دعوة للتغيير قبل رمضان

إبراهيم بن صالح العجلان
1431/08/23 - 2010/08/04 11:59AM
إخوةَ الإيمان:
التغيُّر والتغيير سُنةٌ كونيَّة، وإرادةٌ إلهيَّة، فطبيعة الحياة في تقلُّب وتبدُّل، وتغير وتلوُّن، تأمَّلْ في الكون، في طبيعته، ومناخه وأحواله، ترَ أنَّ الحال لا تدوم فيه على واحدة، وكذلك سُنَّة التغيُّر في بني الإنسان.

هي واقعٌ مشهود، وحالٌ منشود، فأنتَ أنت يا عبدَ الله لستَ أنت قبلَ خمس سنوات، وأنت اليوم لستَ أنت بعد سنين، إن طالتْ بك الأيَّام، فالإنسان في دنياه متغيِّر من حالٍ إلى حال، متغيِّرٌ في صحته وقدراته، في تفكيره وعقلِه، في عملِه وعلمه وإيمانِه.

فليس في هذا الكون وقوف، الكلُّ يسعى؛ إما إلى الأحسن، وإمَّا إلى الأسوأ.

وفي الحديث: ((كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعتِقها، أو موبِقها))، سُنَّة التغير عبَّر عنها ابن القيم في "فوائده" بقوله: "ليس في الشريعة ولا في الطبيعة توقُّفٌ البتَّة، فإذا شغل العبدُ وقتَه بعبودية، تقدَّم إلى ربِّه، وإن شغله هوى أو راحةٌ أو بطالةٌ، تأخَّر؛ فالعبدُ لا يزال بين تقدُّمٍ وتأخُّر؛ قال الله – تعالى -: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدَّثر: 37]".اهـ.

الكثيرُ من الناس يبحث عن تطوير النفس، وتقدُّم الذات، وقد يُنفق المالَ والوقت؛ للحصول على دوراتٍ في التغيير، وتربية الذات، وفنِّ التعامل.

وهذا شيءٌ حسنٌ يدلُّ على الوعي، ونُضْج العقل، ولكن هل سألْنا أنفسَنا عن أمر التغيُّر المتعلِّق بالتديُّن والاستقامة، هل استقامتُك أخي المبارك هي هي استقامتك قبلَ أشهر أو سنوات؟ هل تديُّنُك وطاعتُك وقرباتُك في ازدياد، أم إلى نقصان؟ وهل علاقتُك مع ربِّك في تقدُّمٍ، أمْ في تأخُّر، ماذا عن تعظيمك لشعائر الله؟ وماذا عن وقوفك عندَ حدود الله؟

أسئلة وأسئلة، يحملُ كلُّ واحد منَّا إجابتَه، وكلٌّ أدرَى بعيوب نفسه وتقصيرها وتفريطها.

معاشرَ المسلمين:
إنَّ خطاب التغيير أوَّل ما يُوجَّه إلى ذلكم الرجل - وكلنا واللهِ هو ذاك الرجل - الذي أثقلتْه الآثام، وكبَّلتْه الغفلة، وأقعدتْه نفسُه الأمَّارة، فلا يزال للهوى متَّبِعًا، وللذته الطائشة طالبًا، ذاك الرجل الذي ربَّما أدمن على المحرمات، وهَجَر الباقيات الصالحات، ربما تلصَّص على المحارم، وارتكب ما شاء مِن المآثم، ربَّما عاش بعيدًا عن ربِّه، متعرِّضًا لسخطه، مُيمِّمًا وجهَه نحوَ الهوى والشيطان.

ومع ذلك كلِّه، مع ذلك كله، فذاك الرجلُ يتمنَّى ويتمنَّى، يتمنَّى ماذا؟

يتمنَّى أن يُغيِّر حالةَ الشقاء التي يعيشها، وشؤم المعصية التي جثمتْ على حياته، كم فكَّر وفكَّر، أن يُغيِّر وضعَه ويتغيَّر، فيلحقُ بركْب الطائعين، ويُذلِّل وجهَه لله مع القانتين الساجدين! كم تمنَّى أن ينامَ قريرَ الجَفْن، وقد أدَّى حقَّ الله - تعالى – عليه! وكم تاقتْ نفسُه أن يكون حاملاً للقرآن، تاليًا له آناءَ الليل، وأطرافَ النهار!

