دَلَائِلُ العِشْرَةِ بالمعْرُوفِ (2) [الصَّبْرُ والمُصَابَرَةُ]

[align=justify]دَلَائِلُ العِشْرَةِ بالـمَعْرُوفِ (2) [الصَّبْرُ والـمُصَابَرَةُ]
إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتعينُهُ، ونَسْتَغْفِرُهُ ونَسْتَهْدِيه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أَنْفُسِنِا، وسيئاتِ أَعْمَالِنَا، منْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضَلَّ لَهُ، ومنْ يُضْللُ فلا هاديَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ نَبيَّنَا وإِمَامَنَا وقُرَّةَ عُيونِنَا مُحمدًا عَبْدُ اللهِ ورسُولُهُ، أَشْهَدُ بأنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وأَدَّ الأمَانَةَ، ونَصَحَ الأُمَّةَ، وكَشَفَ اللهُ جَلَّ وعَلا به الغُمَّةَ، تركنَا على الـمَحَجَّةِ البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إلا هَالِكٌ، اللهم صَلِّ وسَلِّم وزد وبارك عليه، وعلى آلِ بَيْتِهِ الطَّيبينَ، وعلى صَحَابَتِهِ نُجُومِ الدِّين، وعلى منْ تَبِعَهُم من المسلمينَ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللهِ، أُوصِي نَفْسِي وإياكم بتقوى اللهِ تباركَ وتَعَالى، فاتَّقُوا اللهَ أيها المسلمونَ حقَّ التَّقْوى، وراقبُوهُ في السِّرِّ والنَّجْوَى، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ من الصَّادِقِينَ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أمَّا بَعْدُ مَعْشَرَ الـمُسْلِمِينَ، توجِيهٌ ربَّانيٌّ عظيمٌ، وحَثٌّ إِلهيٌّ كَريمٌ، وإِرْشَادٌ لِكُلِّ زَوجٍ يُريدُ السَّعَادةَ الزَّوْجية، ونِبْرَاسٌ لِكُلِّ إنْسَانٍ يَسْعى لِعِيشَةٍ هَنِيةٍ، وقَدْ تَمثَّلَ -يا عِبَادَ اللهِ- هذا التَّوْجِيهُ الرَّبَّانِيُّ العَظِيمُ في قَولِهِ سُبحَانَهُ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19].
وهذه العِشْرةُ الحَسَنَةُ التي أَمرَ اللهُ بها الأزواجَ لها عَلامَاتٌ تَدُلُّ عَليْهَا، وأَمَارَاتٌ تُشِيرُ إليْهَا، ومن هذهِ الدَّلائِلِ: صَبْرُ الزَّوجِ على زوجتِهِ، واحْتِمَالُ الأَذَى مِنْهَا، والحِلْمُ عِنْدَ طَيْشِهَا وغَضَبِهَا .
وهذا الخُلُقُ النَّفِيسُ لا يَتَهَيَّأُ للإنْسَانِ إلا بالصَّبْرِ، فإِذَا رأى الزَّوجُ منْ زوجَتِهِ اعْوجَاجًا في أَخْلَاقِهَا، فَعَلَيْهِ بالـمُدَارَاةِ، وحُسْنِ الخُلُقِ في مُعَامَلَتِهَا، وعَلَيْهِ أنْ يُقَوِّمَهَا بِرفْقٍ منْ غيرِ مُبَالَغَةٍ؛ حَتَّى لا يَقَعَ في الكَسْرِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ) مُتفَقٌ عَليْهِ .
والحَدِيثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: "النَّدْبُ إِلَى الْمُدَارَاةِ؛ لِاسْتِمَالَةِ النُّفُوسِ، وَتَأَلُّفِ الْقُلُوبِ، وَفِيهِ سِيَاسَةُ النِّسَاءِ بِأَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى عِوَجِهِنَّ" . ومَعْلُومٌ أنَّ الإنْسَانَ لا غِنَى لَهُ عنْ امرأةٍ يَسْكُنُ إليْهَا، ويَسْتَعِينُ بِهَا على مَعَاشِهِ، ومنْ هُنَا نُدْرِكُ أَهميةَ قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ)، وهذا الاسْتِمْتَاعُ لا يَتمُّ إلا بالصَّبْرِ، والـمُدَاراةِ ؛ كَمَا في رِوَايةِ الحَديثِ منْ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا) . فَمَا أَجْمَلَ أنْ تَكُونَ هذهِ الجُمْلَةُ نِبْرَاسًا لِكُلِّ زوجٍ في حَياتِهِ (فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا)، فَدَارِ يا عبدَ اللهِ زوجتَكَ لِتَسْعَدَ في حَيَاتِكَ، ولِتَسْعَدَ أُسْرَتَكَ مَعَكَ، واصْبِرْ على هَفْوِةِ زوجتِكَ، ولا تَتَعَجَّل بكَسْرِهَا؛ أي بِطَلاقِهَا ؛ كَمَا جَاءَ في رِوَايَةٍ: (وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) ، بلْ بادر