دعم مخيمات اللاجئين السوريين

عبدالله يعقوب
1434/03/02 - 2013/01/14 03:10AM
[align=justify]
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، واتقوا الله في أموالكم وأولادكم:

(واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).

أيها المؤمنون، يقول ربكم عز وجل: [قُل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له.. وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين].

قال المفسرون: أي إن الله -عز وجل- يوسِّع هذا الرزقَ على من يشاء من عباده، ويقدره ويضيّقه على من يشاء، وليس في بسطه دليل على رضاه سبحانه، ولا في تضييقه دليل على سخطه، ولكنه الابتلاء بالنعم والنقم، بالخير والشر ، باليسر والعسر ...

ثم إن الله يبتلي عباده بالقِلَّة.. ليمتحن صبرَهم وعفتَهم، ويبتلي آخرين بالكثرةِ واليسر.. لينظر كيف يعملون في مال الله الذي استخلفهم فيه..


أجل أيها المؤمنون؛ إنه من عظيم حكمة الله -عز وجل- أنْ يرزق أناساً دون أناس، وأنْ يشبعَ جارٌ دون جاره، وأخٌ دون أخيه، وجيلٌ دون الذي يليه، وشعبٌ دون شعب .. ليمتحنَ اللهُ هذه القلوب، ليبتلي ما فيها من الرحمة والإيمان والثقة بما عند الله عز وجل..

وإن مما ابتلينا به، ونخافُ على أنفسنا من تبعاته يوم القيامة.. هذه الأموالُ التي بين أيدينا، هذا الرزقُ الذي يأتينا عفواً صفواً.. ونحن أوفرُ ما نكونُ راحةً وأمناً واستقراراً.. بينما نسمع ونرى كيف يعيشُ المسلمون من حولنا، شعوبٌ تمزقها الحروب، وأخرى يفتك بها الفقرُ والمسغبةُ والجهل والوباء والبرد.



أيها المسلمون... هل أتتكم أنباءُ الجوعِ الفاتك والبردِ القارس الذي يطوي ملايين المسلمين في مخيمات اللاجئين السوريين في دولٍ شتى؟!


هل سمعتم بالأمة المسلمة هناك.. التي تذوب تحت وطأة القهر والجوع والبرد؟.

إنهم أيها المسلمون يستغيثون منذ أشهر، حينما أجهدهم العوزُ وألح عليهم الفقر؛ فهزلت أبدانهم واصفرَّت وجوههم، وعدتْ عليهم الأمطارُ والعواصفُ الثلجية، فهدمت الخيام وملأت الطرقات وحلاً وطيناً. ثم اجتاحهم البرد.. فدخل بقايا الخيام، وبات بين العظام، تئن منه الجسوم، وتذهل منه الحلوم، كلُّ ذلك وهم يستصرخون إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويستصرخون العالم المتحضر ولا رجع ولا أثر... ليسجلَ التاريخُ بمدادٍ من العارِ والشنار وفاةَ عدة أطفال بسبب البرد.. وقبل ذلك وفاةَ الكرامة والنخوة والشهامة في قلوب بني يعرب، فلا نامت أعين العملاء والجبناء والبخلاء...



أيها الكرام... إننا نريدُ إجابةً لسؤال محزن وكبير.. ولكن من سدنةِ الإعلام، وحملةِ الأقلام:

لماذا يتباكى العالمُ على ضحايا إعصار ساندي وقبله كاترينا؟ ومسلموا الشامِ لا بواكي لهم؟! وقتلى المسلمين لا بواكي لهم..

لماذا تهمي سحائبُ الجود العربي.. لإغاثة دولة متجبرة متكبرة، ملأت الدنيا ظلماً وجوراً، وروَّت أرضَنا بدماء أبنائنا، ثم إذا استغاث الضَّعَفَةُ والمساكينُ والأبرياءُ من المسلمين لا تمتد إليهم يدُ رحمة، ولا يلينُ لهم قلب، ولا تَسُحُّ عليهم عين؟!

ألم يكن لأنينِهم صدى؟

ألم يبلغنا نحيبُهم؟

ألم نسمع شكواهم؟


ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها همم ** أما على الحق أنصار وأعوان



في يوم القيامة.. يقول الله جل جلاله.. كما في الحديث القدسي: «يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني!! فيقول: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟!...».

فأين مدَّعو حقوق الإنسان؟

أين هم عن ملايين البشر في الداخل السوري وفي مخيمات اللاجئين؟ يفريهم الجوع، وتفتك بهم الأمراض؟!.


