ذاك شهر الصوم لاحت بوارقه

محسن الشامي
1436/08/24 - 2015/06/11 21:04PM
الْحَمْدُ للهِ الذِي فَاضَلَ بَيْنَ الأَزْمَان وَجَعَلَ سَيَّدَ الشُّهُورِ رَمَضَان وَوَفَّقَ لاغْتِنَامِهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَالإِيمَان أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اجتهد في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه فكان عبدا شكوراً صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد عباد الله اتقوا اللهَ تعالى وَأَطيِعُوهُ وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَلا تَعصُوهُ وأعلموا أَنَّ الْحِكْمَةَ مِنَ الصِّيَامِ هِيَ حُصُولُ التَّقْوَى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}

إخوة الايمان هَاهُوَ رَمَضْانُ أَقْبَلَتْ بَشَائِرُه وَذَاكَ شَهْرُ الصِّيَامِ لاحَتْ بَوَارِقُه فماهي إلاأيام قلائل وندخل مَوسِمًا عَظِيمًا وسُوقًا رَابِحَةً سوقٌ تُصقل فيها القلوب وتتهذب فيها النفوس ويتجدد بها الإيمان تِلكُم هِيَ سُوقُ رَمَضَانَ وَمَوسِمُ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالقُرآنِ فَأَينَ المُتَزَوِّدُونَ مِنَ التقوى فَلْيَستَعِدُّوا؟ أَينَ المُشَمِّرُونَ للآخِرَةِ فَلْيَتَأَهَّبُوا؟ أَينَ الرَّاغِبُونَ فِيمَا عِندَ اللهِ فَلْيُقبِلُوا؟ فَإِنما هي أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ وَلَيالٍ قَلائِلُ تَمُرُّ سَرِيعًا كَمَرِّ السَّحَابِ ثم تَنقَضِي وَقَد تَزَوَّدَ مُشَمِّرٌ وَنَدِمَ مُسَوِّفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فهنيئا لمن كان في تجارته مع ربه صادقًا ولهدي نبيه موافقًا قال صلى الله عليه وسلم"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"وقال صلى الله عليه وسلم"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"قال الحافظ ابن حجر المراد بالإيمان الاعتقاد بفرضية صومه.واحتسابا أي طلب الثواب من الله تعالى وفي مدينة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم كانت البشرى تُزَفُّ لأولئك الأطهار من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم يزفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "قَد جَاءَكُم شَهرُ رَمَضَانَ شَهرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللهُ عَلَيكُم صِيَامَهُ فِيهِ تُفتَحُ أَبوَابُ الجِنَانِ وَتُغلَقُ فِيهِ أَبوَابُ الجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍمَن حُرِمَ خَيرَهَا فَقَد حُرِمَ) إنها البشارة التي عمل لها العاملون وشمر لها المشمرون وفرح بقدومها المؤمنون فأين فرحتك يا عبد الله ؟ وأين شوقك ؟ وأنت ترى الأيام تدنو منك رويداً رويداً لتضع بين يديك فرحة كل مسلم لتضع بين يديك شهر القرآن{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}

فهنيئاً والله لمن وفقه الله لبلوغه فبلوغ رمضان نعمة عظيمة وفضل من الله كبير فلا يعلم أحدنا أنفسه تدرك هذا الشهر وتبلغه فيهنّيها أم تخرج روحه قبل دخوله فيعزّيها فكم والله ممن نعرفه صام معنا رمضان الماضي ثمّ صار إلى عالَمِ الدود واللحود بعد أن استلّه هادم اللذّات من بينِنَا كم من قريب لنا فقدناه وكم من عزيز علينا دفنّاه وفي اللحد أضجعناه يتمنون أن يعودوا حتى يصوموا يوماً واحداً من أيام رمضان أويقوموا ليلة واحدة من لياليه ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهلٍ وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ حياً فما أقرب القاصي من الداني


