ذم العجب

يحيى بن علي الضامري
1441/06/26 - 2020/02/20 20:35PM

15/جمادى الأول/1441هـ

يحيى الضامري

جامع النور ( الشمباشي)

حريب- مأرب

الخطبة الأولى:

أما بعد: عن صهيب قال: كان رسول الله إذا صلى همس شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به،  قال : أفطنتم لي؟  قلنا: نعم، [ ثم بين منشأ ذلك] فقال: ((إني ذكرت نبيًا من الأنبياء أُعطِيَ جُندًا من قومه فأعجب بهم، فقال: من لهؤلاء الجند؟ أو قال: من يقوم لهؤلاء؟ ـ [ أي من يغلب هؤلاء؟ أُعجِبَ بجُندِه وكثرتِهم وقوتهم] فأوحى إليه أن اختر إحدى ثلاث عقوبات: إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم، أو الجوع، أو الموت، فاستشار النبي أصحابه فقالوا: أنت نبي الله، كل ذلك إليك، فقام إلى الصلاة، وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة)) .
هذا الحديث ـ معاشر المؤمنين ـ حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم، فيه قصة عظيمة ونبأ عظيم.

فهذا النبي أعجب بجنده وعددهم وقوتهم، فعاقبه الله عز وجل، وهذه سنة شرعية ينبغي على العبد أن يؤمن بها، وأن يضعها نصب عينيه، ما أعجب عبد قط بما عنده من قوة أو جاه أو مال أو سلطان إلا عاقبه الله وعاقب من معه، ولو كان فيهم سيد الخلق، وخيرة الصحابة، كما قص الله عز وجل علينا من نبأ نبيِّنا وأصحابِه: ﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾ [التوبة:25].

فبين جل وعلا حال المسلمين يوم حنين، لما فرغوا من فتح مكة، وكان مع النبي C جيش عرمرم، قوامه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وانضم إليهم من انضم من مسلمة الفتح، فقالوا وهم يطاردون هوازن وثقيف: لا يهزم هذا الجيش، لن نهزم اليوم من قلة، فأعجبوا بكثرتهم، وهذه المقولة تشبه عبارة ذلك النبي الذي أعجب بجيشه وقوته، فكان العقاب من الله عز وجل أن هزموا ﴿ ثم وليتم مدبرين ﴾ [التوبة:25]. انفض الناس عن رسول الله ، وكانت رجال هوازن رجالاً رماة، فرموا المسلمين بالنبل، فانفضوا وتراجعوا، فأمر النبي العباس وكان جهوري الصوت، أمره أن ينادي، فأخذ ينادي: يا أهل الشجرة، يا أهل سورة البقرة، يا معشر الأنصار، وكلهم يقول: يا لبيك، حتى اجتمعوا إلى رسول الله، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأيدهم جل وعلا بجنود لم يروها.
ـ معاشر المؤمنين ـ هذه سنة من سنن الله عز وجل، لا يعجب إنسان بقوته إلا ويعاقبه الله، فذاك النبي خُيِّرَ بين ثلاث عقوبات: (( إما أن يسلط عليهم عدو من غيرهم، وإما الجوع، وإما الموت، ففزع إلى الصلاة ))، يستخير ربه عز وجل ثم قال: ((أي رب، أما عدو من غيرنا فلا، وأما الجوع فلا، ولكن الموت)) لأن الموت لا بد منه، فاختار الموت، فسلط الله عليهم الموت، فقتل من جنده في ذلك اليوم سبعون ألفا، سبعون ألفا قتلهم الله من جند ذلك النبي الكريم، عقابا له لأنه أعجب بعدده وبكثرته.

ثم نعود إلى تلك الكلمات التي كان يهمس بها النبي، فبعد أن قص على أصحابه هذه القصة قال مبينا لهم ما كان يهمس به دبر كل صلاة، بقوله : فهمسي الذي ترون أني أقول: ((اللهم بك أقاتل، وبك أصاول، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
فكان هذا من أذكاره، إذا انصرف من صلاته، ورأى من حوله من الصحابة، وتعجبه كثرتهم وشدتهم وقوتهم، فكان يتذكر ما حصل لذلك النبي الكريم، فيتبرأ من الحول، ويتبرأ من القوة، ويقرر هذه الحقيقة: ((اللهم بك أقاتل، وبك أصاول)) ـ وفي رواية: ((بك أحول وبك أصول وبك أجادل وبك أقاتل ـ ولا حول ولا قوة إلا بك))، فكان يتبرأ دبر كل صلاة من الحول والقوة إلا بالله.
 
