رسائل محب لأهل التعليم مع بداية العام الدارسي

عبدالله محمد الطوالة
1434/10/23 - 2013/08/30 05:58AM
هذه خطبة جمعتها من عدة خطب وازدت عليها ما تيسر

فيها رسائل للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور .. أسأل الله أن ينفع بها ..




احبتي في الله : وبعد غدٍ يوم بدء الدراسة، مشهَد عام / وملتقى هام، إنه اليوم الذي تستأنف فيه رحلة علم جديدة ، وتبدأ مسيرة الفكر التليدة، وتفتح حصون العلم أبوابها/ وتهيأ قلاع المعرفة لطلابها/ يبرق فجر غد والناس أمامه أصناف، والمستقبلون له ألوان، بين محب وكاره، ومتقدم ومحجم، ومتفكر ومتحير، ومتفائل ومتشائم.
كم من محب لهذا اليوم يترقب قدومه بفارغ الشوق، وكم من كاره له يتمنّى لو أن بينه وبينه أمدًا بعيدًا. وإني بهذه المناسبة المهمة أوجه رسائل عدة، علها تكون نذر خير ورقاع إصلاح ومشاعل هداية تضيء لقائلها وسامعها الطريق، وتهدي جميعنا السبيل:
الرسالة الأولى إلى الطلاب والطالبات: إذا أردتم أن تتلذذوا بطلب العلم / وتستمتعوا بالدراسة / فأخلصوا القصد لله / واطلبوه ابتغاء مرضاة الله / واذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر))
إنه ليتألم الفؤاد ويضيق العقلاء ذرعًا عندما نرى أكثر أبنائنا يتبرمون من الدراسة ويستثقلونها / والسبب أنه حين تغيرت النيات، وأصبح العلم يطلب لينال به الرتب والشهادات/ ويرتقى به في درجات الوظائف والمرتبات، أصبح العلم هنا ثقيلاً،/ وإلا فأسلافنا طلبوه في حرّ الرمضاء وفي الليلة الظلماء، لحاف بعضهم أديم السماء، وفراشه الغبراء، ومع ذلك لذته فيه لا توصف، ونهمهم منه لا ينتهي، لمه؟ لأنهم طلبوه لله، ثم ليزيحوا عن أنفسهم أستار الجهل، ويخلعوا عن أكتافهم أردية التخلف .
اسمع لأحدهم وهو يصف العلم ، وهو في الحقيقة يصف شعوره واحساسه / اسمع لابن القيم رحمه الله وهو يقـول: "العلم حياة القلوب /ونور البصائر/ وشفاء الصدور /ورياض العقول/ ولذة الأرواح/ وأنس المستوحشين/ ودليل المتحيرين،/ به يعرف الله ويُعبد/ ويُذكر ويوحّد/ ويحمد ويمجّد،/ به اهتدى إليه السالكون،/ ومن طريقه وصل إليه الواصلون،/ ومنه دخل عليه القاصدون،/ به تعرف الشرائع والأحكام/ وتمييز الحلال والحرام،/ وبه توصل الأرحام،/ وبه تعرف مراضي الحبيب،/ وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب،/ هو الصاحب في الغربة/ والمحدث في الخلوة /والأنيس في الوحشة/ والكاشف عن الشبهة،/ مذاكرته تسبيح،/ والبحث عنه جهاد،/ وطلبه قربة،/ وبذله صدقة،/ ومدارسته تعدل الصيام والقيام،/ والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام" انتهى كلامه.
أخي يا رعاك الله، أبعد هذا تزهد في عظيم هذا شأنه وكبير هذا شيء من وزنه؟! // فالله الله، اطلب العلم بإخلاص وتجرّد، والله يسدّدك ويؤيدك، ومن ثمّ إن كنت تريده ! فهو عزيز المنال،/ يلزمك أن تحسن فيه الصبر وطول البال ، وأن تتزين له بأخلاق الكمّل من الرجال ، فلن ينال العلم ملول ولا مستكبر /.
اجعل أمام ناظريك قول الحق جل وعلا : ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ)) ، جدّ واجتهد، ولا يغرنك كثرة البطالين؛ فابن عطاء الإسكندري يقول: "من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة". اسأل الله لك العون والتوفيق .
الرسالة الثانية إلى المعلمين والمعلمات: إلى رعاة الجيل / وأمنة التعليم /ورواد العلم /وسُلّم الرقي،/ أنتم بيت القصيد ومحط الركب،/ بين أيديكم عقول الناشئة /وعدة المجتمع وأمله،/ عليكم تعقد الآمال،/ ولسنوات عدة تحط عندكم الرحال،/ نبيكم صلى الله عليه وسلم أكبر من شأنكم / وأعلى من مقامكم /فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير حتى النملة في جحرها))؟!