ألا ويلٌ لقطاعِ الطرق.. ومغاليقِ الخير.. ومفاتيحِ الشر.. الذين عرقلوا عملَ الجمعيات الخيرية، وخنقوا أموالها، وحاصروا وفودَها، والتي كانت تكفُّ عنا بعضَ اللائمة، وتعفينا من بعض المسؤولية، كان بعضُ شبابنا يقوم بشيء من واجبنا لإخواننا في مشارق الأرض ومغاربها..

واليوم وبعد أن شنشن عليها أهلُ العلمنة والنفاق، من هم سفراؤنا إلى إخواننا؟
من يحمل لهم مشاعرَنا وبعضَ ما تسخو به نفوسُنا؟

من يحتسب أجره على الله ويخرجَ إلى الضعفة المساكين، ويقول لهم: إن إخوانكم هناك ما نسوكم ولم يتجاهلوا مصيبتكم؟

هل سيخرج إليهم المنافقون الذين حاربوا جمعيات الخير ومؤسسات الإغاثة؟

أم سيخرج إليهم دهاقنةُ الإعلام الكاذب الذين اتسعت إنسانيتهم لأعدائنا، حتى شملت أخبار كلابهم وقططهم، ولكنها ضاقت عن إخوة التوحيد وأشقاء الإسلام؟

ناحتْ أقلامهم على كل عدو ومبتدع، ولكنها خرستْ وضعفتْ إزاء أمةٍ مسلمةٍ أخمدتها الحروبُ والمسغبةُ والبأساء.


أيها المؤمنون بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عيه وسلم نبياً ورسولاً... انفذوا إلى إخوانكم بأي وسيلة، وأنقذوهم وأغيثوهم، فإنهم يموتون قهراً من تخاذل المسلمين، ويموتون مسغبةً وجوعاً وبرداً، كلّ ما وصلَهم هو الفُتاتُ مما لا يسمن ولا يغني من جوع.


هؤلاء المساكين.. لن يغيثَهم المراؤون ولا أهلُ المصالح، ليس لهم إلا أهلُ الصدقِ الذين يقولون: (إنما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شُكوراً، إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً).

أجل أيها المسلمون: أطعموهم، فكلكم جائع إلا من أطعمه الله، واكسوهم فكلكم عارٍ إلا من كساه الله، قال r : (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً).

وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r : (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدها اللهُ تعالى لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناسُ نيام).

أيها الناس: إن وراءكم يوماً عبوساً، وعقبة كؤوداً، لا ينجو منها إلا من اقتحمها [فلا اقتحم العقبة* وما أدراك ما العقبة* فكُ رقبةٍ* أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ* يتيماً ذا مقربةٍ* أو مسكيناً ذا متربةٍ].

فيومُ الجوعِ والمسغبةِ والفقرِ الشديد الذي يمر بإخواننا هناك.. هو فرصةُ الخائفين من النار، والمشفقين من عذاب الله، هو بابُ النجاة.

فاستدفعوا عذابَ الله بالصدقة، واستجلبوا رضاه بالإحسان، [يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد * الشيطانُ يعدكم الفقرَ ويأمركم بالفحشاء واللهُ يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسع عليم].

وصدق الله: [إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم].

وتذكروا انَّ هذا واجبنا تجاه إخواننا.. لا نقوم به فضلاً ولا منةً ولا تكرماً.. بل هو بعضُ الواجب، وعسى الله أن يعفو عن تقصيرنا وخذلاننا لإخواننا.. والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


زادكم اللهُ من خيره العظيم، ووسّع عليكم من فضله العميم.


وجعل لكم رزقاً داراً.. وعيشاً ساراً.. ومرداً غيرَ مخزٍ ولا فاضح.


أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين..

فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.








الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا.. والشكر لله شكرا شكرا

أيها المؤمنون: اتقوا ربكم، واعلموا أن لمبادرات الخير في الإسلام شأناً عظيماً، فديننا.. يشيد بالمبادرين الذين يفتحون أبوابَ الخير أمام الناس، ويدلونهم عليه، وينصبون من أنفسهم قدواتٍ ونماذجَ إحسانٍ تُحتذى.

عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله r في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله r لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقرأ شيئاً من القرآن ثم قال: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة)، فقال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت يده تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله r يتهلل كأنه مُذْهَبَة، فقال r: (من سن في الإسلام سنةً حسنة.. فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً.. كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً).

فبادروا -رحمكم الله- إلى إنقاذ مُهجٍ مسلمة، ليس لها إلا أهلُ الصدق والإيمان، وسارعوا إليها قبل أن تسبقكم عصاباتُ الرافضة وجيوش التنصير.

ولله درُّ مسلمٍ موّحدٍ.. شمر وجدَّ في عون وغوث إخوانه المسلمين.

