رِحْلَةُ الْحَجّ 5 ــ 12 ــ 1444هـ

عبدالعزيز بن محمد
1444/12/03 - 2023/06/21 18:17PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

·          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

·          (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

·          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: أَذانٌ صَدَحَ في مَكَّةَ.. جَلْجَلَ في أَقطارِ الأَرْضِ صَوْتُه، وامْتَدَّ عَبْرَ القُرونٍ مَدَاه. أَذَانٌ.. هَتَفِ بِهِ نَبِيُّ اللهِ إِبراهِيْمُ عليه السلامُ. مُمْتَثِلاً أَمْرَ الله لَه {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..}

أَذَانٌ بِالحَجِّ.. دَعْوَةٌ دَعا بِها نَبِيُّ اللهِ إِبراهِيمُ عليه السلامُ ودَعا بِها مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدٌ صَلى الله عليه وسلم فَمازَلَتْ الدَّعْوَةُ قَائِمَةً.. لَها في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ اسْتِجابَةٌ، ولَها في أَفْئِدَةِ المُوَحِدِيْنَ جَلال. {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} يَأَتُوكَ مُشاةً عَلى أَرْجُلِهِم {وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ}  عَلى كُلِّ راحِلَةٍ أَضْمَرَها وأَهْزَلَها وأَجهَدَها طُولُ المَسِيْرِ{يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} يَقْدُمْنَ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بَعِيد.. في مُقاوَمَةٍ للشَّدَائِدِ ومُكابَدَةٍ للأَسْفَار. وَبَذلٍ لِلنَّفِيْسِ وتَخَطٍّ للأَخطار. تَلْبِيةً للدَّعْوَةِ، واسْتِجابَةً للنِّداءَ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}

وأَكْرَمُ مَنْ حَجَّ بَيتَ اللهِ الحَرامْ.. مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ مِن المَدِينَةِ حاجّاً في رَكْبٍ مَهِيْب.  خَرَجَ..  وخَرَجَ مَعَهُ أُمَمٌ مِن المؤْمِنِينَ، قالَ جابِرٌ رضي الله عنه :(مَكَثَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ،  ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ) رواه مسلم  (كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ) فَما العِبادَةُ.. إِلا اهتِداءٌ واقْتِدَاءٌ واتِّباع.  ما العِبادَةُ افْتِياتٌ واختْراعٌ وابْتِدَاع.  العِبَادَةُ لُزُومٌ لِهَديٍ جَاءَ بِهِ الرَّسُول، مِنْ مِشْكاةِ الوَحِيِّ تُتْلَى دَلائِلُها. فَلا سَبِيْلَ للرأَيِ فِيها، ولا سَبِيْلَ فيها لِلْعُقُول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا* وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} * خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حَاجّاً.. وأَكْرِمْ بِمَوكِبٍ كَانَ قَائِدُهُ الرَّسُول. في كُلِّ مَوقِفٍ إِليهِ الناسُ تَرْنُو، وفي كُلِّ مَشْهِدٍ بِه الناسُ تَقْتَدِي، وفي كُل نازِلَةٍ عليهِ الوَحيُ يَنْزِل، وفي كُلِّ مَقامٍ كانَ للناسِ يَقُول: (خُذُوا عَنَّيْ مَناسِكَكُم) اقْتَدوا بِي في أَعمالِكُم.  وفي يَومِ النَّحرِ.. رَمَى الجَمْرَةَ وهُوَ على راحِلَتِهِ وهُوَ يَقُوْل:(لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) رواهُ مُسْلِم

* في رِحْلَةِ الحَجِّ.. تَتَجَلَّى صُوَرٌ مِنَ العُبُودِيةِ.. تَخْشَعُ أَمَامَ هَيْبَتِها القُلُوب، اسْتِسْلامٌ للهِ وانْقِياد، وذُلٌّ للهِ وتَعظِيْم، وتَلْبِيَةٌ لله وتَكْبِيْر.  تَنْفَصِلُ النُفُوسُ ــ في الحَجِّ ــ عَنْ أَهوائِها، وتَنْسَلِخُ فِيهِ عَن مَطَامِعِها وشَهَواتِها.  تُقْبِلُ النُّفُوسُ في الحَجِّ عَلى عَمَلِ الصَّالحاتِ.. فلا تَنْثَنِي أَمامَ مَشَقَّةٍ، ولا تَسْتَكِيْنُ أَمامَ تَعَبْ، تَسْتَلِذُّ في سَبِيْلِ اللهِ كُلَّ عَمَل، وتَسْتَلِيْنُ في سَبِيْلِ الله كُلَّ جُهْد، وتَسْتَرْخِصُ في سَبِيْلِ اللهِ كُلَّ نَفِيْس. 

