رسائل عاشوراء
إبراهيم بن صالح العجلان
1437/01/09 - 2015/10/22 20:56PM
( رسائل يوم عاشوراء ) 9 / 1 / 1437هـ
معاشر المسلمين:
سامَ بني إسرائيلَ سوءَ العذابِ، ذبَّح أبناءَهم، واستحيَى نساءَهم، وصادرَ حرياتِهم، وأكَل خيراتِ بلادِهم، وبلَغ طغيانُه وفسادُه عنانَ السماءِ، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
طالَ ليلُ الألمِ على المستضعفين، واحترقت فيه قلوبُ المؤمنين، ينتظرونَ فيه الفرجَ من رب العالمين، فنجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ، مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ، أخذَه اللهُ وجنودَه فنبذَهم في اليَمِّ وهو مُليم .
يا لله، انتهى أمرُ الطاغيةِ وشبيحتُه وبلطجيتُه في لحظات، لا ذِكْرَ لهم ولا رَسْمَ، ذهبَ البطشُ، والتخويفُ والخوفُ، فكأنها ما كانتْ وما كانوا.
لا تَسَل عن شعورِ الفرحِ، ولا نشوةِ السعادةِ، بعد هذا المصير للطغاة.
نعم ... كان يوماً مشهوداً من أيام الدنيا لا ينسى، ظهرت فيه القدرةُ الإلهيةُ، والنصرةُ الربانية، رأى فيه الناسُ صدقَ موعودِ اللهِ شاهداً محسوساً.
وكانَ يومُ العاشرِ من محرمٍ عندَ أهلِ ذلك الزمانِ، وفي كلِّ زمانٍ، محفوراً في الوجدانِ والأذهانِ ، لا يمكنُ أن يُمحى مع تعاقب الأزمان.
صامَ نبيُّ اللهِ موسى عليه السلامُ ذلكَ اليومَ شكراً للهِ تعالى، وكانت بنو إسرائيلَ بعدَه يصومونَه تعظيماً، واستمروا على ذلك، حتى عدَّوه عيداً من أعيادهم، روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال : «كان يومُ عاشوراءَ يومًا تُعظِّمُهُ اليهودُ، وتتَّخِذُهُ عيداً ».
وعند مسلمٍ أيضاً: «كان أهلُ خيبرَ يصومون يومَ عاشوراءَ ، يَتَّخِذُونَهُ عيدًا ، ويُلبِسُون نساءهم فيه حُلِيَّهم وشارَتَهم».
هذا خبرُ بني إسرائيلَ مع عاشوراء، وأما خبرُ نبينا r ، فقد قدِمَ المدينةَ، فرأى فيها احتفالاتِ اليهودِ وابتهاجَهم في هذا اليوم، فسأَلَهم عن ذلك، فَقَالوا: هَذَا يومٌ صَالِحٌ، هذا يومٌ نجَّى اللهُ عز وجل فيه بني إسرائيلَ من عدوِّهم ، فصامَه موسى عليه السلام، فقالَ رسولُ r: «نَحنُ أحقُّ بموسى منكم»، فصامَه رسولُ الله r ، وأمر بصومِه.
فعاشوراءُ يومٌ من أيامِ الإيمانِ، ومناسبةٌ تستحقُّ الشكرَ والعرفانَ، يوم فرحٍ وشكرٍ، وتعبدٍ وذكرٍ، موسمُ مغفرةٍ وتطهيرٍ، وعزٍّ وتمكين.
أقبلَ عاشوراءُ يحملُ في طياتِهِ رسائلَ لهذه الأمةِ المرحومةِ المصطفاة، رسائلَ تزيدُ المؤمنين إيماناً، وتذكرهم بأيامِ اللهِ، وسننِه في أرضِه، { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا }.
الرسالة الأولى: عاشوراءُ ولاءٌ لا ينقطع.
لقد فرح النبي r بنجاةِ موسى من فرعونَ، فصامَ هذا اليومَ كما صامه موسى عليه السلام، وأمر أمتَه بصيامِه، فهذه الأمةُ أحقُّ بأنبياءِ الله تعالى ولاءً واتباعاً، ولذا قال نبينا r : نحن أحق بموسى منكم.