وشكر الله لكل من واساهم، وخفف مصابَهم، وفرّج همهم، ونفّس كربتهم. [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ].

[مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ].

اللهم صل على خير خلقك ورسلك سيدنا محمد.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته وأزواجه وذريته.

وارض اللهم عن الصحابة والتابعين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين...

ونفس كرب المكروبين...

واقض الدين عن المدينين...

اللهم ارحم المسلمين في الشام وبورما.

اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وتول أمرهم.

اللهم أنزل عليهم من رحماتك وألطافك وبركاتك يا أرحم الراحمين...

اللهم ارحمهم برحمة من عندك تغنيهم بها عن رحمة من سواك.

اللهم يا قوي، يا عزيز، يا متين، يا قاهر، يا كبير، يا عليّ، يا أعلى،
يا جبار، يا قهار، أهلك الطاغية بشار وأعوانه...

اللهم أنزل عليهم عذابك ورجزك إله الحق.

اللهم سلط عليهم ما نزل من السماء، وما خرج من الأرض.

اللهم سلط عليهم يداً من الحق حاصدة.

اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم أصلح أحوالنا وأرخص أسعارنا وارحم أمواتنا واشف مرضانا.
اللهم عاف مبتلانا، وفك أسرانا، ويمّن كتابنا، ويسّر حسابنا، واختم بالصالحات أعمالنا.

اللهم وفق أولادنا في اختباراتهم. واحفظهم من قرناء السوء والفساد.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال.

اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا...

سبحان ربك رب العزة عما يصفون..

وسلام على المرسلين..

والحمد لله رب العالمين،،،،،،،،،،،




** الخطبة محورة من خطبة قديمة بعنوان : مهج تذوب ، وأمة تتفرج!! للشيخ : عبدالله بن عبدالعزيز المبرد
[/align]
المشاهدات 4778 | التعليقات 4

يرفع.. لعله يُنتفع بالخطبة


بعد التعديل

خطبة الجمعة 10-2-1435هـ




إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، واتقوا الله في أموالكم وأولادكم: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).

أيها المؤمنون، يقول ربكم عز وجل: [قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ].

قال المفسرون: أي إن الله جلَّ وعلا يوسِّع هذا الرزقَ على من يشاء من عباده، ويضيّق على من يشاء، وليس في بسطه دليل على رضاه، ولا في تضييقه دليل على سخطه، ولكنه الابتلاء بالنعم والنقم، بالخير والشر، باليسر والعسر.

ثم إن الله تعالى يبتلي عباده بالقِلَّة.. ليمتحن صبرَهم وعفتَهم، ويبتلي آخرين بالكثرةِ واليُسر.. لينظر كيف يعملون في مال الله الذي استخلفهم فيه.

أجل أيها المؤمنون؛ إنه من عظيم حكمة الله -عز وجل- أنْ يرزق أناساً دون أناس، وأنْ يشبعَ جارٌ دون جاره، وأخٌ دون أخيه، وجيلٌ دون الذي يليه، وشعبٌ دون شعب.. ليمتحنَ اللهُ هذه القلوب، ليبتلي ما فيها من الرحمةِ والإيمان.. والثقةِ بما عند الله عز وجل ..

وإنَّ مما ابتلينا به، ونخافُ على أنفسنا من تبعاته يوم القيامة.. هذه الأموالُ التي بين أيدينا، هذا الرزقُ الذي يأتينا عفواً صفواً.. ونحن أوفرُ ما نكونُ راحةً وأمناً واستقراراً.. بينما نسمع ونرى كيف يعيشُ المسلمون من حولنا، شعوبٌ تمزقها الحروب، وأخرى يفتك بها الفقرُ والمسغبةُ والجهل والوباء والبرد.

أيها المسلمون... هل أتتكم أنباءُ الجوعِ الفاتك والبردِ القارس الذي يطوي ملايين المسلمين في مخيمات اللاجئين السوريين في دولٍ شتى؟!

هل سمعتم بالأمة المسلمة هناك.. التي تذوب تحت وطأة القهر والجوع والبرد والألم والحسرة؟.

إخوان لكم يستغيثون منذ أشهر، حينما أجهدهم العوزُ، وألح عليهم الفقر؛ فهزلت أبدانهم، واصفرَّت وجوههم، وعدتْ عليهم الأمطارُ والعواصفُ الثلجية، فهدمت الملاجئ البائسة، وملأت الطرقات وحلاً وطيناً. ثم اجتاحهم البرد.. فدخل بقايا الخيام، وبات بين العظام، تئن منه الجسوم، وتذهل منه الحلوم، كلُّ ذلك وهم يستصرخون إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويستصرخون العالم المتحضر.. ولا رجع ولا أثر... ليسجلَ التاريخُ بمدادٍ من العارِ والشنار وفاةَ عدة أطفال بسبب البرد.. وقبل ذلك وفاةَ الكرامة والنخوة والشهامة في قلوب بني يعرب، فلا نامت أعين العملاء والجبناء والبخلاء.



