رسائل قرآنية

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1441/02/18 - 2019/10/17 17:12PM

رسائل من الله ( الجمعة 19/2/1441 )
أما بعد
من كتاب الله نستلهم العبر ، ومن سنة الهادي المصطفى ( ص) وسيرته نستقي الدروس ونستخرج الدرر ، وعلى ضوئهما وهديهما نحدد المواقف من الأحداث ونقرر وجهات النظر ، وقد قال ربنا عن كتابه ( مافرطنا في الكتاب من شيء ) وقال ( ص) : تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك )
ومن حكمة الله تعالى ، بل من رحمته ، أن جعل الآيات والأحكام القدرية الكونية شاهد عدل ، ودليل صدق على أن آياته الشرعية الدينية حق ، كما قال سبحانه :  سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقّ 
فمهما ارتاب أناس في شرع الله ، أو خالفوه أو جزأوه أو غفلوا عنه أو كفروا به ؛ فإن أحكام القدر تجيء إليهم بأحداثها وأحوالها ، لتثبت أن مُنزل هذا الشرع هو مُنزل الأقدار ومسبب الأسباب ، الذي ضمن السعادة في الدارين لمن أطاع رسله وبشّر بالشقاوة من خالفهم ، وأنذرهم ضَعَةً وضيعة وضعفاً.. فهم في فتنة مقدّرة على قدر مخالفتهم . قال تعالى :  فَلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
إن آيات الله وأحاديث رسوله هي رسائل للأمة تتجدد مع الأحداث وسنن لاتتبدل مع مرور الأيام ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا )
إنه مامن حدث يحدث في هذا العالم ، ولا نازلة تنزل بالأمة ، ولا خطب يحل بها إلا وفي هدي الوحيين له إشارة وتذكير ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ولتستبين سبيل المجرمين وليبين لكم ربكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وليكون بيانا للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هم إله واحد وليذكر أولو الألباب ..
في عالم اليوم أحداث متجددة .. صراعات ونزاعات .. تبدل وتغيرات .. وربنا كل يوم هو في شأن ، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير ..
ومن معين الوحيين أنهل رسائل لتكون نبراسا نستضيء به ونهتدي في دياجير الحيرة وظلمات الشكوك واليأس والإحباط ..
الرسالة الأولى من رب العالمين ونصها ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما )
إنها رسالة تقرر مصير الظالمين ومآل المجرمين الذين اتخذوا الظلم لهم شعارا وعنوانا .. إنهم الظالمون لأمتهم في دينها وشريعتها .. إنهم الظالمون لأوطانهم في أمنها واستقرارها .. إنهم الأزواج الظالمون لزوجاتهم والآباء الظالمون لأبنائهم والأبناء الظالمون لوالديهم وأهليهم .. إنهم الظالمون لإخوانهم المسلمين في حقوقهم وأعراضهم .. والظلم مراتب ودركات ..
إنها رسالة لكل ظالم وباغ في الأرض فسادا تقول لهم بأن الظلم مرتعه وخيم وأن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، وأن الظالم مهما طال ظلمه فله يوم يجد فيه عاقبة ظلمه عاجلا أو آجلا ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون .. )
إنها رسالة لكل من ظلم ليفتش عن قلبه ويطفيء جذوة الظلم والطغيان بماء العبودية لله تعالى والخضوع له واتباع شريعته التي أمرت بالعدل والإحسان ونهت عن الظلم والطغيان ،
رسالة القرآن تنادي (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين ) ورسالة المصطفى ( ص ) تعلن أن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ..
القرآن ينادي ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ) وينذر ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ .. ) ويهتف ( فكلا أخذنا بذنبه ) ويؤكد أن خراب الأمم وزوال الدول إنما يكون بالظلم والطغيان ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )
ذهبت لذات الظالمين بما ظلموا وبقي العار ، وداروا إلى دار العقاب وملك الغير الدار ، وخلوا بالعذاب في بطون تلك الأحجار فلا مغيث ولا أنيس ولا رفيق ولا جار
وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
فكم قد رأينا ظالما متجبرا يرى النجم تيها تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بظلمه أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي وصب عليه الله سوط عذابه
رسالة الهادي ( ص ) تقول لكل من ظلم ( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب
قالت إحدى بنات العرب الذين نكبوا : أصبحنا ومافي الأرض أحد إلا وهو يحسدنا ويخشانا ، وأمسينا ومافي الأرض احد إلا وهو يرحمنا
وكانت أخت أحمد بن طولون كثيرة السرف في إنفاق المال حتى إنها زوجت بعض لعبها فأنفقت على وليمة عرسها مائة ألف دينار ، فما مضى سوى زمن يسير حتى رئيت في سوق بغداد وهي تسأل الناس
وحيثما التفت في كل جيل وعصر رأيت من ذلك أحداثا وعبرا
اسأل التأريخ عمن ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا .. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وماهي من الظالمين ببعيد وما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه وخالفوا أمره 0
إنها رسالة لكل ظالم لأخيه في مال أو عرض أن يتحلل منه اليوم قبل أن لايكون درهم ولا متاع .. إنها رسالة لآكلي أموال اليتامى ظلما ، وسارقي أموال الناس بالأسهم والمساهمات والمضاربات الكاذبة .. إنها رسالة لكل من يخوض في الأعراض أو ينتهك الحرمات .. ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض يغير الحق .. )

