم كلثوم ،وكانت أم كلثوم ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل (تبت يدا أبي لهب) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة رأسي ورؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلاق رقية وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم تسلط على رسول الله فشق قميصه فقال رسول الله أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحه ) ( القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم الجزء الأول صفحة رقم 332 ).

فتزوَّج عُثْمَان بن عَفَّان رُقَيَّة بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين معا ، وولدت له هناك عبد الله ، وبه كان يُكْنَى ، وبعد وفاتها تزوج عثمان رضي الله عنه بأم كلثوم ..

                                                                                    أيها المبتلى هل أتهمت في عرضك
رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهم في عرض زوجته عائشة رضي الله عنها فبرأها الله من فوق سبع سماوات وتكلم الناس في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث النبي شهرا لا يوحى إليه ولا يكلم عائشة تقول أمنا عائشة الطاهرة ( ....وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً وَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ فَوَ اللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْآيَاتِ ....)( انظر الحديث كاملا في صحيح البخاري ( 3 / 2661 ).
                                                                                  أيها المبتلى هل فقدت أحد أولادك
رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي كل أولاده في حياته باستثناء السيدة فاطمة توفيت بعده بأشهر قليلة ،فقد توفي ابنه عبد الله صغيرا في مكة وفيه قال العاص بن وائل السهمي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( قد انقطع ولده فهو أبتر ) فنزل في القرآن { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }{ الكوثر ـ 3 }( المواهب اللدنية بالمنح المحمدية الجزء الأول صفحة رقم ( 485) المكتبة التوفيقية ).

ومات ابنه القاسم صغيرا بعد أن بلغ سناً تمكنه من المشي مات وهو رضيع ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على خديجة بعد موت القاسم، وهي تبكي: فقالت: "يا رسول الله دَرّت لُبَيْنةُ القاسم فلو كان عاش حتى يستكمل رضاعته لهون عليَّ، فقال: إن له مرضعًا في الجنة تستكمل رضاعته، فقالت: لو أعلم ذلك لهوّن علي، فقال؛ إن شئت سمعتك صوته في الجنة، فقالت: بل أصدق الله ورسولَه )( الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام الجزء الثاني صفحة رقم (156 ـ 157 ) لبنان دار إحياء التراث العربي ).

وهاجرت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وماتت بها في العام الثاني من الهجرة وعمرها 27 عاما والنَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر ، حيث مرضت بمرض الحصباء ولأجل مرضها تخلَّف عثمان بن عفَّان عن غزوة بدر ، فلما توفيت تولى عثمان بن عفان دفنها وكان ذلك في اليوم الذي جاء به زيد بن حارثة إلى المدينة حاملا خبر انتصار المسلمين في غزوة بدر ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر الجزء الرابع ، صفحة رقم ( 1843) الطبعة الأولى لبنان دار الجيل) .

وتوفيت ابنته زينب في حياته صلى الله عليه وسلم في العام الثامن الهجري عن عمر يقارب 29 عاما ،ويروى في سبب موتها أنها مرضت بسبب ما تعرضت له أثناء هجرتها إلى المدينة من إسقاط حملها فلم يزل بها المرض حتى ماتت ) ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر الجزء الرابع ، صفحة رقم ( 1853) الطبعة الأولى لبنان دار الجيل  ).

وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان في العام التاسع الهجري وصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وجلس على قبرها وعيناه تذرفان وغسلتها أسماء بنت عميس ودفنت في البقيع ) ( الإصابة في تميز الصحابة لابن حجر العسقلاني الجزء 8 ، صفحة رقم ( 460 ـ 461 ) طبعة بيروت دار الكتب العلمية) .

وتوفي ابنه إبراهيم في العام العاشر من الهجرة وهو ابن 18 شهرا وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، بَعْدَ ذلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرضى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ )( صحيح البخاري ( 2 / 1303 ).