باتخاذِ الحُلولِ لإصْلَاحِ الخَلَلِ قَبْلَ التَّفْكِيرِ في الطَّلَاقِ، وليَكُن الطَّلاق آخر الحلولِ، فإنْ كانَ ولابُدَّ مِنَ الطَّلَاقِ فَلَا تتعجَّلْ، واسْتَخِرْ، واسْتَشِرْ، وفَكِّرْ في عَواقِبِ الأُمُورِ، ولا تجعل الطَّلَاقَ وسيلةً للانتقامِ؛ حَتَّى لا تَقَعَ في النَّدَمِ والحَسْرَةِ، وكَمْ منْ أَزْوَاجٍ -يا عِبَادَ اللهِ- تَعَجَّلُوا وتَسَرَّعُوا وأَصْدَرُوا الصُّكُوكَ لقطْعِ عَلاقَاتِهم الزَّوجِيةِ، فَوقَعُوا بَعْدَها في الحَيْرةِ والنَّدَامةِ، وخَاصةً مَع وُجُودِ الأَطفالِ والذُّريةِ أو الحَمْلِ، فَإِذَا وَقعَ الفَأْسُ في الرَّأْسِ أَخَذَ الزَّوجُ يَبْحَثُ عن الـمَخَارجِ والحُلوُلِ التي تُنْقِذُهُ منْ عَاقِبَةِ فِعْلِهِ، ومَغَبَّةِ عَمَلِهِ، ولو صَبَرَ لكانَ خَيْرًا لَهُ، قالَ تَعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، قَالَ الحَافظُ ابنُ كَثيرٍ: "أي: فَعَسَى أنْ يَكونَ صبرُكُم مع إمساكِكُم لهُنَّ، وكراهَتِهِنَّ، فيه خيرٌ كثيرٌ لَكُم في الدُّنْيَا والآخرة؛ كما قالَ ابنُ عباسٍ في هذه الآيةِ: هو أنْ يَعْطَفَ عليها، فيُرْزق منها ولدًا، ويكون في ذلِكَ الولدِ خيرٌ كثيرٌ" . وقالَ الشيخُ السَّعْدِيُّ: "يَنْبغي لكم -أيها الأزواجُ- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهةِ لهُنَّ، فإنَّ في ذلك خيرًا كثيرًا" .
فينبغي على الزوجِ أنْ لا يُبْغِضَ زوجتَهُ، بل عليه أنْ يَصْبِرَ عليها رَغْمَ كراهَتِهِ لما يَراهُ منها، ويَنْظُرَ إلى محاسِنِهِا، ويَتَذكَّرَ ما عندها من أخلاقٍ جميلةٍ، وخِصَالٍ حَمِيدةٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) ، ومعنى الفَرْكُ: البُغْضُ ، وفي الحديثِ نَهْيٌ عن بُغْضِ الزَّوجِ لزوجتِهِ ، وهو خُلُقٌ مَذْمومٌ شرعًا، فلا تُبْغِضُ يا عَبْدَ اللهِ زوجتَكَ لما يَصْدُرُ مِنْهَا من أَحْوالٍ تُزْعِجُكَ، بل رَاعِهَا، واحْتَمل منها، والتَمِس العُذْرَ لها، واستوصِ بها خيرًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) .
فهذه وصيتُهُ صلى اللهُ عليه وسلمَ لرجالِ أمَّتِهِ، فهلْ حَفِظْنَا وصيتَهُ؟ وهل طَبَّقَنَا سُنَّتَهُ؟ جعلنِي اللهُ وإياكم ممن سارَ على خُطى النَّبِيِّ الكريمِ، واقْتَفَى أَثرَهُ إلى يومِ الدِّين.
عِبَادَ اللهِ، أقولُ قولي هذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذَنْبٍ فاسْتَغْفِرُوهُ، وقدْ أفلحَ الـمُسْتَغْفِرونَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيةُ:
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، والحمدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، والحَمْدُ للهِ حَمْدَ الأنْبِيَاءِ والـمُرْسَلينَ، أَحْمَدُكَ ربي وأَشْكُركَ، وأثني عليك وأسْتَغْفِركَ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شِريكَ لَهُ، ولا نِدَّ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ نَبيَّنَا وإمَامَنَا وقُرَّةَ عُيونِنَا مُحمدًا عَبْدُ اللهِ ورسُولُهُ، وصَفِيُّهُ منْ خَلْقِهِ ومُخْتَارُهُ وخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِ بَيْتِهِ الطَّيبينَ، وعلى صَحَابتِهِ نُجومِ الدِّين، وعلى منْ تَبِعهم من المسلمينَ بإحْسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، التَّعَاونُ بين الزوجين في حياتِهمَا أمرٌ مطلوبٌ، وحالٌ مرغوبٌ، ولا يُتَصوَّرُ العَيْشُ بِدُونِهِ، فإذَا كانَ الزوجُ يَصْبِرُ، ويَتَحَمَّلُ، ويُصَابِرُ، ويَغُضُّ الطَّرْفَ، ويُدَارِي، فعلى الزَّوجةِ أن تُراعيَ زوجهَا، فلا تُسْمِعُهُ إلا الكلامَ الطيَّبَ الجميلَ، ولا تُظْهِرُ لَهُ إلا الخُلُقَ النَّبِيلَ، فهذه الأَخْلَاقُ البَهِيَّةُ، والخِصَالُ السَّنِيَّةُ لها أثرُهَا وتأثِيِرُهَا على