فهذه الأمةُ تؤمنُ بجميع الأنبياءِ والمرسلين، وتوقِّرُهم، وتحبُّهم، وتصدِّقُهم، بل لا يصحُّ إيمانُ عبدٍ إلا بالإيمانِ بهم جميعاً، ولذا استحقوا بشهادةِ القرآنِ أن يكونوا أولى الأممِ بأنبياءِ الله تعالى، (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).
وهكذا تتوحدُ المشاعرُ والقلوبُ بين هذه الأمةِ وبينَ الأنبياءِ وأتباعهم، وإن تباعدَت أزمانُهم، يجمعهم الإيمانُ، وليس شيءٌ غيرَ الإيمانِ ، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
الرسالة الثانية: عاشوراءُ يؤكدُ أصلَ البراءِ.
فهذا اليومُ المشهودُ مثالٌ عمليٌ في مخالفةِ أهلِ الكتابِ، فأمةُ الإسلامِ لها شعائرُها المختصةُ بها، لا تتشبَّه بأمةٍ غضِبَ الله عليهم، ولا تحاكي قوماً قد ضلوا من قبلُ، وأضَلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواء السبيل.
لقد ربَّى النبيُّ r في نفوسِ الناسِ معانيَ العزةِ، والاستعلاءِ بالإسلامِ..
ومحاكاةُ الغَيرِ تتنافى مع هذا الاعتزازِ، ولذا كان النبيُّ r كثيراً يأمرُ بمخالفةِ المشركين، وأهلِ الكتابِ، في العباداتِ، والعاداتِ، وفي أمورٍ شتَّى، حتى قالَ قائلُ اليهودِ: ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدَعَ من أمرِنا شيئاً إلا خالَفَنَا فيه.
وفي عاشوراءَ أكّد النبيُّ r هذا الأصلَ العظيمَ، فصامَه موافقةً لموسى عليه السلام، لكنّه أمرَ بمخالفةِ اليهودِ فيه، فأمرَ أمته أن يصوموا يوماً قبلَه، أو بعدَه، وقال: لئِن عشتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسعَ.
الرسالةُ الثالثة: إنَّ الله ليملي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْهُ.
كم عاشَ بنو إسرائيلَ من البطشِ والنكالِ ما تطيشُ له العقولُ، أطفالٌ في عمرِ الزهورِ يُذبَّحون، ورجالٌ يُقهرون، فيُسجنون أو يُقتلون، امرأة تترمل، ودمع يتهطل، والطاغية في غيِّه سادرٌ، وفي سلطانِه قاهرٌ، يحارب دعوةَ الأنبياءِ، ويدَّعي أنه ربُّ الأرض والسماء، قد غرَّه مهلةُ الزمانِ، وهو لا يدرِي أنَّ لعائنَ اللهِ قد كُتبَت عَلَيه، فَما أفاقَ من سَكْرَة الاستعلاءِ إِلَّا لمَّا عَلَاهُ الماءُ، (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى).
ذهبَ الطاغيةُ وذهبَ معهُ غرورُه وكيدُه، فكأنه مَا كانَ هو ولَا بطشُه، وجَعَلَه ربُّه عبرةً للناس، وعظةً للطغاةِ على كل أرضٍ، وفي كل مِصْر.
الرسالة الرابعة: عاشوراءُ يحدثنا بالفرجِ والتفاؤل.
ففي غمرةِ الشعورِ باليأسِ، وسوداويةِ الواقعِ يأتي عاشوراءُ فيقذِف في القلوبِ الأملَ والتفاؤل، فما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ .
فكأنما يخاطبنا عاشوراءُ: أنَّ اللهَ مع عبادِه المؤمنين، لا يخفى عليه شيءٌ من أمرهم، وأنَّ كلَّ ما في هذا الكونِ هو مُلكٌ لله، بحرِه وترابِه، أرضِه وسمائِه.
هذا الملِكُ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وسِع سمعُه الأصواتِ، سمعَ آهاتِ المظلومينَ، وأنَّات المكلومينَ، وشكاية الوجلين، سمعَ ذلك كلَّه، وشهدَ على ذلك كلِّه، (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )
هذا الملِكُ لو يشاءُ لانتصرَ من هؤلاء الطغاةِ الظلمةِ الجبارينَ، ولكنْ .. ليبْلُوَ بعضَكم ببعض، ولكنْ .. ليعلَمَ سبحانَه المؤمنينَ من الكافرينَ والمنافقين، ولكنْ.. ليتخذَ سبحانه من الأممِ شهداءَ، والله يحب الصابرين.
