رسالة إلى جنودنا البواسل
أبو المقداد الأثري
1436/06/20 - 2015/04/09 21:23PM
رسالة إلى جنودنا البواسل 21 جماد الآخرة 1436 هـ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاه ، وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فَعَصَاه ، النَّاصِرِ لِدِينِهِ وَمَنْ وَالاه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ ذَرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ ، بِهِ يَعْلُو الدِّينُ وَيَرْتَفِعُ التَّوْحِيدُ وَيُقْمَعُ الشِّرْكُ وَتَنْطَفِئُ الْكُفْرُ ، بِهِ يُعِزُّ اللهَ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَيُذِلُّ مَنْ كَفَرَ بِهِ ، بِالْجِهَادِ تُحْمَى الدِّيَارُ وَيُذَادُ عَنِ الْمَحَارِمِ وَيُصَدُّ الْعَدُوُّ ، بِالْجِهَادِ تُشْتَرَى الْجَنَّةِ وَيُنْجَى مِنَ النَّار.
إن هذه الكلمات أوجهها إلى جنودنا البواسل فهي رسالة إلى عسكر الإسلام وجنود الإيمان حيثما كانوا، رسالة إلى من بذلوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وحراسة بلاد الإسلام فهم والله المجاهدون حقاً: جهاد على التوحيد والسنة، جهاد على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غدر فيه ولاظلم ولا عدوان ولا افتيات على ولاة الأمر، إنه والله من أعظم العبادات وأجل القربات: رباط على حدود بلاد الحرمين أعزها الله وحفظ للأنفس والأموال والأعراض وانتصار لأخواننا المظلومين من أهل السنة في اليمن ورد لكيد الصفويين المفسدين والخونة المجرمين
معاشر المؤمنين : إن من شكرالله أن نشكر جنودنا البواسل الساهرون على أمننا في القرى والبوادي والمرابطون على ثغور بلاد الحرمين، وأن نشكر ابطالنا المشاركين في عاصفة الحزم ، الذين هجروا أهليهم وأولادهم وأحبابهم وفارقوهم محبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ونصرة للدين وطاعة لأولي الأمر، فكم ينالهم من نصب وتعب، وكم يلاقون من المشاق والصعاب! فاللهم اجزهم عن أمة محمد خير الجزاء وارفع درجاتهم في المهديين واكتب لهم أجر الشهداء الصادقين.
يا عسكر الإيمان والقرآن، إن أحسنتم النية وسمعتم وأطعتم في العسر واليسر والمنشط والمكره فأبشروا والله أبشروا؛ فإنكم على عمل صالح يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،وهاكم بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم في فضل الرباط والجهاد في سبيل الله مما أورده العلامة الألباني في "صحيح الجامع" لتعلموا فضل من يحمي بلاد الإسلام ويذب عن أهل الإيمان,وينصر المظلومين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة ". وقال صلى الله عليه وسلم :" عينان لا تمسهما النار أبداً: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله "،وفي حديث آخر :" وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر ". وقال صلى الله عليه وسلم :" قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة ". وقال صلى الله عليه وسلم :" رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدي عليه برزقه وريح من الجنة ( أي : شُمم رائحتها ) ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار ". وقال صلى الله عليه وسلم :" موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ". وفي البخاري قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .
يا جنود الإيمان: إن رباطكم وجهادكم لحفظ أمن بلاد الحرمين وقبلة المسلمين وصدكم لهؤلاء الصفوية الظلمة الذين اذاقوا اخواننا أهل السنة باليمن أشد العذاب، وإن سعيكم في رفع الظلم عنهم، لهو من أفضل القربات إلى الله عز وجل، وأنتم يا عسكر القرآن على الحق والسنة وهؤلاء العابثون بأمن اليمن ما بين مشركون صفويون وخونة مجرمون وخوارج مارقون، انهم والله على الباطل، وأنتم يا عسكر القرآن سلفيون بحمد الله تنصرون العقيدة السلفية التي قامت عليها هذه البلاد لما اجتمع المحمدان: ابن عبد الوهاب وابن سعود وتبايعا على نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة فهدى الله من شاء من عباده وعاد لجزيرة العرب عزها بهذه الدعوة السلفية المباركة، وسلفكم في الجهاد من أجل هذه العقيدة ونصرتها والذب عنها بالنفس والمال – سلفكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين ضَرَبُوا لنا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالدِّفَاعِ عَنْ دِينِ اللهِ وَالْمُقَاتَلَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا أَنْ يَنَالُوا مَرْتَبَةَ الشَّهَادَةِ وَيَفُوزُوا الْفَوْزَ الْعَظِيمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكَانَ مِنْ بُطُولاتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الشَّيْءَ الْعَظِيمَ حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَرَأَ أَوْ سَمِعَ سِيَرَهُمْ لَيَتَمَنَّى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلُوا .
فها هي مَعْرَكَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى أَوَّلُ لِقَاءٍ جَمَعَ اللهُ فِيهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَكَانَ فِيهَا نَصْرٌ مُبِينٌ وَظُهُورٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَظِيمٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اقْتَرَبَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) فَقَالَ عُمَيْرٌ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ (نَعَمْ) قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟) قَالَ : لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا) فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ كَانَتْ مَعَهُ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
ثُمَّ قَامَتْ الْمَعْرَكَةُ وَأَبْلَى جُنْدُ اللهِ أَعْظَمَ الْبَلَاءِ وَقَاتَلُوا قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى نَصَرَ اللهُ جُنْدَهُ وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ.
وَفِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ : تَقَارَبَ النَّاسُ وَنَشَبَتِ الْمَعْرَكَةُ وَحَصَلَ فِي أَوِّلِها قِتَالٌ لا يَكَادُ يُوصَفُ ، وَأَظْهَرَ فِيهِ أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ صُنُوفَاً مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَسَالَةِ لا تُعَبِّرُ عَنْهَا الْكَلِمَاتُ
فَكَانَ أَوَّلَ وَقُودِ هذه الْمَعْرَكَةِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْجَعِ فُرْسَانِ قُرَيْشَ ،فَخَرَجَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى جَمَلٍ، يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَأَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَسَدٌ مِنْ أُسْدِ اللهِ : الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يُمْهِلْهُ بَلْ وَثَبَ إِلَيْهِ وَثْبَةَ اللُّيُوثِ حَتَّى صَارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلِهِ ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِهِ الْأَرْضَ، فَأَلْقَاهُ وَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ.
فَحَمَلَ اللُّوَاءُ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو شَيْبَةَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَتَقَدَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ يَقُولُ :
إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقًّا * أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَضَرَبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بَتَرَتْ يَدَهُ مَعَ كَتِفِهِ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى سُرَّتِهِ ، فَبَانَتْ رِئَتُهُ ، فَسَقَطَ صَرِيعَاً !
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ وَمَاتَ لِحِينِهِ.
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ مُسِافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَحَمَلَ اللِّوَاءَ بَعْدَهُ أَخُوهُ كِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ ابْنُ العَوَّامِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَ اللِّوَاءَ أَخُوهُمَا الْجُلَاسُ ، فَطَعَنَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ طَعْنَةً قَضَتْ عَلَى حَيَاتِهِ ، وَهَكَذَا تَوَالَى بَنُو عَبْدِ الدَّارِ عَلَى حَمْلِ اللِّوَاءِ وَتَوَالَى أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهمْ حَتَّى أَبَادُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَبْطَالِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ قَصَبُ السَّبْقِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ : أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ !
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ : يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ .
قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنَّا مَنْ يَقْتَفِي أَثَرَهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَهُمْ وينصرالله به الإسلام والمسلمين، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَفِي مَعْرَكَةِ مُؤْتَةَ فِي بَلْقَاءِ الشَّامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثَةَ آلافٍ فَقَطْ ، وَقَابَلُوا جَيْشَاً قِوَامُهُ مِائَتَا أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنَ الرُّومِ وَبَعْضِ العَرَبِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَقَالَ (إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ (فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَرَأَى النَّاسُ هَذَا الْجَيْشَ الْكَبِيرَ الْعَرَمْرَمَ، مِثْلَ الْبَحْرِ الْخِضَمِّ ، تَرَدَّدَ بَعْضُ النَّاسِ شَيْئَاً مِنَ التَّرَدُّدِ ، فَشَجَّعَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ : يَا قَوْمِ وَاللهِ إِنَّ التِي تَكْرَهُونَ لِلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبَونُ : الشَّهَادَةُ ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدَّينِ الذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ ، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ ، وَبَدَأَ الْقِتَالُ الْمَرِيرُ، ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ يَوَاجِهُونَ هَجَمَاتِ مِائِتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَعَلَ يُقَاتِلُ بِضَرَاوَةٍ بَالِغَةٍ، وَبَسَالَةٍ لا يُوجَدُ لِهَا نَظِيرٌ إِلَّا فِي أَمْثَالِهِ مِنْ أَبْطَالِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ وَيُقَاتِلُ حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ وَخَرَّ صَرِيعَاً ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَطَفِقَ يُقَاتِلُ قِتَالاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ، حَتَّى إِذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ الشَّقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِشِمَالِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قُطِعَتْ شِمَالُهُ، فَاحْتَضَنَهَا بَعَضُدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعَاً إِيَّاهَا حَتَّى قُتِلَ ، وَأَثَابَهُ اللهُ بِجَنَاحَيْهِ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهَمَا حَيْثَ يَشَاءُ ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ هُوَ الآخَرَ قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى قُتِلَ.
فَبَقِي الْمُسْلِمُونَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ قَاتَلَ قِتَالاً مَرِيرَاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ ، رَوَى الْبَخُارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بِقَيِ فِي يَدِي إِلَّا صِفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ .
كُنْ كَالصَّحَابَةِ فِي زُهْدٍ وَفِي وَرَعٍ *** الْقَوْمُ هُمْ مَا لَهُمْ فِي النَّاسِ أَشْبَاهُ
عُبَّادُ لَيْلٍ إِذَا جَنَّ الظَّلَامُ بِهِمْ *** كَمْ عَابِدٍ دَمْعَهُ فِي الْخَدِّ أَجْرَاهُ
وَأُسْدُ غَابٍ إِذَا نَادَى الْجِهَادُ بِهِمْ ** هَبُّوا إِلَى الْمَوْتِ يَسْتَجْدُونَ رُؤْيَاهُ
يَا رَبِّ فَابْعَثْ لَنَا مِنْ مِثْلِهِمْ نَفَرَاً *** يُشَيِّدُوا لَنَا مَجْدَاً أَضَعْنَاهُ
اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكِ مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ، اللَّهُمَّ ثَبِتْ أَقْدَامَ إِخْوَانِنَا الْمُجَاهِدِينَ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَصَوِّبْ رَأَيْهُمْ وَقَوِّ عَزَائِمَهُمْ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالِمَينَ ، اللَّهُمَّ وَفِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا سَلْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَّا تُحِبُّهُ وَتَرضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُزَرَاءَهُ وَإِخْوَانَهُ، وَانْصُرْ بِهِمُ الدِّينَ وَانْصُرْ الدِّينَ بِهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِنا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى والرَّافِضَةِ يَاقَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ زَلْزِلِ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامَهُمْ ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ وَشَتِّتْ شَمْلَهُم وَاهْزُمْ جُنْدَهُمْ يَارَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، والحَمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
الخطبة مجمعة من خطب المشايخ جزاهم الله خيرا وكتب أجرهم
وهي خطبتي غدا إن شاء الله تعالى
وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاه ، وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فَعَصَاه ، النَّاصِرِ لِدِينِهِ وَمَنْ وَالاه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ ذَرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ ، بِهِ يَعْلُو الدِّينُ وَيَرْتَفِعُ التَّوْحِيدُ وَيُقْمَعُ الشِّرْكُ وَتَنْطَفِئُ الْكُفْرُ ، بِهِ يُعِزُّ اللهَ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَيُذِلُّ مَنْ كَفَرَ بِهِ ، بِالْجِهَادِ تُحْمَى الدِّيَارُ وَيُذَادُ عَنِ الْمَحَارِمِ وَيُصَدُّ الْعَدُوُّ ، بِالْجِهَادِ تُشْتَرَى الْجَنَّةِ وَيُنْجَى مِنَ النَّار.
