ذم الجدال العقيم, والتحذير من المجادلات في مجالسنا 6-12-1434
أحمد بن ناصر الطيار
1434/12/05 - 2013/10/10 09:57AM
الحمد لله الذي عَلّمَ الْقُرْآنَ, وخَلَقَ الإِنسَانَ وعَلّمَهُ البَيَانَ, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وضَّح الحلال من والحرام وأبان , وحذَّر من الْمِراء والْخِصام والعدْوان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, هادي الإنس والجان, إلى دارِ السلام وجنَّةِ الرضوان, صلى الله عليه, وعلى آلهِ المبرَّئين من الآثام والنُّقْصان, الْمُنزَّهين عمَّا يقولهُ الرافضةُ من البُهتان, وصحبِه الفاتحينَ بلادَ الكفرِ والطغيان, فأنارتِ الأرضُ بالنور والإيمان, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم العرض على الواحد الديَّان.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ دين الإسلام, قد حثَّ على كُلِّ ما فيه أُلْفةٌ ومودَّة, واجْتماعٌ وترابط, ونهى عن كلِّ ما يُسبِّب العداوةَ والبغضاءَ, والتنافرَ الْفُرقة, ومِمَّا جاء الإسلام بالتحذير منه: المراءُ والجدال, ولو كان مع أحدِهما الحقُّ, فإنَّ الخصام يُضيِّعه ويُبطله في الغالب.
ولا يعني هذا أنْ يتنازل صاحب الحقِّ عن حقِّه, ويُترَكَ الظالمُ والمعاندُ دون محاسبةٍ وردْع, فإنَّ لِأَخذِ الحقِّ طُرُقًا ليس منها الجدال والخصام, وذلك برفعه لوليِّ الأمر لينتزعَ حقَّه, أو بالْمُناقشة الهادئة.
واعلموا أنَّ الْمراء والجدال المذموم, هو ما يكون فيه أحدُ أمورٍ ثلاثة:
- إما أنْ يكون معه حدَّةٌ وغضبٌ وقسوة.
- وإما أنْ يكون بلا تثبُّتٍ ومعرفة.
- وإما أنْ يكون عديمَ الفائدة.
ومن أقرب الأمثلة على ذلك: ما نراه في كثيرٍ من مجالسنا, مِن جدال بعضنا لبعض, في أمورٍ تافهة لا مصلحةَ من نتائجها, كأنْ نتجادل في الفريق الفلانيّ, وأنه أفضلُ من الفريق الآخر, أو أنَّ المركب الفلانيَّ أفضلُ من غيره, وكذلك الجدال في الجماعات والحكومات, من مُؤيِّدٍ ومُعارض, والنتيجةُ من هذه الْمُناقشات والْمُجادلات: لا شيء, سوى تعكير المزاج والخواطر, وإضاعةِ الوقت, وإحْداثِ الفرقةِ والعداوة, وإطْلاقِ الألفاظ القاسيةِ والجارحة.
ولأجل هذا - يا أمة الإسلام- جاءت الشريعةُ الإسلاميَّةُ العظيمة: بالتحذير من هذه الْمُجادلات العقيمة, والْمُناقشات الْمُنعدمةِ الفائدة, وإليكم هذه الأدلةَ الصحيحة الصريحة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ, لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ». رواه أبو داود وحسَّنه الألباني
ومعنى قَوْلِه: (وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاء): أَيْ الْجِدَال, وذلك خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَع صَاحِبه فِي الخصام والغضب, الْمُسبِّبِ للعداوة والفرقة.
وقَوْلُه: (وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا): أي وإن كان ذا حقٍّ في نفس الأمر؛ وذلك لأنه بعد أن يُرشدَ خصْمَه إلى الحقّ, ويأبى خصمُه قبولَه والإذعانَ له، وهو يعرف أنْ خصمه مُعاندٌ لا يقبل الحق, فلا ثمرة ولا فائدة مِن جداله, سوى تضييعِ الوقت فيما لا ينفع, وإحداثِ البغضاء والحقد.