هذا الملِك خَلَق الجنةَ، وأَعدَّ فيها منازلَ عُليا، لا يبلُغُها الناسُ بأعمالهم، وإنما ببلاءٍ عظيمٍ يصيبهم.
هذا الملِك وعدَ المؤمنينَ، ومَن أَوفَى بعهدِه مِن الله، (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)، وتوعَّدَ الظلمةَ المجرمين، ( وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
الرسالة الخامسة : حقُّ النعم الشكرُ والعرفان.
فهذا موسى عليه السلام قابلَ نعمة ربِّه عليه، وعلى بني إسرائيلَ بصيام هذا اليوم، والعملُ الصالحُ لونٌ من ألوانِ شكرِ العبدِ لربِه (اعمَلُوا آلَ داوودَ شُكْراً)
فعاشوراءُ يذكرِنا بعبادةِ السراءِ، شكرًا لله على نعمِه الدَّارَّةِ، وكلما كثُرت النعمُ من صحةٍ ومالٍ، وأمنٍ واطمئنانٍ، فحقُّها الشكرُ بالوجدانِ، والجوارح واللسانِ.
إذا كنتَ في نعمةٍ فارْعَهَا ** فإنَّ المعاصيْ تزيلُ النِّعَمْ
وَصُنْهَا بطاعةِ ربِّ العبادِ *** فربُّ العِبادِ شديدُ النِّقَمْ
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
سامَ بني إسرائيلَ سوءَ العذابِ، ذبَّح أبناءَهم، واستحيَى نساءَهم، وصادرَ حرياتِهم، وأكَل خيراتِ بلادِهم، وبلَغ طغيانُه وفسادُه عنانَ السماءِ، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
طالَ ليلُ الألمِ على المستضعفين، واحترقت فيه قلوبُ المؤمنين، ينتظرونَ فيه الفرجَ من رب العالمين، فنجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ، مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ، أخذَه اللهُ وجنودَه فنبذَهم في اليَمِّ وهو مُليم .
يا لله، انتهى أمرُ الطاغيةِ وشبيحتُه وبلطجيتُه في لحظات، لا ذِكْرَ لهم ولا رَسْمَ، ذهبَ البطشُ، والتخويفُ والخوفُ، فكأنها ما كانتْ وما كانوا.
لا تَسَل عن شعورِ الفرحِ، ولا نشوةِ السعادةِ، بعد هذا المصير للطغاة.
نعم ... كان يوماً مشهوداً من أيام الدنيا لا ينسى، ظهرت فيه القدرةُ الإلهيةُ، والنصرةُ الربانية، رأى فيه الناسُ صدقَ موعودِ اللهِ شاهداً محسوساً.
وكانَ يومُ العاشرِ من محرمٍ عندَ أهلِ ذلك الزمانِ، وفي كلِّ زمانٍ، محفوراً في الوجدانِ والأذهانِ ، لا يمكنُ أن يُمحى مع تعاقب الأزمان.
صامَ نبيُّ اللهِ موسى عليه السلامُ ذلكَ اليومَ شكراً للهِ تعالى، وكانت بنو إسرائيلَ بعدَه يصومونَه تعظيماً، واستمروا على ذلك، حتى عدَّوه عيداً من أعيادهم، روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال : «كان يومُ عاشوراءَ يومًا تُعظِّمُهُ اليهودُ، وتتَّخِذُهُ عيداً ».
وعند مسلمٍ أيضاً: «كان أهلُ خيبرَ يصومون يومَ عاشوراءَ ، يَتَّخِذُونَهُ عيدًا ، ويُلبِسُون نساءهم فيه حُلِيَّهم وشارَتَهم».
