رجل من أهل الجنة..!

HAMZAH HAMZAH
1440/07/17 - 2019/03/24 09:41AM

رجل من أهل الجنة..!

د. حمزة بن فايع الفتحي

١٢/٢/١٤٢٥هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ....

أيها الإخوة الكرام : أراد نبينا  ذات مرة أن يشيد بعمل يحط معه صاحبه رحله في الجنة ، وإن قلت الطاعات، ونقصت الأوراد ، فقال عليه الصلاة والسلام كما عند أحمد والطبراني (يطلع عليكم اليوم رجلٌ من أهل الجنة ، فيطلع رجل من الأنصار  قد تعلق نعليه بشماله ، ولحيته تقطُر من وضوئه ، وفي اليوم الثاني قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل بنفس الصفة السابقة، وفي اليوم الثالث قال يطلع عليكم اليوم رجل من أهل الجنة ، فطلع ذلك الرجل).

شدَّ صحابة رسول الله هذا المشهد، فطمعوا لمعرفة آخر الأمر. ولماذا بلغ ذلك الرجل الأنصاري ما بلغ ...

انطلق إليه عبدالله بن عمرو ، وطرق عليه بابه ، وقال يا أخي: إني لاحيُت أبي ، أي اختصمت معه ، فأريد أن تؤويني عندك ثلاث ليال , فأدخله الرجل ، فراقبة ابن عمرو فلم ير عليه كثيرَ صلاة ولا كثير عبادة، إلا  أنه كان إذا تعارَ من الليل ذكر الله .

ويقول : لم أر شيئاً ، حتى كدتُ أحتقر عمله ، وبعد ثلاث، قال للرجل: لم يكن يا أخي بيني وبين أبي خصومة ولا ملاحاة ، لكن ذكرك رسول الله ثلاثَ مرار ( يطلع عليكم اليوم رجل من أهل الجنة)!!

وطلعت أنت الثلاثَ مرار ، فأردت أن أعرف ما الذي سبقت به ، فقال الأنصاري والله يا ابن  أخي  هو ما رأيت !! فلما ولى ابن عمرو  قال : هو ما رأيت، غير أني إذا بت أبيتُ وليس في قلبي غشٌ، ولا أحسد أحدا على خير، أعطاه الله إياه..!

فقال ابن عمرو : هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تُطاق .

وللمسلم المتأمل لهذه القصة وقفات:

الأولى : ما العمل الذي فاز به هذا الرجل ؟! لم يكن كثير الصلاة ولا كثير الصيام، ولا كثير الذك ولكنه كان كثيرَ الصفاء في القلب ! رجل  طاهر وسليم الصدر، لا يحسد، ولا يحقد، ولا يعترض على قضاء الله، إذا سبقه مسلم بعلم، أو بفضل أو مال أو شرف، أو موهبة ، يحمدالله على ما عنده ، ولا يحسد المسلمين على خيراتهم!!

بطهارة القلب سبق الأنصاري القانت ، وسبق العابد ، وسبق الصائم، وسبق الذاكر، وسبق المنفق الجواد . فأشاد به رسول الله على الملأ ، ولم يكن رجلاً معروفاً ....

فتعلموا يا مسلمون: منه هذا العمل، طهارة القلب، تمشي في الحياة مؤمنا طيباً، تحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وتعلم  نفسك القناعة، والرضا بالقدر، ولا تتمنى زوال خير صاحبك ، لأن ذلك اعتراض على قدر الله ، فالله يوزع الأرزاق، ويقسم الأفضال،!!

ألا قل لمن كان لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدبْ

أسأتَ على الله في فعله

لأنك لم ترضَ لي ما وهبْ

فجازاكَ عنه بأن زادني

وسدَّ عليك وجوه الطلبْ

أيها الإخوة : إن الحسد داء خطير من الأدواء الاجتماعية المنتشرة في هذه الحياة.

وليس هو من صفات أهل الإسلام ، وقال  (لا تدابروا ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم  ، كل المسلم على المسلم حرامٌ ، دمُه وماله وعرضه).

وقال  ( دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء وهي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي وهو صحيح .

وعند ابن ماجة عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قيل لرسول الله: أي الناس أفضل ؟ قال ( كل مخمومِ القلب ، صدوق اللسان) قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب؟ قال : هو النقي التقيّ لا إثمَ فيه، ولا بغيَ ولا غل ولا حسد ) .

فاحرصوا عباد الله على وحدة المجتمع المسلم، بالتواصل والمحبة والوئام، ونشر السلام وبذل الخير والندى. قال تعالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). (الحجرات: 10)

وقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً). ( آل عمران : 103)

وعلى المحسود أن يصبر، ولا يقابل ذلك بالإساءة، ولا بالتربص والمكر، بل يمضي بالأذكار ، ويكل أمر إلى الله، فما خلا جسد من حسد ، وعلى من ابتلي بتلك الخصلة الذميمة أن يعالج نفسه كثيرا، وأن يجاهدها ، وأن لا يفتح باباً للشيطان ، بل يدعو لإخوانه بالخير والبركة ، ويسارع إلى الله بالأعمال الصالحة، ويكتم ذلك غاية الكتمان .

قال تعالى (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) وقال (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)

اللهم طهر قلوبنا وتجاوز عن إساءاتنا.......

أقول قولي هذا وأستغفر الله..............

الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين.... 

إخوة الإسلام : كما جذبكم هذا الأنصاري بطيبته وحسن خلقه، لا ريب أنه قد جذبكم حرص ابن عمرو، وتنافسه في الخير، كما هي عادة السلف الكرام .

ما دُعوا لفضيلة إلا ابتدروها، ولا سمعوا بسنة إلا امتثلوها .. حرصاء على الخير، سباقون للمعروف ، مشتاقون للثواب ، غافلون عن هذه الدينا ومترفاتها !!

فأين كثيرون الآن.. يسمعون بالسنن والفضائل ، وأبواب الخير، فلا يفعلون، ولا يبتدرون، ولا يتنافسون !! تنافسهم في الدنيا الفانية ، وحظوظها البالية..! ألم يقل الله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ) سورة آل عمران.الاية رقم 133 وقال (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ). (البقرة: 148).

ووصف من قبلنا : (إنهم كان يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغبا ورهبا) (الأنبياء: 40).

وإنما يتولد الحرص إخواني من تعظيم الشرائع والسنن، ومحبة رسول الله، والرغبة في الثواب، والتطلع للدار الآخرة، والتغافل عن الدنيا، والتعلم من سير الصالحين..!

فما ينبغي أن تذكر الجنان وبعضنا متوسد على أريكته، يحتسي شرابه، غيرَ مبال ولا معتبر...!

وإن حصول مثل ذلك معلم بسيطرة الغفلة علينا، أو قسوة قلوبنا، عافانا الله وإياكم......

وصلوا وسلموا..........

المشاهدات 956 | التعليقات 0