فجملوا عملكم بالإخلاص،/ فأجر الدنيا قليل / وأجر الآخرة أعلى وأبقى./ كم هدى الله بكم من ضال،/ وكم أنقذ بكم من عمى،/ وكم بصر بكم من جهل./ أنتم مشاعل الهدى / ومصابيح الدجى،/ كلاَّ ليس هذا من الخيال / ولا تلاعبًا بالأقوال / بل هو الحق ، والحق أحق أن يقال .
وكم يُكدر خواطرنا / ويكسر نواظرنا عندما نراكم تتبرمون من الأجيال / وتتضجرون من العيال / نسمع هنا وهناك بعض صيحاتكم / والتي يفهم منها الإحباط والفشل / نعلم مثلكم أن الأجيال تغيرت، وأن الملهيات والشواغل قد كثرت ،/ ثم ماذا / هل الشكوى والتضجر جزء من الحل أم هو يأس وقنوط وأنتم من يعلم ويعلم / ((إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)) / الأمة كلها تعول عليكم بعد الله مالا تعوله على غيركم / فابذلوا ما تستطيعون،/ وقدموا ما تطيقون،/ زاحموا الشر الذي ترون، ودافعوا الباطل بكل ما تملكون / واعلموا أنكم إن اتقيتم الله أيدكم وسددكم، (( فأما الزبد فيذهب جفاءً واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )) / اجتهدوا في تعليمكم،/ وضعوا رقابة الله دائمًا نصب أعينكم / تخلقوا بالخلق الحسن، اصبروا وارحموا واعطفوا،/ فإن من المعلمين من تبقى ذكراه عاطرة في أذهان طلابه،/ ومنهم من لسان حال طلابه ومقالهم مستريح ومستراح منه./ واعلموا أن الدارسين يسمعون بأعينهم أكثر من سماعهم بآذانهم، فالقدوة الحقة في الفعال قبل الأقوال.
سدد الله خطاكم / وبلغكم من الخير مناكم /
الرسالة الثالثة :مسؤلية البيت :يا معاشر الأولياء، أنتم شركاء للمدرسة في مسؤوليتها،/ بل أنتم الأصل في التربية والتنشئة / ولعظم التقصير الحاصل في المتابعة / كثرت شكوى المدرسين والمدرسات والإداريين والإداريات / من إهمال الأباء والأمهات للأبناء والبنات / وعدم تفقدهم أحوالهم بانتظام /
أيها الأباء الكرام / أيتها الأمهات الفاضلات / هناك قصور فهم / وعدم وعي كبير لأهمية متابعة الطالب والطالبة في المدرسة / وعن علم أتحدث / ومن تجربة أقول / علمت شيئاً وغابت عنك أشياء /
إن أكبر سبب يمكن أن تبذله لمصلحت إبنك هو الزيارة المنتظمة / نعم / درهم وقاية خير من قنطار علاج / وطالما تم تدارك الكثير والكثير جداً من الإنحرافات السلوكية لكثير من الطلاب والطالبات من خلال هذه الزيارات / والتي أهمل شأنها الكثير من الأباء / فكانت السبب الأكبر في ضياع أبنائهم /
فمهما كانت مشاغلك ومسؤولياتك / واظب على زيارة مدارس أبنائك / إسأل عنهم باستمرار جميع المسؤلين في المدرسة / وكن حاضراً في ذهن ولدك دائماً بسؤالك المستمر عن حاله واحواله / ليس من باب الشك وعدم الثقة / وإنما للمتابعة والطمأنينة / وإذا كنت حسن الظن بالمدرسين والإداريين / فلا تكن حسن الظن بجميع رفقاء ابنك الآخرين /
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم / أن يصلح لنا أجمعين البنات والبنين / وأن يجعلهم هداة مهتدين / وأن يجنبهم الأشرار والمفسدين
وأما الرسالة الرابعة والأخيرة فهي موجهة للجميع : هيا إلى العمل / الأمة مقبلة على مستقبل مخيف، تتناوشه أطروحات غريبة ومطالب عجيبة،/ وأهل الشرّ قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم على إفساد شباب الأمة / و هذا الطوفان لا بد له من رجال يدافعونه (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )) ، لذا فعلينا جميعًا أن نتكاتف لنحقّق الهدف الأسمى والمطلَب الأعلى من التعليم،/ ألا وهو العمل. فما قيمة العلم بلا عمل؟!

