دلائل عظمة الله -تعالى-

المهذب المهذب
1436/05/08 - 2015/02/27 05:10AM
هذه خطبة عن دلائل عظمة الله تعالى ، أصلها للشيخ عبدالمحسن القاسم

دلائل عظمة الله تعالى
8/5/1436
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: أوجَد الله العبادَ من العدَم، وأمدَّهم بالنعم، وكشفَ عنهم الكروب والخُطوب، والفِطَرُ السليمةُ تحبُّ من أحسنَ إليها، وحاجةُ النفوس إلى معرفة ربها أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بمعرفة الله ومحبته وعبادته، وأعرفُ الناس بالله تعالى أشدُّهم له تعظيمًا وإيمانًا.
وأكملُ الناس عبوديةً: المُعظِّمُ لله المُتعبِّدُ له بجميع أسمائه وصفاته، والله سبحانه له من الأسماء أحسنُها، وأسماؤه مدحٌ وتمجيد، وله من الصفات أكملُها وأعلاها، وصفاتُه صفاتُ كمال.
كان النبي  يقول في رُكوعه: "سبحان ذي الجبروت والملَكوت والكبرياء والعَظَمة".
له الكمالُ المُطلقُ في كلِّ شيء؛ كان النبي  يقول: "لا أُحصِي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك".
وجميعُ من في السماوات ومن في الأرض يُنزِّهون الله عن كل عيبٍ ونقصٍ، قال سبحانه: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"، وكلُّهم يسجُد له؛ قال عز وجل: "وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا".
له عز وجل الخلقُ والأمرُ، أتقنَ ما صنَعَ، وأبدَعَ ما خلق، وقدَّر مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماواتِ والأرضَ بخمسين ألفَ سنة، والحكمُ حكمُه ولا يشركه في ذلك أحد، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، حيٌّ لا يموت، جميعُ الخلق تحت قهره وقبضته، يُميتُهم ويُحييهم، ويُضحِكُهم ويُبكِيهم، ويُغنيهم ويُفقِرُهم، ويُصوِّرُهم في الأرحام كيف يشاء: "مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا"، يُدبِّرُها كيف شاء، وقلوبُ العباد بين أُصبعَيْه يُقلِّبُها كيف شاء، ونواصيهم بيده، وأزِمَّةُ الأمور معقودةٌ بقضائه وقدَره، لا يُنازِعُه مُنازِع، ولا يغلِبُه غالب.
لو أن الأمةَ اجتمعت لتضرَّ أحدًا واللهُ لم يكتب ذلك لم يضُرَّه أحد، ولو اجتمعوا على نفعه والله لم يُرِد ذلك لم ينفعه أحد.
لا رادَّ لعذابه إن نزل، ولا رافع له إن حلَّ، يخلق ما يشاء ويفعل ما يُريد، لا يُسأل عما يَفعل والخلقُ يُسألون، قائمٌ بنفسه مُستغنٍ عن خلقه، ومُهيمنٌ عليهم جميعًا، مفاتيحُ الغيب عنده لا يعلمُها إلا هو، وأخفَى علمَها حتى عن الملائكة، فلا يعلمون من سيموت غدًا، أو ما سيحدث في الكون قبل أن يكون.
ملِكٌ يُدبِّر أمرَ عباده، يأمرُ وينهَى، ويُعطِي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع، أوامرُه مُتعاقبةٌ على تعاقُب الأوقات، نافذةٌ بحسب إرادته ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن: "يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ". ومن جملة شؤونه: أن يُفرِّجَ كربًا، ويجبرَ كسيرًا، ويُغنِيَ فقيرًا، ويُجيبَ دعوةً، قال عن نفسه جلّ وعلا: "وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ".
علمُه وسِعَ كلَّ شيء، لا تتحرَّك ذرَّةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه، لا تخفى عليه خافية، استوى عنده السرُّ والعلانية، "سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ".
يسمعُ أصواتَ المخلوقين وهو على عرشه، قالت عائشة رضي الله عنها: "الحمدُ لله الذي وسِعَ سمعُه الأصوات"، قالت: "لقد جاءت المُجادِلةُ إلى النبي  تُكلِّمُه وأنا في ناحية البيت ما أسمعُ ما تقول، فأنزلَ اللهُ: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا".
وأفعالُ العباد في ظُلمة الليل البَهيم لا تخفى عليه، قال جلَّ شأنه: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ"، يرى -وهو فوق سماواته- دبيبَ النملة السوداء، على الصخرة الصمَّاء، في الليلة الظلماء.
خزائنُه ملأى، ويَداه مبسوطتان، سحَّاءُ الليل والنهار، يُنفِقُ كيف يشاء، كثيرُ العطاء، واسعُ الجُود، يُعطِي قبل السؤال وبعده، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ في الثُّلث الأخير من الليل ويقول: "من يسألني فأُعطيَه"، ومن لم يسأله يغضَب عليه.
وأبوابُ عطائه فتحَها لخلقه فسخَّر بحارًا وأجرى أنهارًا وأدرَّ أرزاقًا؛ فرزَقَ النملة في قرار الأرض، والطيرَ في الهواء، والحيتانَ في الماء، والجنينَ في رحم أمه، والحيةَ في جحرها: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا"، ورِزقه لا ينفَد؛ قال عليه الصلاة والسلام: "أرأيتم ما أنفق مُنذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغِض ما في يمينه".