فالنبيّ صلى الله عليه وسلم ضمن وتكفّل لِمَن ترك الجدال والمِراء- وإنْ كان على حقٍّ- طلباً لِمَرْضاةِ الله تعالى, وسعياً لِلْأُلْفة ونَبذِ الخصومة, ضمن له مكاناً في الجنة, وذلك بأنْ يُثبِّته الله على الدين, ويُجنِّبه الزيغ الضلال, جزاءً على فعله العظيم.
فالجدال الذي يُؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، لا بدَّ أنْ نبتعدَ عنه حتى تسلم القلوب، وتصفو النفوس.
وتأملوا - معاشر المسلمين- ما جاء في الصحيحين أَّنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اِقْرَءُوا الْقُرْآن مَا اِئْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ) أَيْ اِجْتَمَعَتْ, (فَإِذَا اِخْتَلَفْتُمْ), أَيْ فِي فَهْمِ مَعَانِيه ( فَقُومُوا عَنْهُ ) قال الحافظ رحمه الله: أَيْ تَفَرَّقُوا؛ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِكَمْ الِاخْتِلَاف إِلَى الشَّرّ. ا.ه كلامه
فهذا الحديث من أوضح الأدلة والبراهين: في النهي عمَّا يُنفر ويُحدث الخلاف بين المسلمين, فإذا كان قراءةُ القرآن والجلوسُ لسماعه, ومعرفةُ تفسيره ومعناه - وهذا من أعظم العبادات- ينتج عنه اختلافٌ: فإننا نقوم عن هذه العبادة, ولا نستمر في هذه الجلسة التي فيها القراءة والعلم, فكيف بمجالسَ عامةٍ لا يُوجد فيها ذكرٌ ولا قراءةُ قرآن, ويُطرح فيها ما يُسبب الخلاف والتفرقة, من التعرُّض للجماعات أو الأشخاص أو الحكومات, فهذه المجالس أولى أنْ يُقام عنها, وتُترك وتُهجر.
والمجادلةُ والمخاصمة - يا عباد الله-: سببٌ لنزعة البركة الخير والتوفيق.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ, يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ, ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ, ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ, وَإِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا, فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ, أي: يَطلب كلُّ واحدٍ منها حَقَّه, وفي رواية: يَخْتَصِمَانِ, مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ, فَنُسِّيتُهَا, فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. متفق عليه
قال النووي: وفيه أنَّ المخاصمةَ والمنازعةَ مذمومة, وأنها سببٌ للعقوبة المعنوية. أَيْ : الْحِرْمَان. ا.ه كلامه
هذا - معاشر المسلمين-, وهما قد طلبا في جدالهما حقًّا لهما, وهما لا يُلامان على ذلك, فمَن طلب حقَّه بالحوار والنقاش فلا لوم عليه.
ولكن لَمَّا كان في هذا الجدال شيءٌ من الخصومة, ورفعِ الصوت والغضب, عُوقبوا بالحرمان من هذا الخير والفضل.
فكيف بالمجادلات والمناقشات العقيمة, في أمورٍ تافهةٍ سقيمة, فلْيعلم هؤلاء الْمُبْتَلَوْن بالْمُجادلات العقيمة, بل ويتفاخرون بقوة جدالهم وكثرة نقاشهم, أنَّ الله تعالى قد حرمهم كثيرًا من الخير والتوفيق, وقلَّةِ البركة والبرّ.
واعلموا - معاشر الْمسلمين- أنَّ مَنْ كان شديداً في جِداله وخِصامه: فهو من أبغض الناس عند الله تعالى, قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ". متفق عليه
قال العلماء: الْأَلَدّ: هو الشَّدِيد في جِدَالِه, وهو الذي كلَّما فُتح بابٌ للجدال كان أسرَعَهم إليه, وأقواهم مُجادلةً فيه, بلا بحثٍ وعلمٍ ومعرفة.
وهذا هو حال أكثر الناس في مُناقشاتهم وجدالهم, تأتي قضيَّةٌ من القضايا, فيَحْتَدُّ النقاش والجدال, ولم يُكلف أحدُهم نفسه أنْ يبحث ويتأكد فيما قاله.
فلْنتق الله يا أمة الإسلام, ولْنُبْعِدْ هذه الْمُجادلاتِ عن مجالسنا, فإنَّها هي التي أفسدتها, وأوحشت قلوبَنا ولوَّثتها.
