{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} 16 /7/ 1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى : {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} 16 /7/ 1446هـ
الحمد لله يُعزُ من يشاء ويُذلُ من يشاء ، إنه هو العزيزُ الحكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) انزل الله في كتابه الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم){وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ }
آيات بينات محكمات تكلم بها رب العزة والجلال ، تتلوها الأفواه وترددها الأجيال ، آيات تجلي موقف العز والثبات ولانتصار بالحق ، ولو جرى عليهم الحرق ، انتصر أصحب الاخدود ، وإن حرقوا بالنار ذات الوقود .. {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}
الانتصار أن تصمد أمام الباطل بقلبك ومنهجك واعتزازك وإن عاداك اهل الارض "وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ "
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
الانتصار ليست طائرات ترجم ، أو بيوتٌ تهدم ، الانتصار أن تثبت على دين الله وإن كنت وحدك ، وأنت تتحدى قوى الكفر بعقيدتك وتوحيدك لله جل جلاله ..
قَالَ الغلام المؤمنُ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ "أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
انتصر هذا الغلام بإيمانه بالله وثقته بالله ، فأحيا الله به أمة تؤمن بالله وتثبت على دين الله، أي نصرٍ أعز من هذا النصر ، وأي ثبات أقوى من هذا الثبات ، خلد الله ذكرهم وقص نبي الله r خبر أمرهم.. " ذلك الفوز الكبير "
لن تهزم النفوس المؤمنة وإن قتلت ، ولن تذهب حلاوة الإيمان وإن قهرت {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}..
يرى الناس أهل غزة مستضعفون منهزمون ولكنهم بعزتهم وثباتهم منتصرون
يسيرون للهيجاء ملء صدورهم ** ثبـــــات وعــــــزم لا يبــــــالون بالقتـــل!
لقد أقسموا أن لا تنام جفونهم ** وقد بات مسلوب الكرى مسرى الرسل
الجبارون المعتدون من اليهود لا يرون النصر إلا بالقتل ، فقتلوا وشردوا وأحرقوا وقد كانوا من قبل يَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وظهرت هزيمة اليهود أمام فئة مؤمنة أبت أن تستسلم لهم ، أو تمنحهم أرضهم وديارهم ، عندها يتجلى الاعتزازُ بالدين، وينخذل المهزمون من المنافقين والمرجفين..
إن هذه العزةِ والإباء تجليها نصوصُ الشريعةِ ودروسُ التاريخِ وسننَ اللهِ: أنّ المسلمين بغير الإسلامِ لا قيامَ لهم ، وإنهم بغير الدينِ لا عزّ لهم ، ذلك أنّ الإسلامَ وحدَهُ ولا شيء غيرُه هو الذي يربي ويبني ، ويزكي ويقوي، ويزرعُ العزةَ والنصر {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
ومَن صدَّق بما في القرآن فلن يتنازل عن حقٍ أبداً: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً}
والنصر على اليهود متحتم بنص الكتاب {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}، وفي صحيح مسلم " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ"
، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الخطبة الثانية :
الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما مصدر العزة للنفس والمجتمع والبلاد والأمة أجمع ، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أقوم طريق وأعلاه واسناه.
لا عزّ للأمةِ إذا رفعت شعاراتٍ غيرَ شعارِ الإسلامِ والإيمان ، ولا نصرَ إذا نادت بغيرِ نداءاتِ التوحيدِ والقرآن {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
ولا تمكين في الأرضِ بغير إقامة الدين{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
إنّ الأمةَ لا يُعزُها فوزُ لاعبٍ أو رقصُ مغنٍ أو سخافاتُ مهرجٍ {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}
لا يُعزُ الأمةَ إلا قولُ الله عزّ وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} تحيا النفوسُ بهدي القرآن، وتستيقظُ الضمائرُ بواعظِ الإيمان، ويحرِكَ مشاعرَها الاحساسُ بالجسد الواحد. {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} ..
اللهم أعزنا بطاعتك واحفظنا والمسلمين بحفظك .. اللهم كف بأس الذين كفروا فأنت أشد بأساً وأشدُ تأويلا
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ...
المرفقات
1737024432_{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}.docx
1737024432_{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}.pdf