ومَنْ كانَ اللهُ غَايَتُه.. تَخَطَى الشَّدَائِدَ بِرِضا. وتَجاوزَ المَصاعِبَ بارْتِياح. فالثَّمَنْ عِنْدَ اللهِ جَنَّة، والثَمَنْ عِنَدَ اللهِ نَعِيْم.

رِحْلَةُ الحَجِّ.. رِحْلَةٌ على مَرِّ العُصُورِ كانَتْ مُضْنِيَةٌ، مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم في طَرِيِقِهِ إِلى الحجِّ تِسعةَ أَيامٍ بَينَ مَكةَ والمدينةِ.. لَمْ يَقْطَعْها عَلى أَرْفَهِ المَرَاكِبِ ولا عَلَى أَفْخَمِ الطَّائِراتِ، ولا عَلى أَسْرَعِ الوَسائِلِ ولا على أَحْدَثِ القِطَارات. بَلْ على الرَّواحِلِ والأَقْدام كان مَسِيْرُهُم، يُؤْلِمُهُم في الصَّحْراءِ لَهِيْبُ الحَرِّ، ويُؤْذِيْهِم في القَائِلَةِ لَفحُ السَّمُوم، ويُسْئِمُهُم في المَسِيْرِ طُولُ الطَرِيقْ.   

كَذا كانَ مَسِيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إِلى الحَجِّ. وكَذا كانَ مَسِيْرُ الأَنْبِياءِ الأَولِينَ قَبْلَه.. قَال ابنُ عباسٍ رضي الله عنه: كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين مكَّةَ وَالمدِيْنَةِ فَمَرَّ بِوَادِيْ الأَزْرَقِ، فَقَالَ: (أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوْا: هَذَا وَادِيْ الأَزْرَقِ، قَالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى مُوسَى عليه السَّلامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤارٌ إِلى اللهِ بالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَىَ، فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِه؟ قَالُوْا: ثَنِيَّةُ هَرْشَىَ، قالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى يُونُسَ بنِ مَتَّى عليه السَّلامُ علَى ناقَةٍ حَمْراءَ جَعْدَةٍ عليه جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، خِطامُ ناقَتِهِ خُلْبَةٌ وهو يُلَبِّي) رواه مسلم

رَحْلَةُ الحَجِّ.. رِحْلَةُ عُبُودِيةٍ للهِ خالِصَةٍ.. فالدِّينُ دِيْنُه، والشَّرعُ شَرْعُه، والأَمْرُ أَمْرُه.. والعِبادُ بأَمْرِهِ يأَتَمِرُون. 

* عِندَ الإِحرامِ.. خَلَعَ الحُجَّاجُ أَكْسِيَةَ الفَخرِ، ونَزَعُوا ألْبِسَةَ التَّمايُز. فَما هُو إِلا الإِزارُ والرِّداء، لِيَتَساوَى في مَواقِفِ الافْتِقارِ.. غَنِيُّهُم وفَقِيْرُهُم، ومَأَمُورُهُم وأَمِيْرُهُم، وكَبِيْرُهُم وصَغِيْرُهُم. الكُلُّ مِنْهُمْ إِلى اللهِ مُفْتَقِر، والكُلُّ مِنْهُمْ إِلى اللهِ مُنِيْب.  