وإذا كان لابُدَّ من النقاش والجدال, فلْيكن عن علمٍ ومعرفة, ورفقٍ وتُؤَدة, فقد أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم, بأنْ يُجادل غيرَه بالتي هي أحسن, فقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال ابن كثيرٍ رحمه الله: أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال, فليكن بالوجه الحسن برفقٍ ولينٍ, وحسنِ خطاب. ا.هـ كلامه
وأمر تعالى المؤمنين أنْ يُجادلوا الكفار بالجدال الحسن, قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
فقد أُمِرْنا - معاشر المسلمين- أنْ نُجادل أهلَ الكتاب بالتي هي أحسن, فما بال بعضنا يُجادلُ أخاه بالتي هي أقبحُ وأخشن.
نسأل الله تعالى, أنْ يُعيذنا من الجدال الذي لا نفع فيه, وأنْ يرزقنا الرفق في القول والعمل, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين, حذَّرنا مِن الجدال في الدين, ونهانا عن مُعاداةِ الْمُؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون, لقد أكثَرَ السلفُ الصالح رحمهم الله, من ذمِّ الجدال العقيم, وحذَّروا منه وبيَّنوا خطره, فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الْمِراءُ لا تُعقل حكمته, ولا تؤمن فتنته.
وقال بعض السلف: إذا أراد الله بعبدٍ شَرًّا، أغلق عنه بابَ العمل ، وفتح عليه بابَ الجدَل.
وقال آخر: دع المراء والجَدلَ، فإنَّك لنْ تُجادل إلا أحدَ رجلين, إما رجلٌ هو أعلم منك، فكيف تعادي وتُجادلُ مَن هو أعلمُ منك؟.
وإما ورجلٌ أنت أعلمُ منه، فكيف تعادي وتُجادِل من أنت أعلمُ منه ولا يُطيعُك؟.
وقال بعضُهم: إذا رأيت الرجلَ لَجُوجاً مُمَارِياً مُعْجَباً برأيه, فقد تَمَّتْ خسارتُه.
وإنه والله يا أمة الإسلام: مِنْ خلال التجربةِ ومعرفةِ حالِ هؤلاءِ الْمُجادلين, الْمُكثرين في الأخذ والردّ في المجالس وغيرها: لا يُعرف عنهم صوابٌ في الرأيّ, ولا حِنكةٌ ورجاحةُ عقل, وهم بغيضون ثقيلون عند الناس, هم أشدُّ الناس إعجابًا برأيهم, وازدِراءً لآراء غيرهم, ولو كان الْمُخالفُ لهم عالِمًا وعارفًا, هم أقلُّ الناس اشتغلاً بما يُصلحهم وينفعهم, لأنَّ من اشْتغل بالجدال: صار حليفَه الخسارةُ في جميع الأحوال.
نعوذ بالله أنْ نكون ممَّن أُوتي الجدل, وحُرم التوفيق والعمل, ونسأله أنْ يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته, إنه سميعٌ قريبٌ مٌجيب.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ دين الإسلام, قد حثَّ على كُلِّ ما فيه أُلْفةٌ ومودَّة, واجْتماعٌ وترابط, ونهى عن كلِّ ما يُسبِّب العداوةَ والبغضاءَ, والتنافرَ الْفُرقة, ومِمَّا جاء الإسلام بالتحذير منه: المراءُ والجدال, ولو كان مع أحدِهما الحقُّ, فإنَّ الخصام يُضيِّعه ويُبطله في الغالب.
ولا يعني هذا أنْ يتنازل صاحب الحقِّ عن حقِّه, ويُترَكَ الظالمُ والمعاندُ دون محاسبةٍ وردْع, فإنَّ لِأَخذِ الحقِّ طُرُقًا ليس منها الجدال والخصام, وذلك برفعه لوليِّ الأمر لينتزعَ حقَّه, أو بالْمُناقشة الهادئة.
واعلموا أنَّ الْمراء والجدال المذموم, هو ما يكون فيه أحدُ أمورٍ ثلاثة:
- إما أنْ يكون معه حدَّةٌ وغضبٌ وقسوة.