إن هذه الكلمات أوجهها إلى جنودنا البواسل فهي رسالة إلى عسكر الإسلام وجنود الإيمان حيثما كانوا، رسالة إلى من بذلوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وحراسة بلاد الإسلام فهم والله المجاهدون حقاً: جهاد على التوحيد والسنة، جهاد على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غدر فيه ولاظلم ولا عدوان ولا افتيات على ولاة الأمر، إنه والله من أعظم العبادات وأجل القربات: رباط على حدود بلاد الحرمين أعزها الله وحفظ للأنفس والأموال والأعراض وانتصار لأخواننا المظلومين من أهل السنة في اليمن ورد لكيد الصفويين المفسدين والخونة المجرمين
معاشر المؤمنين : إن من شكرالله أن نشكر جنودنا البواسل الساهرون على أمننا في القرى والبوادي والمرابطون على ثغور بلاد الحرمين، وأن نشكر ابطالنا المشاركين في عاصفة الحزم ، الذين هجروا أهليهم وأولادهم وأحبابهم وفارقوهم محبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ونصرة للدين وطاعة لأولي الأمر، فكم ينالهم من نصب وتعب، وكم يلاقون من المشاق والصعاب! فاللهم اجزهم عن أمة محمد خير الجزاء وارفع درجاتهم في المهديين واكتب لهم أجر الشهداء الصادقين.
يا عسكر الإيمان والقرآن، إن أحسنتم النية وسمعتم وأطعتم في العسر واليسر والمنشط والمكره فأبشروا والله أبشروا؛ فإنكم على عمل صالح يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،وهاكم بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم في فضل الرباط والجهاد في سبيل الله مما أورده العلامة الألباني في "صحيح الجامع" لتعلموا فضل من يحمي بلاد الإسلام ويذب عن أهل الإيمان,وينصر المظلومين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة ". وقال صلى الله عليه وسلم :" عينان لا تمسهما النار أبداً: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله "،وفي حديث آخر :" وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر ". وقال صلى الله عليه وسلم :" قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة ". وقال صلى الله عليه وسلم :" رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدي عليه برزقه وريح من الجنة ( أي : شُمم رائحتها ) ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار ". وقال صلى الله عليه وسلم :" موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ". وفي البخاري قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .
يا جنود الإيمان: إن رباطكم وجهادكم لحفظ أمن بلاد الحرمين وقبلة المسلمين وصدكم لهؤلاء الصفوية الظلمة الذين اذاقوا اخواننا أهل السنة باليمن أشد العذاب، وإن سعيكم في رفع الظلم عنهم، لهو من أفضل القربات إلى الله عز وجل، وأنتم يا عسكر القرآن على الحق والسنة وهؤلاء العابثون بأمن اليمن ما بين مشركون صفويون وخونة مجرمون وخوارج مارقون، انهم والله على الباطل، وأنتم يا عسكر القرآن سلفيون بحمد الله تنصرون العقيدة السلفية التي قامت عليها هذه البلاد لما اجتمع المحمدان: ابن عبد الوهاب وابن سعود وتبايعا على نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة فهدى الله من شاء من عباده وعاد لجزيرة العرب عزها بهذه الدعوة السلفية المباركة، وسلفكم في الجهاد من أجل هذه العقيدة ونصرتها والذب عنها بالنفس والمال – سلفكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين ضَرَبُوا لنا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالدِّفَاعِ عَنْ دِينِ اللهِ وَالْمُقَاتَلَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا أَنْ يَنَالُوا مَرْتَبَةَ الشَّهَادَةِ وَيَفُوزُوا الْفَوْزَ الْعَظِيمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكَانَ مِنْ بُطُولاتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الشَّيْءَ الْعَظِيمَ حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَرَأَ أَوْ سَمِعَ سِيَرَهُمْ لَيَتَمَنَّى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلُوا .
فها هي مَعْرَكَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى أَوَّلُ لِقَاءٍ جَمَعَ اللهُ فِيهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَكَانَ فِيهَا نَصْرٌ مُبِينٌ وَظُهُورٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَظِيمٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اقْتَرَبَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) فَقَالَ عُمَيْرٌ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ (نَعَمْ) قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟) قَالَ : لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا) فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ كَانَتْ مَعَهُ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
ثُمَّ قَامَتْ الْمَعْرَكَةُ وَأَبْلَى جُنْدُ اللهِ أَعْظَمَ الْبَلَاءِ وَقَاتَلُوا قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى نَصَرَ اللهُ جُنْدَهُ وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ.
وَفِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ : تَقَارَبَ النَّاسُ وَنَشَبَتِ الْمَعْرَكَةُ وَحَصَلَ فِي أَوِّلِها قِتَالٌ لا يَكَادُ يُوصَفُ ، وَأَظْهَرَ فِيهِ أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ صُنُوفَاً مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَسَالَةِ لا تُعَبِّرُ عَنْهَا الْكَلِمَاتُ
فَكَانَ أَوَّلَ وَقُودِ هذه الْمَعْرَكَةِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْجَعِ فُرْسَانِ قُرَيْشَ ،فَخَرَجَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى جَمَلٍ، يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَأَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَسَدٌ مِنْ أُسْدِ اللهِ : الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يُمْهِلْهُ بَلْ وَثَبَ إِلَيْهِ وَثْبَةَ اللُّيُوثِ حَتَّى صَارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلِهِ ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِهِ الْأَرْضَ، فَأَلْقَاهُ وَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ.
فَحَمَلَ اللُّوَاءُ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو شَيْبَةَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَتَقَدَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ يَقُولُ :
إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقًّا * أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَضَرَبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بَتَرَتْ يَدَهُ مَعَ كَتِفِهِ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى سُرَّتِهِ ، فَبَانَتْ رِئَتُهُ ، فَسَقَطَ صَرِيعَاً !
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ وَمَاتَ لِحِينِهِ.
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ مُسِافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَحَمَلَ اللِّوَاءَ بَعْدَهُ أَخُوهُ كِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ ابْنُ العَوَّامِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَ اللِّوَاءَ أَخُوهُمَا الْجُلَاسُ ، فَطَعَنَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ طَعْنَةً قَضَتْ عَلَى حَيَاتِهِ ، وَهَكَذَا تَوَالَى بَنُو عَبْدِ الدَّارِ عَلَى حَمْلِ اللِّوَاءِ وَتَوَالَى أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهمْ حَتَّى أَبَادُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَبْطَالِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ قَصَبُ السَّبْقِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ : أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ !
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ : يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ .
قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنَّا مَنْ يَقْتَفِي أَثَرَهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَهُمْ وينصرالله به الإسلام والمسلمين، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَفِي مَعْرَكَةِ مُؤْتَةَ فِي بَلْقَاءِ الشَّامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثَةَ آلافٍ فَقَطْ ، وَقَابَلُوا جَيْشَاً قِوَامُهُ مِائَتَا أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنَ الرُّومِ وَبَعْضِ العَرَبِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَقَالَ (إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ (فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَرَأَى النَّاسُ هَذَا الْجَيْشَ الْكَبِيرَ الْعَرَمْرَمَ، مِثْلَ الْبَحْرِ الْخِضَمِّ ، تَرَدَّدَ بَعْضُ النَّاسِ شَيْئَاً مِنَ التَّرَدُّدِ ، فَشَجَّعَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ : يَا قَوْمِ وَاللهِ إِنَّ التِي تَكْرَهُونَ لِلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبَونُ : الشَّهَادَةُ ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدَّينِ الذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ ، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ ، وَبَدَأَ الْقِتَالُ الْمَرِيرُ، ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ يَوَاجِهُونَ هَجَمَاتِ مِائِتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَعَلَ يُقَاتِلُ بِضَرَاوَةٍ بَالِغَةٍ، وَبَسَالَةٍ لا يُوجَدُ لِهَا نَظِيرٌ إِلَّا فِي أَمْثَالِهِ مِنْ أَبْطَالِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ وَيُقَاتِلُ حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ وَخَرَّ صَرِيعَاً ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَطَفِقَ يُقَاتِلُ قِتَالاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ، حَتَّى إِذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ الشَّقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِشِمَالِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قُطِعَتْ شِمَالُهُ، فَاحْتَضَنَهَا بَعَضُدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعَاً إِيَّاهَا حَتَّى قُتِلَ ، وَأَثَابَهُ اللهُ بِجَنَاحَيْهِ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهَمَا حَيْثَ يَشَاءُ ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ هُوَ الآخَرَ قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى قُتِلَ.
فَبَقِي الْمُسْلِمُونَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ قَاتَلَ قِتَالاً مَرِيرَاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ ، رَوَى الْبَخُارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بِقَيِ فِي يَدِي إِلَّا صِفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ .
كُنْ كَالصَّحَابَةِ فِي زُهْدٍ وَفِي وَرَعٍ *** الْقَوْمُ هُمْ مَا لَهُمْ فِي النَّاسِ أَشْبَاهُ
عُبَّادُ لَيْلٍ إِذَا جَنَّ الظَّلَامُ بِهِمْ *** كَمْ عَابِدٍ دَمْعَهُ فِي الْخَدِّ أَجْرَاهُ
وَأُسْدُ غَابٍ إِذَا نَادَى الْجِهَادُ بِهِمْ ** هَبُّوا إِلَى الْمَوْتِ يَسْتَجْدُونَ رُؤْيَاهُ
يَا رَبِّ فَابْعَثْ لَنَا مِنْ مِثْلِهِمْ نَفَرَاً *** يُشَيِّدُوا لَنَا مَجْدَاً أَضَعْنَاهُ
اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكِ مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ، اللَّهُمَّ ثَبِتْ أَقْدَامَ إِخْوَانِنَا الْمُجَاهِدِينَ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَصَوِّبْ رَأَيْهُمْ وَقَوِّ عَزَائِمَهُمْ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالِمَينَ ، اللَّهُمَّ وَفِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا سَلْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَّا تُحِبُّهُ وَتَرضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُزَرَاءَهُ وَإِخْوَانَهُ، وَانْصُرْ بِهِمُ الدِّينَ وَانْصُرْ الدِّينَ بِهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِنا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى والرَّافِضَةِ يَاقَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ زَلْزِلِ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامَهُمْ ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ وَشَتِّتْ شَمْلَهُم وَاهْزُمْ جُنْدَهُمْ يَارَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، والحَمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
الخطبة مجمعة من خطب المشايخ جزاهم الله خيرا وكتب أجرهم
وهي خطبتي غدا إن شاء الله تعالى
وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه
المشاهدات 7503 | التعليقات 2
أحبك الله أخي الغالي وجزاك الله خيرا على مرورك ودعائك وتشجيعك
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
سلمك الله حبيبنا أبا المقداد الأثري وكتب ربي أجرك أفدت وأجدت سلمت يمينك
تعديل التعليق