هذا خبرُ بني إسرائيلَ مع عاشوراء، وأما خبرُ نبينا r ، فقد قدِمَ المدينةَ، فرأى فيها احتفالاتِ اليهودِ وابتهاجَهم في هذا اليوم، فسأَلَهم عن ذلك، فَقَالوا: هَذَا يومٌ صَالِحٌ، هذا يومٌ نجَّى اللهُ عز وجل فيه بني إسرائيلَ من عدوِّهم ، فصامَه موسى عليه السلام، فقالَ رسولُ r: «نَحنُ أحقُّ بموسى منكم»، فصامَه رسولُ الله r ، وأمر بصومِه.
فعاشوراءُ يومٌ من أيامِ الإيمانِ، ومناسبةٌ تستحقُّ الشكرَ والعرفانَ، يوم فرحٍ وشكرٍ، وتعبدٍ وذكرٍ، موسمُ مغفرةٍ وتطهيرٍ، وعزٍّ وتمكين.
أقبلَ عاشوراءُ يحملُ في طياتِهِ رسائلَ لهذه الأمةِ المرحومةِ المصطفاة، رسائلَ تزيدُ المؤمنين إيماناً، وتذكرهم بأيامِ اللهِ، وسننِه في أرضِه، { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا }.
الرسالة الأولى: عاشوراءُ ولاءٌ لا ينقطع.
لقد فرح النبي r بنجاةِ موسى من فرعونَ، فصامَ هذا اليومَ كما صامه موسى عليه السلام، وأمر أمتَه بصيامِه، فهذه الأمةُ أحقُّ بأنبياءِ الله تعالى ولاءً واتباعاً، ولذا قال نبينا r : نحن أحق بموسى منكم.
فهذه الأمةُ تؤمنُ بجميع الأنبياءِ والمرسلين، وتوقِّرُهم، وتحبُّهم، وتصدِّقُهم، بل لا يصحُّ إيمانُ عبدٍ إلا بالإيمانِ بهم جميعاً، ولذا استحقوا بشهادةِ القرآنِ أن يكونوا أولى الأممِ بأنبياءِ الله تعالى، (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).
وهكذا تتوحدُ المشاعرُ والقلوبُ بين هذه الأمةِ وبينَ الأنبياءِ وأتباعهم، وإن تباعدَت أزمانُهم، يجمعهم الإيمانُ، وليس شيءٌ غيرَ الإيمانِ ، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
الرسالة الثانية: عاشوراءُ يؤكدُ أصلَ البراءِ.
فهذا اليومُ المشهودُ مثالٌ عمليٌ في مخالفةِ أهلِ الكتابِ، فأمةُ الإسلامِ لها شعائرُها المختصةُ بها، لا تتشبَّه بأمةٍ غضِبَ الله عليهم، ولا تحاكي قوماً قد ضلوا من قبلُ، وأضَلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواء السبيل.
لقد ربَّى النبيُّ r في نفوسِ الناسِ معانيَ العزةِ، والاستعلاءِ بالإسلامِ..
ومحاكاةُ الغَيرِ تتنافى مع هذا الاعتزازِ، ولذا كان النبيُّ r كثيراً يأمرُ بمخالفةِ المشركين، وأهلِ الكتابِ، في العباداتِ، والعاداتِ، وفي أمورٍ شتَّى، حتى قالَ قائلُ اليهودِ: ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدَعَ من أمرِنا شيئاً إلا خالَفَنَا فيه.
وفي عاشوراءَ أكّد النبيُّ r هذا الأصلَ العظيمَ، فصامَه موافقةً لموسى عليه السلام، لكنّه أمرَ بمخالفةِ اليهودِ فيه، فأمرَ أمته أن يصوموا يوماً قبلَه، أو بعدَه، وقال: لئِن عشتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسعَ.
الرسالةُ الثالثة: إنَّ الله ليملي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْهُ.
كم عاشَ بنو إسرائيلَ من البطشِ والنكالِ ما تطيشُ له العقولُ، أطفالٌ في عمرِ الزهورِ يُذبَّحون، ورجالٌ يُقهرون، فيُسجنون أو يُقتلون، امرأة تترمل، ودمع يتهطل، والطاغية في غيِّه سادرٌ، وفي سلطانِه قاهرٌ، يحارب دعوةَ الأنبياءِ، ويدَّعي أنه ربُّ الأرض والسماء، قد غرَّه مهلةُ الزمانِ، وهو لا يدرِي أنَّ لعائنَ اللهِ قد كُتبَت عَلَيه، فَما أفاقَ من سَكْرَة الاستعلاءِ إِلَّا لمَّا عَلَاهُ الماءُ، (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى).
