ذكرَ اللهَ خاليًا-30-6-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/06/29 - 2024/01/11 14:57PM

ذكرَ اللهَ خاليًا-30-6-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

ذَكَرَ رسُولُ اللَّهِ-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-فِي السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: "ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، قال: "خَاليًا"، فَهو لم يَبكِ لِيَراهُ النَّاسُ، ولم يبكِ لأنَّه رَأى غَيرَهُ يَبكي فَجَاشتْ مَشَاعرُهُ وفَاضَتْ عَينَاهُ، إنما هو مجلسٌ ليسَ فيه إلا هو واللهُ-سُبحَانَهُ وَتَعَالى-. 

الخلوةُ مع اللهِ-تعالى-، عبادةٌ عظيمةٌ، وجلسةٌ مُباركةٌ، كانتْ حاضرةً في سيرةِ النَّبيِّ-صلى اللهُ عليه وسلمَ-، تقولُ أمُنا عائشةُ-رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: "إنَّ النَّبيَّ-صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-كَانَ يَعتكفُ العَشرَ الأواخرَ من رَمضانَ حتَّى تَوفَّاهُ اللهُ"، أيامٌ وليالٍ وسَاعاتٌ، يخلو بها مع ربِّ الأرضِ والسَّماواتِ، ووَقتُه أثمنُ وقتٍ، ويحتاجُ إليهِ الناسُ، ومعَ ذلكَ يحتاجُ إلى وقتٍ يخلو فيه مع ربِّهِ ومولاه، ويَتفكَّرُ في نعَمِ اللهِ، ويُحاسبُ نفسَه على ما قدَّمَ في أُخراه، ويتعبَّدُ بتلاوةِ القُرآنِ، ودُعاءِ الرحمانِ، وذِكرِهِ باللِسانِ، وصلاةٍ خاشعةِ الأركانِ، فكيفَ بنا نحنُ؟ ألا نحتاجُ إلى خَلوَةٍ مع اللهِ، نُجدِّدُ بها العهدَ والميثاقَ، ونَروي ظمأَ المُشتاقِ؟ كَانَ حبيبُ أبو محمدٍ-رحمه الله تعالى-يَخلو في بيتِه ويَقولُ: "من لم تَقَرَّ عينُه بِكَ فلا قرَّتْ، ومن لم يأنسْ بكَ فلا أَنِسَ".

نحتاجُ في دوامةِ الحياةِ المُتَسَارعةِ، أن يكونَ للإنسانِ أوقاتٌ يخلو بها مع رَبِّهِ-تعالى-، ينظرُ فيها إلى خُطواتِهِ، ويُراجعُ فيها حساباتِهِ، قالَ-سُبحانَه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، هذه الخلوةُ مع اللهِ، هي أُنسُ المُتَّقينَ، وربيعُ المؤمنينَ، يَخلو العبدُ بربِّه-تعالى-في مُناجاةٍ ودُعاءٍ، في لحظاتِ صِدقٍ وصفاءٍ، يترقى العبدُ بها من الإسلامِ إلى الإيمانِ، ومنَ الإيمانِ إلى الإحسانِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "الإحسانُ أنْ تَعبدَ اللهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تكنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ"، هناكَ يحطُّ المحسنُ رِحَالَهُ، ويُنِيخُ مطاياهُ، ويُريهِ اللهُ واسعَ جودِهِ وجزيلَ عطاياهُ.

يا من مَددتُم إلى الرَّحمنِ أيديَكُم*

                         لقد وقفتُم بـمن لا يُغْلقُ البابا

ستَبلغونَ أمانِيَكُم بقُدرتِهِ*

                         هذا هو اللهُ، من ناداهُ ما خابا

نحتاجُ أن: نَخرجَ قليلًا من صَخبِ اللِّقاءاتِ، وكَثرةِ الاجتماعاتِ، ونبتعدَ قليلًا عن مُخالطةِ الأصحابِ، وننعزلَ ساعةً عن الأهلِ والأحبابِ، لنخلوَ معَ قراءةِ الأذكارِ وتلاوةِ آياتِ الكتابِ، قالَ مسلمُ بنُ يَسارٍ-رحمَه اللهُ تعالى-: "ما تَلذَّذَ المُتلذِّذونَ بمثلِ الخلوةِ بمناجاةِ اللهِ-عزَّ وجَلَّ-".

