رسائل العشر

عبدالله اليابس
1439/09/23 - 2018/06/07 23:56PM

رسائل العشر الأواخر                 الجمعة 23/9/1439هـ  

الحمد لله الذي مَنَّ علينا بشريعة الإسلام، وشَرَع لنا ما يُقَرِّبُ إليه من صالح الأعمال، الحمد لله الذي أنعم علينا بتيسير الصيام والقيام، وجعل ثواب من فعل ذلك تكفير الخطايا والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيراً.

 أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. ودخلت العشر الأواخر من رمضان .. عشرٌ ملئت رحمة وأجرًا .. وفُضِّلَت بليلة عظيمة القدر هي ليلة القدر, واسمحوا لي اليوم أن أحمل لكم رسائل العشر.

الرسالة الأولى: نحن الآن في السبع الأواخر من رمضان, في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر, فمن كان مُتَحَرِّيها فَليَتحرَّها في السبع الأواخر) وفي صحيح مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التمسوها في العشر الأواخر, فإنْ ضَعُفَ أحدُكُم أو عَجَزَ فلا يُغلَبَنَّ على السبع البواقي).

أيها الصائم.. هاهي السبع الأواخر قد فتحت لك أبوابها, وشهر رمضان لم يبق منه إلا القليل .. بقيت أيامٌ معدوداتٌ من أيامٍ معدودات..

  ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)

قال الشافعي رحمه الله: اَستَحِبُ أن يكون اجتهادُهُ في نهارها كاجتهاده في ليلها, قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وهذا يقتضي استحباب الإجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره والله أعلم.

كم اشتاق الصالحون لأسحار العشر العظيمة ..

رياحُ هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين, وأنفاس المحبين, وقصص التائبين.

أعلمتمو أن النسيمَ إذا سرى *** حَمَلَ الحديثَ إلى الحبيبِ كما جرى

جَهِلَ الحبيبُ بأنني في حُبِّهِم *** سَهَرُ الدجى عندي أَلذُ من الكرى

يا يعقوب الهجر.. قد هَبَّت ريحُ يوسفَ الوَصْل, فلو استَنشَقْتَ لَعُدتَ بعد العمى بصيرًا, ولوجدت ما كنت لفقده فقيرًا.

لو قام المذنبون في هذه الأسحار, على أقدام الإنكسار, ورفعوا قصص الإعتذار, مضمونها: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}, لبرز لهم التوقيع عليها: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

أشكو إلى الله كما قد شكى *** أولاد يعقوبَ إلى يوسفِ

قد مسني الضرُّ وأنت الذي *** تَعلَمُ حالي وترى موقفي

بضاعتي المزجاةُ محتاجةٌ *** إلى سماحٍ من كريمِ وفي

فقد أتى المسكين مستمطرًا *** جودك فارحم ذله واعطفِ

فاوف كيلي وتصدق على *** هذا المقلِّ البائسِ الأضعفِ

الرسالة الثانية: إن الله تعالى قد شرع لنا في ختام هذا الشهر عبادات جليلة نزداد بها إيماننا، وتَكملُ بها عباداتنا، وتتمُ بها علينا نعمة ربنا, شرع لنا ربنا في ختام هذا الشهر زكاة الفطر وهي صاع من طعام, أي صاع من البر أو الرز أو التمر أو غيرها من قوت الآدميين، وهو ما يقارب ثلاثة كيلو جرامات, قال أبو سعيد رضي الله عنه: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من طعام، وكلما كان الطعام أطيبَ وأنفعَ للفقراء، فهو أفضل وأعظم أجرًا، فطيبوا بها نفسًا، وأَخرِجوها من أطيب ما تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وهي ولله الحمد قدر بسيط لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب مع أنه الأفضل عند الله.

ويجوز للإنسان أن يوزع الفطرة الواحدة على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَدَّر الفطرة بصاع، ولم يبين قدر من يعطى، فدل على أن الأمر واسع.

وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين, على الصغير والكبير, والذكر والأنثى، فأخرجوها عن أنفسكم، وعمن تنفقون عليه من الزوجات والأولاد والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في البطن، فإن أُخرج عنه فهو خير، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

 والأفضل إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا تجزئ بعد صلاة العيد, إلا إذا كان الإنسان جاهلاً فهذا تجزئه بعد الصلاة، ولا يجزئ دفع زكاة الفطر إلا للفقراء خاصة.

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا, وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا, واجعلنا من عتقائك من النار.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ.. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ما زلنا مع رسائل العشر الأواخر.. والرسالةُ الثالثة منها تقول: رحمة الله واسعة .. ومن فَرَّطَ فيما مضى ففيما بقي فرصة ..

أيها المُفرِّط ــ وكلنا كذلك ــ أما آن لك أن تتعرض لنفحات الشهر الكريم, أما يكفي التسويف والتفريط؟

أتضمن بقاءك إلى رمضان القادم؟ بل أتضمن إتمامك لهذا الشهر؟ بل أتضمن بقاءك حتى تأخذ نَفَسًا آخر غير الذي خرج منك الآن؟

التوبة إلى الله من خير الأعمال الصالحة في هذه العشر.. قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقتُ ليلةَ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).

كان بعض المتقدمين يقول في دعائه: "اللهم إن ذنوبي قد عَظُمت, فَجَلَّتْ عن الصِفَةِ, وإنها صغيرة في جَنْبِ عفوك, فاعف عني" وقال آخر منهم: "جُرمي عظيمٌ, وعَفْوُكَ كثير, فاجمع بين جُرمي وعفوك يا كريم.

يا كبير الذنب عفو *** الله من ذنبك أكبر

أكبرُ الأوزارِ في *** جَنْبِ عفوِ اللهِ يَصغُر

قال ابن رجب: "وإنما أَمَر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الإجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً, فيَرجعون إلى سؤال العفو كحال المُذنب المُقصر, قال يحيى بن معاذ: "ليس بِعَارِفٍ من لم يكن غايةُ أَمَلِهِ من الله العفو".

يا ربِ عبدُكَ قد أتا *** ك وقد أساءَ وقد هفا

يكفيه مِنكَ حَياؤُهُ *** مِن سوءِ ما قد أَسلَفا

حَمَلَ الذنوب على الذنو *** بِ الموبقاتِ وأَسرفا

وقد استجار بِذَيلِ عَفو *** كَ مِنْ عِقابِكَ مُلحِفا

ربِّ اعفُ عَنْهُ وعَافِهِ *** فَلَأَنْتَ أولى من عَفَا

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

العشر-23-9-1439

العشر-23-9-1439

المشاهدات 1508 | التعليقات 0