كم تمنَّى أن يُحافظ على فرائضِ المكتوبات، ويستكثرَ من نوافل العبادات، ويعيشَ الحياة الطيِّبة المرغوبة!

إنَّها أمنياتٌ وأمنيات، تدلُّ على أنَّ في النفوس بقايا من الخير، وخبايا من الإيمان.

ولكن هل فكَّر ذاك الرجل بجِدٍّ، وقرَّر بحزم، أن يعيشَ هذه الأمنياتِ واقعًا ملموسًا، وشاهدًا محسوسًا.

إنَّها - وربي - سهلةٌ ويسيرة على من يسَّرها الله عليه، نَعمْ نستطيع أن نتغيَّر.

الطائع يزداد طاعةً وإيمانًا، والعاصي يكفُّ عن خطيئاته، ويهجُرُ ماضيَه، نعمْ نستطيع أن نتغيَّر، ونتأقلَم بعد ذلك على الطاعة والسُّنَّة، نستطيع أن نتغيَّر إلى الأحسن، ونتطوَّر إلى الأفضل، في سلوكنا ومعاملاتنا، وأخلاقنا وطاعاتنا.

إذا اقتنعنا أولاً: بأهمِّيَّة التغيُّر، وإمكانية التغيير.
لنعلم ثانيًا: أنَّ وسائل الوصول إلى هذا الهدف متعدِّدة.

فأول ما نبدأ به في تغيير النفس: (تصحيحُ النية).

أن نُغيِّر أوضاعَنا، ونُصحِّح أحوالنا؛ ابتغاءَ مرضات الله، ورجاءَ نواله وأعطياتِه.

وإذا صَحَّح العبدُ نيتَه، وأراد وجهَ ربِّه، أُجِر على هذه النية الخَيِّرة، والبداية الصالحة.

هذه النيَّة الطيِّبة لها دَورُها في إصلاح النفس، وأثرُها في تكفير الخطايا، وإن كَبُرتْ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسانُ على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر اللهُ به كبائرَ الذنوب؛ كما في حديث البطاقة".

ومن المعالم الدالة على إرادة التغيير:
أن يكون العبدُ كثيرَ الندم، شديدَ التأسُّف على ما مضى وكان، في أيَّام الغفلة والعصيان.

إذا تذكَّر حالَه الأولى تلجلجتِ الحسرة بين جَنباتِه، وظهر الأسى على مُحيَّاه.

وهذه هي هي التوبة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الندمُ توبةٌ))؛ رواه الإمام أحمد، وصحَّحه ابن حبان والألباني.

هذا الندم - عبادَ الله - يفعلُ فِعلَه في حال العبد، فيَظهرُ أثرُ التغيُّر فيه، فتراه رقيقَ القلب، عظيمَ الخشية، سريعَ الدمعة، كثيرَ الاستكثار مِن فعل الحسنة، والحسنة بعدها، فكان بندمِه هذا كمَن لا ذنبَ له.

وكان بعد ذلك قريبًا من ربِّه، حائزًا محبَّتَه؛ {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].

وهذا العبد بتغيُّره وتوبته قد ربطَ وصالَه مع ربِّه، فكان الله فرحًا برجوع عبده إليه أشدَّ من فَرَحِ ذلك الرجل الذي فَقَد راحلتَه ومتاعَه، فأَيِس منها، فاستظلَّ تحت ظلِّ شجرة، ينظرُ أجلَه، ثم استيقظ فرآها عندَ رأسه، فأخذ خِطامَها، ثم قال مِن شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شِدَّة الفَرَح!

هذا التغيُّر الذي يحبُّه الله، ويفرح له، قد أعدَّ الله لصاحبِه الأجورَ العظيمة، والحسناتِ الوفيرة؛ قال – تعالى -: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].