* يُهِلُّ الحاجُّ مُلَبِياً بالتَّوْحِيْدِ (لَبَيْكَ اللهُمَّ لَبَيْكَ، لَبَيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيْكَ لَك)  تَلْبِيَةً.. يَفْقَهُ مَعْناها.. ويَعْمَلُ بِمُقْتَضَاها.  (لَبَّيْكَ): جِئْتُكَ أَرْجُو مِنْكَ مَغْفِرَةً. (لَبَّيْكَ) وَحْدَكَ أَنْتَ الواحِدُ الصَّمَد. ]لَبَّيْكَ قَدْ لَبَّيْتُ لَك، لَبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ لَك، والمُلْكَ لا شَرِيْكَ لَك، ما خَابَ عَبْدٌ أَمَّلَك، أَنْتَ لَهُ حَيْثُ سَلَك،  لَوْلاكَ يَا رَبِّي هَلَك، لَبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ لَك، لَبَيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ[

* الحَجّ.. أَعْظَمُ المَقَاصِدِ فِيهِ تَحْقِيْقُ التَوحِيدِ وإِظْهارُ الاسْتِجابَة لله. وخَلْعُ الشِّرْكَ وإِظْهارُ البراءَةِ ممن كَفَر،  لِذا.. كانَ الحَجُّ للإِسْلامِ رُكْنٌ، وكانَ الحَجُّ لِلتَّوْحِيْدِ شِعَار {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} إِعْلانٌ وإِعْلامٌ.. بِبَراءَةِ اللهِ ورَسوْلِهِ من المُشْركِين.  والمُؤْمِنُونَ إِلى يَومِ القِيامَةِ.. يَتَبَرَّؤُونَ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمُ اللهُ ورَسُولُه، فَلا يُوالُونَ إِلا مَنْ والَى اللهُ، ولا يُحِبُّونَ إِلا مَنْ أَحَبَّ اللهُ.  تَنْفِرُ قُلُوبُهُم مِنْ كُلِّ كافِرٍ جَحَدَّ حَقَّ اللهِ في الوَحْدانِيةِ.  وتَشْمَئِزُّ قُلُوبُهُم مَنْ كُلِّ كافِرٍ جَعَلَ للهِ نِدّا.  فَلا يُعْجَبُونَ بِكافِرٍ.. وإِنْ مَلأَ الدُّنْيا شُهْرَةً، ولا يَتَشَبَهُونَ بِكافِرٍ.. وإِنْ في فَضاءِ الزَيْفِ لَمَعْ {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ  لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} بارك الله لي ولكم..

 

الخُطبة الثانية:
 

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ وليُ الصالحينَ وأَشْهَدُ أَن محمداً رسولُ رب العالمين، صلى الله عليه وعَلَى آلِهِ وأَصحابِهِ أَجْمَعين وسلم تسليماً أَما بعد: فاتقوا الله لعلكم ترحمون

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: في الحَجِّ.. في أَرْضِ (المَشَاعِرِ) لِلْمَشَاعِرِ هَزَّةٌ. ضَجَّ الحَجِيْجُ هُناكَ بالتَّكْبِيْرِ.  أَفْواجُ الحَجِيْجِ.. وهُمْ يَطُوفُونَ بالبَيْتِ، وجُمُوعُهُم وهُم وُقُوفٌ بعَرَفاتٍ. وانْتِشارُهُم عَلى أَرْضِ المُزْدَلِفَة، وازِدِحَامُهُم عندَ رَمي الجَمَرات. مَشاهِدُ تَمْلأُ القَلْبَ رِقَّةً وخُشوعا.

وأَعظَمُ المَشاهِدِ في الحَجِّ.. وقُوفُ الحُجَّاجِ في عَرَفَات.. حِينَ يَرْفَعُونَ إِلى اللهِ مَطَالِبَهُم، ويَبْسُطُونَ لَهُ حَوائِجَهُم، ويَبْتِهِلُونَ إِلَيهِ بالدَّعَوات..  فَتَخْتَلِطُ مِنْهُم العِبارَاتُ بالعَبَرات. وتَتَحَشْرَجُ الصُدُورُ خَشَوعاً بِطُولِ المُناجاةِ.