كريمٌ يحبُّ العطاء والكرم، إذا سُئِل أعطى، وإذا رُفِعت إلى غيره حاجةٌ لا يرضى، وكلُّ خيرٍ فهو منه وإليه: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ".
ولو سأله العبادُ جميعًا فأعطاهم ما سألوه لم ينقص ذلك من مُلكه شيئًا، قال : "قال الله عز وجل: يا عبادي: لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَط إذا أُدخِل البحر".
والثوابُ على العمل يُضاعِفُه، الحسنةُ عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والقليلُ من زمن الطاعة يُكثِّره؛ فليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر، وصيامُ ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ كصيام الدهر، وإذا أنفق العبدُ مالاً ابتغاءَ وجهه ردَّه له أضعافًا مُضاعفة.
ويزيدُ في السخاء فوق المُنَى، فأعطى أهل الجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وإذا ترك العبدُ شيئًا من أجله عوَّضه خيرًا منه.
غنيٌّ عن جميع خلقه، وكلُّ شيءٍ مُفتقِرٌ إليه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"، لا يبلغُ العبادُ نفعَه فينفعوه، ولا ضُرَّه فيضرُّوه، عليٌّ كبير، الكرسيُّ موضع قدمَيْه سبحانه، وقد وسِعَ الكرسيُّ السماوات والأرض، والسماوات السبع في الكرسي كدراهمَ سبعةٍ أُلقِيَت في تُرسٍ، والكرسيُّ في العرش كحلقةٍ من حديدٍ أُلقِيت بين ظهرَيْ فلاةٍ من الأرض، وعرشُه أعظمُ مخلوقاته، وتحت العرش بحرٌ، ويحملُ العرشَ ملائكةٌ ما بين شحمة أُذن أحدهم إلى عاتقه مسيرةُ سبعِمائة عامٍ.
وربُّنا مُستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مُستغنٍ عن العرش وما دون العرش، مُحيطٌ بكل شيء، ولا يُحيطُ به شيءٌ، لا تُدرِكُه الأبصارُ وهو يدركُ الأبصارَ، وهو اللطيف الخبير.
قدرتُه شملَت جميعَ مخلوقاته، وهي ضعيفةٌ عنده وإن كبُرت في أعين المخلوقين؛ فالسماوات يطويها سبحانه يوم القيامة، ثم يأخذُهن بيده اليمنى ثم يقول: "أنا الملكُ، أين الجبارون؟! أين المُتكبِّرون؟!"، ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: "أين الجبارون؟! أين المُتكبِّرون؟!".
ويجعل السماواتِ يوم القيامة على أُصبع، والأرضينَ على أُصبع، والجبالَ والشجرَ على أُصبع، والماءَ والثَّرى على أُصبع، والخلائقَ على أُصبع، ثم يهزُّهنَّ ثم يقول: "أنا الملكُ، أنا الملكُ".
قيُّومٌ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، "يخفِضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حِجابُه النور، لو كشفَه لأحرَقَت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه".
قويٌّ لا يُعجِزُه شيء، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وأمرُه كلمحِ البصر بل هو أقرب، وله جنودٌ لا يعلمها أحدٌ سواه، قلَبَ قُرى قوم لوطٍ وجعل عاليَها سافلَها، ولما امتنع بنو إسرائيل عن قبول ما في التوراة رفع جبلاً فوق رؤوسهم كأنه ظُلَّةٌ وظنُّوا أنه واقعٌ بهم، وتجلَّى سبحانه لجبلٍ فجعله دكًّا، ولما رأى موسى ذلك خرَّ صعِقًا.
والأرضُ إذا انقضى الدهرُ يرُجُّها رجًّا، ويدُكُّها دكًّا، وينسِفُ الجبالَ نسفًا، وبنفخةٍ واحدةٍ في الصور ينفُخ فيه إسرافيل يفزعُ الخلق، وبنفخةٍ أخرى يُصعَقون، وبثالثةٍ يقومون للحشر.
وإذا نزل سبحانه لفصل القضاء تشقَّقَت السماءُ لنزوله تعظيمًا له وخشية، والله سبحانه فوق ما يصِفُه الواصِفون ويمدحُه المادِحون، لا نِدَّ له ولا نظير، ولا شبيهَ له ولا مثيل، عرفَ الرسلُ ربَّهم فكانوا له عابدين ومعظّمين، ومنه خائفين ومشفقين. ومن سلك غيرَ نهجِ الأنبياء فقد ضلَّ سواء السبيل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ".
بارك الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: لا أحد أحبُّ إليه المدح من الله، ولذلك أثنى على نفسه، وأصلُ التفاضُل بين الناس إنما هو بمعرفة الله ومحبته والثناء عليه، ومن عرفَ اللهَ وقلبُه سليمٌ أحبَّه وعظَّمه، وكلما ازداد له معرفةً ازداد له طاعة، والذنوب تُضعِفُ تعظيمَ الله ووقارَه، ولو تمكَّن وقارُ الله وعظمتُه في قلب العبد ما تجرَّأ على معاصيه، وكلُّ معصيةٍ فمن الجهل بالله، وإجلالُ الله يعظُم بالطاعات.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام ...
المشاهدات 3660 | التعليقات 0