ذكر الله حياة

أنشر تؤجر
1446/07/16 - 2025/01/16 16:28PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ).
أيها المسلمون : تَتَّسِعُ الحَيَاةُ وَتَضِيْقُ ، وَيَلِيْنُ العَيْشُ وَيَقْسُوْ ، فَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ.

وَمَعَ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ وتَلوُّنِها ، يَظَلُّ القَلْبُ باضْطِرابٍ تَتَنازَعُهُ هُمُومٌ وتتلاعَبُ بِهِ أَوْهَام ؛ ولا يُرسِيْ دَعَائمَ القَلْبِ إِلا إيمانٌ باللهِ رَاسِخٌ ، وَتَوْحِيْدٌ للهِ خَالِصٌ ، وَعَمَلٌ للهِ صَالح . 

وذِكرُ اللهِ لِلْقَلْبِ سُلْوَةٌ وَطُمَأَنِيْنَة ، وَصِلةٌ بِاللهِ وَسَكِيْنَة ، وحِصْنٌ حَصِيْن ، وَحِرْزٌ مَتِيْنُ { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }.

وفي الشَّدَائِدِ ذِكْرُ اللهِ لِلْمَرْءِ عَوْنٌ ؛ وفي النَّوَازِلِ ذِكْرُ اللهِ للمرءِ ثَبَات ، كما قال الله تعالى :{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

ذِكْرُ اللهِ مَدَدٌ وتأَيِيْد ، ونَشاطٌ وعَزِيْمَة وإِقْدَام ؛ قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ مُوْسَى عليه السلام { اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى } (وَلا تَنِيَا فِيْ ذِكْرِيْ) أي : لا تَفْتُرا عَن ذِكْرِي ، ولازماهُ دَوماً لا تَغْفَلا ، فَإنَّ الذِكْرَ لِقُلُوْبِكُمْا قُوْتٌ ، ولِقُواكُمْا قُوَّةٌ ، ولِخُطاكُما ثَبَاتٌ ، ولِطَرِيْقِكُما نُور .

أيها المؤمنون : ذِكْرُ اللهِ مَنْزِلَةٌ مِنْ أَكْرَمِ مَنازِلِ العُبُودِيَّة ، ومَرْتَبَةٌ مَنْ أَرْفَعِ مَراتِبِ الإِحْسَانِ ؛ فَمْنْ ذَكَرَ اللهَ ذَكَرَهُ اللهُ ، ومَنْ ذَكَرَ اللهَ أَحَبَّهُ اللهُ :{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }.

يُقْبِلُ الليلُ وَيُدْبِر، ويُظْلِمُ الكَوْنُ ويُسْفِر، وقُلُوبُ المُقَرَّبِيْنَ تَرْفُلُ في رِياضِ الذَّاكِرِين ؛ حَيَاتُهُم بالذِّكْرِ مَعْمُوْرَة ، وأَرواحُهُم بِه مَسْرورَة ، لَمْ يُشْغِلْهُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ شَاغِلْ ، ولَمْ يَصْرِفْهُمْ عن ذِكْرِ اللهِ صَارِف ، كما قال الله تعالى في وصف حالهم :{ الذين يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 

فهم مَعِيَّةِ اللهِ وحِفْظِه ، وفي وَلايَتِهِ وتأَييدِه ؛ أَحَبَّهُم اللهُ وأَحَبُّوه ، دَعاهُم إِلى الإِكْثارِ مِنْ ذِكْرِهِ فلَبَّوْهُ وأَجابُوه :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا }.

وَمَنْ أَحَبَّ شَيئاً أَنِسَ بِذِكْرِه ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيئاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِه ، واللهُ مَعَ الذَّاكِرِيْن ، في الحديثِ القُدْسِيّ قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ :« أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرنِي في مَلأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ » متفق عَلَيْهِ .

ذِكْرُ اللهِ زَادٌ مِنَ الحَسَناتِ تَثُقُلُ بِهِ المَوازِيْن ، مُيَسَّرٌ للمَرْءِ في كُلِّ وَقْتٍ وحِيْن ، لا يُعِيْقُ عَنْ شُغْلٍ ، ولا يْقعِدُ عَنْ كَسْبٍ ، ولا يَصْرِفُ عَن تِجارَة ؛ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ شُغْلٍ ، وأَكْرَمُ كَسْبٍ ، وأَرْبَحُ تِجَارَة ؛ فعَن أَبِيْ هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ ، ثَقِيلَتانِ في المِيْزَانِ ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ : سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ » متفق عليه .

وأَعْظَمُ الذّْكْرِ قُرآنٌ يُتْلى ، فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلى اللهِ بِمِثلِ تِلاوَةِ كَلامِه ؛ والصَّلاةُ مِنْ أَجَلِّ العِبادَاتِ ، ومَا شُرِعَتِ الصَّلاةُ إِلا لِذِكْرِ الله ، تَكْبِيْرٌ للهِ وَتَحْمِيْد ، وَتَعْظِيْمٌ لَهُ وَتَوْحِيْد ، وتَسْبِيحٌ لَهُ وتَمْجِيْد ؛ قَيامٌ ورُكُوعٌ وسُجودُ واطْمئنان، ؛ فَمَا حَوَتْ عِبادَةٌ مِنْ الذِكْرِ ما حَوَتْهُ الصَّلاة :{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي }.

وَذِكْرُ اللهِ في أَدْبارِ الصَلَواتِ ، حَسَناتٌ إِثْرَ حَسَنات ؛ وهي وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِفُقَراءِ المُهاجِرِين :( أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُوْنُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟) قَالُوْا : بَلَى ، يَا رَسولُ اللهِ قالَ :( تُسَبِّحُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً ) رواه مسلم .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } بارك الله لي ولكم..

الخطبة الثانية :

 الحمدُ لله ربِّ العالمينَ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ ولي الصالحينَ ، وأَشْهدُ أَن محمداً عبده ورسوله أصدق الذاكِرِين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن ذِكْرَ اللهِ حَيَاةٌ ؛ فعن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال :« مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ » رواه البخاري ومسلم .

لَئِنْ سَلَبَتْ كُنوزُ الدُّنيا عُقولاً ، فَلَكُنُوزُ الذِّكْرِ أَبْقَى وأَكْبَر { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ذِكْرُ اللهِ كَنْزٌ ، فَمَا الدُّنْيَا وَمَا قُصُورُها؟ وَمَا الدُّنْيَا وما مَرَاكِبُها ؟ وَمَا الدُّنيا وما أَمْوَالُها ؟ ما الدُّنيا ومَنَاصِبُها؟ فَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرْ ، عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال :« لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ » رواه مسلم .

وإِذا أَراد اللهُ بِعَبدٍ خَيْراً أَعانَهُ على لُزُومِ الذِّكْرِ ، فَلا يَغْفَلُ ولا يَنْسَى ، ولا يعَجَزُ ولا يَكْسَلْ ، أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ مُعاذٍ رضي الله عنه وَقالَ لَه :( يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عبادَتِك(  رواه أبو داود

ومَنْ اسْتَحْكَمَتْ عليه الغَفْلَةُ أَحاطَتْ بِهِ الشَّياطِيْن ، ومَنْ اسْتَحْوَذَ عَلِيْهِ الشَّيْطانُ أَنْساهُ ذِكْرَ الله { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }

 اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك ..

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم ، واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين .

" اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثا مغيثا ، نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل ، تسقي به البلاد وتنفع به العباد . اللهم أسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق "

{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

المرفقات

1737034093_ذكر الله 1.docx

المشاهدات 767 | التعليقات 0