- وإما أنْ يكون بلا تثبُّتٍ ومعرفة.
- وإما أنْ يكون عديمَ الفائدة.
ومن أقرب الأمثلة على ذلك: ما نراه في كثيرٍ من مجالسنا, مِن جدال بعضنا لبعض, في أمورٍ تافهة لا مصلحةَ من نتائجها, كأنْ نتجادل في الفريق الفلانيّ, وأنه أفضلُ من الفريق الآخر, أو أنَّ المركب الفلانيَّ أفضلُ من غيره, وكذلك الجدال في الجماعات والحكومات, من مُؤيِّدٍ ومُعارض, والنتيجةُ من هذه الْمُناقشات والْمُجادلات: لا شيء, سوى تعكير المزاج والخواطر, وإضاعةِ الوقت, وإحْداثِ الفرقةِ والعداوة, وإطْلاقِ الألفاظ القاسيةِ والجارحة.
ولأجل هذا - يا أمة الإسلام- جاءت الشريعةُ الإسلاميَّةُ العظيمة: بالتحذير من هذه الْمُجادلات العقيمة, والْمُناقشات الْمُنعدمةِ الفائدة, وإليكم هذه الأدلةَ الصحيحة الصريحة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ, لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ». رواه أبو داود وحسَّنه الألباني
ومعنى قَوْلِه: (وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاء): أَيْ الْجِدَال, وذلك خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَع صَاحِبه فِي الخصام والغضب, الْمُسبِّبِ للعداوة والفرقة.
وقَوْلُه: (وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا): أي وإن كان ذا حقٍّ في نفس الأمر؛ وذلك لأنه بعد أن يُرشدَ خصْمَه إلى الحقّ, ويأبى خصمُه قبولَه والإذعانَ له، وهو يعرف أنْ خصمه مُعاندٌ لا يقبل الحق, فلا ثمرة ولا فائدة مِن جداله, سوى تضييعِ الوقت فيما لا ينفع, وإحداثِ البغضاء والحقد.
فالنبيّ صلى الله عليه وسلم ضمن وتكفّل لِمَن ترك الجدال والمِراء- وإنْ كان على حقٍّ- طلباً لِمَرْضاةِ الله تعالى, وسعياً لِلْأُلْفة ونَبذِ الخصومة, ضمن له مكاناً في الجنة, وذلك بأنْ يُثبِّته الله على الدين, ويُجنِّبه الزيغ الضلال, جزاءً على فعله العظيم.
فالجدال الذي يُؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، لا بدَّ أنْ نبتعدَ عنه حتى تسلم القلوب، وتصفو النفوس.
وتأملوا - معاشر المسلمين- ما جاء في الصحيحين أَّنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اِقْرَءُوا الْقُرْآن مَا اِئْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ) أَيْ اِجْتَمَعَتْ, (فَإِذَا اِخْتَلَفْتُمْ), أَيْ فِي فَهْمِ مَعَانِيه ( فَقُومُوا عَنْهُ ) قال الحافظ رحمه الله: أَيْ تَفَرَّقُوا؛ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِكَمْ الِاخْتِلَاف إِلَى الشَّرّ. ا.ه كلامه
فهذا الحديث من أوضح الأدلة والبراهين: في النهي عمَّا يُنفر ويُحدث الخلاف بين المسلمين, فإذا كان قراءةُ القرآن والجلوسُ لسماعه, ومعرفةُ تفسيره ومعناه - وهذا من أعظم العبادات- ينتج عنه اختلافٌ: فإننا نقوم عن هذه العبادة, ولا نستمر في هذه الجلسة التي فيها القراءة والعلم, فكيف بمجالسَ عامةٍ لا يُوجد فيها ذكرٌ ولا قراءةُ قرآن, ويُطرح فيها ما يُسبب الخلاف والتفرقة, من التعرُّض للجماعات أو الأشخاص أو الحكومات, فهذه المجالس أولى أنْ يُقام عنها, وتُترك وتُهجر.