وما انتصر المسلمون في غزوة أيام المصطفى  كانوا فيها أقوى من العدو أو أكثر عددا، فكان صلوات ربي وسلامه عليه يهمس دبر كل صلاة بهذا الدعاء الذي ينبغي أن ترطب به لسانك دبر كل صلاة: ((اللهم بك أقاتل، وبك أصاول، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
أيها المؤمنون: بقدر الصُعود يكون الهبوط؛ احذر العُجْب والتَّعالي والغرور؛ فهو دليل السَّفه، ونقص العقل، ودُنُوِّ النفس، لا يزال الشيطان بالإنسان إلى أن ينظر إلى نفسه وعمله نظرة إعجاب وغرور وإكبار، فيقول له: أنت فعلت وفعلت، حتى يُلْقِي في روْعه أنَّه لا مثيل له ولا نظير، فيعجب بنفسه ويغتر، فيهلك وهو لا يشعر، ثم يتوقف عن العمل فيشقى؛ لأنَّ السعادة إنَّما تُدرك بالسعي والطلب، والمُعْجَب يرى أنه وصل فلا حاجة للسعي، فيقضي العمر كله وهو يراوح مكانه، لا يتقدم لِمَكْرُمةٍ، ولا يرْتَقِي لمنزلةٍ، ولولا السعي لم تكن المساعي.
عند ذلك يرفض الحق، ويحتقر الخَلْق، ثم يَسْتعصي على النصح، ولا يعترف بجهود الآخرين، يُداوم الحديث عما ينجزه من أعمال، ويرفض الرجوع عن الخطأ، يَسْتَبِد بِرأْيه؛ فرأيه صواب لا خطأ فيه، لا يستشير أهل التجارب العقلاء، ولا يستنير بآراء الأكياس الفُطَناء.
فحاله يا له من حال! كالصخرة الصماء الضخمة على القمة والسفح، تغادرها خيرات السماء حتى تجتمع في الأرض المنخفضة، أو كالبرغوث يحيا ما دام جائعاً؛ فإذا شبع مات، أو كرجل في قمة جبل يرى الناس في السَّهل كالنمل، ويراه الناس في القمة كالذر وهو لا يشعر.
مثل المعجب في إعجابــــه      مثلما الواقف في رأس الجبلْ
يبصر الناس صغاراً وهْوَ في     أعـــين النــــاس صغـــــيراً لم يزلْ
العجب باختصار كلبٌ ينبح في قلب صاحبه، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو كلب.
عن مطرف بن عبد الله قال: " لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا خير وأحب إلي من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا"، [ يعني: لأن أبيت نائمًا لم أصل صلاة الليل وأصبح نادمًا على فوات القيام أحب إلي من أن أبيت قائمَا ثم أصبح مختالَا معجبًا لأني قمت الليل ].
وكان بشر بن منصور من الذين إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ تعالى والدارُ الآخرة لمواظبته على العبادة، فأطال الصلاة يومًا ورجل خلفه ينتظره، ففطن له بشر، فلما انصرف عن الصلاة قال له: يا هذا "لا يعجبنك ما رأيت مني، فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة، ثم صار إلى ما صار إليه".
يا لله!! هكذا كانت عبادتهم وهكذا كان اتهامهم لأنفسهم لا عجب ولا بطر.

قال  (( ثلاث مهلكات : شحُّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه )). [ أخرجه البيهقي وحسنه الألباني ] .