أيها الكرام... إننا نريدُ إجابةً لسؤال محزن وكبير.. ولكن من سدنةِ الإعلام، وحملةِ الأقلام:

لماذا يتباكى العالمُ على ضحايا أعاصير الغرب؟ ومسلموا الشامِ لا بواكي لهم؟! وقتلى المسلمين لا بواكي لهم..

لماذا تهمي سحائبُ الجود العربي والخليجي.. لإغاثة دولة متجبرة متكبرة، ملأت الدنيا ظُلماً وجَوراً، وروَّت أرضَنا بدماء أبنائنا، ثم إذا استغاث الضَّعَفَةُ والمساكينُ والأبرياءُ من المسلمين.. لا تمتد إليهم يدُ رحمة، ولا يلينُ لهم قلب، ولا تَسُحُّ عليهم عين؟!

ألم يكن لأنينِهم صدى؟ ألم يبلغنا نحيبُهم؟ ألم نسمع شكواهم؟


فجائعُ الدهرِ أنواعٌ منوعةٌ ** وللزمانِ مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادثِ سلوانٌ يسهّلها ** وما لما حلَّ بالإسلامِ سُلوانُ
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم ** قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ
ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها همم ** أما على الحق أنصارٌ وأعوانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ ** إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ


في يوم القيامة.. يقول الله جل جلاله.. كما في الحديث القدسي: «يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني!! فيقول: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه. أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟!...».

فأين مدَّعو حقوق الإنسان؟

أين هم عن ملايين البشر في الداخل السوري وفي مخيمات اللاجئين؟ يفريهم الجوع، وتفتك بهم الأمراض؟!.


وأين مدَّعو حقوق الإنسان.. عن مأساة المسلمين في غزة.. حيث الحصار الخانق من الجيران الأقربين.. نقص في الغذاء والكهرباء.. حتى أقيمت بعض العمليات الجراحية على ضوء مصابيح الجوالات.


وأين مدَّعو حقوق الإنسان.. عن مأساة وكارثة المسلمين في بورما.. حيث تقطع أوصالهم تقطيعاً.. بالفؤوس والحراب..
ومن فرَّ منهم.. فإنما يفر إلى الموت جوعاً ومسغبة في مساكن يُطلق عليها مجازاً مخيمات.. وهي إلى الحظائر أقرب..


وأين مدَّعو حقوق الإنسان.. من حصار دمّاج.. تلك القرية الهادئة الوادعة.. في شمال اليمن.. فيها دار للحديث.. يدرس فيه طلابُ العلم من شتى بقاع العالم.. يدرسون الكتاب والسنة على هدي السلف الصالح.
فاجتاحتهم قطعانُ الرافضة الحوثية.. وحاصروهم.. وصبوا عليهم حُمم القذائف النارية.. وأنواع المقذوفات الصاروخية.. ومنعوا عنهم الدواء والغذاء.. وقتلوا منهم المئات.. ولا زالوا يحاصرونهم حتى الساعة.. فرّج الله همهم ونفّس كربهم.


وفي جنوب اليمن.. الطائراتُ الأمريكية بلا طيار.. تجوب سماءهم.. وتعربد في أرضهم.. لتقتل من تشاء.. وتهدم ما تشاء.. ولا تُسأل عما تفعل.. ولا يجروء أحدٌ على الكلام.. لأن المصابين من المسلمين المستضعفين.

فأين عن هؤلاء المسلمين جميعاً.. مدَّعو حقوق الإنسان..


ألا ويلٌ ثم ويلٌ.. لقطاعِ الطرق.. ومغاليقِ الخير.. ومفاتيحِ الشر.. الذين عرقلوا عملَ الجمعيات الخيرية، وخنقوا أموالها، وحاصروا وفودَها، والتي كانت تكفُّ عنا بعضَ اللائمة، وتعفينا من بعض المسؤولية، حين كان بعضُ شبابنا يقوم بشيء من الواجب لإخواننا في مشارق الأرض ومغاربها..

واليوم.. وبعد أن شنشن عليها أهلُ العلمنة والنفاق، لم يعد لنا سفراء إلى إخواننا.. يحملون لهم مشاعرَنا.. وبعضَ ما تسخو به نفوسُنا.

