رسائل الجوال
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره، وعلم مورد كل مخلوق ومصدره، وأثبت في أم الكتاب ما أراده وسطره، فلا مؤخر لما قدمه، ولا مقدم لما أخره، ولا ناصر لمن خذله، ولا خاذل لمن نصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرد بالملك والبقاء، والعزة والكبرياء، الحي القيوم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أوضح سبيل الهداية ونوَّره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام البررة، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بلغ القمر بدره وسرره ، وسلم تسليما كثيرًا.
إخوة الإيمان والعقيدة ... المخرج إذا ضاقت الأمور، وخيف المحذور، والحصن من الشرور، تقوى الرحيم الغفور( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )
عباد الله ... كم لله من نعمة نتفيأ ظلالها، ونتقلب في أعطافها، لا سيما في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه وسائل الراحة، وتنوعت فيه الملذات، وتسارعت فيه التقنيات لا سيما في مجال الاتصالات إذ شهدت تطوراً عجيبًا، وتسابقاً غريبًا.
وإن هذه التقنيات وتفاصيلها المبهرة هي قطرة من علم الله عز وجل الذي تفضل به سبحانه على البشر، وصدق الله ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ).
ومن أشهر تقنيات الاتصال في زماننا تقنية الهاتف الجوال ، الذي أصبح مشاعاً في أيدي الناس الصغير والكبير، الرجال والنساء، فكان لأناس نعمة وآخرون نقمة، يحصل به التواصل وبه التقاطع ، وبه نشر الخير ، وبه بث الشر ، أفرح وأحزن ، وأضحك وأبكى ، دل على طاعات ، وأوقع في سيئات. لذا كان الحديث عنه مهماً، والتنبيه حوله ملحاً، ولكن حديثنا هذه الساعة عن خدمة الرسائل في الجوال .
عباد الله .. إن لرسائل الجوال آداب شملها الإسلام بأصوله الشرعية وقواعده المرعية، التي تحكم تصرفات الناس الفعلية والقولية.
فيجب مراعاة أدب الرسائل، فلا يُــرسل المرسلُ إلا الجميل النافع ، فإذا أراد أن يرسل رسالة فلتكن جميلة معبرة أومُبَشِّرة، أو مُعَزِّية، أو مسلية، أو أن تكون مشتملة على ذكرى، أو حكمة، أو موعظة، نحو ذلك.
ويلزم التثبت من الأخبار والأحكام قبل الإرسال، وليستحضر المُرْسِل أن رسالته ربما تدوالتها الأيدي، وانتشرت في الآفاق؛ فله غنمها وعليه غرمها؛ وإياه ثم إياه من الكذب فيها فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ ( رأيت الليلة رجلين أتياني قالا لي الذي رأيته يشق شدقه، فكذاب يكذب الكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة ) رواه البخاري .
ولذا كم نشر من خبر مكذوب فيه ترويع للمسلمين وإفزاع لهم ، بالإخبار عن أمراض معدية أو معتدين أو غيرهم، وناقلها قد تكون نيته حسنة في نقل هذه الرسالة من باب التحذير وهو في الحقيقة ترويع بأمر كذب ودجل.
وكم نشرت من بدعة وروج لها، بل وتوعد من لم ينشرها بالخسارة الكبيرة، ومنهم من يُحَرِّج عليك كأن يقول أمانة في عنقك إلى يوم القيامة بأن ترسل الرسالة إلى عشرة أو أكثر أو أقل. وكم جاءت الرسائل بأحاديث مكذوبة أو ضعيفة لا تثبت عن النبي ﷺ أرسلها المئات والعشرات بنية الفضل والثواب، إلا أنهم أخطأوا وأخطأوا .. إذ لم يتثبتوا من صحة الحديث.
وكم جاءت الرسائل بأدعية لا تجوز شرعًا، كقول أحدهم أسأل الله أن يرزقك صبر أيوب، وغنى سليمان ، وجمال يوسف ...يا سبحان الله ومن سيكون مثل الأنبياء ، ألم يدع سليمان ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) أو أدعية مخصوصة لم ترد في الشرع ...
عباد الله ... ومما ينبغي الحذر منه: من استعمال الهاتف المحمول في الظروف التي يمكن أن يتسبب استعماله فيها ضرراً كبيراً ، كاستخدامه حال قيادة السيارة مثلاً، فكم من الحوادثِ حصلت، والأنفسِ أُزهقت بسبب رسالةٍ نصية لم يجدِ البعضُ فرصةً لكتابتها إلا في حال قيادة السيارة.
ومما يُؤسف له إشاعة الفواحش بين المؤمنين عن طريق الرسائل المتنوعة، مقاطع السوء المحرمة والصور الفاضحة تناقلتها الأجهزة، وأصحابها ناسين أو متناسين ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) فليعلم من يرسل عبر جهازه ما يهتك الأستار، ويثير الفتن ويُشيع الفاحشة فيتناقلها من في قلبه مرض ، اعلم أن أوزار الناظرين كلها تعود على المُرسِل يوم القيامة إن لم يتب إلى الله تعالى، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) وقال الرسول ﷺ ( وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) ويالله كم من حي سيغدوا إلى قبره يومًا ، وفوق الأرض سوءه الذي نشره وأرسله وبثه، تأتيه حسراتها في قبره، ويوم نشره.
إن على المسلم إذا وصلت إليه رسالة لا تليق أن يبادر في الإنكار على صاحبه بالرفق واللين؛ ففي هذا إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه تواصٍ بالحق، وتنبيهٌ على الخطأ، وتعليم للجاهل إذا كان المرسل لا يفقه ما أرسل. كما يحسن بالإنسان أن يبادر إلى مسح الرسالة السيئة؛ حتى يسلم من الحرج إذا ضاع جواله، أو نسيه في مكان ما، أو وقع في يد غيره.
أقول قولي هذا ولي ولكم أستغفر الله فاستغفروه إنه كان غفارا .
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أصحابه وإخوانه .
معاشر المؤمنين ... من آفات الرسائل التندر والسخرية ووضع النكت على الأقوام والبلدان والقبائل ، قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وهذه النكت جلُّها قائمٌ على الكذب، وقد قال ﷺ ( ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) وقد يغتاب بها المرسل أو الكاتب قبيلة بأكملها فما أثقل الوزر ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) .
إخوة الإسلام ... إن كانت الرسائل كلفتها قليلة أو مجانية، فتذكر أنها ليست مجانية في حساب الله ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) .
إن الكلمات التي تكتيب وتنقل وتذكر ، وتسري في الناس وتنشر ، إنها عند الله في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )
اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمْنَنَا وَاحْرُسْ بِلَادَنَا وَاكْفِنَا شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ, وَاحْمِنَا مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَا قَوِيُّ يَا جَبَّارُ, اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ, الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