بِكَ، لا بغيرِكَ تَفْخَرُ الأبياتُ*

                             وتتيهُ في أوزانِها الكلماتُ

والرَّوحُ إن ذَكَرَتْكَ في خَلواتِها*

                       طَابتْ بطيبِ حَديثِكَ الخَلواتُ

نحتاجُ أن نُقَلِّلَ من النظرِ إلى أجهزتِنا وجوالاتِنا، التي أبعدتنا عن الخلوةِ بربِّنا، قد تسمَّرتْ أعينُنا في شاشاتِها، وانشغلتْ أصابعُنا في تقليبِ صفحاتِها، فأصبحنا مُدمنينَ لها، ولا يستطيعُ أحدُنا أن يبتعدَ عنها، ولو نسيناها في مكانٍ، أو انتهى شحنُها في زمانٍ، لوجدتَ الأرواحَ كطُّيورِ محبوسةٍ في قفصِ، تَضْطَرِبُ وتُرَفْرِفُ بجناحَيها تبحثُ عن مخرجٍ، نلتفتُ يمينًا وشِمالًا باحثينَ عن شاحنٍ، أو أحدٍ نتحدَّثُ معه لنُمْضِيَ الوقتَ، قد أصبحتْ الرَّوحُ والجسدُ أعداءً، فلا نأنسُ بلحظاتِ الصَّفاءِ، فمتى سننتبُه لهذا الدَّاءِ؟

هناكَ خلوةٌ مع اللهِ تكونُ عندَ وضعِ الرَّأسِ على وِسادةِ النَّومِ، فيسترجعُ العبدُ شَريطَ أحداثِ اليومِ، فيا حسرتا يا مسكينُ: كم أضعتَ من الأوقاتِ؟! فهلْ عَوَّضْتَ ما فاتَ، قبلَ أن يُقالَ: فلانٌ ماتَ؟! يَقولُ محمدُ بنُ واسعٍ-رحمَه اللهُ تعالى-: "لقد أَدركتُ رِجالًا، كَانَ الرَّجلُ يَكونُ رَأسُه مع رَأسِ امرأتِه، على وِسادةٍ وَاحدةٍ، قَد بلَّ ما تحتَ خَدِّهِ من دُموعِه، لا تَشعرُ به امرأتُه، ولقد أَدركتُ رِجالًا يَقومُ أَحدُهم في الصَّفِّ، فتَسيلُ دُموعُه على خَدِّهِ، ولا يَشعرُ به الذي إلى جَانبِه"، هؤلاءِ الذينَ يستفيدونَ من الآياتِ والهُدى، قالَ-تعالى-لنبيِّهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: (إنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ).

وَمَا أبْصَرتْ عَينَايَ أَجمَلَ مِنْ فَتًى*

                           يَخَافُ مَقامَ اللّٰهِ فِي الخَلَواتِ

وهناكَ من يخلو بقلبِه مع اللهِ-تعالى-وهو بينَ النَّاسِ، جسدُه بينَهم، وقد طارَ قلبُه في ملكوتِ السَّماواتِ، يذكرُ اللهَ-تعالى-في نفسِه، فيذكرُه اللهُ-تعالى-في نفسِه، قَالَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِي الحَدِيثِ القُدُسيِّ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي"، مَشغولٌ بالتَّأمُّلِ في نِعمِ اللهِ وآلائِهِ، مُتفكِّرٌ في آياتِه، ورؤيةِ آثارِ رحمتِهِ، وعَجائبِ قدرتِهِ، وبَديعِ صُنعِه، مُتدبِّرٌ في قوَّتِهِ في نَصرِ المؤمنينَ، وبَطشِهِ في إهلاكِ الظَّالـمينَ، على مرِّ القرونِ والسِّنينَ، ولِسانُ حالِ قلبِه يقولُ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).