ومن علامات صدق التغير نحو الأفضل:أن يكون العبد لوَّامًا لنفسه، كثيرَ المحاسبة لذَاتِه.

إذا نظرتْ عينُه لحرام، عادَ لنفسه وحاسبَها على زِناها، وإذا سَلَق لسانُه الأعراض، عاتبَ نفسَه على هذه الكبيرة، وإذا قصَّر في النوافل فيما فات، عاهدَ نفسَه على اغتنامها فيما هو آتٍ، وهكذا تكون المحاسبةُ والمعاتبة للنفس قريبةً من شعورِه، لا تنفكُّ عن أحاسيسه.

قال الحسن البصريُّ – رحمه الله -: "العبد لا يزالُ بخير ما كان له واعظٌ من نفسه، وكانت المحاسبة همَّتَه".

ومِن علامات صدق التغيير:
أن يكونَ العبدُ عاليَ الهِمَّة، قويَّ العزيمة في طلب مرضاة ربِّه؛ كما قال موسى – عليه السلام -: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].

ترى هذا العبد المتغيِّر يملك نفسًا توَّاقةً نحوَ المعالي، يُنافس في خير، ويُزاحم نحو كلِّ معروف، يَضرِب بسَهْم في كلِّ ألوان الطاعات، يرتاح مع الصلاة، ويعشق الصيام، ويَحِنُّ للقرآن، ينشرح مع الذِّكْر، ويتلذَّذ بصلة الرَّحَم، ويسعد بزيارةِ المريض، يأنس بمسح رأس يتيم، ويتحسَّس لسدِّ فاقة كلِّ كسير، يُسارِع لِجَنَّة عرضُها السموات والأرض، من خلال تلمُّس الأعمال التي يدخل من أبوابها.

وهكذا هي أيَّامُه وأحوالُه، هو مِن تقدُّمٍ إلى تقدُّم، ومن حَسن إلى أحسن، يُحرِّك هِمَّتَه ويوقدها قولُ ربِّه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطَّففين: 26].

ويُعلي عزمَه وعزيمتَه أيضًا آيةُ ربِّه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].

تلك - عبادَ الله - بعضُ صور التغيُّر نحو الأحسن، وبضدِّها تتبيَّن الأشياء..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

بارك الله لي ولكم.


الخطبة الثانية

أمَّا بعد:فيا مَن منَّى نفسَه، وانتظرَ تغييرَ حالِه، وتحسينَ وتصحيحَ مسارِه.

ها هي نسائمُ الخيرات قد أقبلتْ، وها هي مواسم المغفرة قد لاحتْ.

أقبلَ رمضان؛ شهرُ الرحمة والتكفير، والتقوى والتغيير، جاء رمضانُ يَحمِل إلينا رسالةَ التغيير.

في هذا الشَّهْر المنتظَر المرتقَب، مواعيدُنا أعمالُنا، موائدُنا أوقاتُنا، كلُّها تتغيَّر، فلنتغيرْ قبلَ ذلك في إصلاح أنفسنا، واستقامة أقوالنا وأفعالنا.
رَمَضَانُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ هَذَا أَوَانُ تَبَتُّلٍ وَصَلاَحِ
وَاغْنَمْ ثَوَابَ صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ تَسْعَدْ بِخَيْرٍ دَائِمٍ وَفَلاَحِ
إخوة الإيمان:مَن لم يتغيَّر في رمضان، متى يتغيَّر؟!
مَن لم يتبْ في مَوْسم الغفران، متى يتوب؟!
ومَن لم يُقبِل على ربِّه في شهر الرحمات، متى يُقبل؟!

كلُّ محفِّزات التغيير، وإصلاح النفس قد حلَّتْ في هذا الشَّهْر الكريم، فهو شهر المغفرة؛ ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه)).

أيَّامه: موعدٌ تُفتح فيه أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ النيران.

وفيه ليلةٌ خير من ألْف شهر، وفي كلِّ ليلة عتقاءُ من النار، وعمرةٌ فيه كأجر حجَّة، والدُّعاءُ فيه مرفوعٌ مُجَاب.

