دُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنْ نُزُولِ الوَحْيِّ الكَرِيمِ ( 2 ) 16/6/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1442/06/13 - 2021/01/26 08:12AM
دُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنْ نُزُولِ الوَحْيِّ الكَرِيمِ ( 2 )   16/6/1442هـ
الحمدُ لله أنزلَ على عبدِهِ الكتابَ, ذِكرى لأولي الألبابِ، أشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الوَهَّابُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ بِأَفْضَلِ كِتَابٍ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى يَوْمِ المآبِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهِ عبادَ الله، وَلْتَتَذَكَّرُوا أنَّ قِصَّةَ نُزُولِ القرآنِ لَمْ تَكُنْ لإمتاعِ العقولِ، إنَّما لِتَقرِيرِ الإيمانِ بالله وتوحيدِه وإخلاصِ العملِ له, وَهِيَ دَرْسٌ لِلمؤمنينَ لِيقتدوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعوةِ وَالثَّباتِ وَاحتِسَابِ الثَّوابِ من اللهِ لا يَطلبونَ بِهَا من أَحَدٍ جَزَاءً ولا شُكُورًا. وفيها منَ البَشَارَةِ بالفَرَجِ بعدِ الشِّدَّةِ، وحُسنِ العواقِبِ بعدَ النَّكَدِ،  ما يكونُ سُرُوراً للدَّاعينَ. 
أيُّها المُؤمنونَ: مَنْ اسْتَمَعَ لِنُزُول الوَحْيِّ وَالبِعْثَةِ حِيثُ لَمْ يَكُنْ بِالأَرْضِ إِسْلامٌ، ثُمَّ قَارَنَ ذَلِكَ بِمَا يَرَى بِحمْدِ اللهِ مِنْ أعَدَادِ المُسْلِمِينَ اليومَ، يَعَلِمُ عَظَمَةَ اللهِ فِي تَذْلِيلِ قُلُوبِهِمْ لِلْإِيمَانِ، وَفَضْلَ اللهِ عَلَينا بِالهِدَايَةِ حَقَّاً: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). ألا تَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حينها كَانَ يُبَشِّرُ أتَبَاعَهُ بِانْتِشَارِ دِينِ اللهِ تَعالَى فَيَقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ". فلا تَحْزَنُوا يا مُؤمِنُونَ على الإسلامِ وَأهلِهِ فَدِينُ اللهِ غَالِبٌ وَمنْصُورٌ. 
عِبَادَ اللهِ: مِنْ قِصَّةِ نُزُولِ الوحيِ نَعْلَمُ: فَضْلَ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ، وَأَنَّهَا خَيرُ عَوْنٍ لِزَوْجِهَا فِي الشَّدَائِدِ، وَكَمْ ثَبَتَ رِجَالٌ بِزَوْجَاتٍ صَالِحَاتٍ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ, والعَقْلِ والحِكْمَةِ, فَهَنِيئَاً لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ذَلكَ الفَضْلُ والمَكَانُ فَهِيَ خَيْرُ النِّسَاءِ, وَقَدْ قَالَ فِيهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّروا خَديجةَ ببَيتٍ في الجنَّةِ مِن قَصَبٍ لا صخَبَ فيه ولا نَصَبَ». قَصْرٌ مِن لُؤلؤٍ ويَاقوتٍ، لا صِياحَ فِيهِ وَلا تَعَبَ يُصِيبُ سَاكِنَهُ. 