وفي الصحيحين أن النبي قال : (( بينما رجل يمشي في حلةٍ تعجب نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة )) [متفق عليه ] .
مآل العجب:
والنتيجة مخزية، فنعوذ بالله من الخزي والبوار، يُحْرم المُعْجَب من توفيق الله، فالخذلان موافق له ومصاحب له: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [الأعراف:146] وتبعاً لذلك: ينال غضب الله ومقته، إن لم يتب.
ثبت عنه  أنَّه قال: { لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر }. وثبت أيضاً: { من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان }.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
                                         
 
الخطبة الثانية:
عباد الله : إن العبد إذا أعجب بنفسه بأي صورة كانت عاقبه الله عز وجل، فمن أعجب بقوته قد سمعتم ما حصل له، وإن كان نبيا مرسلاً مكرمًا عند ربه جل وعلا.
ومن يعجب بماله وثروته كذلك يعاقبه الله عز وجل كالذي ﴿ دخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ﴾ [الكهف:35]. فعاقبه الله عز وجل ﴿ وأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها﴾.
ومن أُعجِب بقوته الجسدية كذلك يعاقبه الله ويذله ولو كان كريما، ويخالف مراده وإن كان نبيا، فهذا سليمان نبي الله أقسم أنه ليأتين مائة من نسائه، كل واحدة منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فلم يستثن ولم يحل الأمر إلى مشيئة الله وقوته وإذنه جل وعلا، فعوقب فلم تحمل منهن واحدة، إلا واحدة أتت بنصف إنسان.
وهكذا - معاشر المؤمنين- لو ذهبنا نستعرض سيرة كل من يعجب بنفسه ولو قليلا، وكيف عاقبة الله؛ لطال بنا المقام.
 
أما الصور التي يقع فيها العجب وعلاجها؛ فهاكم بعضها عافانا الله وإياكم منها :
الأول : أن يعجب المرء ببدنه :
في جماله وهيئته وصحته وقوته، وتناسب أشكاله وحسن صورته وحسن صوته، فيلتفت إلى جمال نفسه، وينسى أنه نعمة من الله تعالى، وهو معرض للزوال في كل حال .
وعلاجه : هو التفكر في أقذار بطنه في أول أمره، وفي آخره، وفي الوجوه الجميلة والأجسام الناعمة؛ كيف تمزقت في تلك البقاع، حتى استقذرها الطباع .
حُكِيَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ نَظَرَ إلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ يَسْحَبُهَا وَيَمْشِي الْخُيَلَاءَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْمِشْيَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُه، فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلْ أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَحَشْوُك فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَوْلٌ وَعَذِرَةٌ.
فَأَخَذَ ابْنُ عَوْفٍ هَذَا الْكَلَامَ فَنَظَمَهُ شِعْرًا فَقَالَ :
عَجِبْتُ مِنْ مُعْجَبٍ بِصُورَتِهِ       وَكَانَ  بِالْأَمْسِ  نُطْفَةً  مَذِرَهْ
وَفِي غَدٍ بَعْدَ حُسْنِ  صُورَتِهِ      يَصِيرُ فِي اللَّحْدِ جِيفَةً قَذِرَهْ
وَهُوَ    عَلَى   تِيهِهِ  وَنَخْوَتِهِ     مَا بَيْنَ ثَوْبَيْهِ  يَحْمِلُ  الْعَذِرَهْ
وَقَدْ كَانَ الْمُهَلَّبُ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَخْدَعَ نَفْسَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ غَيْرِ الصَّوَابِ ، وَلَكِنَّهَا زَلَّةٌ مِنْ زَلَّاتِ الِاسْتِرْسَالِ ، وَخَطِيئَةٌ مِنْ خَطَايَا الْإِدْلَالِ .
من أنت إلا عبد مُكَلف موعود بالعذاب إن قَصَّر، مَرْجو بالثواب إن ائتَمَر، مُؤَلَّف من أقدار، مشحون بأوضار، سائر إلى جنة إن أطاع وإلا إلى نار، أجارك الله من سامع من النار.
كيف يزهو من رجيعُه    أبدَ الدهرِ ضجيعُه
وهــــــــــــو منــــــــــه وإليــــــهِ    وأخـــــــــوهُ  ورضيعُه
وهو يدعوه إلى الحش   بصغــــــــرٍ فيطيعُـــــــــه
  
 
 
 الثاني : العجب بالقوة والعلم :
كما حكي عن قوم عادٍ أنهم قالوا { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [15: سورة فصلت].
وعلاجه: أن يشكر الله تعالى على ما رزق من القوة والعقل، ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيبُ دماغَه؛ يجعله يوسوس ويُجَن بحيث يُضحك منه، فلا يأمن أن يسلب عقله إن أعجب به، ولم يقم بشكره، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلا، وأن ما جهله أكثر مما عَرَفَه .
 