وأيَّامه: أيَّام سعادة ومسرَّات؛ ((للصائم فرْحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحة عند لُقيَا ربِّه)).

وأوقاته: أوقاتُ خيرٍ وهَنَا؛ ((لا يزالُ الناس بخير ما عجَّلوا الفِطَر)).

وأسحاره: بركةٌ على بركته؛ ((تسحَّروا، فإنَّ في السُّحور بركةً)).

هذا الموسم فرصةٌ للتغيير لِمَن أطْلَق بصرَه، وأرخى لِسانَه في الحرام، وفرصةٌ للتغيير لِمَن طاش ميزانُ الصلاة في حياته، فضيَّع أجرَه، ونام عن فجْرِه، رمضانُ فرصةٌ للتغيير نحوَ البذْل والعطاء؛ ((ومَن فطَّر صائمًا، فله مِثْلُ أجرِه)).

وهو فرصةٌ أيضًا للقضاء على سيِّئِ الأخلاق، وغرْس القِيَم والمكارم؛ ((وإذا كان يومُ صومِ أحدِكم، فلا يرفثْ، ولا يصخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ، فليقلْ: إنِّي صائم)).

ورمضانُ أيضًا فرصةٌ للتغيير لِمَن كان باردَ الشعور تُجاهَ جَسدِ أمَّته الواحد، فتمرُّ به وهو صائمٌ لحظةُ قَرْقرةِ بَطْنِه، وساعةُ جُوع كَبْدِه، فيستشعرُ حِينَها بؤسَ البائسين، وحاجة المحتاجين.

فيا أخي المقصِّر - وكلُّنا واللهِ مقصِّر - هذا شهرُ التغيير قد دَنَا، فأرِ الله من نفسك خيرًا، هذا أوانُ التغيير بين يديك، وهذه نفحاتُ ربِّك قد أقبلتْ عليك.

فالبِدارَ البِدار، اتِّخذِ القرار، وتُبْ إلى الملك الجبَّار، جدِّد حياتَك مع شهر القرآن، وافتحْ صفحةً جديدة في عُمرك مع شَهْر الغفران.

استقبلْ ضيفَك الكريم بنيَّةٍ صالحة، واحتسابٍ صادق، ولا تنسَ أن تُفرِّغ نفسَك في أيَّامه من الصوارف والملهيات، فأيَّامُه المعدودات أقلُّ من أن تُضيِّعَها في لهو وغفلة، وبطالة وصبوة، وقبلَ ذلك كلِّه سلْ ربك - تعالى - أن يُبلِّغَك هذا الشهرَ الكريم، فلا تدري هل تُدرِكُ أيَّامَه وأسحاره، أم تكون من المُجندَلين تحت الثرى؟
فَتُبْ مِمَّا جَنَيْتَ وَأَنْتَ حَيٌّ وَكُنْ مُتَيَقِّظًا قَبْلَ الرُّقَادِ
سَتَنْدَمُ إِنْ رَحَلْتَ بِغَيْرِ زَادٍ وَتَشْقَى إِذْ يُنَادِيكَ الْمُنَادِي
أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ رَفِيقَ قَوْمٍ لَهُمْ زَادٌ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَادِ
المشاهدات 4361 | التعليقات 3

ما شاء الله تبارك الله .
خطبة إبداعية رقراقة .
متضمخة بالعاطفة الصادقة .
أسأل الله أن يزيدك من فضله.


كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاقة للتغيير وإلى الأبد

صلاح الراشد





الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد …
فهذا هو ملخص لشريط الدكتور " صلاح الراشد " بهذا العنوان .
ميزات وصفات تؤهل شهر رمضان لأن يكون شهر تغيير :
1- البرمجة النفسية .
يرى علماء النفس المحدثون أن أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة ، يعني حتى تحدث تغييرا حقيقياً في حياتك فلا بد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة ، لنقل أن عناك شخصاً يعني من الخجل ويود هذا الشخص أن يتغلب على الخجل ويتجرأ في المقابلة والمواجهة مع الآخرين حتى يسير هذا الشخص على بينة فعليه أولاً أن يتعلم الاسترخاء ، ثم يتخيل نفسه مرات ومرات وهو يتصرف بجراءة وطلاقة ثم يطبق هذا الخيال عملياً مراراً ، هو عندما يتعلم لاسترخاء فلا بد أن يسترخي مراراً حتى يتقن الاسترخاء ثم إذا هو أتقن الاسترخاء فيمكنه أن يتخيل نفسه يقتحم المواجهة والمقابلة مع الآخرين ويعبر عن نفسه ويطلب حقوقه يتخيل ذلك من 6 إلى 21 مرة ، وينبغي أن يرى النجاح في كل مرة فإذا لم ينجح في المواجهة والمقابلة في خياله عليه أن يكرر الاسترخاء مع التخيل إلى أن ينجح في خياله أولاً إلى أن يصبح عنده النجاح في الخيال أمر عادي ، هنا وفقط هنا يكون عقله تبرمج على رؤية نفسه جريئاً ومقداماً ، الآن يمكنه أن يبدأ بمواقف صغيرة يتجرأ فيها ثم يكرر نجاحه هذا وفي محاولات أكبر إلى أن يتكرر عنده النجاح تبعاً فيكون تبرمج على النجاح ، في مثالنا هذا النجاح في التغلب على الخجل لو لم ينجح مرة في محاولاته وأصابه الخجل لا توجد مشكلة فيبدأ من جديد ويتبرمج على النجاح ، إذا حقق النجاح باستمرار 6 إلى 21 مرة يكون فعلاً قد قضى على المشكلة ، شهر رمضان 29 إلى 30 يوماً هذا يعني الاستمرار في النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يوماً ، 30 مرة تمسك في الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل وتجامع ولا تسب ولا تفسق ، هذه برمجة أكيدة ، ولهذا لا تجد مسلماً صام رمضان وبعد شهر واحد من حياته إلا وقد تأثر في العبادة وإلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان ، صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسياً وبرمجياً من صيام متقطع غير مؤقت 60 يوماً أو حتى 600 يوم هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع فصيام أي يوم له فوائد كثيرة لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية ، الاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة ولهذا السبب تجد أن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله.
2- اتخاذ القرار .
من ميزات هذا الشهر الفضيل تعليمه للمسلم اتخاذ القرار ، مشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات ، الإنسان القوي إنسان صاحب قرار ، الإنسان الضعيف متردد ، التردد لا ينشئ نفوساً ضعيفة فحسب بل يأتي بأمراض نفسية وجسمية ، التردد يبدأ صغيراً في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر مع البرمجة والعادة ، وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة وصغيرة ، فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات ، كحركات يدك ورجلك ونبض القلب إلى غير ذلك كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو بغير وعي في الدقيقة والثانية بل والجزء من الثانية ، تصور تردد في مثل هذه القرارات ، إن ذلك يعني مشاكل كثيرة صحية ونفسية ، فمن المشاكل الصحية عدم انتظام دقات القلب وبالتالي أمراض قلبية وهضمية ودموية ذلك أن القلب يعين في ضخ الدم إلى الجسم كله ، وقد يتسبب التردد في تردد الخلايا الدفاعية من القيام بمهمتها على وجه صحيح فتتردد في مواجهة الالتهابات والسرطانات والفيروسات ، وفي ذلك خطر عظيم .
