رحمة الله
غازي بن طامي بن حماد الحكمي
رحمة الله
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الحمد لله . الحمد لله الذي استأنس بذكره المخلصون ، ولهج بمحبته الصادقون ، وفرح بحسن بلائه الراضون .وأشهد أن لا إله إلا الله ، [ لا يقبل من الأعمال إلا ما خلصت فيه النيات ] ، وأشهد أن محمدا عبده الذي اصطفاه ، ورسوله الذي اجتباه ، وصفيه الذي اختاره وحباه ، الذي هدى به السبيل الأقوم ، وبين الطريق الأعدل الأحكم ، وشدّ به عرى الدين فاستحكم .صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، صلاة تستنزل غيث الرحمة من سحابه ، وتحل صاحبها من الرضوان أوسع رحابه ، وسلم تسليما ، وزاده شرفا وتعظيما .
أما بعد عباد الله
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، تدرّعوا بها شدةً ورخاءً، سرَّاءً وضراءً، واعمروا بها أوقاتكم صباحًا ومساءً، فبها تُدفع المحنُ والبلايا، والفتن والرزايا، وبها تُبوَّأ الجنانُ عاقبةً وجزاءً .
} وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يأُوْلِي ٱلألْبَٰبِ {
أيها المؤمون
أسماءُ الله جلّ وعلا وصفاتُه تعالى أسماءُ وصفاتُ كمال، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { .
كل أسمائه كمال، وكل صفاته صفاتُ كمال لائقة بجلاله
وعظمته.
فمن صفاته جلّ وعلا صفة الرحمة ، فالرحمة صفة من صفات ربنا جلّ وعلا ، وهي بجلاله : } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ { هذه الرحمة التي اتصف اللهُ بها جلّ وعلا رحمة عامة لكل الخلق، فمن كمال رحمته أنه أوجد الخلق على أحسن صورة: } لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ { ، و قال تعالى } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً { .
ومن رحمته أنْ تكفّل برزق عباده ، فلم يَكِل أحدًا إلى أحد ، وإنما تكفّل برزق الجميع ، فلا الأولاد وُكِلُوا لآبائهم ، ولا الآباء لأولادهم ، بل الجميع تحت فضله وكرمه وإحسانه: } وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ { ، و قال تعالى } وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ { .
فرحمته سبحانه وتعالى بعباده تتجلى في ابتداء الوجود والخلق ، وفي نشأة خلقه وتكوينهم ، وإعطائهم الاستعداد الكامل للحياة في تسخير الله سبحانه وتعالى لهم كثيراً مما قدره لهم.
قال تعالى: } وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار{ ، وتتجلى كذلك في رعايته لعباده وحفظه وكلاءته لهم كما قال تعالى: } قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون { .
ومن رحمته بنا أن بعث فينا سيدَ الأولين والآخرين ، وإمامَ المتقين محمدَ بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، فرسالته رحمةٌ لعموم العالمين ، والكتاب الذي أَنزَل عليه نذيرٌ للعالمين قال تعالى } تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا { .
و قال تعالى } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ { ، فَرَحِم الله البشرية كلها بمبعث هذا النبي الكريم الذي جعل الله رسالته رسالة عامة لكل الثَّقَلَين منذ بُعِث إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، قال تعالى } قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا { .
وبرحمته أرسل الرسل وأنزل الكتب ، ويسر على عباده وبعث فيهم محمدًا r } فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ { علمنا من الجهالة وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرّفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا.
ومن رحمة الله بالعباد هذه الشريعة الكاملة في مبادئها ونُظُمِها وقِيَمها وأخلاقها ، فهي شريعة كاملة شاملة صالحة ومُصْلِحة لكل زمان و لكل جيل من الناس قال تعالى } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا { . فرحمنا الله بهذه الشريعة التي وضع الله فيها الآصَارَ والأغلالَ التي كانت على من قبلنا ، يقول الله في وصف نبيه : } وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ { فهي شريعة مبنيّة على اليُسر والتسهيل: } يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ { .
أيها المسلم
إن رحمة الله رحمة واسعة ، رحمة شاملة ، رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ، ورحمة لغير المؤمن في الدنيا ، يتمتّع فيها بالملذّات ولا نصيب له في الآخرة ، أما المؤمن فرحمة الله عليه في الدنيا والآخرة: } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ { .
والله برحمته نشر هذه الرحمة بين عباده كما قال رَسُولَ r (( جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَه )) متفق عليه من حديث أبي هريرة t .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ r سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِي r (( أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) رواه البخاري.
لذلك يقول رَسُولَ اللَّهِ r (( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة t .
ومن صور رحمة الحق سبحانه : رحمته في التشريع قال تعالى } ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ { .
و رحمته في الطهارة والوضوء ما روي عن عمرو بن العاص t ، حيث قال [ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ } وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا { فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا . رواه أبو داود و صححه الألباني .
