دعوات تدفع الابتلاءات
أبوزيد السيد عبد السلام رزق الأزهري
دعوات تدفع الابتلاءات
إن العلاقة التي تربط الإنسان بالحياة الدنيا في التصور الإسلامي، هي علاقةُ ابتلاء؛ أي: اختبار وامتحان، وهي تعني اختبارَ طاعة الإنسان لله - عز وجل - واتِّباع تعاليمه في جميع شؤون الحياة، وهذا الابتلاء هو المظهر العمليُّ لعلاقة العبودية بين الله تعالى والإنسان، وعُمر الإنسان هو الزمن المقرَّر لهذا الابتلاء؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2] والأرض هي قاعة الامتحان التي يجري فيها هذا الابتلاء، أما مواد الابتلاء، فهي جميع ما على وجه الأرض؛ من مآكلَ لذيذة، ومشاربَ، ومساكن طيِّبة، وأشجارٍ وأنهار، وزروعٍ وثمار، ومناظرَ بهيجة، والموت هو نهاية مدة الابتلاء، والبعث والحساب هما فرْز نتائج الابتلاء، وتصنيف الناجحين والفاشلين، والمآل إلى الجنة أو النار هما الثمرة العملية لهذا الابتلاء ، من أجْل متاعها، يَخون الناس الأمانات، ويَنكثون العهود، ويَجحدون الحقوق، وينسَون الواجبات ، من أجل متاعها، يفترس القوي الضعيفَ، ويَلتهم الكبير الصغير، ويبغي الناس بعضُهم على بعض، ويعيشون كسباع الغابة، أو أسماك البحار، من أجل متاعها، يغش التجار ويُطفِّفون، ويطغى الأغنياء ويترفون، ويتجبَّر أصحاب الجاه والمناصب ويستعلون، ونَسُوا في غمرة سَكرتهم أن كلَّ هذه الزينة التي يتقاتلون من أجْلها، ستُصبح فانية مُضمحلة، وزائلة منقضية، وستعود الأرض صعيدًا جُرزًا، قد ذهبت لذَّاتها، وانقطَعت أنهارها، واندرسَت آثارها، وزال نَعيمُها . فلما كانت الدنيا دار إبتلاء واختبار علمنا النبي صلى الله عليه وسلم عبادات تدفع بلائها ونحن اليوم مع عبادة الدعاء يقول أبو ذَرٍّ ، قَالَ : تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَهُ فِي الْهَوَاءِ إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا ) فعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية تدفع البلاء أخرج الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والدعاء ينفع ممَّا نزل وممَّا لم ينزل، وإن البلاءَ لينزل فيتلقَّاهُ الدُّعاء فيعْتَلِجَانِ إلى يوم القيامة"، الحديث حسَّنه الألباني في (الجامع) (3409) . ومعنى يعتلجان: يصطرعان.
دعاء من واظب عليه لم يصبه فجأة بلاء في سنن أبي داود عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ) وقَالَ : فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ ؟! فَوَ اللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا ) ( [1] ) .
قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث : " هذا خبَرٌ صحيحٌ ، وقولٌ صادق علمناه دليلَه دليلاً وتجربة، فإنِّي منذ سمعته عملت به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أن تركته ، فلدغتني عقربٌ بالمدينة ليلاً ، فتفكرتُ فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات ) ( [2] ) .
ومن الأذكار التي تقي من السوء وتدفع الضرر بإذن الله ما رواه عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : ( خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . فَقَالَ : قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) ( [3] ) . ومن الأذكار التي تقي العبد من لدغ الحيات والعقارب ما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ قَالَ « أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرُّكَ » ( [4] ) .
وفي رواية للترمذي: ( مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ) والحُمَةُ : لدغةُ كلِّ ذي سمٍّ كالعقرب ونحوها ، وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سُهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنَّه قال : ( كان أهلُنا تعلَّموها ، فكانوا يقولونَها كلَّ ليلةٍ ، فلُدغَت جارِيَةٌ منهم ، فلَم تَجِدْ لَها وجَعاً ).
ومن الأدعية التي تدفع البلاء دعاء ذي النون عليه السلام يقال عند الكرب . قال الله عز وجل : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ( الأنبياء/ 87 ، 88 ). عن سعد رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ ) فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، فَقَالَ: ( دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ( [6] ) . وفي رواية الترمذي ولفظه : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ) ( [7] ) .
