راية شأس بن قيس!!
سامي بن محمد العمر
راية شأس بن قيس
(العنصرية القبلية)
أما بعد:
أما زال فينا من يحمل راية شأس بن قيس؟
مفاخرات تحرك ما سكن، وتبعث الضغائن والإحن.
مفخرات وزلزلة وسيطرة وهيمنة وسلطنة؛ كل ذلك لمن؟ وعلى حساب من؟
أيها الحاملون - من حيث لا تشعرون - راية شأس بن قيس:
أوجدتم في كتاب الله (وجعلناكم شعوبا وقبائل ..) لتفاخروا؟ وتعاظموا؟ وتحاسدوا؟ وتدابروا؟
كلا والله (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
أيها الحاملون راية شأس بن قيس:
لقد ذم الله ورسوله عُبية الجاهلية:
حين كان المرء يتعصب لقبيلته، فلا يرى بأسا في الاعتداء على الاخرين، وإزهاق أرواحهم، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، في كل لحظة سانحة، وفرصة مواتية.
ليقوم الطرف الآخر - غير مكتوفي الأيدي - بالثأر لكرامتهم المهانة، وشرفهم المسلوب،
ولقد كثرت الحروب بينهم كثرة مفزعة، حتى إن نيرانها ما كانت تخبو إلا لتشتعل.
قانونهم الأول في الجاهلية: ومن لا يَظلم الناس يُظلم!
والثاني: انصر أخاك ظالما ومظلوما.
حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله...
فكان من أولوياته بعد تطهير الأرض من درن الشرك والكفر، أن يطهر النفوس والأرواح من أوضار الجاهلية..
وكان مما أوحى الله إليه (ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) هكذا هي الآية الشريفة .. تدل على أسمى المقاصد ،، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)..
وحتى تزول تلك العنجهيات والعنصريات من أذهان الناس،، أخبرهم ربهم أنه قد جعل لهم أصلا واحدا (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
فلِمَ يتعاظم ابن آدم على أخيه؟؟
وفي صحيح مسلم (4/ 2198)، قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)).
أيها الحاملون - من حيث لا تشعرون - راية شأس بن قيس:
إياكم ومناهج الجعلان، تلك الحشرة التي تُدحرج النتن ... فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد ضرب بها المثل لمحيي سنة الجاهلية:
فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبية الجاهلية، وفخرها بالآباء مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعَنَّ رجال فخرَهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» حديث حسن أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي وغيرهم.
عباد الله:
لقد برزت اليوم اجتماعاتٌ في شكل مفاخرات، وقصائدُ في شكل منافرات، أورثت أحقادا وحزازات، وشجارا ومقاتلات؛ وكل ذلك كفر بنعمة الله تعالى التي منّ بها علينا في هذه الاية؟؟
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن الإسلام لا يمنع أن يحفظ المسلم نسبه وحسبه، ليصل به الأرحام، لكنه لا يسمح أن يكون ذلك معيارَ التفاضل، وسببَ التعالي والتفاخر..
فيأيها الحاملون - من حيث لا تشعرون - راية شأس بن قيس:
إليكم خبره، واجتنبوا عمله، واكسروا رايته ... (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مَرَّ شَأس بْنُ قيْس، وَكَانَ شَيْخًا، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الحسد عَلَى الْمُسْلِمِينَ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الأوْس وَالْخَزْرَجِ، فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يومَ بُعاث وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ من الأشعار- وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَكَانَ الظَّفْرُ فِيهِ يَوْمئِذٍ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ -
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا، حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ فقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعة، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا مَوْعِدُكُمْ الظَّاهِرَةُ -وَالظَّاهِرَةُ: الْحرَّةُ- السلاحَ السلاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أبدعْوى الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا بينَ أظهرِكم بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وألَّف بِهِ من قُلُوبِكُمْ؟! فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغة مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بعضُهم بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ، اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْد عَدُوِّ اللَّهِ شَأسِ بْنِ قَيِّسْ.
فتباً لمن نهج نهجه ورفع رايته..
المرفقات
1731611606_راية شأس بن قيس.docx