والمجادلةُ والمخاصمة - يا عباد الله-: سببٌ لنزعة البركة الخير والتوفيق.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ, يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ, ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ, ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ, وَإِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا, فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ, أي: يَطلب كلُّ واحدٍ منها حَقَّه, وفي رواية: يَخْتَصِمَانِ, مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ, فَنُسِّيتُهَا, فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. متفق عليه
قال النووي: وفيه أنَّ المخاصمةَ والمنازعةَ مذمومة, وأنها سببٌ للعقوبة المعنوية. أَيْ : الْحِرْمَان. ا.ه كلامه
هذا - معاشر المسلمين-, وهما قد طلبا في جدالهما حقًّا لهما, وهما لا يُلامان على ذلك, فمَن طلب حقَّه بالحوار والنقاش فلا لوم عليه.
ولكن لَمَّا كان في هذا الجدال شيءٌ من الخصومة, ورفعِ الصوت والغضب, عُوقبوا بالحرمان من هذا الخير والفضل.
فكيف بالمجادلات والمناقشات العقيمة, في أمورٍ تافهةٍ سقيمة, فلْيعلم هؤلاء الْمُبْتَلَوْن بالْمُجادلات العقيمة, بل ويتفاخرون بقوة جدالهم وكثرة نقاشهم, أنَّ الله تعالى قد حرمهم كثيرًا من الخير والتوفيق, وقلَّةِ البركة والبرّ.
واعلموا - معاشر الْمسلمين- أنَّ مَنْ كان شديداً في جِداله وخِصامه: فهو من أبغض الناس عند الله تعالى, قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ". متفق عليه
قال العلماء: الْأَلَدّ: هو الشَّدِيد في جِدَالِه, وهو الذي كلَّما فُتح بابٌ للجدال كان أسرَعَهم إليه, وأقواهم مُجادلةً فيه, بلا بحثٍ وعلمٍ ومعرفة.
وهذا هو حال أكثر الناس في مُناقشاتهم وجدالهم, تأتي قضيَّةٌ من القضايا, فيَحْتَدُّ النقاش والجدال, ولم يُكلف أحدُهم نفسه أنْ يبحث ويتأكد فيما قاله.
فلْنتق الله يا أمة الإسلام, ولْنُبْعِدْ هذه الْمُجادلاتِ عن مجالسنا, فإنَّها هي التي أفسدتها, وأوحشت قلوبَنا ولوَّثتها.
وإذا كان لابُدَّ من النقاش والجدال, فلْيكن عن علمٍ ومعرفة, ورفقٍ وتُؤَدة, فقد أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم, بأنْ يُجادل غيرَه بالتي هي أحسن, فقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال ابن كثيرٍ رحمه الله: أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال, فليكن بالوجه الحسن برفقٍ ولينٍ, وحسنِ خطاب. ا.هـ كلامه
وأمر تعالى المؤمنين أنْ يُجادلوا الكفار بالجدال الحسن, قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
فقد أُمِرْنا - معاشر المسلمين- أنْ نُجادل أهلَ الكتاب بالتي هي أحسن, فما بال بعضنا يُجادلُ أخاه بالتي هي أقبحُ وأخشن.
نسأل الله تعالى, أنْ يُعيذنا من الجدال الذي لا نفع فيه, وأنْ يرزقنا الرفق في القول والعمل, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين, حذَّرنا مِن الجدال في الدين, ونهانا عن مُعاداةِ الْمُؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون, لقد أكثَرَ السلفُ الصالح رحمهم الله, من ذمِّ الجدال العقيم, وحذَّروا منه وبيَّنوا خطره, فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الْمِراءُ لا تُعقل حكمته, ولا تؤمن فتنته.
وقال بعض السلف: إذا أراد الله بعبدٍ شَرًّا، أغلق عنه بابَ العمل ، وفتح عليه بابَ الجدَل.
وقال آخر: دع المراء والجَدلَ، فإنَّك لنْ تُجادل إلا أحدَ رجلين, إما رجلٌ هو أعلم منك، فكيف تعادي وتُجادلُ مَن هو أعلمُ منك؟.
وإما ورجلٌ أنت أعلمُ منه، فكيف تعادي وتُجادِل من أنت أعلمُ منه ولا يُطيعُك؟.
وقال بعضُهم: إذا رأيت الرجلَ لَجُوجاً مُمَارِياً مُعْجَباً برأيه, فقد تَمَّتْ خسارتُه.
