دعوها فإنها منتنةٌ-16-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

محمد بن سامر
1443/03/15 - 2021/10/21 15:48PM

دعوها فإنها منتنةٌ-16-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ: "كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ-طرد أو ضرب-رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنصارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيِّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ".

يا الله، ما أجملَها من أسماءٍ: المهاجرونَ والأنصارُ، وما أعظمَها من صفاتٍ، قد أثنى اللهُ-تعالى-عليها، ومدحَها رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآله وسلمَ-، المهاجرون هم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، والأنصارُ هم (الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِـمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

"فسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآله وسلمَ-، فقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟"

سبحانَ اللهِ، أهذه دَعوى جاهليةٍ؟، هل النداءُ بهذه الصفاتِ الشرعيةِ العظيمةِ يُعتبرُ وثنيةً وجاهليةً؟

"قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنصَارِ، فَقَالَ: دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".

إخواني الكرام: لمَّا كانَ ذكرُ هذه الأوصافِ العظيمةِ بسببِ الخلافِ الواقعِ بينَ المسلمينَ، ولأجلِ التفريقِ بينهم، سماهُ النبيُ-صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلمَ-: دعوى جاهليةً، ووصفَها: بأنها منتنةٌ.

قالَ النبيُ-صلى اللهُ عليه وآله وسلمَ-: "وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ-من أهلِها-قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى؟، قَالَ: وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-، الْمُسْلِمِينَ، الْمُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ-".

إذًا الاسمُ الشرعيُ الذي ينبغي التنادي والفخرُ به هو لفظُ المسلمينَ، وهو الاسمُ الذي سمانا به اللهُ-تعالى-فقالَ: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).

فيا أهلَ الإسلامِ: إياكُم والاختلافَ والتفرقَ من بعدِ ما جاءَكم الحقُ، (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَـاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، المتفرقونَ والمختلفونَ ليسوا من النبيِ-صلى اللهُ عليه وآله وسلمَ-ولا من سنتِه في شيءٍ، (إِنَّ الذينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)، النزاعُ والفُرْقةُ من أكبرِ أسبابِ الفشلِ والضعفِ الذي يصيبُ الأمةَ الإسلاميةَ، قالَ-تعالى-: (وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ).

يا أهلَ الإيمانِ: إن الأُلفةَ والاجتماعَ نعمةٌ من نعمِ اللهِ-تعالى-العظمى على أهلِ الإيمانِ، وإن من وسائلِ تحقيقِها الاعتصامَ بحبلِ اللهِ-تعالى-بكتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه-صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلمَ-، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).

من هذا نعرفُ أن الولاءَ والحبَ، يكونُ للإسلامِ وأهلِهِ، فمن كانَ في دائرةِ الإسلامِ أحببناه وواليناه ولو كان بيننا وبينَه خلافٌ في بعضِ الأمورِ، ولا نسميه إلا مسلمًا، وامتنعنا عن المسمياتِ التي تفرقُ بين المسلمينَ ولا تسببُ إلا الاختلافَ والشِقاقَ. وأنَّ البراءَ والبُغضَ للكفرِ وأهلِه.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فلقد علمَ أعداءُ اللهِ أنهم لن يستطيعوا أن يُضعِفوا أهلَ الإسلامِ إلا أن يفرقوا بينهم، وذلك بتفخيمِ الألقابِ والمسمياتِ التي ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ، وتفضيلِ بعضِها على بعضٍ، وإثارةِ الخلافِ بين أهلِ كلِّ حزبٍ، فيُهْلِكُ بعضُهم بعضًا.

فإذا كان لفظُ المهاجرينَ والأنصارِ، لـمَّا كانَ المقصودُ منه التفرقةَ والاختلافَ، أصبحَ دعوى جاهليةً، وكانت دعوى منتنةً، فكيف بغيرِها من المسمياتِ وإن قالَ أصحابُها ما قالوا، فلا مُسوِّغَ للمسلمينَ باستبدالِ ما سماهم به اللهُ-تعالى-إلى غيرِها من الألقابِ والأحزابِ.  

إن الخلافَ وإن بدأَ صغيرًا، فإنه ما يزالُ يَكْبُرُ، وينفخُ فيه المنافقون والكفارُ حتى يصبحَ فتنةً عظيمةً، تضيعُ فيها العقولُ، ويكثرُ فيها المقتولُ، قالَ أبو موسى الأشعريُ-رضيَ اللهُ عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ. قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ، قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ".

فعليكم بالاجتماعِ والائتلافِ، والحذرَ الحذرَ من الفُرقةِ والاختلافِ، وعدمِ الانتماءِ إلى أي حزبٍ أو جماعةٍ، كالسروريين و غيرِهم، وإنما هو الإسلامُ على هديِّ رسولِ الإسلامِ-عليه وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-. 

اللهمَّ ألِّفْ بَيْنَ قلوبِ المسلمينَ، وأصلحْ ذاتَ بَيْنِهم، واهدهمْ سُبُلَ السلامِ، واجمعْ شملَهم، وَحِّدْ كلمتهم وصفوفَهُم، واستُرْ عوراتِهِم، وآمِنْ روعاتِهِم، واحفظهم مِنْ مُضِلَّاتِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1634871092_دعوها فإنها منتنةٌ-16-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.docx

1634871097_دعوها فإنها منتنةٌ-16-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.pdf

المشاهدات 1880 | التعليقات 0