كانَ الإمامُ الكبيرُ عبدُ اللهِ بنُ المباركِ-رحمَه اللهُ تَعالى-مَرفوعَ الذِّكرِ عِندَ النَّاسِ لنَقاءِ سَريرتِه، وخَفاءِ طَاعاتِه وبُكائِهِ، يَقولُ أَحدُ تَلاميذِه: "سَافرتُ مع عَبدِ اللهِ بنِ المباركِ فرَأيتُه في السَّفرِ، فقلتُ: سُبحانَ اللهِ يُصلي كصلاتِنا، ويَقرأُ كقراءَتِنا، ويَصومُ كصيامِنا، ورفعَ اللهُ له الذِّكرَ الحسنَ في النَّاسِ، ورَفعَ اللهُ له مكانتَه في العَالمينَ، فبماذا؟ قَالَ: فدخلنا حُجرةً ونحنُ مُسافرونَ، فانطفأَ السِّراجُ عَلينا، فذهبنا نَلتمسُ سِراجًا نَستضيءُ به، فأَتينا ابنَ المباركِ بعدَ سَاعةٍ بالسِّراجِ، فإذا هو في الظَّلامِ يَبكي ودُموعُه تَتَحدَّرُ من رأسِ لحيتِه، قلنا: مَالكَ يا أبا عبدِ الرحمنِ؟ قالَ: واللهِ لقد ذَكرتُ القبرَ بهذهِ الغُرفةِ المظلمةِ الضَّيقةِ فكيفَ بالقَبرِ؟" هذا هو السِّرُّ، إنَّها دُموعُ الخَلَواتِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فهناكَ خَلوةٌ باللهِ-تعالى-تكونُ كلَّ ليلةٍ، عندما تنقطعُ الخُطواتُ، وتسكتُ الأصواتُ، وينامُ النَّاسُ في سُباتٍ، فينزلُ ربُّ الأرضِ والسَّماواتِ، يَقُولُ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "ينزل رَبُّنَا-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ"، نزولًا يليقُ بِهِ-سبحانَهُ-حِينَها يستيقظُ محبو اللهِ طَمعًا في اللِّقاءِ، ويتسللونَ مِن مراقدِهم في خَفاءٍ، فيا فرحةَ وسعادةَ الأتقياءِ، يَقولُ ثَابتُ البُنانيُّ-رَحمَه اللهُ تعالى-: "كَابدتُ نَفسي على قِيامِ اللَّيلِ عِشرينَ سَنةً، وتَلذَّذتُ بِه عِشرينَ سَنةً".

فما هو حديثُهم؟ يَقُولُ لهم-تعالى-: "مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ"، فَيُخرِجُونَ أَورَاقَهم، ويبُثُّونَ أَشوَاقَهم، فيا أيُها الشاكي المبتلى، ارفعْ يديكَ بالدعاءِ، ففي ذلكَ الوقتِ تُصدرُ القراراتُ، من ربِّ الأرضِ والسَّماواتِ، فإذا طلعتْ الشَّمسُ جاءتْ البُشرى، وأُجيبتْ الدَّعوى.

وإذا قالَ: "مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"، أَجَابتهُ الدَّمعاتُ، والنَّدمُ على ما فَاتَ، يَرجُونَ بِتَوبتِهم ما وعدَ بالآياتِ، (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)، فأينَ نحنُ من هذه الخَلواتِ؟ أينَ نحنُ من هذا الخيرِ والحَسناتِ؟

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1705024915_ذكرَ اللهَ خاليًا-30-6-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1705024915_ذكرَ اللهَ خاليًا-30-6-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1047 | التعليقات 0