ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ
مبارك العشوان 1
1442/07/06 - 2021/02/18 04:21AM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، فَقَـالَ: ( أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ، أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ ) رَضِيَ اللهُ عَنْ صَحْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَرْضَاهُمْ، يَجْتَهِدُونَ فِي الْأَعْمَالِ مَا لَا يَجْتِهُدُ غَيْرُهُمْ، وَيَحْزَنُونَ عَلَى فَوَاتِ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيهِ مِنَ الخَيْرِ؛ يَحْزَنُ فُقَرَاؤُهُمْ عَلَى فَوَاتِ الصَّدَقَةِ بِالْأَمْوَالِ، يَحْزَنُونَ أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ. عِنْدَ ذَلِكَ دَلَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابٍ عَظِيْمٍ مِنَ الخَيْرِ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَيُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَهُمْ
وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ؛ أَنْ يَسَّرَ لَهُمُ العِبَادَاتِ، وَنَوَّعَهَا؛ فَكَمَا يَسْتَطِيْعُ الغَنِيُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَحْرِمِ الفَقِيْرَ هَذَا البَابَ مِنَ العِبَادَةِ؛ بَلْ فَتَحَ لَهُ أَبْوابًا كَثِيْرَةً مِنَ الصَّدَقَةِ؛ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنَ الصَّدَقَةِ بِالمَالِ
دَلَّهُمُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيْثِ عَلَى: ( التَّسْبِيْحُ وَالتَّحْمِيْدُ وَالتَّكْبِيْرُ ) خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِيْنَ
وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيْثُ أُخْرَى عَلَى فَضْلِ الذِّكْرِ عُمُومًا، وَهُوَ العِبَادَةُ المُيَسَّرَةُ؛ الَّتِي يَسْتَطِيعُهَا الغَنِيُّ وَالفَقِيرُ، وَالقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، وَالقَائِمُ وَالقَاعِدُ، وَالرَّاكِبُ وَالمَاشِي؛ عِبَادَةٌ عَلَى اللِّسَانِ خَفِيفَةٌ، وَفِي المِيْزَانِ ثَقِيْلَةٌ، عِبَادَةٌ بِهَا تَحْيَا القُلُوبُ وَتَطْمَئِنُّ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْــرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد 28
الذِّكْرُ عِبَادَةٌ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِكْثَارِ مِنْهَا، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الأُجُورَ العَظِيْمَةَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الأحزاب 41ـ 42 وَقَالَ تَعَالَى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْـراً عَظِيماً } الأحزاب 35
يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ بِتَفْضِيلِ الذِّكْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ
وَيَقُولُ إِنَّ الصَّدَقَةَ بِغَيْرِ المَالِ نَوعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ؛ كَأَنْوَاعِ الذِّكْرِ مِنَ التَّكْبِيْرِ وَالتَّسْبِيْحِ وَالتَّحْمِيْدِ وَالتَّهْلِيْلِ وَالاِسْتِغْفَارِ، وَكَذَلِكَ المَشْيُ إِلَى المَسَاجِدِ وَغَيْرُهُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ المَالِ: مَا فِيهِ تَعْدِيَةُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ؛ فَيَكُونُ صَدَقَةً عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ، وَهَذَا كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَكَفٌّ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ النَّفْعِ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَإِقْرَاءُ الْقُرْآنِ، وَإِزَالَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالسَّعْيُ فِي جَلْبِ النَّفْعِ لِلنَّاسِ، وَدَفْعُ الْأَذَى عَنْهُمْ. وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ. الخ.
وَمِنَ الأَحَادِيْثِ: قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ) رَوَاهُ وَمُسْلِمٌ.
العِتْقُ هُوَ: تَحْرِيْرُ الرِّقَابِ؛ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وَمِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـــــمَ: ( أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَءًا مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
تَأَمَّلُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - كَيْفَ كَانَ هَذَا الذِّكْرُ يَعْدِلُ الْعِتْقَ؛ بَلْ يَعْدِلُ عِتْقَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ
وَفِي الحَدِيْثِ الآخَرِ؛ أَنَّ مَنْ قَالَهَا ( فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ؛ الأَذْكَارَ المُطْلَقَةَ وَالأَذْكَارَ المُقَيَّدَةَ
ثُمَّ اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ المَالِ مَا جَاءَ فِي قَولِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ : ( أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَة، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي الحَدِيْثِ الآخَرِ: ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ... ) وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ( وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنَ الصَّدَقَاتِ: كَفُّ الأَذَى؛ كَمَا فِي حَدِيْثِ: ( تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المرفقات
1613622090_ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ.pdf