ولم يتبق من أبنائه صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة فقد ماتت بعده بأشهر قليلة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة أنها اول اهله لحوقا به فقال لها في مرض موته « إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِى وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) ( انظر الحديث كاملا في صحيح مسلم ( 7 / 6468) .
                                                               أيها المبتلى هل تغربت من بلدك مختاراً أو مجبوراً
رسول الله صلى الله عليه وسلم طرده قومه من مكة أحب البلاد إليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ ـ َ وَالْحَزْوَرَةُ عِنْدَ بَابِ الْحَنَّاطِينَ ـ َقَالَ عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ) ( مسند الإمام أحمد ( 31 / 18717 ) .
                                                              أيها المبتلى هل عاداك أحد من أرحامك وأقاربك ورد قولك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصبه العداء عمه أبو لهب عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [المسد:2]( صححه الألباني في فقه السيرة للغزالي ( 1 / 69  ).
                                                             هل اتهمك أحد بالكذب والجنون والكهانة والسحر
رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهم بذلك فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ لَوْ أَنِّى رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَىَّ - قَالَ - فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِى عَلَى يَدِى مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ ». قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ ،فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - قَالَ - فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ـ أي لجة البحر ووسطه أو قعره الأقصى ـ قَالَ - فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ - قَالَ - فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَعَلَى قَوْمِكَ »( صحيح مسلم ( 3 / 2045 ).
                                                               أيها المبتلى هل عصاك من تحب وسمع كلام أعدائك
رسول الله صلى الله عليه وسلم عصاه عمه أبو طالب وأطاع ابا جهل ورفض التوحيد والإيمان ورضي بالأصنام والأوثان نزولاً على كلام عدو النبي أبي جهل ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الْآيَةَ ) ( صحيح مسلم ( 2 / 1360 ).
                                                                                    أيها المبتلى هل تعرضت للقتل
رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض للقتل مرات ومرات ، أراد فضالة بن عمير بن الملوح الليثي قتل النبي {صلى الله عليه وسلم} وهو بالبيت عام الفتح قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي: {أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ اللَّيْثِيَّ أَرَادَ قَتْلَ النَّبِيِّ ? وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ؛ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ? أَفَضَالَةُ ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: مَاذَا كُنْتُ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ كُنْتُ أَذْكُرُ اللَّهَ؛ قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ ? . ثُمَّ قَالَ: اسْتَغْفِرْ اللَّهَ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ؛ فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ}( التاريخ الإسلامي للحميدي (7/213). (2) البخاري، كتاب المغازي، رقم 4304 ).