وَهُنَا وَقْفَةٌ تَرْبِوِيَّةٌ َتَحْتَاجُها بَنَاتُنَا وَنِسَاؤنَا بِأَنْ تَتَرَبّى على أَعْلَى القِيَمِ, وَحِرَاسَةِ الفَضِيلَةِ, وَأنْ نُنْشِئَهُنَّ على مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ! فَاللهُ تَعَالَى هُوَ القَائِلُ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). فَالمَرْأةُ كَرَمَتُهَا بِقَرَارِهَا في بَيتِهَا, إلَّا مَا دَعَتْ إليهِ حَاجَتُهَا, لا أنْ تُزَاحِمَ الرِّجَالَ في كُلِّ مَجَالٍ! وَاللهُ حَسْبُنَا وَعَليهِ الاتِّكَالُ, أقَولُ مَا سمَعتُمْ وأستغفِرُ الله لي وَلَكُمْ وَلِلمُسلمينَ من كُلِّ ذنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ.
 
الخطبةُ الثَّانية/ 
الحمدُ لله المبدئِ المعيدِ، الفعَّالِ لِمَا يُريدُ، أشهدُ ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريكَ له، وَأشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه خيرُ العبيدِ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المزيدِ. أمَّا بعدُ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
عِبَادَ اللهِ: لَقَد بَدَأ دِينُنَا بالأَمْرِ بِقَولِهِ تَعالىَ:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). ذَلِكَ لأنَّ العِلْمَ جَوهَرُ كُلِّ حَضَارَةٍ وَسِمَةُ كُلِّ أُمَّةٍ, وَدِينُ الإسلامِ قَائِمٌ عَلى العِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، فَيَا مُعَلِّمُونَا الأفَاضِلَ: عَلِّمُوا أبْنَائَنَا مَا يَنْفَعُهُمْ مِن أمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَأبْشِرُوا فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ الْخَيْرِ». حَتَّى وَإنْ كَانَ التَّعلِيمُ عَنْ بُعْدٍ فَلَنْ تَعْدِمَ طُرُقَاً تَنْفَعُ فِيهَا طُلاَّبَكَ. 
عِبَادَ اللهِ: مِنْ قِصَّةِ نُزُولِ الوحيِ نَعْلَمُ: أَنَّ أَعْمَالَ البِرِّ والخَيْرِ تَهْدِي صَاحِبَهَا إِلَى الخَيْرِ والأَمَانِ؛ والأنْسِ وَبَركَةِ العُمُرِ وَالعَمَلِ, فَقَدْ كَانَ فِعْلُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ يَصِلُ الرَّحِمِ، وَيَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيُعِينُ النَّاسَ عَلَى الَمَصَائِبِ، وَهَذَا تَرْغِيبٌ لَنَا عَلَى فِعْلِ الخَيْرِ، وَبَذْلِ المَعْرُوفِ، وَالإِحْسَانِ لإخْوَانِنَا؛ وَفِي هذا يَقُولُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ عزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا) صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: القِصَّةُ تُبَيِّنُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الاشْتِيَاقِ لِوَحْيِ اللهِ تَعَالَى؛ رَغْمَ مَا يَعْتَرِيهِ مِنْ مَشَقَّةٍ أَثْنَاءَ تَنَزُّلِهِ, فَجَبِينَهُ يَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ؛ حَقَّاً: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا). فَهَلْ نَشْتَاقُ لِكَلامِ اللهِ تَعَالَى، وَنُدَاوِمُ عَليهِ؟ فَحَقُّ القُرآنِ عَلَيْنَا عَظِيمٌ, تِلاوَةً وَحِفْظًا وَتَدَبُّرًا وَعَمَلاً بِهِ، فاللهمَّ انفَعْنَا وارفَعْنَا بالقُرآنِ العَظِيمِ, اجعلنَا مِن أهلِ القُرآنِ الذينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، الَّلهُمَّ إنَّا نسأَلُكَ إيماناً صادقاً ولِسانَاً ذَاكِرَا وعَمَلا مُتقَبَّلاً. الَّلهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ, وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ, الَّلهُمَّ انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا. ووفَّقْ ولاةَ أُمُورِنا والمُسْلِمينَ, لِما تُحِيُّ وَتَرْضَى. واغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ أجمعينَ.(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). 
 
المشاهدات 621 | التعليقات 0