أليس هناك من يحتسبُ أجره على الله.. ويخرجُ إلى الضعفة المساكين، ويقول لهم: إن إخوانكم هناك ما نسوكم.. ولم يتجاهلوا مصيبتكم..


أترى.. سيخرج إليهم المنافقون الذين حاربوا جمعيات الخير ومؤسسات الإغاثة؟

أم سيخرج إليهم دهاقنةُ الإعلام الكاذب الذين اتسعت إنسانيتهم لأعدائنا، ولكنها ضاقت عن إخوة التوحيد وأشقاء الإسلام؟

ناحتْ أقلامهم على كل عدو ومبتدع وكافر، ولكنها خرستْ وضعفتْ إزاء أمةٍ مسلمةٍ أخمدتها الحروبُ والمسغبةُ والبأساء.


أيها المؤمنون بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عيه وسلم نبياً ورسولاً... انفذوا إلى إخوانكم المسلمين بأي وسيلة، وأنقذوهم وأغيثوهم، فإنهم يموتون قهراً من تخاذل المسلمين، ويموتون مسغبةً وجوعاً وبرداً، كلّ ما وصلَهم هو الفُتاتُ مما لا يسمن ولا يغني من جوع.


هؤلاء المساكين.. لن يغيثَهم المراؤون ولا أهلُ المصالح، ليس لهم بعد الله.. إلا أهلُ الصدقِ الذين يقولون: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا).

أجل أيها المسلمون: أطعموهم، فكلكم جائع إلا من أطعمه الله، واكسوهم فكلكم عارٍ إلا من كساه الله، وفي الحديث: (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً).

وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r : (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدها اللهُ تعالى لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناسُ نيام).

أيها الناس: إن وراءكم يوماً عبوساً، وعقبة كؤوداً، لا ينجو منها إلا من اقتحمها [فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ].

فيومُ الجوعِ والمسغبةِ والفقرِ الشديد الذي يمر بإخواننا هناك.. هو فرصةُ الخائفين من النار، والمشفقين من عذاب الله، هو بابُ النجاة من العذاب.
فاستدفعوا عذابَ الله بالصدقة، واستجلبوا رضاه بالإحسان، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ].

وصدق الله: [إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ].

وتذكروا انَّ هذا واجبنا تجاه إخواننا.. لا نقوم به فضلاً ولا منةً ولا تكرماً.. بل هو بعضُ الواجب، وعسى الله أن يعفو عن تقصيرنا وخذلاننا لإخواننا..

والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

زادكم اللهُ من خيره العظيم، ووسّع عليكم من فضله العميم.

وجعل لكم رزقاً داراً.. وعيشاً ساراً.. ومرداً غيرَ مخزٍ ولا فاضح.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين..
فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.





الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا.. والشكر لله شكرا شكرا

أيها المؤمنون: اتقوا ربكم، واعلموا أن لمبادرات الخير في الإسلام شأناً عظيماً، فديننا.. يشيد بالمبادرين الذين يفتحون أبوابَ الخير أمام الناس، ويدلونهم عليه، وينصبون من أنفسهم قدواتٍ ونماذجَ إحسانٍ تُحتذى.

عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله r في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله r لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقرأ شيئاً من القرآن ثم قال: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة)، فقال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت يده تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله r يتهلل كأنه مُذْهَبَة، فقال r: (من سن في الإسلام سنةً حسنة.. فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً.. كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً).

فبادروا -رحمكم الله- إلى إنقاذ مُهجٍ مسلمة، ليس لها إلا أهلُ الصدق والإيمان، وسارعوا إليها قبل أن تسبقكم عصاباتُ الرافضة وجيوش التنصير.

ولله درُّ مسلمٍ موّحدٍ.. شمر وجدَّ في عون وغوث إخوانه المسلمين.

وشكر الله لكل من واساهم، وخفف مصابَهم، وفرّج همهم، ونفّس كربتهم. [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]. [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ].

اللهم صل على خير خلقك ورسلك سيدنا محمد.


جزيت خيرا شيخ عبدالله أفدت وأجدت نفع الله بك وزاد من فضله وأسأله أن يلطف بعباده المستضعفين أينما كانوا وألا يلجئهم إلى أحد من خلقه.

ونود أن نخبرك بأنه كان بالإمكان التعديل على الخطبة من خلال خيار يوجد أسفل الخطبة بعنوان تعديل دون الحاجة إلى فتح صفحة جديدة


لكم خالص التحايا


يرفع لعله يستفاد منها
وبالله تعالى التوفيق
ولا حول ولا قوة إلا بالله

اللهم اغفر تقصيرنا في حق إخواننا