الرسالة الثانية من كتاب ربنا والتي تحكي مجريات الأحداث وواقع الحياة ونصها ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا .. )
إن كل علاقة بين البشر لاتقوم على الحق والهدى وإنما قوامها المصالح الذاتية وعمادها التضامن في محاربة الحق ومعاداة أهله فإنما هي علاقة مصيرها التخاصم والتعادي ونهايتها التبرؤ والتخلي ويوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ..
لقد تقطعت بينهم الأواصر والعلاقات والأسباب وحينما تحل النكبات ينشغل كل بنفسه تابعا كان أو متبوعا وسقطت التبعيات التي كان المخدوعون يتبعونها وعجزت عن وقاية نفسها فضلا على وقاية تابعيها ..
إنها رسالة لكل من تعلق بغير الصالحين واصطفى لصحبته الفاسدين والمفسدين ..
يوم أن يجد الجد ويعظم الأمر وتحل النكبة فلن يقف معك إلا من اتخذ مع الرحمن عهدا ، وأقام علاقته معك على مبدأ النصرة للحق وأهله .. وأما من تعلق بك لهوى أو منفعة فسيتخلى عنك قائلا ( إني بريء منكم إني أرى مالاترون )
أما آن للضعفة الأتباع أن يتبرأوا من متبوعيهم الظالمين والمفسدين ..وألا يكونوا أداة لهم في إيذاء الناس أو ظلمهم في دم أو مال أو عرض فهذا أوان الإنابة والبراءة من الظالمين قبل أن يتبرءوا منهم في الدنيا وفي يوم القيامة وهم في النار يختصمون
أما آن الأوان للمرأة المسلمة في زماننا اليوم أن تتنبه لهذه الحقيقة فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق باسم الحرية والتمدن حتى لاتحق عليها الحسرة الكبرى عندما يتبرأ منها شياطين الإنس والجن ..
أما آن لمن أعطوا قيادهم لأهل الفساد وجلساء السوء يسوقونهم إلى مواطن الرذيلة ويفتحون قلوبهم لألاعيبهم ومكرهم أن ينتهوا ماداموا في زمن الإمكان وأن يعلموا أن مودة هؤلاء وطاعتهم إن لم تنقطع في الدنيا فهي ولاشك منقطعة في الآخرة بل ومتحولة إلى عداوة وبراءة
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
أقول هذا القول وأستغفر الله ..

الخطبة الثانية
أما بعد :
فثمة رسالة من كتاب ربنا ترسم الحقيقة وتبعث الأمل وتستحث لأخذ الحيطة والحذر .. رسالة مضمونها ( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا )
عداءٌ أزليٌ وُجد مع وجود البشر، عداءٌ مستعر لا تُطفئ لهيبَه المجاملاتُ ولا اصطناعُ الابتسامات؛ و لا تزيدها الأحداث إلا يقيناً وجلاءً ﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾
أخطر أساليب هذا العداء ..الكيد والمكر المنطويان على تقصّد الإضرار بالمؤمنين بخفية واستتار وتمويه.
كيد كبير، ومكر خطير، كاد بضراوته أن يقلع الجبال الرواسي عن قرارها المكين، ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) كيد دائب لا يعرف الكلل والملل. كيدٌ دافعه حسد الضلال، وأزُّ الشياطين، وتزيين المكر السيء، ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
إن هذا الكيد والمكر مفردة من قدر الله ، قد علمه وقدّره وأحاط به، وهو الذي يعلم السر وأخفى﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾ فهم في قبضة تصرفه، لا يخفى عليه مكرهم، وإنما أملى لهم؛ ليمتحن سرائر الإيمان ويبلو الأخبار. وقد كشف لعباده الموقنين حقيقة مكر الكافرين وكيدهم، وأرشدهم للتعامل الأمثل إزاء ذلك المكر والكيد؛ رحمة بهم، وتسلية لهم، وتقوية لقلوبهم، ورصاً لصفوفهم. إن كيد الكافرين مهما بلغ في قوته وإحكامه ووسائله ودهائه، فإن الله مضعفه، ومُحِلٌ بَرْمَ عُقَده، ﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ ولا عجب في ذلك؛ فضعف كيد الكفر مستمد من ضعف كيد مَصدره ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ ومن صور إيهان الله لكيد للكافرين إلقاءُ الرعب في قلوبهم ، وتفرّق كلمتهم، وفشو العداوة والبغضاء بينهم، ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ ومكر أولئك الكافرين السوءَ راجع بالسوء عليهم، وسيصطلون بناره، ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ ومكر الله بأولئك الماكرين متين؛ لا يدرك بُعْدَه إلا من أنار الله بصيرته بنور الوحي، وعمر قلبَه باليقين، وكان له بصر بتاريخ الأمم، ولم تغرّه ظواهر الأحوال، ولم تأسره اللحظة الحاضرة؛ فالكيد الإلهي للكافرين كيد قوي شديد، خفي، متدرج، طويل الأمد، يأتي من مأمن، ويصيب في مقتل، وينقضّ على أصول مكرهم السيء، ويقوّض أساس بنائه حتى يتهاوى السقف على أهله، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ وكذلك، فإن من شأن ذلك الكيد الكفري أن يوقظ جذوة الإيمان في القلوب، ويسوق أهل الإيمان للاحتماء بربهم، والرجوع لدينه، والتمسك به. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل؛ فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ". وهكذا ينقلب كيدهم نقيض ما أرادوا وخططوا ودبروا وموّهوا، كما حكى الله عاقبة كيد قوم إبراهيم – عليه السلام – به، فقال: ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾
اللهم صل وسلم

المشاهدات 1516 | التعليقات 0