ذم التسول / محطة رمضان / مناسبة للجوال

د. ماجد بلال
1443/08/22 - 2022/03/25 08:43AM

ذم التسول لـ/إبراهيم العريفان /محطة رمضان

ماجد بلال، جامع الرحمن بتبوك 22/8/1443ه

الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى، وَأَضَّلَ بِحِكْمَتِهِ وَهَدَى، وَمَنَعَ وَأَعْطَى، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ العَلِيُّ الأَعْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، النَّبِيُّ الـمُصْطَفَى، وَالرَّسُولُ الـمُجْتَبَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اِهْتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

 

أيها الأخوة الأعزاء لدينا اليوم موضوعان اثنان،

أما الأول فعن التسول:

ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ فُقَراءِ الصَّحَابَةِ أَنْهَمْ كَانُوا لَا يُظْهِرُونَ فَقْرَهُم، وَلَا يُعلِنُونَ حَاجَتَهُم لِلنَّاسِ، بَلْ إنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ تَعفُّفِهِم يَظنُّهم مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهِمْ أَنَّهُمْ ]أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا[.

وَنَهَى رَسُولُ اللهِ r فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ وَطَلَبِهم، فَقَالَ r (لا تَزَالُ الْمَسْألَةُ بأَحَدِكُمْ حتَّى يَلْقَى اللهَ، ولَيسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم) وَقَالَ رَسُولُ الله r (مَن سَألَ الناسَ أَمْوالَهم تَكثُّرًا، فإنَّما يَسأَلُ جَمْرًا، فلْيَستَقِلَّ، أو لْيَستكثرْ) وسؤالُ اللهِ تعالى؛ أجدَى مِن سؤالِ المخلوقين، قال r: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللهُ له برزقٍ عَاجِلٍ أو آجِل) وكان r يأمرُ أصحابَهُ دائمًا بالاستِعفَافِ والبُعدِ عن سؤالِ الخَلْق، فعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t أنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رسولَ اللهِ r، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حتَّى إذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قال: (مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ).

وامْتِهَانُ التسوُّل، والإعانَةُ عليه؛ يؤدِّي بالنَّاسِ إلى العَجْزِ والكسَل، ويَنْشُرُ فيهِمُ البَطَالةَ والتَّواكُل، وحُبَّ القُعودِ، وكُرْهَ العمَل، قال ﷺ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ) ويقولُ r:(المؤمِنُ القَويُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمِنِ الضَّعيف، وفي كُلٍّ خير، احْرِصْ على ما يَنْفَعُك، واستَعِنْ باللهِ، ولا تَعْجَز).

فعلينا عباد الله أن نتعاون على البر والتقوى فمن رأينا يسأل الناس إن شديدا قادرا على العمل حثثناه على العمر وترك سؤال الناس، وإن كان غير ذلك تأكدنا من أوضاعهم إن كانت فاتورة كهرباء ساعدناه في سدادها وإن عانت مؤنة بيت ساعدناه في توفيرها وألا نمكنه من النقد قدر الإمكان حتى لا تكون له مهنة وعادة

 

وأما الموضوع الثاني فقصة.