وحاول قتل عمير بن وهب عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ لَمّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ إلَى مَكّةَ وَقُتِلَ صَنَادِيدُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ أَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ الْجُمَحِيّ حَتّى جَلَسَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: قَبّحَ اللّهُ الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. قَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ أَجَلْ وَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً وَعِيَالٌ لَا أَدَعُ لَهُمْ شَيْئًا، لَرَحَلْت إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ قَالَ صَفْوَانُ فَعَلَيّ دَيْنُك، وَعِيَالُك أُسْوَةُ عِيَالِي، فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ عَلَى بَعِيرٍ وَجَهّزَهُ وَأَجْرَى عَلَى عِيَالِهِ مِثْلَ مَا يُجْرِي عَلَى عِيَالِ نَفْسِهِ. وَأَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمّ ثُمّ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ لِصَفْوَانَ اُكْتُمْ عَلَيّ أَيّامًا حَتّى أَقْدَمَهَا. وَخَرَجَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ صَفْوَانُ وَقَدِمَ عُمَيْرٌ فَنَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ السّيْفَ فَتَقَلّدَهُ ثُمّ عَمَدَ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَحَدّثُونَ وَيَذْكُرُونَ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْهِمْ فِي بَدْرٍ، فَرَأَى عُمَيْرًا وَعَلَيْهِ السيف فَفَزِعَ عُمَرُ مِنْهُ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَذَا عَدُوّ اللّهِ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ وَصَعّدَ فِينَا وَصَوّبَ يُخْبِرُ قُرَيْشًا أَنّهُ لَا عَدَدَ لَنَا وَلَا كَمِينَ. فَقَامُوا إلَيْهِ فَأَخَذُوهُ. فَانْطَلَقَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ السّلَاحُ وَهُوَ الْغَادِرُ الْخَبِيثُ الّذِي لَا نَأْمَنُهُ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أ دخله عَلَيّ " فَخَرَجَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَبَضَ بِيَدِهِ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى قَائِمَةَ السّيْفِ ثُمّ أَدْخَلَهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا عُمَرُ تَأَخّرْ عَنْهُ " فَلَمّا دَنَا عُمَيْرٌ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنْعِمْ صَبَاحًا قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَقْدَمَك يَا عُمَيْرُ "؟ قَالَ قَدِمْت فِي أَسِيرِي عِنْدَكُمْ تُقَارِبُونَنَا فِيهِ فَإِنّكُمْ الْعَشِيرَةُ وَالْأَهْلُ. قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَا بَالُ السّيْفِ "؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا شَرَطْت لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ "؟ فَفَزِعَ عُمَيْرٌ فَقَالَ مَاذَا شَرَطْت لَهُ؟ قَالَ: " تَحَمّلْت لَهُ بِقَتْلِي عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَك وَيَعُولَ عِيَالَك ; وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنِي وَبَيْنَك " قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّك صَادِقٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ; الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللّهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْهُ حِينَ طَلَعَ وَهُوَ السّاعَةَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ بَعْضِ وَلَدِي. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلّمُوا أَخَاكُمْ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ ) ( كتاب المغازي للواقدي الجزء الأول صفحة رقم ( 125  ) .

وحاولت قتله اليهودية زينب بنت الحارث ، حيث أهدت له شاة مشوية مسمومة ، فأنطقها الله تعالى له وعصم الله نبيه (شرح النووي ( 14/179 ) ، فتح الباري ( 7/497 ) وانظر الحديث كاملا في صحيح البخاري ( 2617 ) .

أيها المبتلى لك في الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوةٌ وقدْ وُضعِ السَّلى على رأسِهِ ، وأدمِيتْ قدماه وشُجَّ وجهُه ، وحوصِر في الشِّعبِ حتى أكل ورق الشجرِ ، وطُرِد من مكَّة ، وكُسِرتْ ثنيتُه ، ورُمِي عِرْضُ زوجتِهِ الشريفُ ، وقُتِل سبعون من أصحابهِ ، وفقد ابنه ، وأكثر بناتِه في حياتهِ ، وربط الحجر على بطنِه من الجوعِ ، واتُّهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن مجنونٌ كاذبٌ ، صانُهُ اللهُ من ذلك ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير خلق الله وأحب عباده إليه تعرض لكل هذه الابتلاءات ،ومع هذا كله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيداً متفائلاً لأنه وجد راحته في طاعة ربه تبارك وتعالى ، فهلا رضيت بما أصابك واحتسبته عند الله ،واتخذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة ومثالا حسنا . تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك ? وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ? صِحَّةٌ في بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ، تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ ? وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً? عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ،ويدانِ ورجلانِ ? فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ? هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ . أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن سهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمه وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ،عندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ ? وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ?( لا تحزن عائض القرني الجزء الأول صفحة رقم (20 ).
اللهم أذهبْ عنَّا الحزن ، وأزلْ عنا الهمَّ ، واطردْ من نفوسنِا القلق ، نعوذُ بك من الخوْفِ إلا منْك ، والركونِ إلا إليك ، والتوكلِ إلا عليك ، والسؤالِ إلا منك ، والاستعانِة إلا بك ، أنت وليُّنا ، نعم المولى ونعم النصير ،

                                         هذا وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم .

المشاهدات 1851 | التعليقات 0