هُناكَ.. لا تَسَلْ عَن كَرَمٍ جادَ بِه الكَرِيْم، ولا تَسَلْ عَن عَطاءٍ أَفاضَ بِه الرحِيم.  عَنْ عائِشَةَ رَضيَ اللهُ عنها أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) رواه مسلم.  (ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ) هُو أَعْلَمُ سُبْحانَهُ بِمُرَادِهِم، ولِكِّنَّه سُؤَالُ مَنْ سَيَجُوْدُ عَلَيْهِم بوافِرِ العَطاءَ.   يَدْنُو تَعالَى دُنُوَّاً يَلِيْقُ بِجَلالِه وهُو العَلِي، ويُباهِيْ بأَهلِ المَوقِفِ مَلائِكَتَهُ.. وهُو الغَنِي. (عِبَادِيْ جَاءُوْنِيْ شُعْثًا غُبرًا) أَتَوْ مُلَبِّيْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ.. مُسْتَجِيْبِينَ للدعوةِ مِنْ كُلِّ صَوْب.  وحَقُّ المُلَبِيْ للهِ بالتَوحِيدِ أَنْ يُكْرَم. واللهُ أَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ وأَرْحَمُ الراحمين.  فَطُوبَى لِمَنْ للهِ أَخْلَصَ، وطُوبَى لِمَن بِعَرَفاتَ وَقَف.

* ثُمَّ يُفِيْضُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ في ذَلِكَ اليومِ على المؤمنينَ في سائرِ الأَمْصَار.. فَيُنِيْلُهُم مِنْ عَفْوِهِ ومَغْفِرَتِه ورَحْمَتِهِ.. ما يَمْحُو بِه ذُنُوْبَهُم، ويَسْتُرُ بِهِ عُيُوْبَهُم، ويُعتِقُهُم بِهِ مِن النار.  لِذا شُرِعَ للمُؤْمِنِينَ في شَتَّى الأَمصارِ أَنْ يَصُومُوا يَومَ عَرَفةَ، فَعَنْ أَبِيْ قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: (يُكفِّر السَّنَةَ الماضِيَةَ وَالبَاقِيَة) رواه مسلم  قال ابن رجب رحمه الله : (وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَومُ العِتْقِ مِنَ النارِ، فَيُعْتِقُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَم يَقِفْ بها مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ مِنَ المسلمين؛ فَلِذَلكَ صَارَ اليومُ الذي يَلِيْهِ عِيداً لجميعِ المسلمينَ في جَميعِ أَمْصارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ الموسمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لم يَشْهَدْه، لاشْتِراكِهِمْ فِيْ العِتْقِ والمغْفِرَةِ يَومَ عَرَفَة( ا.هـ   

فَحَرِيٌّ بالمؤْمِنِ أَنْ يَتَعَرَّضَ في يَومِ عَرَفَةَ لمغفرةِ اللهِ وعِتْقِهِ.. وأَنْ يَتَحَبَّبَ إِلى اللهِ بِصَالحِ العَمَل، وَأَن يَتَزَلَّفَ إليهِ بِحُسْنِ العِبَادَةِ، وأَن يَبْتَهِلَ إِليهِ بِخَالِصِ الدعاءِ، وأَنْ لا يَزْهَدَ في فَضْلٍ أَحَلَّهُ اللهُ بِساحَتِه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

* ويَومُ النَحْرِ.. هُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، مِن أَعظَمِ أَيامِ الدُّنْيا، فِيْهِ يَقْضِيْ الحُجَّاجُ مُعْظَمَ أَعْمَالِ حَجِّهِم.. رَميٌ للْجَمْرَةِ وذَبحٌ لِلْهَدِي، وحَلقٌ أَو تقصيرٌ.. وطَوافُ بالبيتِ وسَعِي.   وهُوَ يَومُ العِيد.. للمُسْلِمِيْنَ فيهِ في سائِرِ الأَقْطارِ صَلاةٌ تُشْهَد. ودَعْوَةٌ تُسْتَجابْ. يُنْدَبُ المسْلِمُونَ جَميعاً إِلى صلاةِ العيدِ رِجالاً ونِساءً، كِباراً وصِغاراً.

* والأُضحيةُ من آكَدِ السُّنَنِ.. يَبْدأُ وَقْتُ ذَبْحها من بَعدِ صلاةِ العيد.. ولا يَصَحُّ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ قَبْلَ الصَّلاة. وقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم:  يَومَ العيدِ فَقالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، ومَن لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ باسْمِ اللَّهِ( روه البخاري 

رَبنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..

المرفقات

1687360662_رِحْلَةُ الحج 5 ــ 12 ــ 1444هـ.docx

المشاهدات 831 | التعليقات 0