ومن الأدعية التي تدفع البلاء ما جاء عَنْ طَاوُوسٍ ، قَالَ : " إِنِّي لَفِي الْحِجْرِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، إِذْ دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْخَيْرِ، لَأَسْتَمِعَّنَّ إِلَى دُعَائِهِ اللَّيْلَةَ ، فَصَلِّي ثُمَّ سَجَد َ، فَأَصْغَيْتُ بِسَمْعِي إِلَيْهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ " !! قَال َ طَاوُوسٌ: فَحَفِظْتُهُنَّ ، فَمَا دَعَوْتُ بِهِنَّ فِي كَرْبٍ إِلَّا فُرِّجَ عَنِّي ".
رواه ابن أبي الدنيا في " الفرج بعد الشدة " (ص 67) ، والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (ص 9) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (41/ 381)
دعاء يقضي عنك الدين ولو كان دينك كجبل احد أخرج الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاذٍ ألا أُعلِّمُك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيْنًا لأدَّاه اللهُ عنك قُلْ يا معاذُ اللَّهمَّ مالِكَ الملْكِ تُؤتي الملكَ من تشاءُ وتنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ وتُعِزُّ من تشاءُ وتُذِلُّ من تشاءُ بيدِك الخيرُ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهما تعطيهما من تشاءُ وتمنعُ منهما من تشاءُ ارحَمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ من سواك ) ( [8] ) أخرج الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي ، قَالَ : أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ، قَالَ : قُلْ : ( اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ) ( [9] ) . المكاتبة : تعهد العبد بدفع مال لسيده حتى يعتقه . جبل صَير : ثاني أعلى الجبال في اليمن والجزيرة العربية .
دعاء يحمي من الأمراض والأوبئة والسرطانات الخبيثة في مسند الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ ) ( [10] ) . قَالَ الطِّيبِيُّ : وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَوَّذْ مِنْ الْأَسْقَام مُطْلَقًا فَإِنَّ بَعْضَهَا مِمَّا يَخِفُّ مُؤْنَته وَتَكْثُرُ مَثُوبَتُهُ عِنْدَ الصَّبْر عَلَيْهِ مَعَ عَدَم إِزْمَانه كَالْحُمَّى وَالصُّدَاع وَالرَّمَد , وَإِنَّمَا اِسْتَعَاذَ مِنْ السَّقَم الْمُزْمِن فَيَنْتَهِي بِصَاحِبِهِ إِلَى حَالَة يَفِرُّ مِنْهَا الْحَمِيم وَيَقِلُّ دُونهَا الْمُؤَانِس وَالْمُدَاوِي مَعَ مَا يُورِثُ مِنْ الشَّيْن " ( [11] ).
والحاصل أن الأدعية والأذكار السابقة تحفظ المسلم من الضر والأذى بجميع أنواعه بإذن الله تعالى ، ولكن ليس على وجه اللزوم ، فمن أصابه من البلاء مع محافظته على هذه الأذكار فذلك بقدر الله تعالى ، وله سبحانه الحكمة البالغة في أمره وقَدَرِه . قال الله تعالى : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) ( الرعد/ 11) .
روى عكرمة عن ابن عباس ، قال : ( يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خَلَّوا عنه ، وقال مجاهد : ما من عبد إلا له مَلَك موكل ، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك : وراءك ؛ إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه)
[1] ـ رواه أبو داود (5088) و صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ( 2 / 6426 ) .
[2] ـ الفتوحات الربانية " لابن علان (3/100) .
[3] ـ أخرجه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال : حسن صحيح غريب . وقال النووي في "الأذكار" (ص/107): إسناده صحيح..
[4] ـ صحيح مسلم ( 2 / 7055 ) .
[5] ـ أخرجه الحاكم (1864) وصححه الألباني في " الصحيحة " (1744) .
[6] ـ أخرجه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
[7] ـ حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1821).
[8] ـ أخرجه الترمذي (3563) و حسنه الألباني في التعليق الرغيب 40 / 2 ، و الكلم الطيب 99 / 143 ) .
[9] ـ رواه أحمد (12592) وأبو داود (1554) والنسائي (5493) ، وصححه الألباني .
[10] ـ نقله العظيم آبادي في "عون المعبود" .
عرجان عرجان
كتب الله اجرك ورفع قدرك
تعديل التعليق