أيها المباركون لَو نَظَرَ كُلٌّ مِنَّا فِيمَا مَضَى مِن عُمُرِهِ وَمَا خَلا مِن أَيَّامِ دَهرِهِ ثم سَأَلَ نَفسَهُ: كَم رَمَضَان مَرَّ عَلَيَّ؟ وَمَاذَا فَعَلتُ فِيمَا مَضَى مِن مَوَاسِمَ؟ هَل كُنتُ فِيهَا مَعَ المُشَمِّرِينَ المُسَابِقِينَ المُسَارِعِينَ،أَم كُنتُ مُسَوِّفًا مُقَصِّرًا عَاجِزًا؟ أَقُولُ: لَو طَرَحَ كُلٌّ مِنَّا على نَفسِهِ مِثلَ هَذِهِ الأَسئِلَةِ لَوَجَدَ إِجَابَاتٍ لاتُبَيِّضُ الوَجهَ وَلا تَسُرُّ الخَاطِرَ سَهَرٌ في اللَّيلِ طَوِيلٌ وَنَومٌ في النَّهَارِ وَبِيلٌ، وَتَفوِيتٌ لِصَلاةِ الجَمَاعَةِ، بَل رُبَّمَا تَركٌ لِلصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ وَتَضيِيعٌ لها، وأما عن الزهد في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَقِيَامِ اللَّيلِ فلا تسل؟! و أَمَّا القُرآنُ فَمَا أَطوَلَ شَكوَاهُ مِنَ الهَجرِ وَعَدَمِ العِنَايَةِ بِهِ!وَأَمَّا الإِنفَاقُ فَمَا أَقَلَّ نَصِيبَنَا مِنهُ وَأَمَّا المُشَارَكَةُ في البِرِّ وَنَفعِ الآخَرِينَ فَمُقِلُّونَ مِنهَا. هَذِهِ هِيَ أَحوَالُ أَكثَرِنَا فِيمَا مَضَى وَخَلا إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ فَلِلجَمِيعِ نَقُولُ: يَا إِخوَةَ الإِسلامِ وَيَا أُمَّةَ القُرآنِ هُبوا واغتنموا مواسم الخيرات فما هي إلا أيام ويحل شهرُ الغفران المرتجَى شهرُ النّفَحات وإقالةِ العثرات فبادر يا عبدالله ولا تكن ممّن أبى وخرج رمضان ولم ينَل فيه الغفرانَ صعدَ رسول الله المنبرَ فقال (آمين آمين آمين) فقيل يا رسولَ الله إنك صعدتَ المنبرَ فقلت (آمين آمين،آمين))فقال رسول الله (إنّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال من أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخلَ النار فأبعَدَه الله قل آمين قلتُ آمين)

وَمِن هُنا أَيُّها المُسلمُون فَإِنَّ عَلَىينا أن نتخذ من استقبال شهرنا موقف توبة ومحاسبة فنستقبله بالاستغفار وهجرِ الذنوب وردِّ المظالِمِ و إخلاصِ العِبادَة لله وحدَه والتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوح فَإنه لايَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ رَمضَانَ وَنَحْنُ مُصِرُّونَ عَلَى الذُّنُوبِ وَقَدْ أَثْقَلَتْنَا الآثَامُ وَالْعُيوب وأعلموا أنَّ التَّوبْةَ إِلَى اللهِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِينٍ وَفِي رَمَضَانَ أَوْجَبُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)