قَلْبِ الزَّوجِ؛ حيثُ يَقعُ في نَفْسِهِ كالماءِ العَذْبِ الزُّلَالِ، لما تُظْهِرُهُ منْ حُسْنٍ ودَلَالٍ، وروعةٍ وجَمَالٍ، فلا تُنْكِرُ كَرَمَهُ وفَضْلَهُ، ولا تَجْحَدُ إحْسَانَهُ وبَذْلَهُ، وتَحْفَظُهُ في نَفْسِهَا وبَيْتِهَا، ولا تُخَالِفْهُ في أَمْرِهِ، ولا تَعْصِيهِ في نَهْيهِ، وتَبْذِلُ جُهْدَهَا، وتُضَحِّي بوقتِهَا في سَبيلِ رَاحَتِهِ، وأُنْسِهِ وسَعَادَتِهِ، تقومُ بهذهِ الأفعالِ وهي تَرْجُو رضا ربَّهِا، وزوجِهَا؛ ولِعِلْمِهَا بخُطُورةِ التَّنَكُّرِ للإحْسَانِ، قال النَّبِّيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ: تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)، مُتَّفَقٌ عَليهِ ، والـمَقْصُودُ بالعَشِيرِ: الزَّوجُ، وهُوَ في الأَصْلِ الـمُعَاشَرُ ، وهذا الحديثُ فيه وَعيدٌ شَديدٌ منْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قال ابنُ مُفْلِحٍ: "تَوَعَّدَ عَلَى كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَالْإِحْسَانِ بِالنَّارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -" .
إِخْوَةَ الإِيمَانِ، ومنْ جَميلِ مَا يُضْرَبُ بِهِ الـمَثَلُ في حُسْنِ عِشْرَةِ الزَّوجةِ لزوجِهَا، ما كانَ منْ أُمِّ الـمُؤْمنينَ خَدِيجةَ رضيَ اللهُ عَنْها، هذهِ الدُّرَّةُ الـمَصُونَةُ، والجَوْهَرَةُ الـمَكْنُونَةُ في قَلْبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، إنَّهَا الـمَرْأَةُ التي سَطَّرتْ أَجْمَلَ معاني الحُبِّ، وأسمى دلائل الوُدِّ في البُعْدِ والقُرْبِ، فَمَعْرُوفُهَا وإحْسَانُهَا لا يُنْسَى، وحُبُّهَا وخَيْرُهَا لا يَبْلَى، بل بقيَ مَحْفُوظًا في قَلْبِ منْ علَّمَ الدُّنْيَا جَمالَ خُلُقِ الوَفَاءِ، فرسولُ الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا يَنْسَاهَا، لا في حَياتِهَا، ولا بَعْدَ مَماتِهَا، روتْ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقُ أُمُّ الـمُؤْمِنينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: (أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ) قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ! فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) .
فهذا الحبُّ الكبيرُ منْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لأُمِّ المؤمنينَ خديجةَ، نَاتجٌ منْ حُسْنِ فِعَالِهَا، وجَميلِ خِصَالِهَا، وإليكم طرفًا من أَعْمالِهَا كما جاءَ على لسانِ أُمِّ المؤمنينَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا! قَالَ: (مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ) .
أيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ، إنَّ الزَّوجةَ حِينَ تُقَابلُ الإحْسَانَ بالإحْسَانِ، فإنَّهَا تَشُقُّ طَريقًا إلى قَلْبِ زوجِهَا مُؤثرًا، حيثُ تَتَمَكَّنُ في قَلْبِهِ، وتَمْلأُ عَيْنَهُ ونَفْسَهُ، فلا يُفَكِّرُ الزَّوجُ البَتَّةَ في غَيْرِهَا، ولا يَرْغَبُ عَنْها، وإذا حَصَلَ مِنْهَا ما يُكَدِّرُ النَّفْسَ والخَاطِرَ، تَذَكَّرَ رَصِيدَهَا منَ الحَسَناتِ، وما كانت تَفْعَلُهُ منَ الطَّيِّبَاتِ، فَعِنْدَهَا تَسْكُنُ نَفْسُهُ، ويَصْبِرُ على هَفَوَاتِهَا، وما يكونُ من تَصَرُّفَاتِهَا، إكْرَامًا لقَلْبِهَا، وإحْسَانًا لنَفْسِهَا.
أَصْلَحُ اللهُ حَالَ بُيوتِنَا، وجَعَلَهَا عَامِرَةً بالحُبِّ.
عِبَادَ اللهِ، صَلُّوا وسَلِّمُوا على السِّرَاجِ الـمُنِيرِ، والهَادِي البَشِيِرِ كَمَا أَمَرَكُم ربُّكُم فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

[/align]
المرفقات

دلائل العشرة بالمعروف2 الصبر والمصابرة.docx

دلائل العشرة بالمعروف2 الصبر والمصابرة.docx

المشاهدات 1506 | التعليقات 0