وإنه والله يا أمة الإسلام: مِنْ خلال التجربةِ ومعرفةِ حالِ هؤلاءِ الْمُجادلين, الْمُكثرين في الأخذ والردّ في المجالس وغيرها: لا يُعرف عنهم صوابٌ في الرأيّ, ولا حِنكةٌ ورجاحةُ عقل, وهم بغيضون ثقيلون عند الناس, هم أشدُّ الناس إعجابًا برأيهم, وازدِراءً لآراء غيرهم, ولو كان الْمُخالفُ لهم عالِمًا وعارفًا, هم أقلُّ الناس اشتغلاً بما يُصلحهم وينفعهم, لأنَّ من اشْتغل بالجدال: صار حليفَه الخسارةُ في جميع الأحوال.
نعوذ بالله أنْ نكون ممَّن أُوتي الجدل, وحُرم التوفيق والعمل, ونسأله أنْ يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته, إنه سميعٌ قريبٌ مٌجيب.
محمد بن سامر
[font="]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...[/font]
[font="] أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ دين الإسلام, قد حثَّ على كُلِّ ما فيه أُلْفةٌ ومودَّة, واجْتماعٌ وترابط, ونهى عن كلِّ ما يُسبِّب العداوةَ والبغضاءَ, والتنافرَ والْفُرقة, ومِمَّا جاء الإسلام بالتحذير منه: المراءُ والجدالُ, ولو كان مع أحدِهما الحقُّ, فإنَّ الخصام يُضيِّعه ويُبطله في الغالب.[/font]
[font="] ولا يعني هذا أنْ يتنازل صاحب الحقِّ عن حقِّه, ويُترَكَ الظالمُ والمعاندُ دون محاسبةٍ وردْع, فإنَّ لِأَخذِ الحقِّ طُرُقًا ليس منها الجدال والخصام, وذلك برفعه لوليِّ الأمر لينتزعَ حقَّه, أو بالْمُناقشة الهادئة.[/font]
[font="] واعلموا أنَّ الْمراء والجدال المذموم, هو ما يكون فيه أحدُ أمورٍ ثلاثة:[/font]
1- [font="]إما أنْ يكون معه حدَّةٌ وغضبٌ وقسوة.[/font]
2- [font="]وإما أنْ يكون بلا تثبُّتٍ ومعرفة.[/font]
3- [font="]وإما أنْ يكون عديمَ الفائدة.[/font]
[font="] ومن أقرب الأمثلة على ذلك: ما نراه في كثيرٍ من مجالسنا, مِن جدال بعضنا لبعض, في أمورٍ تافهة لا مصلحةَ من نتائجها, كأنْ نتجادل في الفريق الفلانيّ, وأنه أفضلُ من الفريق الآخر, أو أنَّ المركب الفلانيَّ أفضلُ من غيره, وكذلك الجدال في الجماعات والحكومات, من مُؤيِّدٍ ومُعارض, والنتيجةُ من هذه الْمُناقشات والْمُجادلات: لا شيء, سوى تعكير المزاج والخواطر، وإضاعةِ الوقت, وإحْداثِ الفرقةِ والعداوة, وإطْلاقِ الألفاظ القاسيةِ والجارحة.[/font]
[font="] ولأجل هذا-يا أمة الإسلام-جاءت الشريعةُ الإسلاميَّةُ العظيمة بالتحذير من هذه الْمُجادلات العقيمة, والْمُناقشات الْمُنعدمةِ الفائدة, وإليكم هذه الأدلةَ الصحيحة الصريحة:[/font]
[font="]
[/font][font="]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ, لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا" رواه أبو داود وحسَّنه الألباني-عليهما رحمة الله.[/font]
[font="] ومعنى قَوْلِه: "وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاء": أَيْ الْجِدَال, وذلك خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَع صَاحِبه فِي الخصام والغضب, الْمُسبِّبِ للعداوة والفرقة.[/font]
[font="] وقَوْلُه: "وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا": أي وإن كان ذا حقٍّ في نفس الأمر؛ وذلك لأنه بعد أن يُرشدَ خصْمَه إلى الحقّ, ويأبى خصمُه قبولَه والإذعانَ له، وهو يعرف أنْ خصمه مُعاندٌ لا يقبل الحق, فلا ثمرة ولا فائدة مِن جداله، سوى تضييعِ الوقت فيما لا ينفع, وإحداثِ البغضاء والحقد.[/font]