ذهبَ الطاغيةُ وذهبَ معهُ غرورُه وكيدُه، فكأنه مَا كانَ هو ولَا بطشُه، وجَعَلَه ربُّه عبرةً للناس، وعظةً للطغاةِ على كل أرضٍ، وفي كل مِصْر.
الرسالة الرابعة: عاشوراءُ يحدثنا بالفرجِ والتفاؤل.
ففي غمرةِ الشعورِ باليأسِ، وسوداويةِ الواقعِ يأتي عاشوراءُ فيقذِف في القلوبِ الأملَ والتفاؤل، فما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ .
فكأنما يخاطبنا عاشوراءُ: أنَّ اللهَ مع عبادِه المؤمنين، لا يخفى عليه شيءٌ من أمرهم، وأنَّ كلَّ ما في هذا الكونِ هو مُلكٌ لله، بحرِه وترابِه، أرضِه وسمائِه.
هذا الملِكُ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وسِع سمعُه الأصواتِ، سمعَ آهاتِ المظلومينَ، وأنَّات المكلومينَ، وشكاية الوجلين، سمعَ ذلك كلَّه، وشهدَ على ذلك كلِّه، (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )
هذا الملِكُ لو يشاءُ لانتصرَ من هؤلاء الطغاةِ الظلمةِ الجبارينَ، ولكنْ .. ليبْلُوَ بعضَكم ببعض، ولكنْ .. ليعلَمَ سبحانَه المؤمنينَ من الكافرينَ والمنافقين، ولكنْ.. ليتخذَ سبحانه من الأممِ شهداءَ، والله يحب الصابرين.
هذا الملِك خَلَق الجنةَ، وأَعدَّ فيها منازلَ عُليا، لا يبلُغُها الناسُ بأعمالهم، وإنما ببلاءٍ عظيمٍ يصيبهم.
هذا الملِك وعدَ المؤمنينَ، ومَن أَوفَى بعهدِه مِن الله، (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)، وتوعَّدَ الظلمةَ المجرمين، ( وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
الرسالة الخامسة : حقُّ النعم الشكرُ والعرفان.
فهذا موسى عليه السلام قابلَ نعمة ربِّه عليه، وعلى بني إسرائيلَ بصيام هذا اليوم، والعملُ الصالحُ لونٌ من ألوانِ شكرِ العبدِ لربِه (اعمَلُوا آلَ داوودَ شُكْراً)
فعاشوراءُ يذكرِنا بعبادةِ السراءِ، شكرًا لله على نعمِه الدَّارَّةِ، وكلما كثُرت النعمُ من صحةٍ ومالٍ، وأمنٍ واطمئنانٍ، فحقُّها الشكرُ بالوجدانِ، والجوارح واللسانِ.
إذا كنتَ في نعمةٍ فارْعَهَا ** فإنَّ المعاصيْ تزيلُ النِّعَمْ
وَصُنْهَا بطاعةِ ربِّ العبادِ *** فربُّ العِبادِ شديدُ النِّقَمْ
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
أما بعد، فيا عباد الله:
والرسالة السادسة تقول: عاشوراءُ غنيمةٌ سارَّة.
خصَّه اللهُ بأجرٍ عظيمٍ، وعطاءٍ كريمٍ، وذلك لمن صامَه إيماناً واحتساباً ، سُئِلَ النبيُّ r عن صيامِ عاشوراءَ، فقال: يكفِرُ السنةَ الماضيةَ . رواه مسلم.
ولذا كان نبيُّنا r يتحرَّى هذا اليومَ، ويحرِصُ على صيامِه من بين سائرِ الأيامِ، يصوِّر لنا ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما هذا الحرصَ بقوله: (ما علمتُ أن رسولَ الله
r صام يوماً يَطْلُب فَضلَه على الأيام إِلا هذا اليوم ) رواه مسلم.
وكان السلفُ من حرصهم على عاشوراءَ يربُّون أولادَهم على تعظيمِه، وتصبيرِهم على صيامه، روى البخاري عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ rغَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ)، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُم اللعبة تُلْهِيهم، حتى يُتموا صومهم).