على أية حال نريد أن نقتصر في هذه العجالة على الأثر النفسي فقط للحصول على دفعة في التغيير ، وإلا فيمكن القراءة في فضائل رمضان الصحية .
إذاً رمضان بسبب أنه يعود الإنسان على المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعود اتخاذ القرار ، واتخاذ القرار قوة ، وإرادة الإنسان كلما جدد نيته في الصيام وأسرع في اتخاذ القرار بذلك ثم بالإمساك وقت الإمساك وبالفطور وقت الفطور كلما عود نفسه اتخاذ القرار بسرعة وباستمرارية حتى يتبرمج على اتخاذ القرارات .
3- الإنجاز .
هذا الشهر الكريم يعود الإنسان على الإنجاز ، أغلب الناس يريد أن يغمض عين ويفتح عين فإذا هو في نعيم، التغيير يبدأ من الداخل فلا هو عند الطبيب ولا عند المشعوذ ولا عند غيرهم ، فالكثير من الناس يريد أن تحل مشكلته خلال ساعات فلذلك تجده يذهب للطبيب أو غيره لكي يصف له وصفة سحرية تخرجه من هذا الجحيم الذي يعيش فيه إلى النعيم .
اعلم أن التغيير قبل كل شيء من الله تعالى ، والله وضعه في داخل الإنسان ، قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) . الإنجاز تكون بدايته الصحيحة في النفس ، هناك أناس حصلوا الملايين وبنوا القصور وأثاروا الأرض ، لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء ماتوا فماتت دعواهم . رمضان يعلم الإنسان الإنجاز ، ففي فترة 30 يوماً مكثفة تصوم نهاره وتقوم ليله فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحاً كثيراً وأنجزت عملاً عظيماً ، والناس طبيعتها تبدأ متحمسة فتخف الحماسة مع الأيام ، أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز إذ هي بداية قوية وبإرادة فتصبح أقوى بعد أيام ، فإذا طالت المدة تقوت أكثر على غير عادة الكسالى والخائبين فدخلت العشر الأواخر فزادت العبادات وتنشط الكسالى وأطال المسلم ليله في التعبد ونهاره في التلاوة والذكر خاصة إذا كان معتكفاً ، فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة فإذا قربت النهاية زيد في العمل فدخلت الليالي الأكثر بركة حتى آخر يوم م الشهر لا عجلة ولا ندم حتى تتم الأعمال كاملة ، وفي البخاري ( ويغفر الله لهم في آخر ليلة ، قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر ، قال : لا ولكن العامل يوفى اجره إذا قضى عمله ) . وهكذا يكون الإنجاز الصحيح ، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام .
4- الخروج عن المألوف .
الإنسان معتاد أن ينام في وقت ويستيقظ في وقت ويذهب للعمل في وقت ويعود ويأكل ويتسوق إلى غير ذلك من أمور دنياه في وقت معين ومحدد في الغالب ، فعندما يأتي شهر رمضان المبارك تتغير الأمور ويخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد عليه الحياة ويكاد يجمع الباحثون والعارفون في موضوع الإبداع على أن الإبداع هو الخروج عن المألوف ، وما أحوج الإنسان في كل زمان وخاصة في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد ، كم أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة .
التجديد والتغيير لا بد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي . التغيير والتجديد سمة من سمات هذا الشهر بل من سمات هذا الدين العظيم ورمضان ما إن ينتهي حتى يأتي العيد فما يلبث حتى يأتي الحج بشهوره الحرم وبعده العيد وهكذا كل عام حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد وتنطلق من جديد .