ومما يستقبل به شهر رمضان أن يجعَلَ المسلمُ نَظَرَهُ عَالِيًا وَهَدَفَهُ سَامِيًا فيَزدَادَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَيَستَكثِرَ مِنَ الخَيرِ وَيَتَزَوَّدَ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَيَحرِصَ على أَن لاَّ يَفُوتَهُ شَيءٌ مِن أَبوَابِ الخَيرِ إِلاَّ وَلَجَهُ وَأَخَذَ مِنهُ بِنَصِيبٍ،اقتِدَاءً بِالهَادِي الحَبِيبِ الذي كَانَ يَجتَهِدُ في رَمَضَانَ وَيَجُودُ وَيَبذُلُ نَفسَهُ في طَاعَةِ ربه فقد رَوَى البُخَارِيُّ عنِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه قال كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلقَاهُ جِبرِيلُ وَكَانَ يَلقَاهُ في كُلِّ لَيلَةٍ مِن رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ أَجوَدُ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ "وَعَبَّرَ بِالمُرسَلَةِ إِشَارَةً إِلى دَوَامِ هُبُوبِها بِالرَّحمَةِ فَانظُرُوا رحمكم اللهُ إِلى مَا كَانَ عَلَيهِ قُدوَتُكُم وَأُسوَتُكُم صلى الله عليه وسلم دَوَامٌ في الطَّاعَةِ وَاستِكثَارٌ مِن أَنوَاعِ العِبَادَةِ وَمُسَارَعَةٌ إلى الخَيرِ وَمِثلُهُ كَانَ أصحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ وَالسَّلَفُ رحمهم الله مِنهُم مَن كَان يُؤثِرُ بِطَعَامِهِ غَيرَهُ مِنَ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَمِنهُم مَن كَانَ يَختِمُ في كُلِّ يَومٍ مَرَّتَينِ وَفِيهِم قَائِمُ اللَّيلِ لا يَفتُرُ وَفِيهِم مُلازِمُ المَسجِدِ لا يَخرُجُ نُفُوسٌ إلى العَليَاءِ سَمَت وقُلُوبٌ بِاللهِ تَعَلَّقَت فما أجمل والله أن نَتَشَبَّهْ بِهِم وَنَفرَحْ بِهَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ فَرَحَ مَن قَدِمَ عَلَيهِ غَائبُهُ وَلْنَسألِ اللهَ بُلُوغَهُ وَالتَّوفِيقَ فِيهِ لِصَالحِ العَمَلِ{قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌمِمَّا يَجمَعُونَ} اللهم بلغنا رمضان وأحسن عملنا فيه بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان أَمَّا بَعدُ عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله فاِتَّقُوا اللهَ وأعلموا أنَّهُ لا بُدَّ مِن مُجَاهَدَةِ النَّفسِ عَلى فِعلِ الطَّاعَاتِ وَبَذلِ الخَيرَاتِ وَمَن صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ وَمَن عَوَّدَ نَفسَهُ الخَيرَ اِعتَادَتهُ{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ} لقد بيَّن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم اختلاف سعي الناس في الاستعداد لرمضان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان وذلك لما يُعِدُّ المؤمنون فيه من القوة للعبادة وما يُعِدُّ فيه المنافقون من غَفلات الناس وعوراتهم هو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر وفي رواية ونقمة للفاجر) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (وما يُعِدُّ فيه المنافقون من غفلات الناس وعوراتهم) يعني أن المنافقين يستعدون في شهر رمضان للإيذاء بالمسلمين في دنياهم وتتبع عوراتهم أثناء غفلتهم ،وكأن ذلك غنيمة اغتنموها وما أدق هذا الوصف في حق بعض أهل الفن والإعلام الذين يغتنمون موسم الطاعة لصد الناس عن سبيل ربهم وفتنتهم عن طاعة الله عز وجل فكمَا أَنَّهُ يَستَعِدُّ أَهلُ الخَيرِ وَدُعَاةُ الحَقِّ لِهَذَا الشَّهرِ وَيَسعَونَ لاغتنامه فِيمَا يُرضِي ربهم فِإِنَّ هُنَاكَ دعاة رذيلة أَقوَامٌ مِن شَيَاطِينِ الإِنسِ وَمَرَدَةِ بَني آدَمَ تُجلِبُ على المُسلِمِينَ بِخَيلِها وَرَجِلِهَا،مُضَيِّعَةً عَلَيهِم أَوقَاتَ شَهرِهِم نَازِعَةً بَرَكَاتِ أَوقَاتِهِم مُدَنِّسَةً أَسمَاعَهُم وَأَبصَارَهُم وَقُلُوبَهُم بِتَمثِيلِيَّاتٍ فَارِغَةٍ وَمَسرَحِيَّاتٍ هَازِلَةٍ وَأَغَانِي مَاجِنَةٍ وَصُوَرٍ فَاتِنَةٍ وَمَشَاهِدَ سَخِيفَة فاحذروا يا أمة محمد احذروا ما أعدّه لكم أهلُ الانحلال ودعاةُ الفساد والضلال من برامج مضلة ومشاهد مخِلّة و ها أنتم مقبلون على خير الشهور فحذار حذار من انتهاك حرمته وتدنيسِ شرفه وانتقاص مكانته ألا فاتقوا الله رحمكم الله وأقبِلوا على ربكم بقلوبٍ منكسرة ودموعٍ منسكِبة واتخذوا من استقبال شهركم نقطة رجوع إلى الله وعودة إلى حماه وليطهر كل أب بيته من كل ما يغضب ربه فإنه سيحاسب على ما قدمت يداه

اللهم ارزقنا فيه الجد في العمل والقوة في الطاعة وحسن العبادة , وأعذنا فيه من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم يا كريم يا رحمن بلغنا شهر رمضان ،واجعلنا فيه من المعتَقين من النار ، اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، اجعلنا بفضلك وعونك ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً
اللهم اعز الاسلام ....
اللهم آمنا في اوطاننا
. ألا وصلّوا وسلّموا
المشاهدات 1976 | التعليقات 0