الثالث : العجب بالنسب الشريف:
إن بعضهم يظن أنه ينجو بشرف نسبه، ونجاة آبائه، وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موالٍ وعبيد!
وعلاجه: أن يعلم أنه ما شرف من شرف إلا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب، فليتشرف بما شرف به من قبله، ولذلك بيَّن الله تعالى أن الشرف بالتقوى لا بالنسب، فقال: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [13: سورة الحجرات] .

روى أبو داود والترمذي وحسنه والمنذري أن النبي  قال: (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ؛ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ)).
 
 
 
الرابع : العجب بكثرة العدد :
من الأولاد والخدم والعشيرة والأقارب والأنصار والأتباع، كما قال الكفار : ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا﴾ [35: سورة سبأ] .
وعلاجه : أن يتفكر في ضعفه وضعفهم، وأن كلهم عبيد عجزة، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعا، ثم كيف يعجب بهم وأنهم سيتفرقون عنه إذا مات، فيدفن في قبره ذليلاً مهيناً وحده لا يرافقه أهلٌ ولا ولد ولا قريبٌ ولا حميمٌ ولا عشير ٌ .
 
الخامس : العجب المال :
كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [34: سورة الكهف] .

وعلاجه : أن يتفكر في آفات المال، وكثرة حقوقه، وعظيم غوائله، وينظر إلى فضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة يوم القيامة، وإلى أن المال غادٍ ورائح ولا أصل له، وإلى قوله  ((بينما رجل يتبختر في حلةٍ له، قد أعجبته نفسه إذا خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة )) [متفق عليه] . وأشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه .
يقول المدائني : رأيت رجلاً من باهلة يطوف بين الصفا و المروة على بغلة في تيه وعجب، ثم رأيته سافراً راجلاً متعباً مُنْهكاً يحمل متاعه على ظهره، فقلت له: أراجل في هذا الموضع، وأنت من يطوف بالبغلة بين الصفا و المروة؟ قال: نعم، ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقاً على الله أن أمشي حيث يركب الناس، ومن تواضع لله رفعه.
السابع : العجب بالرأي الخطأ :
قال تعالى ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [8: سورة فاطر] . وقال تعالى : ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [104: سورة الكهف] . وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم .
وعلاجه : أن يكون متَّهماً لرأيه أبداً، لا يغترُّ به؛ إلا أن يشهد له قاطع من كتاب أو سنة أو دليل عقلي صحيح جامع لشروط الأدلة، فإن خاض في الأهواء والبدع والتعصب في العقائد هلك من حيث لا يشعر.
هذا لقمان يوصي ابنه ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان18]
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعاً    فكم تحتها  قوم همُ منك  أرفعُ
وإن  كنت  ذا  عزٍ  وجاهٍ  ومنعةٍ    فكم مات من قومٍ همُ منك أمنعُ
إذا دخلت مجلساً فاجلس حيث ينتهي بك المجلس، فذلك أدعى لكسر نخوة النفس وعجبها، واتباع للسنة، وأَنْعِم بها من خُلَّة.
إذا لم يكن صَدرُ المجالس سيداً      فلا خير فيمَنْ صَدَّرته المجالس
دوام حضور مجالس العلم تلميذاً؛ فإن في ذلك تطهيراً للنفس من ذلك الداء وتعريفاً لها بقدرها؛ وذلك هو الدواء.
ختاماً: قال الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ؟!
يَا  مُظْهِرَ  الْكِبْرِ  إعْجَابًا  بِصُـورَتِهِ     اُنْظُرْ  خَلَاكَ  فَإِنَّ   النَّتْنَ  تَثْرِيبُ
لَوْ  فَكَّرَ  النَّاسُ  فِيمَا فِي بُطُونِهـِمُ     مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيبُ
هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً     وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْرُوبُ
أَنْفٌ  يَسِيلُ  وَأُذْنٌ  رِيحُهَا   سَهِكٌ     وَالْعَيْنُ  مُرْفَضَّةٌ  وَالثَّغْــرُ   مَلْعُوبُ
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا     أَقْصِرْ  فَإِنَّك  مَأْكُولٌ   وَمَشْرُوبُ
صلوا وسلموا
المشاهدات 587 | التعليقات 0