يا رجال التربية، جدير بالعاقل المنصف المحب لدينه وأمته ووطنه: أن ينظر في مسيرة التعليم والتربية نظرة تقييمية تقويمية .. فما مقدار ما تحقق من التقدم المنشود ؟! في مقابل ما صرف من أموال وأوقات وجهود ..
ماهو التقييم المنصف لمستوى المخرج النهاني تربوياً وتعليمياً ، هل من وقفة صادقة / ونظرة فاحصة / ومحاسبة جادة ..
أجيال وأفواج فارغو الأكواب، ظامئو الشفاه، مظلمو الروح، كليلو البصر، ينكرون أنفسهم، ويؤمنون بغيرهم ، يموت الأمل في صدورهم، مبهورون بأعدائهم ، عالة على إنتاج غيرهم ، حتى في قوت يومهم ، يلوكونها الرطانة، ويتكسرون في المشية، ويتفرنجون في الهيئة ، لم تزرع فيهم التربية الثقة بأنفسهم ، بل لم تعرّفهم بأنفسهم ، ولم تبين له منزلتهم، ولم تشحذ همتهم، لم تبن فيهم الشعور بمسؤوليتهم، قتلوا من غير حرب، قلوبهم ونفوسهم حول الماديات تحوم، وبالقشور والهندام تهيم . في فوضى فكرية هائلة ، وتناقض في مصادر التلقي .. تجعلهم يعيشون الشك والارتياب ، تهاون في الفرائض والواجبات ، وتمرد على الآداب والأخلاق .. وتبعية عمياء قاتلة في الظواهر والقشور ؟!
والتربية اليومَ لم تعد مقتصرةً على مقاعدِ الدراسة فقط ، فمع التطوّر الهائل والانفتاحِ المذهِل لوسائل الإعلام والاتّصال .. أصبحت وللأسف تنازعنا في تربية أجيالنا .. وما العمل وكيف المخرج إذا كان واقعُ هذه الوسائل إثمُه أكبر من نفعه، وهدمُه أكثر من بنائة . فحين تبذَل الطاقاتُ وتستنفذ الجهود والأوقات وتصرَف الأموال والإمكانات للتربية والتعليم، تأتي الفضائياتُ بكل دم بارد لتهدِم وتفسِد وتفتِك ، وكأنّها في حربٍ مع الدّين والقِيَم / أفلا يستدعي ذلك وقفةً من أصحابِ القرار وحرّاس الفضيلة والمعنيِّين بالتربيةِ لأجل حمايةِ المجتمع، خصوصًا إذا كانت هذه الوسائلُ مملوكةً ومدعومَة ممن ينتسِب للإسلام والمسلمين؟! وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُوفي الحديث: ((كلُّكم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته)).
أيّها المربّون، أنتم مؤتَمَنون على تربيةِ أجيالِنا وإعدادِ عقول أولادِنا وتوجيهِ سلوك فلذات أكبادنا .. ولا بأس من التطويرٍ والتجديد ومواكبةٍ الجديدِ إذا حافظنا على أصالتناِ ومبادئنا وقيمنا المستمَدة من شريعة الإسلام ، والهادِفةُ إلى تعبيدِ الناس لربِّ العالمين والولاءِ لهذا الدّين وتنشئةِ المواطنِ الصالحِ المنتِج الواعي السَّالم من شطَطِ التفكير ومَسالِك الانحرافِ. إنّ مبادئَ الإسلام الثابِتَة المرِنةَ كانت الانطلاقةَ الصحيحة للحضارةِ الإسلامية التي باركَها الله على أهلِ الأرض جميعًا، وما ضعُفت إلاَّ حينَ كانت المنطلقات غيرَ شرعيّة في تنكُّر للدّين أو تحجُّر لا يتحمَّله الإسلام.


(( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ))

بارك الله لي .......