فعاشوراءُ يوم فرحٍ وسرور، وتعبُّدٍ وشكر، وتأسٍ بالنبي r ، وليس موسمَ ابتداعٍ، وإحداثٍ في الدين، وتبديلٍ للسنن، حتى يُجعل من هذا اليوم موعداً للنياحةِ، واللطمِ والتطبيرِ، وطقوسٍ تصادمُ العقلَ، وتخالِفُ الفطرةَ، وتشمئزُّ منها الإنسانية، والإسلامُ بريءٌ منها ومن أهلها ، قال عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من ضربَ الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهليةِ).
وهذا كتابُ ربِّنا وسنةُ نبينا r بينَ أيدينا لم يأمرنا اللهُ ولا رسولُه أن نتخذَ من مصائبِ الأنبياءِ وموتِهم مأتماً، فكيفَ بمن دونَهم من البشرِ.
وأخيراً يا أهلَ الإيمان ها هو يومُ المغفرةِ قد لاحَ، فأرو الله من أنفسكم الخير والصلاحَ، جدِّدوا المحاسبةَ والمتاب، ففضل الله قد عمَّ وطاب، اجعلوا من هذا اليوم انطلاقةً حقة للعمل الصالح الدايم، فلا تدري يا عبد الله متى يحتنُّ الحين، وينزلُ
الأجلُ، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
اللهم وفقنا للعمل برضاك، وأسعدنا بطاعتك وهداك، واجعلنا من المسارعين للخيرات، المغتنمين للمواسم والنفخات.
اللهم صلِّ على محمد....
والرسالة السادسة تقول: عاشوراءُ غنيمةٌ سارَّة.
خصَّه اللهُ بأجرٍ عظيمٍ، وعطاءٍ كريمٍ، وذلك لمن صامَه إيماناً واحتساباً ، سُئِلَ النبيُّ r عن صيامِ عاشوراءَ، فقال: يكفِرُ السنةَ الماضيةَ . رواه مسلم.
ولذا كان نبيُّنا r يتحرَّى هذا اليومَ، ويحرِصُ على صيامِه من بين سائرِ الأيامِ، يصوِّر لنا ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما هذا الحرصَ بقوله: (ما علمتُ أن رسولَ الله
r صام يوماً يَطْلُب فَضلَه على الأيام إِلا هذا اليوم ) رواه مسلم.
وكان السلفُ من حرصهم على عاشوراءَ يربُّون أولادَهم على تعظيمِه، وتصبيرِهم على صيامه، روى البخاري عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ rغَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ)، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُم اللعبة تُلْهِيهم، حتى يُتموا صومهم).
فعاشوراءُ يوم فرحٍ وسرور، وتعبُّدٍ وشكر، وتأسٍ بالنبي r ، وليس موسمَ ابتداعٍ، وإحداثٍ في الدين، وتبديلٍ للسنن، حتى يُجعل من هذا اليوم موعداً للنياحةِ، واللطمِ والتطبيرِ، وطقوسٍ تصادمُ العقلَ، وتخالِفُ الفطرةَ، وتشمئزُّ منها الإنسانية، والإسلامُ بريءٌ منها ومن أهلها ، قال عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من ضربَ الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهليةِ).
وهذا كتابُ ربِّنا وسنةُ نبينا r بينَ أيدينا لم يأمرنا اللهُ ولا رسولُه أن نتخذَ من مصائبِ الأنبياءِ وموتِهم مأتماً، فكيفَ بمن دونَهم من البشرِ.
وأخيراً يا أهلَ الإيمان ها هو يومُ المغفرةِ قد لاحَ، فأرو الله من أنفسكم الخير والصلاحَ، جدِّدوا المحاسبةَ والمتاب، ففضل الله قد عمَّ وطاب، اجعلوا من هذا اليوم انطلاقةً حقة للعمل الصالح الدايم، فلا تدري يا عبد الله متى يحتنُّ الحين، وينزلُ
الأجلُ، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
اللهم وفقنا للعمل برضاك، وأسعدنا بطاعتك وهداك، واجعلنا من المسارعين للخيرات، المغتنمين للمواسم والنفخات.
اللهم صلِّ على محمد....
المرفقات
رسائل يوم عاشوراء.docx
رسائل يوم عاشوراء.docx