[font="] فالنبيّ-صلى الله عليه و آله وسلم-ضمن وتكفّل لِمَن ترك الجدال والمِراء-وإنْ كان على حقٍّ- طلبًا لِمَرْضاةِ الله تعالى, وسعيًا لِلْأُلْفة ونَبذِ الخصومة, ضمن له الجنة, وذلك بأنْ يُثبِّته الله على الدين، ويُجنِّبه الزيغ الضلال, جزاءً على فعله العظيم.[/font]
[font="] فالجدال الذي يُؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، لا بدَّ أنْ نبتعدَ عنه حتى تسلم القلوب، وتصفو النفوس.[/font]
[font="] وتأملوا –يا إخواني-ما جاء في الصحيحين أَّنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قال: "اِقْرَؤوا الْقُرْآن مَا اِئْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ" أَيْ اِجْتَمَعَتْ, "فَإِذَا اِخْتَلَفْتُمْ", أَيْ فِي فَهْمِ مَعَانِيه" فَقُومُوا عَنْهُ" قال الحافظ-رحمه الله-: أَيْ تَفَرَّقُوا؛ لِئَلَّا يَتَمَادَى بِكَمْ الِاخْتِلَاف إِلَى الشَّرّ. ا.ه كلامه.[/font]
[font="] فهذا الحديث من أوضح الأدلة والبراهين: في النهي عمَّا يُنفر ويُحدث الخلاف بين المسلمين, فإذا كان قراءةُ القرآنِ والجلوسُ لسماعه, ومعرفةُ تفسيرِه ومعناه-وهذا من أعظم العبادات-ينتج عنه اختلافٌ: فإننا نقوم عن هذه العبادة, ولا نستمر في هذه الجلسة التي فيها القراءة والعلم, فكيف بمجالسَ عامةٍ لا يُوجد فيها ذكرٌ ولا قراءةُ قرآن, ويُطرح فيها ما يُسبب الخلاف والتفرقة, من التعرُّض للجماعات أو الأشخاص أو الحكومات, فهذه المجالس أولى أنْ يُقام عنها, وتُترك وتُهجر.[/font]
[font="] والمجادلةُ والمخاصمة-يا عباد الله-: سببٌ لنزعة البركة الخير والتوفيق.[/font]
[font="] فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي-رضي الله عنه-قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَان يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ, ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ, ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْر، وَإِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا, فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ[/font][font="]أي: يَطلب كلُّ واحدٍ منها حَقَّه, وفي رواية: يَخْتَصِمَانِ, مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ, فَنُسِّيتُهَا, فَالْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. متفق عليه.[/font]
[font="] قال النووي: وفيه أنَّ المخاصمةَ والمنازعةَ مذمومة, وأنها سببٌ للعقوبة المعنوية. أَيْ: الْحِرْمَان. ا.ه كلامه.[/font]
[font="] هذا-يا أيها الأحباب-, وهما قد طلبا في جدالهما حقًّا لهما, وهما لا يُلامان على ذلك, فمَن طلب حقَّه بالحوار والنقاش فلا لوم عليه.[/font]
[font="] ولكن لَمَّا كان في هذا الجدال شيءٌ من الخصومة, ورفعِ الصوت والغضب, عُوقبوا بالحرمان من هذا الخير والفضل.[/font]
[font="] فكيف بالمجادلات والمناقشات العقيمة, في أمورٍ تافهةٍ سقيمة, فلْيعلم هؤلاء الْمُبْتَلَوْن بالْمُجادلات العقيمة, بل ويتفاخرون بقوة جدالهم وكثرة نقاشهم, أنَّ الله-تعالى-قد حرمهم كثيرًا من الخير والتوفيق, وقلَّةِ البركة والبرّ.[/font]