الحمد لله وكفى ..
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتّقوا الله رحِمكم الله، ابتَدَأكم بإحسانِه، وأتمَّ عليكم نِعمَه وإفضاله، حلُم مع الاقتدار فلا يغترَّنَّ عبدٌ بالإهمال، ولا يغفَلنَّ مِن خوف الاستدراج، عافانا الله وإيّاكم مِنَ الاغترار بعدَ الإمهال والاستدراجِ بالإحسان، واعلموا ثمّ اعلموا أنّ من الغفلةِ السّفرَ من غير زادٍ والذهابَ إلى القب الموحشِ بغير أنيس، ومن التّفريط القدوم على الحكمِ العدل بغير حجّة. مَن وقف في غير بابِ الله طال هوانُه، ومَن أمَّل غيرَ فضل الله خابت آماله، ومن ابتغى غيرَ وجه الله ضاعَت أعمالُه، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ.
أيّها المسلمون، الوقتُ مادّة الحياة، والزّمنُ وِعاء الأعمار، والأوقات خزائنُ الذّخائر، والأعمال الصالحة هي أعلَى ذخائر، والوقتُ أغلى ما عُنِي الإنسانُ بحفظه، وتصرُّم الزمان أعظمُ واعظ، وانقضاء الأيّام قِصَر في الأعمار، والعُمر أثمنُ بضاعة، والحسرةُ والخَسار لمن قصَّر فيه وأضاعَه، ومِن علامات المقتِ إضاعةُ الوقت، ومَن حفِظ وقتَه فقد حفِظ عمرَه، وإذا أحبّ الله عبدَه بارك له في عُمره ووفَّقه لحُسن عِمارة وقته، والخيرُ والتّوفيق في بركة العمر، لا في طولِه ولا في قصَره، فكم مِن إنسانٍ أمّل الحياةَ وطولَ البقاء فعاشَ إلى زمنٍ بكت فيه عيناه وتقرَّح فيه قلبُه ورأى من شدائدِ الفتَن وصروفِ المحَن ما لا يكادُ يُطاق، والأقدارُ مغيَّبة، والليالي من الزمانِ حُبالى، وكما يعوذُ المسلم بربِّه من فتنة الممات فإنّه يعوذ به من فتنةِ المحيا.
يا عبد الله، الوقتُ كالسيف، وكم لهذا السّيف من ضحايا وصرعَى، تراهم في الأسواق يتسكَّعون وأمامَ الشاشات متسمِّرون وبين يدَي شبكاتِ المعلومات مستَسلمون، كم ندِم المفرِّطون، وكم تحسَّر المقصِّرون، ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)). فمن أصحَّ الله له بدَنه وفرَّغ له وقتَه ولم يسعَ لصلاحِ نفسِه فهو المغبون، بذلِك أخبر الصادِق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال: ((نِعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحّةُ والفراغ)).

أيّها المسلمون، كلُّ أمّة تنشِئ أفرادَها وتربّيهم على ما تريد أن يكونوا عليه في المستقبَل، إذًا فالتربيّةُ والتعليم في حقيقتِه هو صناعةُ الأجيال وصياغةُ الفكر وتشكيلُ المجتمع وتأهيلُه وتوجيهه، وكلُّ الأمم والدوَل مهما كانت غنيّةً أو فقيرة متقدِّمةُ أو متخلّفة تدرِك هذا الجانبَ، وتسعى بما تستطيعُ لترسيخِ مبادئِها وأهدافِها عن طريقِ التربية والتعليم، وتعتبر ذلك من خصوصيّاتها وسيادتِها وسماتها التي لا تساوِم عليها، ومنه ندرِك أنَّ استيرادَ التربيةِ من أمّةٍ أخرى بكلِّ عُجَرها وبُجرها خطيئةٌ كبيرة وتبعيَّة خطيرة، تعني نشأةَ جيلٍ مغيَّب عن تراثِه وتاريخِه مقطوعِ الصّلةِ بعقيدته ومبادئه، مسخًا بلا هويّة يسهُل قيادُه بل واستعبادُه. وهذا لا يعني هجرَ الإفادة مِن تجارب الأمم، فالحكمة ضالّة المؤمِن أنّى وجدَها فهو أحق بها، إلاَّ أنه من الخلطِ والتّضليل فرضُ العَلمنَة بحجّة التطوير أو إقصاءُ الدين لمواكبة العلم كما بُليت بذلك بعض بلادِ المسلمين، وفي قولِ الله عزّ وجلّ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ دليلٌ على أنّ العلومَ النافعة هي المقرِّبة إلى الله ولو كانت من علومِ الدنيا، وذلك باصطِباغها بصِبغة الإيمان والتقرُّب بها إلى الله وخِدمةِ دينه ونفعِ المسلمين وعمارةِ الأرض كما أراد الله، في توازُنٍ وشُمول ووسطيّة واعتدالٍ، فتُعمَر الدنيا والآخرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
وصلوا عباد الله ..
المشاهدات 1912 | التعليقات 0