و رحمته في الصلاة قوله r لعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ t لما كَانَتْ بِه بَوَاسِيرُ ((صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)) رواه أحمد و صححه الألباني .
و رحمته في الصيام: } ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ {.
و رحمته وفي الحج: } ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ { .
أما رحمته في الآخرة عباد الله فحدث ولا حرج ، فمن رحمته جل وعلا يوم القيامة بعباده ما رواه أبو ذر t قال: قال رسول الله r (( إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ , وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا, رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا , فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ , فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا ، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا, فَيَقُولُ : نَعَمْ, لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِر ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ , فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً , فَيَقُولُ: رَبِّ ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لا أَرَاهَا هَا هُنَا )) فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ . رواه مسلم.
و من رحمته في يوم القيامة ما دل عليه قول النبي r (( إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t .
ومن رحمته جل وعلا بعباده يوم القيامة أيضا ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله r يَقُولُ (( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ } هؤلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ { )) متفق عليه .
و يبين الله سبحانه على لسان نبيه r أنه قال (( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ )) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t .
والناس نيام ، وهو الغني عنهم ، يناديهم هل من مستغفر فأغفر له ، يا لها من رحمة عظيمة .
كل هذا ليملأ عباد الله في نفس المؤمن الطمأنينة إلى رحمة الله ، والتي تملأ القلب بالثبات والصبر ، وبالرجاء والأمل ، والتي تحرك في حس المؤمن الحياء من الله .
وأعظم رحماته سبحانه يوم القيامة بعد صفته جنته ، تلكم الجنة التي وعد الله المتقين ، سلوة الصالحين وقرة عين الفالحين ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلوب العالمين } فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه حتى تنالوا رحمته ، إنه هو الغفور الرحيم.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
عباد الله
أوسعُ صفاته جل وعلا رحمته ، وأوسع المخلوقات عرشه ، فلما استوى على عرشه كتب على نفسه يوم استوائه على عرشه كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ : إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي .
فمن رحمة الله تعالى أنه نادى أهل الإيمان وأخبرهم أن لو أسلم الكفار الذين قاتلوكم ونكلوا بكم فخلُّوا سبيلهم واعتبروهم إخوانكم ، بعد كل ما عملوا لو عادوا إلى الله لقبل منهم ، قال تعالى } قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {، وقال تعالى: } فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ { ، فكيف بالمسلم لو عاد إلى الله وتاب إليه واستغفره من ذنوبه؟!
أيها المؤمنون
لقد أمر الله عز وجل نبيه محمدا r أن يخبر أنفسهم ، ناداهم نداءً خاصا مرغبًا عباده بأن لا يقنطوا من رحمته ، فقال تعالى} قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ {.
فخاطبهم ربهم بـ( يا عبادي ) تأليفًا لقلوبهم وتأنيسًا لأرواحهم .
عباد الله
إن كثيرا من الناس لم يفهموا معنى رحمة الله ، فلذلك تمادوا في المعاصي بحجة أن الله سيغفر الذنوب ، وما علموا بأن الله جل وعلا قد اشترط لنيل رحمته قائلا } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ { .
هذه رحمة الله ، وهذا هو عفو الله .
فيجب علينا الطاعة والاستجابة لأمره والإتيان بالأسباب التي ننالُ بها رحمة الله عز وجل ، فلا تضع موانع تصدك عن الدخول في رحمته ، فلا أحد أرحم منه جل وعلا ، فمن يرزقنا غير الله ؟! ومن يعطينا غير الله ؟! والكل لا محالة راجع إليه ، فلنتب إلى الله , ولنتذلل بين يديه ، فإنه لا يرد أحدا .
نستغفرك ونتوب إليك ، فما قدرناك حق قدرك ، وما عبدناك حق عبادتك ، جل جلالك وعظم سلطانك وكثرت علينا آلاؤك ، فاللهم أرجعنا إليك مخبتين فنحن عبيدك المقصرون ، الذين في رحمتك راغبون .
هذا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدَى ، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ .
إني لأرجـو من يمـينـك شربـةً
و بدار عدنٍ في جوارك منزلا
صلى عليك الله يا علم الهدى
ما هل مزن أو تراكم مقبلا
اللّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد ، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاءِ الأربعة الرّاشدين...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .....
اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه .
اللهم لك أسلمنا ، وعليك توكلنا ، وبك آمنا ، وإليك أنبنا , وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا , فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا , وما أسررنا وما أعلنا , أنت المقدم وأنت المؤخر , لا إله إلا أنت
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .
اللهم ارحم موتانا وأشف مرضانا وتولى أمرنا وأهدي شبابنا .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .
اللهم اقبل توبتنا و اغسل حوبتنا و اسلل سخائم قلوبنا .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1735413281_رحمة الله ملتقى الخطباء.doc
1735413291_رحمة الله ملتقى الخطباء.pdf