5- تنظيم الوقت .
في ساعة محددة ومعينة الإمساك وفي ساعة معينة ومحددة الإفطار ، دقة والتزام وتنظيم ، أغلب الناس لا يولي أهمية للوقت وتنظيمه وبالتالي لا يولي أهمية لحياته لأن الوقت هو الحياة ، فالحياة عبارة عن وقت يمضي فتمضي ، وقد يحاول أناس لأن ذلك من أهل التكاسل وقلة الدقة والإنجاز أن يخلّو بالوقت ، فيمسكوا قبل وقت الإمساك بعشر دقائق وهذا خلل في هذه الميزة الدقيقة ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في مسلم : (( لا يغرنكم في سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير )) وكان بلال يؤذن قبل أذان ابن أم مكتوم .
والإفطار ساعة الإفطار لا تأخير ولا دقيقة واحدة ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : (( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور )) . ففي شهر رمضان دقة والتزام وتنظيم للأوقات ، فترى الأمة بكاملها تجلس على مائدة الإفطار تنتظر الإعلام بالفطور والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك وترى الأمة صافة في الصلاة والقيام والتراويح ، وشيء عجيب لو كان لك أن تنظر إليه من أعلى أو تشاهده من بعيد ، أمة في غاية النظام والدقة والترتيب .
وتنبه إلى أن هناك من الناس يخل في هذه الميزات فيكون هو السبب لا الشهر نفسه .
§ التغيير :
هو موضوع حيوي ، فمن منا لا يريد أن يغير مستواه المادي أو العلمي أو الاجتماعي أو النفسي أو الأسري إلى الأفضل.
§ شروط التغيير :
1- الرغبة . 2- المعرفة . 3- التطبيق .
أولاً : الرغبة .
هي الرغبة الحقيقة في التغيير ، فهناك كثيرين يقولون أنهم يريدون أن يتغيروا لكن في قرارة أو أعماق أنفسهم هم لا يريدون ذلك ، وهذا المعنى عميق .
ثانياً : معرفة كيفية التغيير .
التطبيق ينبغي أن يكون مبنياً على معلومات صحيحة .
ثالثاً : التطبيق .
هناك أناس يردون أن يتغيروا وهم يعرفون كيف يتغيرون لكنهم لا يطبقون فهم لا يتغيرون . فالتطبيق فقط هو الذي يأتي بالنتائج ، هناك أناس يحسنون الكلام لكنهم لا يحسنون التطبيق ، والتطبيق بإصرار وعزيمة بعد معرفة الطريق الصحيح هو الذي يأتي بالنتائج المرجوة .
- وأود أن أضيف شرطين آخرين مهمين هما :
رابعاً : أن التغيير لا يأتي من الخارج ، التغيير يأتي من الداخل ، من يرجو التغيير من ظرف أو شخص فقد تعلق بالهواء فالله تعالى يقول : ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) . هذه قاعدتنا الرئيسية ، إن تغيير أي أمر لا بد أن يكون من داخل نفسك ، فأولاً غيّر في داخلك ، إن الذين يترددون على الأطباء والدجالين أو حتى المشايخ دون أي تغيير في حياتهم فيعني ذلك أنهم بحاجة إلى التغيير من الداخل أولاً .
خامساً : العزيمة .
أغلب الناس يريدون عصا موسى أو خاتم سليمان وأود أن أخبر هؤلاء أن العصا والخاتم مفقودان منذ زمن وليس عندنا طريق إليهما .
المقصود أن أغلب الناس يريدون أن يتغيروا في لحظة ، أتعرف السبب الحقيقي في عدم طلب الاستشارات النفسية والأسرية عند أكثر الناس ، السبب أنهم لا يريدون كل هذه المشقة في التغيير . إذا أدرت أن تتغير فعلياً فتغير بالطريقة الصحيحة فكل ما تحتاجه هو العزيمة .
كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاقة للتغيير وإلى الأبد ( طرق عملية )
1- خطط لما تريد .
حدد ما الذي تريد أن تحققه من خلال هذا الشهر الفضيل ، ضع أهدافاً واضحة وحدد بالضبط الذي تريده ن هذه المسألة ضرورية جداً ( إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل ) .