[font="] واعلموا-يا أيها الفضلاء-أنَّ مَنْ كان شديدًا في جِداله وخِصامه: فهو من أبغض الناس عند الله-تعالى-قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ" متفق عليه.[/font]
[font="] قال العلماء: الْأَلَدّ: هو الشَّدِيد في جِدَالِه, وهو الذي كلَّما فُتح بابٌ للجدال كان أسرَعَهم إليه, وأقواهم مُجادلةً فيه, بلا بحثٍ وعلمٍ ومعرفة.[/font]
[font="] وهذا هو حال أكثر الناس في مُناقشاتهم وجدالهم, تأتي قضيَّةٌ من القضايا، فيَحْتَدُّ النقاش والجدال, ولم يُكلف أحدُهم نفسه أنْ يبحث ويتأكد فيما قاله.[/font]
[font="] فلْنتق الله-تعالى-ولْنُبْعِدْ هذه الْمُجادلاتِ عن مجالسنا, فإنَّها هي التي أفسدتها, وأوحشت قلوبَنا ولوَّثتها.[/font]
[font="]وإذا كان لابُدَّ من النقاش والجدال, فلْيكن عن علمٍ ومعرفة, ورفقٍ وتُؤَدة, فقد أمر الله تعالى نبيَّه-صلى الله عليه وآله وسلم, بأنْ يُجادل غيرَه بالتي هي أحسن, فقال-تعالى-: [وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] قال ابن كثيرٍ-رحمه الله-: أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال, فليكن بالوجه الحسن برفقٍ ولينٍ, وحسنِ خطاب. ا.هـ كلامه.[/font]
[font="] وأمر تعالى المؤمنين أنْ يُجادلوا الكفار بالجدال الحسن, قال-تعالى-: [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ].[/font]
[font="] فقد أُمِرْنا أنْ نُجادل أهلَ الكتاب بالتي هي أحسن, فما بال بعضنا يُجادلُ أخاه بالتي هي أقبحُ وأخشن.[/font]
[font="] نسأل الله تعالى, أنْ يُعيذنا من الجدال الذي لا نفع فيه, وأنْ يرزقنا الرفق في القول والعمل, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.[/font]
[/font][font="]الخطبة الثانية[/font]
[font="] أما بعد: أيها المسلمون, لقد أكثَرَ السلفُ الصالح رحمهم الله, من ذمِّ الجدال العقيم, وحذَّروا منه وبيَّنوا خطره, فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الْمِراءُ لا تُعقل حكمته, ولا تؤمن فتنته.[/font]
[font="] وقال بعض السلف: إذا أراد الله بعبدٍ شَرًّا، أغلق عنه بابَ العمل، وفتح عليه بابَ الجدَل.[/font]
[font="] وقال آخر: دع المراء والجَدلَ، فإنَّك لنْ تُجادل إلا أحدَ رجلين, إما رجلٌ هو أعلم منك، فكيف تعادي وتُجادلُ مَن هو أعلمُ منك! وإما ورجلٌ أنت أعلمُ منه، فكيف تعادي وتُجادِل من أنت أعلمُ منه ولا يُطيعُك!.[/font]
[font="] وقال بعضُهم: إذا رأيت الرجلَ لَجُوجًا مُمَارِيًا مُعْجَبًا برأيه, فقد تَمَّتْ خسارتُه.[/font]
[font="] وإنه والله-يا أعزائي-مِنْ خلال التجربةِ ومعرفةِ حالِ هؤلاءِ الْمُجادلين, الْمُكثرين في الأخذ والردّ في المجالس وغيرها: لا يُعرف عنهم صوابٌ في الرأيّ, ولا حِنكةٌ ورجاحةُ عقل, وهم بغيضون ثقيلون عند الناس، وهم أشدُّ الناس إعجابًا برأيهم, وازدِراءً لآراء غيرهم, ولو كان الْمُخالفُ لهم عالِمًا وعارفًا, وهم أقلُّ الناس اشتغالا بما يُصلحهم وينفعهم, لأنَّ من اشْتغل بالجدال: صار حليفُه الخسارةَ في جميع الأحوال.[/font]
[font="]نعوذ بالله أنْ نكون ممَّن أُوتي الجدل, وحُرم التوفيق والعمل, ونسأله أنْ يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته, إنه سميعٌ قريبٌ مٌجيب.[/font]
تعديل التعليق