رؤية هلال شَهْرِ رَمَضَانَ – التسوُّل وباءٌ خطير

محمد البدر
1443/08/21 - 2022/03/24 14:59PM

 الْخُطْبَةِ الأُولَى:

إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.

وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71]. عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾.أي:إن الصدقة  ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل، ولكنها للفقراءِ الذين لا يستطيعون السعيَ في طلب الرزق، ويحسَبُهم الجاهل أغنياءَ من التعفف؛ لأنهم لا يسألون الناس شيئًا ولا يتسوَّلون، ولكن تعرِفهم أنهم فقراءُ بسماتِ الفقر التي تظهر عليهم أما القادر على العملِ فلا تحلُّ له الصدقةُ؛قَالَﷺ:« لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»رواه الترمذي وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وقد ورد تحذيرُ النبيﷺونهيه عن مسألة الناس في أحاديثَ كثيرة؛ قَالَﷺ:«لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْكُلُ بِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا»رواه أحمد وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 عِبَادَ اللَّهِ:التسوُّل وباءٌ خطير يهدد المجتمع بالخراب، وهو نوعٌ مِن أكل أموال الناس بالباطل.

قَالَﷺ:« اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشَوْصِ السِّوَاكِ » رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلكِنِ الْمِسْكِينُ لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَﷺ:« لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا ، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَﷺ:«مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ فِي وَجْهِهِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْغِنَى، قَالَ:«خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَعَنْ ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَﷺ:«مَنْ يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ»قُلْتُ أَنَا قَالَ«لاَ تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا»-فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ فَلاَ يَقُولُ لأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ-رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وللتسوِّل أسباب عدّة منها: ازدياد الفقر وانتشاره ليشمل أعداداً أكبر في المُجتمعات.وازدياد نسب البطالة لدى الشّباب.وضعف التوكِّل على الله والثّقة برزقه؛ حيثُ ضمِن الله الرزق لجميع الخلق قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾.ومن الاسباب تفضيلُ بعضِ النّاس الراحة والكسل على العمل والنشاط، ممّا يدعوهم للتسوّل باعتبارها حِرفةً مُريحة ومُجدية.كذلك تراجُع الدّور الاجتماعي بين النّاس في المُجتمع، وغيابُ الشّعور بالعدالة الاجتماعية.ومن الاسباب تشجيعُ بعضِ النّاس للمتسوّلين؛ إذ يغلبهم شعور الرأفة والعطف فيُعطون دون تردّد ظنّاً منهم أنّ ذلك تَطبيقٌ لقولِه تَعَالَى:﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾.علاج ظاهرة التَّسوُّل بتشجيعُ قيمة التّكافل الاجتماعي ونشرها بين أفراد المجتمع، ليشعر النّاس بالمُحتاجين ويُقدّموا لهم العون كي لا يضطرّوا لطرق باب التسوّل، وذلك عبر تقديم التبرّعات من خلال الجمعيات المصرح بها من قبل الدولة وتفقد احوال الجيران ودعمهم بالمساعدات النقدية والعينيّة لكِفاية المُحتاجين وإبعادهم عن التسوّل.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...


 

الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.وَقَالَﷺ:« لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ  بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ونذكر بعدم الصيام قبل رَمَضَانَ  بيوم أو يومين إلا إذا كان من عادته أن يصوم فلا حرج عليه، وكذلك من كان عليه قضاء من رَمَضَانَ  فليقضه في هذه الأيام فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،تَقُولُ:«كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِﷺأَوْ بِرَسُولِ اللهِﷺ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ها هو شَهْرِ  الخير والإحسان قد اقترب وفي نهاية شَهْرِ شَعْبَانَ يكثر الجدل حول صحة رؤية هلال شَهْرِ رَمَضَانَ ويخوض فيه الخائضون ويظهر المتعالمون عبر وسائل الاعلام المختلفة والتواصل الاجتماعي وغيرها ،ينشرون الإشاعات ويزعزعون الثقة بالعلماء ويشككون في أقوالهم ، فاتقوا الله تعالى فلن يثبت دخول الشَهْرِ  الا بما تحقق من أقوال النبيﷺوهذا ولله الحمد والمنة دأب ولاة الأمر والعلماء في بلاد التوحيد والسنة فلا اعتبار بالحسابات،قَالَﷺ:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ ، فَأكمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ  ثَلاَثِينَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«الشَهْرِ  تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.فَتَفَرَّغُوا يا عِبَادَ اللَّهِ فِي شَهْرِ  رَمَضَانَ  لِلْعِبَادَةِ والطاعة، وَتَقَلَّلُوا مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا ،واعمروا بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَدَارَسُوا كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وافعلوا الخير.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء ، ووفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1648133830_رؤية هلال شَهْرِ رَمَضَانَ – التسوُّل وباءٌ خطير.pdf

المشاهدات 1467 | التعليقات 0