يقول الدكتور إبراهيم فقي رحمه الله تعالى: حدثني أحد الأصدقاء عن قصة حصلت له يقول في يوم من الأيام قررت أن أعمل مفاجأة للزوجة والأولاد، فحجزت عدة أيام في إحدى المنجعات الجميلة المطلة على البحر، جئت إلى زوجتي وأولادي فأخبرتهم بالخبر فطاروا فرحاً بهذه المفاجأة الجميلة، ولكن قالت زوجتي لدي غداً مناسبة ولا بد من حضورها، وافقت على ذلك وقلت لا بأس ننطلق بعد حضور المناسبة مباشرة، وفي اليوم التالي أخذنا حقائب السفر وكل ما نحتاج إليه من البيت، وذهبنا إلى مناسبة العشاء وبعد الانتهاء من المناسبة في الليل ركبنا السيارة وتوقفت في إحدى التموينات الغذائية لأخذ التسالي والمرطبات للأولاد منها، ثم انطلقنا وكلنا لهفة وشوقاً إلى الوصول إلى هذا المنتجع الجميل، الذي نأمل نقضي فيه أوقاتاً ممتعة وجميلة، فهو منتجع ذو فخامة ورفاهية، وفي أثناء هذه السعادة أنا والزوجة والأولاد، ومع كل هذه النشوة والإحساس الجميل، لم تسقط عيناي على مؤشر خزان الوقود وكان البنزين قليلاً في السيارة، وبعد فترة من الزمن ليست باليسيرة، أضاءت إشارة مقياس البنزين فنظرت إليه فإذا مؤشر البنزين منخفض جداً، ولم أشعر بالقلق أملاً في أن أجد على الطريق محطات أتوقف عندها وأتزود بالوقود منها، ولم أفكر بالرجوع، ويا ليتني رجعت، ولكني واصلت المسير وكلي أمل أن أجد محطة أتزود منها، وظللت أسير وأسير وأسير ولم أجد شيئاً وبدأ قلبي يخفق، وزاد القلق عندي، واشتد خوفي، الوقت ليل، والطريق مظلم وموحش، ليس فيه سيارات كثيرة ولا مارَّة، اتصلت على أحد أصدقائي ممن يسكنون في منطقة المنتج وقلت له أنا في المكان الفلاني فأين أرب محطة للبنزين أتنود منها، فكانت الصاعقة، أخبرني أن الطريق منقع ولا توجد به محطات للبنزين، وزاد الأمر سوءاً لما قال لي أن شبكات الهاتف الجوال ستنقطع بعد مسافة من الطريق، اظلمت الدنيا في وجهي وأصبحنا في كابوس مزعج وحالة من الرعب والهلع الشديد، وفعلاً ما هي إلا دقائق وانقطع إرسال الجوال، والبنزين في الرمق الأخير، نسيت كل مشاكلي في الحياة، وتناسيت كل أنواع المنغصات، ونسيت كل أنواع الاهتمامات، وانحصرت آمالي وتطلعاتي وأمنياتي وأحلامي كلها في شيء واحد فقط هو محطة بنزين!، أصبحت كل أملي في الحياة محطة بنزين، أصبح أملي من الدنيا كلها فقط محطة بنزين، لو كنت لوحدي لهان الأمر، لكن معي زوجتي وأطفالي، فبدأت أخاف عليهم اللصوص أو قطاع الطريق أو أن ننقطع فنهلك من الجوع والعطش، تعلقت آمالي في الدنيا كلها في محطة بنزين، لو عرضت علي بأغلى الأثمان لدفعتها في سبيل انقاذ اطفالي وزوجتي، فقررت ألا أستسلم وأن أمشي بكل هدوء وتروىٍ حتى تتوقف السيارة تماماً أو أجد بغيتي، وبعد فترة من المشي رأيت نوراً من بعيداً فدب في قلبي الأمل، لكنه أمل واهيٍ، أمل معلق، لأن هذا النور الضئيل أصغر من أن يكون محطة بنزين، وبالفعل لما اقتربت منها، وجدتها استراحة فقيرة جداً، فشعرت بالإحباط فنزلت فوجدت فيها شيخا كبيرا يبيع فيها فسألته ماهي أقرب محطة عنها توقفت الدنيا كلها عندي بكلمة تخرج من فم هذا الشيخ الكبير وكلي لهفة أن يشعل في قلبي النور الذي كاد أن ينطفئ وكاد أن ييأس، فأجاب الرجل وقال أقرب محطة على بعد ثلاثة كيلوا مترات، فطرت من الفرحة واحتضنته، واثناء احتضاني له لم ارد أن أتعلق بهذا الفرح الذي قد يكون فرحاً واهماً، أو قد تكون المحطة خالية من البنزين، لكني حمدت الله وبشرت زوجتي وأولادي وركبت السيارة وانطلقت مكملاً السير في الطريق الذي وصفه لي، واثناء السير عين على مؤثر الوقود وعين على الطريق بحثاً عن بصيص الأمل، حتى وحد المحطة المنشودة ولنها مظلمة وموحشة وليس فيها أحد، وفي أثناء ما أنا محبط إذ خرج لي رجل مستغرب من مجيئي في هذه الساعة المتأخرة من الليل غير المعتادة على هذا الطريق الموحش، فقلت له يا رجل هل عندكم بنزين فقال لي نعم عندنا وأن أكاد لا أصدق ما اسمعه كانت أجمل نعم في حياتي كلها انهرت على الأرض وخررت ساجداً لله شكرا على هذا الخبر الجميل من شدة الفرح وعودة الأمل في الحياة لي، وفعلاً تزودنا بالبنزين وأخذنا ما نحتاج إليه لإكمال المسير والسفر إلى هذا المنتجع الجميل الذي ننشده، وعادت إلينا البهجة والسرور وشعرنا أننا ولدنا من جديد وكتبت لنا حياة جديدة من شدة الفرح والسرور

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

يقول الدكتور إبراهيم فقي رحمه الله تعالى: فأصبحت هذه القصة تحضرني كل سنة إذا أتى رمضان، فالإنسان في هذه الحياة مثل هذا الرجل الذي كان يمشي بلا زاد وبلا وقود وكاد أن ينقطع، وكذلك الإنسان زاده التقوى ووقوده العبادة والإيمان بالله والعبادة والطاعة، فكلما تزود الإنسان وأكثر من العبادة والطاعة وفعل الخيرات من صيام وصلاة وذكر ودعاء وقراءة للقران كلما كان مستعدا للوصول إلى ذلك المنتج الجميل الذي هو جنة عرضها السماوات والأرض، وكلما قلت عبادته وقلت طاعته وزادت معصيته وبعده عن الله عز وجل كلما كان قريباً من الهلاك والانقطاع والتردِّي، لذلك جعل الله رمضان محطة للتزود للمسلمين للمقصرين للبعيدين أن يتوبوا ويعودوا ويؤبوا إلى الله، لذلك كان النبي e وهو القائد والحاكم ورب الأسرة والقاضي والإمام، مع كل هذه المشاغل، كان يترك ذلك كله، وينكب على عبادة الله، فإذا أتت العشر الأواخر دخل مسجده وانقطع عن الناس واعتكف على عبادة الله سبحانه وتعالى، فإذا سئل عن كثرة عبادته e قال (أفلا أكون عبداً شكورا)

اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

صلوا وسلموا 

المرفقات

1648197805_خطبة ذم التسول ومحطة رمضان ماجد بلال.pdf

1648197809_خطبة ذم التسول ومحطة رمضان ماجد بلال.docx

المشاهدات 482 | التعليقات 0