إذا لم تكون هناك خطة مكتوبة فلن تكون هناك نتائج ، دوّن ما تريد ، اصدق مع نفسك ، أخبر نفسك من خلال الكتابة بما تريد ثم ذكّر نفسك بقراءة ذلك دورياً .
انتبه من كتابة ما تريد لا مالا تريد ، لا تكتب لا أريد أن تفوتني صلاة الفجر في جماعة أو التخلص من المشاكل الأسرية بل اكتب أريد المحافظة على صلاة الفجر ، وأريد تحقيق حياة مستقرة نسبياً وهكذا .
لا تزاحم نفسك بأهداف كثيرة ، اجتهد في التركيز على أهداف معينة .
2- أكّد على رغبتك في التغيير .
تذكر أن الرغبة هي أول شرط من شروط التغيير ، بعد أن تنتهي من جلسة التخطيط اجلس في وقت آخر للتأكيد فيها على الرغبة. حتى تؤكد الرغبة أجب على سؤال : لماذا ؟ . لماذا تريد أن تحقق هذا الهدف ، اكتب لكل هدف من أهدافك سبباً أو أكثر .
بعض الأهداف ليست ذات أهمية بعد أن تحققت من دوافعها وأنك تريد أن تستغني عنها أو أن تعدلها أو أن تؤجلها ، جيد افعل ذلك . النهم أن تستمر على ما أنت متأكد من رغبتك تجاهه .
3- ضع مقاييس لخطتك .
بعد أن تؤكد على رغبتك وتذكر دوافعها ، تأكد من وضع مقاييس لكل هدف ، أجب على سؤال : متى أعرف أنني حققت الهدف؟ ، افعل ذلك مع كل هدف .
4- حفّظ عقلك الباطن ما تريد .
العقل الباطن هو العقل المحرك لمعظم أمورك وتفكيرك وبالتالي هو الذي يصيغ شخصيتك . العقل الباطن يعمل وفق أمرين :
أ – الأمور الجلية الواضحة . ب – الروتين المتكرر .
يعني ذلك أن الشخص الذي يدرك ما يريده وبوضوح فإن عقله يسير تجاه هدفه ويسهّل له الأمور .
لتقود عقلك الباطن لما تريد وحتى يحقق لك ما تريد قم بقراءة خطتك المكتوبة كل يوم وحبذا أن تكون في بداية يومك أو قبل يومك .
5- طبّق كل يوم .
علماء الإدارة والاقتصاد يذكرون أن الناجحين بعد أن يرسموا أهدافهم الواضحة يبدؤون بتطبيق شيء يومياً .
كل يوم طبق ولو مسألة واحدة فقط تعينك للوصول إلى هدفك ، كل يوم افعل شيء لليوم للوصول إلى هدفك حتى ولو كان بسيطاً . أنصحك بكتابة ما تود تحقيقه في الغد ليلاً قبل أن تخلد للنوم ، أو كتابة ما تود تحقيقه اليوم في بداية اليوم ، أضع الوقت القليل لتوفير الوقت الكثير . الشخص المخطط والمرتب يوفر وقتاً كثيراً افعل أنت ذلك .
اعمل جدولاً يذكر عدد المرات التي تود أن تطبق فيها حتى تحقق هدفك ، أو تكون وصلت إلى برمجة مرضية فيما تريد .
اختصر وزد وفقاً لإمكاناتك وما يسمح به وقتك ، المهم أن تلتزم بتطبيق ولو شيء واحد نحو الهدف ، هذا فقط حتى يتبرمج عقلك الباطن على الهدف أو الأهداف المرسومة .
6- استعن بالدعاء .
استغل ساعات الإجابة وأنك في صيام ومستجاب الدعوة ، واطلب من الله تعالى أن يعينك على تحقيق أهدافك .
7- قيّم ثم انصب وإلى ربك فارغب .
بعد أن تنتهي من الشهر الفضيل وتطبيق ما رسمته في الخطة اجلس مع نفسك جلسة تقويم ، احسب الذي حققته في خلال هذه الفترة ، إذا حققت 50% فأقل فارسم خطة اقل وابدأ من جديد فلا يأس مع الحياة ( استعن بالله ولا تعجز ) قم فابدأ من جديد ، فالذي يخطط ولا يحقق كل ما خطط له خير من الذي لا يخطط بتاتاً لأن الذي لا يخطط لا يصل أصلاً .
إذا حققت 51% إلى 70% فهذا جيد وأنت من المنجزين والمحققين لأهدافهم وسوف تحقق في سنوات بسيطة ما لم تكن تحلم به .
إذا حققت أكثر من 70% فأنت من المتميزين والمنجزين بكثرة وكافئ نفسك في الإنجاز دائماً .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .





لا تنسوا صاحب العمل من دعائكم الصالح




للرفع .... خطبة ماضية

فيها أهمية التغيير مع إهلالة رمضان

مع ملاحظة تغيير بعض عباراتها